تستمر سلطنة عمان في استكشاف آفاق جديدة لناحية تطوير احتياطات النفط والغاز الجيولوجية المعقدة وسط تراجع أسعار النفط. فقد بلغ إنتاج النفط والغاز في عمان مستويات قياسية عام 2015 ويُفترض أن يرتفع أكثر بقليل هذا العام. ومن أجل التعويض عن تدني إيرادات النفط وتقلص التمويل الحكومي، تلجأ شركات النفط العمانية التابعة للدولة إلى الأسواق المالية الدولية.
نظرًا لاحتياطات البترول جد المتواضعة المتوفرة في عمان مقارنةً مع دول خليجية أخرى مصدرة للنفط، قامت عمان بإدارة مواردها بتأنٍ باستخدام أحدث التقنيات بغية توفير أقصى قدر من الإنتاج خلال العقد الماضي. فقد أدى بدء انخفاض إنتاج النفط في عمان عام 2001 واستمراره لعدة أعوام إلى اعتمادها تقنيات الاستخراج المحسِّن للنفط بغية زيادة نسب استخراج النفط من احتياطات النفط الثقيل والناضج. ولكن بحلول العام 2005، انعكس هذا التراجع إلى زيادة مع إطلاق أحد أضخم مشاريع تدفق البخار في العالم للاستخراج المحسِّن للنفط. وفي الأعوام العشرة التالية، ارتفع إنتاج النفط بشكل ثابت من 750000 برميل في اليوم (الف برميل/اليوم) إلى أعلى مستوياته ليبلغ ما يقارب مليون برميل في اليوم (مليون برميل/اليوم) خلال العام 2015.
تستخدم عمان حاليًا، كونها قائدة إقليمية في الاستخراج المحسِّن للنفط، تقنيات رائدة في التصديع المائي من أجل تطوير الموارد الغازية غير التقليدية في البلاد. كما تخوض عمان آفاقًا جديدة مع تأسيس أضخم منشأة عالميًا تعمل بالطاقة الشمسية للاستخراج المحسِّن للنفط في حقل أمل ويست (Amal West) للنفط الثقيل. ويستخدم المشروع، الذي يُتوقع نشره على الإنترنت عام 2017، الطاقة الشمسية لإنتاج تدفق من أجل استخراج نفط ثقيل ولزج من الحقل، عوضًا عن الغاز الطبيعي القيّم أكثر، ويخفّض في الوقت عينه بشكل ملحوظ انبعاثات الغازات الدفيئة.
في حين دفعت مرحلة تراجع أسعار النفط شركات النفط الدولية إلى تخفيض ميزانيات الإنفاق الرأسمالي المزمعة، تحافظ شركات النفط الوطنية، على نحو غير مفاجئ، على استثمارات الطاقة إلى حد كبير نظرًا لأهميتها الاستراتيجية بالنسبة إلى إيرادات الحكومة. ففيما حوّل تراجع أسعار النفط منذ منتصف العام 2014 فوائض الموازنة إلى عجز، أخذت الحكومة تعاني لناحية الإصلاح المالي وفي الوقت عينه تزيد الاستثمارات في القطاعات غير النفطية لتسريع وتيرة التنويع الاقتصادي الضروري للغاية. وتعتزم عمان تخفيض الإنفاق من 36.6 مليار دولار (14.1 مليار ريال عماني) إلى 30.9 مليار دولار (11.9 مليار ريال عماني) عام 2016، مع تخفيض الإنفاق على النفط والغاز بنسبة 14%.
ومن أجل التعويض عن تخفيض الموازنة الحكومية وانخفاض الإيرادات، تلجأ شركات النفط التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي بشكل متزايد إلى المصارف الدولية لتأمين التمويل الضروري لاستثمارات النفط والغاز. ففي مغامرتها الأولى في الأسواق المالية الدولية، حصلت شركة تنمية نفط عمان التابعة للدولة بغالبية أسهمها في حزيران/يونيو على 4 مليارات دولار لتمويل المشاريع. وتملك الحكومة 60% من أسهم شركة تنمية نفط عمان، فيما تعود الأسهم المتبقية لشركة “رويال داتش شل” Royal Dutch Shell (34%) و”توتال” Total (4%) و”بارتيكس” Partex (2%). علّق مدير إدارة شركة تنمية نفط عمان قائلًا: “سيمكّننا مصدر التمويل الجديد التنافسي هذا من تقليص اعتمادنا على التمويل الحكومي، حتى تستطيع الحكومة إعادة نشر مواردها وتخصيصها لمجالات أخرى من الاقتصاد”. في غضون ذلك، تسعى شركة نفط عمان إلى الحصول على قرض بقيمة 1.35 مليار دولار لغايات التنقيب والإنتاج وتسعى الشركة العمانية للنقل البحري بدورها للحصول على قرض بقيمة 250 مليون دولار. وتجدر الإشارة إلى أن شركات نفط مجلس التعاون الخليجي التابعة للدولة زادت اقتراضها بثلاثة أضعاف في الربع الثاني من هذا العام بالمقارنة مع العام الماضي ليبلغ 12.9 مليار دولار وفقًا لمجلة “بلومبرج” (Bloomberg).
تحسن حظ عمان
تُعتبر طبيعة عمان الجيولوجية معقدة، إذ تضم حقولًا صغيرة تتصف بخزانات ضيقة ذات نفاذية قليلة يصل عمقها حتى 5000 متر حوالي ( 5468 ياردة)، ما يجعل عملية الاستخراج صعبة من الناحية التقنية. وبنتيجة ذلك، تُعتبر تكاليف الإنتاج في عمان أعلى نسبيًا من تكاليف جيرانها في الخليج الذين يملكون طبيعة جيولوجية مؤاتية أكثر مثل المملكة العربية السعودية.
على غرار ثورة الوقود الصخري القائمة على التكنولوجيا والتي أحدثت تحولًا في قطاع النفط الأمريكي المتراجع، غيرت عمان استراتيجية الأعمال الخاصة بها في منتصف العام 2000 لاجتذاب شركاء المشاريع المشتركة الأجانب الذين يملكون خبرة في تقنيات الاستخراج المحسِّن للنفط، ما عكس الحظوظ المتردية بالنسبة إلى هذه البلاد ذات الطبيعة الجيولوجية المعقدة. وفي ما اتضح أنه نقطة تحول، وقّعت شركة “أوكسيدنتال” (Occidental) عام 2005 عقدًا لتشارك الإنتاج مع عمان لمدة 30 عامًا في ما يخص حقل مخيزنة المتداعي للنفط الثقيل. قامت شركة “أوكسيدنتال” مع شريكتها شركة Liwa Energy Limited التابعة لشركة “مبادلة” للتنمية في أبوظبي، بتنفيذ برامج تنقيب وتنمية جريئة، بما فيها مشروع كبير لتدفق البخار للاستخراج المحسِّن للنفط. وبحلول العام 2015، أصبح الإنتاج اليومي من الحقل يبلغ حوالي 125 الف برميل/اليوم، ما يفوق بـ 15 مرة نسبة الإنتاج في أيلول/سبتمبر من العام 2005 عندما كانت شركة “أوكسيدنتال” تتولى العمليات. وقد أعلنت شركة “أوكسيدنتال” في آذار/مارس أنها تبحث عن فرص جديدة في منطقة الإنتاج رقم 53، حيث يقع حقل مخيزنة.
تهدف المشاريع النفطية في البلاد إلى إبقاء إنتاج النفط عند مؤشر 1 مليون برميل باليوم تقريبًا على مدى الأعوام الخمسة المقبلة. تصدّر عمان ما بين 85 و90% من إنتاجها النفطي وتذهب الصادرات بشكل شبه إجمالي إلى شرق أسواق السويس. وتُعدّ الصين أكبر مستورد للخام العماني، إذ تحصل على ما يقارب 60% من الصادرات. كما تصدّر عمان نفطها بانتظام إلى اليابان وتايلاند والهند وكوريا الجنوبية. ومن المفارقة أن إنتاج النفط العماني المتواضع نسبيًا يلعب دورًا جد كبير في تحديد أسعار ما بين 10 إلى 12 مليون برميل باليوم من الصادرات النفطية للشرق الأوسط. فقد اعتُبر عقد خام عمان الآجل عقدًا رائدًا في بورصة دبي للطاقة منذ العام 2007 ومؤشرًا معياريًا أساسيًا لتحديد أسعار النفط الخام في الشرق الأوسط الذي يباع في الأسواق الآسيوية.
ونظرًا للطبيعة الجيولوجية المعقدة من الناحية التقنية وكلفة الإنتاج المرتفعة نسبيًا، تقدم عمان شروط تعاقد جذابة للشركاء الدوليين ذوي الخبرة في استخدام التقنيات المتقدمة. وقد أعلنت وزارة النفط والغاز أنها ستقدم اتفاقات جديدة لتشارك الإنتاج في خمسة كتل نفطية محتملة في تشرين الأول/أكتوبر. وتُعدّ شركة “أوكسيدنتال” أكبر شركة أجنبية عاملة في عمان. ومن بين الشركات الأجنبية الأخرى نذكر Shell و BPو TotalوMitsui اليابانية و CNPC الصينية و Tethys Oil السويدية و Gulfstream Resources الكندية. ولكن شركة تنمية نفط عمان تساهم في ما يقارب 70% من الإنتاج النفطي في عمان ومجمل إنتاج الغاز تقريبًا، من خلال أكثر من 125 حقلًا منتجًا. وتركز شركة تنمية نفط عمان حاليًا على تسريع وتيرة إنتاج النفط والغاز التقليدي بدلًا من توسيع نطاق مشاريع الاستخراج المحسِّن للنفط ذات الموارد الكثيفة والتكلفة العليا على المدى القصير. وتفيد شركة تنمية نفط عمان أن تحسين الكفاءة التشغيلية وادخارات التوريد في ما يتعلق بالمشاريع الضخمة سيسمح لها بادخار مليار دولار بين العامين 2016 و2020. هذا وقد خفّضت التقنيات الجديدة تكاليف التنقيب غير التقليدي عام 2015 بنسبة 25% عما كانت عليه عام 2014.
البنى التحتية الخاصة بالطاقة في عمان
المصادر: إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، IHS EDIN.
إن الحدود الدولية والأسماء الواردة على الخارطة غير رسمية.
ومن خلال المبلغ الجديد الذي تلقته شركة تنمية نفط عمان لتمويل المشاريع بقيمة 4 مليارات دولار، تنوي الشركة تطوير ثلاثة مشاريع نفطية ضخمة على الشاطئ. فمشروع رباب-هرويل المتكامل ومشروع محطة جبال-خف للنفط والغاز المتكامل ومشروع بدور المتكامل كلها مشاريع يمكنها أن تساهم في النهاية بثلث إنتاج الشركة المستقبلي في كلفة تتخطى 10 مليارت دولار. في جبال-خف، ستتولى شركة تنمية نفط عمان بناء إحدى أضخم منشآت النفط والغاز المتكاملة وأكثرها تعقيدًا من الناحية التقنية من بين المنشآت التي نفذتها الشركة لغاية اليوم. فإنتاج النفط الكبريتي الذي يحوي نسب عالية من كبريتيد الهيدروجين يتطلب استثمارًا ضخمًا في تقنية إزالة الكبريت المتطورة. كما تدرس شركة تنمية نفط عمان خططًا لاستخدام تقنية حقن الماء في حقل نفط كبريتي للمرة الأولى في مشروع بدور.
مستقبل واعد للغاز
من المتوقع أن يتوسع قطاع الغاز في عمان بشكل ملحوظ لتلبية الطلب المنافس على الصادرات من مجمع الغاز الطبيعي المسال ثلاثي السكك في قلهات والاستخدام المحلي المتزايد، خصوصًا من القطاع البتروكيماوي المتنامي والمراكز الصناعية الجديدة. تستورد عمان حاليًا كمية صغيرة من الغاز من قطر بواسطة أنبوب الدولفين للغاز. كان متوسط إنتاج الغاز في عمان يقارب 122 مليون متر مكعب يوميًا عام 2015، أي أكثر من ضعف الإنتاج منذ عقد. وعام 2006، حسّنت وزارة النفط والغاز شروط التعاقد في اتفاقات التنقيب عن النفط وتشارك الإنتاج من أجل استقطاب المزيد من الشركاء الضليعين بالتكنولوجيا، مع استهداف الكتل التي قد تحتوي على غاز من خلال حملة تهدف إلى زيادة إنتاج الغاز الطبيعي للاستخدام المحلي ودعم عمليات الاستخراج المحسِّن للنفط الميدانية.
من المتوقع أن يضيف مشروع غاز خزان بقيادة شركة BP حوالي 42.5 مليون متر مكعب يوميًا بحلول العام 2020، أي 40% من الإنتاج الحالي للبلاد. فمشروع غاز خزان هو أحد أكبر خزانات الغاز المحكم غير التقليدية في الشرق الأوسط وسيشكل مصدرًا أساسيًا لإمدادات الغاز بالنسبة إلى عمان لعدة عقود. ومن المتوقع أن تتم عملية الإنتاج الأولى في أواخر العام 2017. فمن الصعب إنتاج الغاز المحكم من الناحية التقنية نظرًا لمسامية الخزان الضئيلة، ويُعتبر هذا الإنتاج غير ممكنًا أو قابلًا للاستمرار من الناحية الاقتصادية من دون التصديع وتقنيات أخرى متطورة. تستخدم شركة BP لتفكيك الغاز نظام تصديع هيدروليكي خاصًا مبتكرًا لتكسير الصخرة بحيث تشكّل التصدعات قنوات يتدفق عبرها الغاز المحكم. وتملك شركة BP حصة الأغلبية في الحقل وهي 60% فيما تعود الحصة المتبقية وهي 40% لشركة النفط العمانية.
إن واقع تدني أسعار النفط قد حتّم على دول مجلس التعاون الخليجي اعتماد تدابير تقشف وإصلاحات من شأنها زيادة القطاعات غير النفطية في اقتصاداتها. ولكن بالنسبة إلى عمان، شكّلت الإدارة الحكيمة للموارد والعبارة الجديدة المثيرة للاهتمام “ما بعد النفط” جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية الاقتصادية للسلطنة لعدة عقود نظرًا لقاعدة احتياطيات النفط الهزيلة. فاحتياطيات النفط المثبتة والقابلة للاستخراج في عمان والتي تمثل 5.3 مليار برميل لا تشكل سوى 1% من الاحتياطيات الإجمالية لمجلس التعاون الخليجي والتي تقارب 500 مليار برميل. في نهاية العام 2015، كانت نسبة احتياطيات النفط على الإنتاج في عمان تبلغ 15.3 سنوات فحسب وفقًا لتقرير المراجعة الإحصائية السنوية للطاقة في العالم للعام 2016 من شركة BP. بالمقابل، يغطي إنتاج المملكة العربية السعودية حوالي 60 عامًا من خلال 266.6 مليار برميل والكويت 90 عامًا من خلال 102 مليار برميل والإمارات العربية المتحدة 69 عامًا من خلال كمية تكاد تبلغ 100 مليار برميل.
إدراكًا منها أن أيام العز التي شهدتها بصفتها منتجة بارزة للنفط تشرف على خواتيمها، تدعو عمان في خطتها الخماسية الحالية إلى تقليص اعتماد الاقتصاد على قطاع النفط إلى النصف من 44% إلى 22% من الناتج المحلي الإجمالي من العام 2016 حتى العام 2020. وتدعو الخطة إلى تنفيذ أكثر من 500 برنامج وسياسة تهدف إلى توسيع القطاعات غير النفطية، بما فيها التصنيع والتعدين والنقل والسياحة.
يبقى قطاع النفط والغاز ركيزة دعم أساسية للتنمية الاقتصادية في عمان ضمن الخطة الخماسية التاسعة والأخيرة للبلاد بعنوان “رؤية 2020”. فإيرادات الطاقة الناتجة عن القطاع لن تمول الطموحات الاقتصادية للبلاد فحسب، بل يُعتبر التوسع في إنتاج الغاز الطبيعي أساسيًا لتغذية مشاريع الكهرباء والمياه والنقل المدرجة في استراتيجية التنويع الخاصة بالبلاد.
البحار القديم
تُعدّ المشاريع الصناعية الضخمة على طول الشاطئ أساسية لخطط التنويع الاقتصادي الخاصة بالبلاد. فتطوير حقول الغاز ذات المواقع الاستراتيجية وشبكة من خطوط الأنابيب وبنى تحتية أخرى للنقل يرتبط بشكل وثيق بتطوير عمان للموانئ البحرية والمناطق الصناعية من أجل توسيع قطاع التكرير والقطاع البتروكيماوي. كما تتضمن المشاريع مخططات سكنية وتجارية وسياحية. فقد أُطلق مشروع صحار في خليج عمان شمال البلاد في منتصف العام 2000، ولكن عُلّقت عدة مشاريع لحين تخصيص وزارة النفط والغاز ما يكفي من الغاز لها من أجل تشغيلها. وتأمل مسقط، التي حافظت على علاقة ودية مع إيران في إطار سياستها الخارجية القائمة على الحياد، التوصل عما قريب إلى اتفاق مع طهران للحصول على الغاز من جزيرة كيش عبر خط أنابيب بحري مقترح من 125 ميلًا تقريبًا، بالرغم من أن الإمدادات لن تبدأ بالتدفق قبل العام 2019.
يقع مشروع الدقم استراتيجيًا خارج مضيق هرمز على بحر العرب والمحيط الهندي وهو أضخم مشروع اقتصادي أنجزته عمان لغاية اليوم. في الواقع، يتم تحويل قرية الصيد التي كانت تُعتبر بعيدة في ما مضى إلى مركز للأنشطة الدنيا من خلال خطط إنشاء مصفاة لتكرير النفط ذات مواصفات عالمية ومجمع بتروكيماوي وإحدى أضخم منشآت تخزين النفط.
عند اكتمالهما في العقد المقبل، سيعيد مشروعا الميناء والمنطقة الصناعية إثبات مكانة عمان كمركز بحري أساسي يقع عند تقاطع طرق الشحن الشرقية والغربية، على مقربة من ممرات بحرية تخدم آسيا وأفريقيا وأوروبا. فاستعادة البلاد لدورها القديم كإمبراطورية للتجارة البحرية قد يعيد فرض مكانة عمان كرابط أساسي في سلسلة إمدادات الطاقة العالمية حتى بعد تضاؤل الموارد النفطية في البلاد.