في العشرين من يناير/كانون الثاني 2025، إما أن تؤدي نائبة الرئيس كامالا هاريس أو الرئيس السابق دونالد ترامب اليمين الدستورية كرئيس جديد للولايات المتحدة. وبصرف النظر عن هوية من سيؤدي اليمين الدستورية في ذلك اليوم، فإنه سيواجه مجموعة من التحديات المتعلقة بالأمن القومي، بدءاً من الحرب في أوكرانيا وتنامي العداء مع الصين حتى الصراع بين إسرائيل وحركة حماس وإيران وانتشار التهديدات الإرهابية. وسيتبوأ الحوثيون أيضاً مكاناً على رأس هذه القائمة، فهم الميليشيا المسيطرة على شمال اليمن، والمدعومة من إيران، والتي تهاجم سفن وعمليات الشحن التجاري في البحر الأحمر وما حوله منذ العام الماضي.
وبحسب دائرة أبحاث الكونجرس، نفذ الحوثيون حوالي 160 هجوماً، هددوا من خلالها السفن التجارية والبحرية، ما أدى إلى تقليص حركة مرور السفن في البحر الأحمر إلى 50% وزيادة 50% في تكاليف التأمين على السفن التي تواصل مرورها عبر قناة السويس. تضطر سفن الحاويات التي تتفادى المرور عبر البحر الأحمر للسفر حول منطقة القرن الأفريقي، ما يؤدي إلى زيادة في الوقت والمسافة والتكلفة. كل هذه التكاليف الإضافية – في كل من الوقت والمال – ستنتقل تدريجياً للمستهلك.
لقد ردت إدارة الرئيس جوزيف بايدن على هذه التطورات باستراتيجية الدفاع والردع وتقليص القدرات. أولاً، تريد الولايات المتحدة الدفاع عن طرق الشحن التجاري والبحري في البحر الأحمر وتأمينها. وعلى المستوى العملي، نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى حد كبير، حيث لم ينجح الحوثيون إلا في إغراق سفينتين فقط، على الرغم من أنهم ألحقوا الضرر بالعديد من السفن الأخرى. لكن وتيرة الهجمات الحوثية أسهمت في إثارة المخاوف التجارية بشأن استخدام البحر الأحمر. أما الشق الثاني من استراتيجية إدارة بايدن المتمثل في ردع الحوثيين عن شن هجمات مستقبلية فقد فشل. وهذا لأن الحوثيين يريدون هذا الصراع مع الولايات المتحدة لأسباب سياسية داخلية خاصة بهم. وعلى نحو مماثل، لم تتمكن الولايات المتحدة، على الرغم من العديد من الضربات الجوية، من تقليص واضعاف قدرات الحوثيين للدرجة التي تجعلهم عاجزين عن شن هجمات مستقبلية.
سوف تحتاج الإدارة الأمريكية القادمة – سواء كانت برئاسة هاريس أو ترامب – لرسم مسار جديد للتغلب على أوجه القصور في النهج الحالي للولايات المتحدة.
نهج هاريس
من المرجح أن تحاول إدارة أمريكية برئاسة هاريس في المستقبل تنفيذ ما يمكن أن يسمى “بايدن بلس” (Biden Plus). بدايةً، من المرجح أن تحاول إدارة هاريس حل مشكلة الحوثيين من خلال التعامل مع ما تعتقد أنه السبب الجذري، وتحديداً الحرب بين إسرائيل وحركة حماس. ونتيجة لذلك، ستحاول هاريس التوسط من أجل التوصل لوقف لإطلاق النار كخطوة أولى نحو التوصل لاتفاقية سلام. ومع ذلك، وعلى غرار إدارة بايدن، سرعان ما ستكتشف إدارة هاريس أنها لا تتمتع بذلك القدر من النفوذ لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كما تعتقد.
في حال عجزت إدارة هاريس عن إنهاء دائرة العنف بين إسرائيل وحركة حماس كما هو مرجح، فإنها ستحتاج لإيجاد حل حول ما ينبغي عليها القيام به مع الحوثيين. ومن المرجح أن يسفر ذلك عن نهج من خطوتين. أولاً، ستحاول الولايات المتحدة إغلاق طرق تهريب الأسلحة الإيرانية إلى اليمن. ثانياً، عندما تجد الإدارة الجديدة نفسها محاصرة بلا خيارات، مع استمرار الحوثيين في مهاجمة سفن وعمليات الشحن التجاري في البحر الأحمر، ستشعر هذه الإدارة بأنه يجب الرد بمزيد من القوة. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تخفيف بطيء وتدريجي للقيود المفروضة على عمليات الاستهداف العسكري في اليمن. فبدلاً من الاكتفاء بتوجيه ضربات دفاعية لصواريخ الحوثيين أو مخازن أسلحتهم، من المرجح أن تجد الولايات المتحدة نفسها تستهدف قائمة متزايدة من الأهداف الحوثية في محاولة لإنهاء هجمات هذه الجماعة.
ولسوء الحظ، إن أياً من هاتين الخطوتين لن تؤدي على الأرجح لتحقيق النتيجة النهائية التي تريد الولايات المتحدة تحقيقها في اليمن، وهي وقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. أولاً، تعد طرق التهريب الإيرانية راسخة ومتنوعة بما فيه الكفاية لدرجة أن الولايات المتحدة ستجد صعوبة كبيرة في الحد من تدفق الأسلحة إلى اليمن، ناهيك عن كمية الأسلحة الهائلة التي يمتلكها الحوثيون بالفعل. ثانياً، وربما الأهم من ذلك كله، أن الحوثيين يريدون التصعيد مع الولايات المتحدة. تراهن الجماعة على أنها قادرة على امتصاص تأثير قدر أكبر من العقوبات التي تريد الولايات المتحدة فرضها عليهم. وبالطريقة ذاتها التي استخدمتها الجماعة في ترسيخ قاعدتها المحلية خلال سنوات من الغارات الجوية السعودية والإماراتية، فإن الحوثيين يؤمنون بأمرين: الضربات الجوية وحدها لا يمكنها أن تهزمهم، وكلما زادت الضربات على الأهداف الحوثية، ازداد دعم القاعدة المحلية لهم.
نهج ترامب
في التاسع عشر من يناير/كانون الثاني 2021، آخر يوم لترامب في منصبه كرئيس للولايات المتحدة، صنفت إدارته الحوثيين على أنهم “منظمة إرهابية أجنبية“. وكان القصد من هذه الخطوة هو تضييق الخناق على إدارة بايدن القادمة، وكجزء من حملة “الضغوط القصوى” التي شنها ترامب ضد إيران. وبعد مراجعة استمرت شهراً، أزالت إدارة بايدن الحوثيين من قائمة الإرهاب في محاولة لإنهاء القتال في اليمن.
وبالطبع، لم تنجح أيا من هاتين الخطوتين. وعلى الرغم من بذل إدارة بايدن لبعض الجهود المبكرة، إلا أنها لم تتمكن من إحلال السلام في اليمن، وبعد مرور ثلاثة أعوام، أصبح الحوثيون يشكلون تهديداً للولايات المتحدة أكبر من ذاك الذي كانوا يشكلونه عندما تولى بايدن السلطة. في يناير/كانون الثاني 2024، أعادت إدارة بايدن إدراج الحوثيين على قائمة الجماعات “الإرهابية العالمية ذات التصنيف الخاص“، وعلى الرغم من كل الجدل الدائر في واشنطن حول تأثير هذا التصنيف، لم يكن له أي تأثير ملحوظ على قدرة الحوثيين على استهداف سفن وعمليات الشحن التجاري في البحر الأحمر.
من المرجح أن تتخذ الإدارة الثانية لترامب خطوتين فوريتين. الأولى، إعادة إدراج الحوثيين على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية وهو تصنيف يحمل وزناً وتأثيراً أكبر من تصنيف الجماعات الإرهابية العالمية ذات التصنيف الخاص. والخطوة الثانية، من المرجح أن تعمل إدارة ترامب الجديدة على توسيع قائمة الأهداف في اليمن، وقد تضرب حتى أهدافًا رفيعة المستوى، على غرار ما فعلته عندما قتلت قائد فيلق القدس التابع لحرس الثورة الإسلامية، اللواء قاسم سليماني، في يناير/كانون الثاني 2020.
ومع ذلك، فإنه من غير المرجح أن تؤدي أي من هذه الخطوات إلى وضع حد لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر وما حوله. ومن المرجح أن يؤدي تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية إلى تفاقم الأزمة الإنسانية التي تنذر بالفعل بالخطر في اليمن، ما من شأنه أن يسمح للحوثيين بتعزيز سيطرتهم. صحيح أن عمليات استهداف شخصيات رفيعة المستوى قد أثبتت فعاليتها إلى حد ما في إضعاف الجماعات الإرهابية، إلا أن الحوثيين قد تمكنوا من إثبات وجودهم، بل وازدادوا قوة، بعد وفاة قادتهم السابقين. والواقع أن مؤسس الحركة، حسين بدر الدين الحوثي، قد قُتل قبل عشرين عاماً (ويدعي البعض أنه أُعدم). وبدلاً من التفكك، تنامت قوة الجماعة تحت قيادة والد حسين في البداية، ثم تحت قيادة شقيقه الأصغر منذ عام 2010. فالحوثيون ليسوا مشكلة يمكن حلها ببعض الصواريخ دقيقة التوجيه.
استراتيجية جديدة
بصرف النظر عمن سيفوز بالرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني، فإن الولايات المتحدة ستكون بحاجة لاستراتيجية تسمح لها بحماية التجارة الحرة والمفتوحة في البحر الأحمر دون أن تتورط في صراع مفتوح في اليمن. ومع ذلك فإن الإفصاح عن الأهداف النهائية لمثل هذه الاستراتيجية أسهل بكثير من الإفصاح عن الوسائل اللازمة لتحقيقها.