ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
لا يزال المشهد الانتخابي الأمريكي غامضا قبل 40 يوما من عملية الاقتراع، وبعد بضعة أيام من المناظرة الأولى بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، والتي أكدت مختلف استطلاعات الرأي التقويم الأولي للعديد من الخبراء والمحللين بأن أداء كلينتون كان أفضل بكثير من أداء ترامب الرديء والذي أظهر ضحالة معرفته بالقضايا المعقدة التي تواجهها البلاد، وأبرز بشكل سافر طبعه النابي وشخصيته الاستفزازية والفظة. وعلى الرغم من كبوات واخطاء ترامب خلال المناظرة، الا أن كلينتون لم تنجح بتوجيه ضربة قاضية له كما كانت تأمل خلال المباراة الأولى بينهما. ويمكن القول إن فوز كلينتون بالمناظرة يعود إلى حد ما لضعف ترامب وترنحه وخاصة في النصف الثاني من المناظرة، وليس فقط لأنها بدت “رئاسية” أكثر منه وأكثر اطلاعا على القضايا الخارجية والداخلية. ومرة أخرى يساهم ترامب، بمبالغاته، وتشويهه للحقائق وممارسة التضليل ، مثل نفي مواقف وتصريحات سابقة له، مع أنها موثقة تلفزيونيا وإذاعيا، بمساعدة كلينتون في سعيها للوصول إلى البيت الأبيض. وعكس سلوك ترامب الغاضب والمحيّر بعد المناظرة إدراكه غير المعلن بأن أدائه كان ضعيفا، وذلك عندما شكا من مدير المناظرة الإعلامي ليستر هولت المعروف بمهنيته، ثم ادعى أنه تم التلاعب بالميكروفون لتشويه صوته، أو التهديد بأنه سيثير في المناظرة الثانية خيانات بيل كلينتون الزوجية. وفي مؤشر على بؤس السجال الانتخابي بشكل عام، وتحديدا خلال المناظرة والساعات والأيام التي تلتها، رأينا ترامب يواصل تأكيد احتقاره للمرأة، وذلك حين واصل انتقاداته وسخريته من أليشيا ماكادو، التي كانت في الثامنة عشرة من عمرها حين فازت بمسابقة لملكة جمال العالم رعاها ترامب قبل 20 سنة، ثم زاد وزنها بعد ذلك، الأمر الذي دفع ترامب إلى تحقيرها شخصيا وإهانة تراثها اللاتيني. وكانت هيلاري كلينتون قد تحدثت عن تجربة ماكادو خلال المناظرة لإظهار تاريخ ترامب الطويل في تحقير المرأة، الأمر الذي أغضب ترامب خلال المناظرة وفي الأيام التي تلتها. وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجريت على المستوى الوطني أن كلينتون تقدمت على ترامب ببضعة نقاط فقط، ولكن الصورة معقدة أكثر بالنسبة لكلينتون في بعض ولايات ساحات المعارك التي ستحسم السباق مثل فلوريدا وبنسلفانيا وأوهايو.
من سيفوز بالولايات المتأرجحة
ومن المتوقع أن تشهد فلوريدا ( لديها 29 صوتا في المجمع الانتخابي، حيث يحتاج المرشح إلى 270 صوتا للفوز بالرئاسة) معركة قاسية خلال الأسابيع المقبلة بين الحملتين بسبب أهميتها خاصة وأنها كانت الولاية التي حسمت السباق في انتخابات سنة 2000. ومع أن كلينتون يمكن أن تفوز بالانتخابات حتى ولو خسرت فلوريدا، الا أن ذلك يعني أن عليها أن تعوض عن هذه الخسارة بالفوز بمعظم ولايات ساحات المعارك، وهي مهمة صعبة. في المقابل، فإن الولايات شبه المضمونة للمرشح الجمهوري، غير كافية للفوز إذا لم تكن فلوريدا من بينها. وهذا ببساطة يعني أن طريق ترامب إلى البيت الأبيض يمر عبر فلوريدا. (أكثر من ثلثي الولايات مضمونة إلى حد كبير للمرشحين، الأمر الذي يعني أن حوالي 10 ولايات تتأرجح بين المرشح الجمهوري أو الديمقراطي، ومن هنا تسميتها بولايات ساحات المعارك، لأن الفوز بأبرزها يضمن الحصول على 270 صوتا في المجمع الانتخابي والوصول إلى البيت الأبيض). استطلاعات الرأي في فلوريدا تتأرجح بين ترامب وكلينتون ما يعني أنها يمكن أن تكون الولاية التي تحسم السباق.
الصورة متشابهة بعض الشيء في ولاية بنسلفانيا (20 صوتا في المجمع الانتخابي) حيث يظهر معدل استطلاعات الرأي أن كلينتون متقدمة على ترامب بنسبة 43 بالمئة مقابل 41 بالمئة في سباق رباعي يشارك فيه مرشح حزب الأحرار غاري جونسون ومرشحة حزب الخضر جيل ستاين. استطلاعات الرأي الأخيرة في ولاية أوهايو ( 18 صوتا في المجمع الانتخابي) تؤكد التقدم التدريجي لهذه الولاية باتجاه معسكر ترامب، حيث يتفوق على كلينتون بنسب تصل إلى 5 بالمئة.
هذا التعادل النسبي بين الحملتين يطرح تحديات محددة لكل من كلينتون وترامب. التحدي الذي يواجهه ترامب، على سبيل المثال في فلوريدا هو كيفية الحفاظ على أكثرية أصوات الناخبين البيض المسجلين والذين يمثلون 65 بالمئة، إضافة إلى رفع نسبة مؤيديه في أوساط الناخبين من أصل إفريقي والتي لا تزيد عن خمسة بالمئة، وكذلك كسب الناخبين اللاتينيين. أما التحدي الذي تواجهه كلينتون في فلوريدا فهو ضمان حصولها على الأكثرية الساحقة من أصوات الناخبين من أصل أفريقي ولاتيني. ولا أحد يتوقع أن تحصل كلينتون على نسبة 95 بالمئة من أصوات الأمريكيين الأفارقة التي حصل عليها الرئيس أوباما في انتخابات 2008 و2012 . وهذا يعني أن نسبة الإقبال على التصويت هي التي يمكن أن تبقي الولاية في المعسكر الديمقراطي. ولهذه الأسباب سوف يقوم الرئيس الأسبق بيل كلينتون، والرئيس أوباما وزوجته ميشيل ( ربما الشخصية الديموقراطية الأكثر شعبية في البلاد) بنشاطات مكثفة في فلوريدا لتشجيع الأقليات على التصويت لكلينتون. ولكن المعضلة هي أن الناخبين السود واللاتينيين يعارضون ترامب، ولكنهم غير متحمسين لكلينتون كما كانوا متحمسين لأوباما. ولكي تفوز كلينتون في فلوريدا عليها أن تجذب الناخبين إليها وأن تلهمهم على الإقبال المكثف على التصويت وأن لا تعتمد فقط على “الصوت السلبي” ضد ترامب. ولا تزال كلينتون تناضل بجهد وبصعوبة لجذب الناخبين الشباب إلى حملتها، وخاصة أولئك الذين أيدوا بقوة منافسها الديمقراطي في الانتخابات الحزبية بيرني ساندرز، الذي يحاول مساعدتها الآن من خلال إقناع مؤيديه بتحويل دعمهم إلى كلينتون.
أهمية وخطر مرشحو الأحزاب الصغيرة
انقسام الناخبين بين كلينتون وترامب في هذا الوقت المتأخر في السباق، يعني أن نسبة الفوز قد تكون ضئيلة، الأمر الذي يبرز أهمية – وخطر- المرشحين الآخرين على ترامب وكلينتون، وتحديدا مرشح حزب الأحرار غاري جونسون والذي تعطيه استطلاعات الرأي تأييد ما بين ثمانية و12 بالمئة من الناخبين. ومع احتدام المواجهة وعدم قدرة أي من مرشحي الحزبين الأساسيين على تحقيق تقدم كبير، رأينا في الأيام الماضية جهودا مكثفة من قبل حملة كلينتون ومؤيديها – بمن فيهم ميشيل أوباما – لتحذير الناخبين المترددين أو المستقلين من أن التصويت لغاري جونسون هو تصويت عملي لترامب لأن استطلاعات الرأي تبين أنه يجذب ناخبين شباب يميلون عادة إلى المرشح الديمقراطي.
وعلى الرغم من الكبوات المحرجة والسافرة التي ارتكبها جونسون مؤخرا، إلا أنها لم تؤثر حتى الآن بشكل ملحوظ على نسبة دعمه. وقبل أسابيع تعرض جونسون لانتقادات لاذعة وساخرة وحتى مهينة حين أظهر مدى جهله بما يجري في العالم، وكأنه لا يبالي بقراءة صحيفة أو مراقبة الاخبار العالمية، وذلك حين سأل ” وما هي حلب” في سياق الاستفسار من المذيع الذي سأله : ما الذي ستفعله بشأن حلب إذا انتخبت رئيسا؟. وقبل يومين كبى جونسون بشكل محرج للغاية حين تسمّر صامتا عاجزا على الإجابة على سؤال : من هو القائد الأجنبي الذي يعجبك؟ وحتى بعد هذا الأداء المحرج، حصل جونسون على تأييد صحيفة “ديترويت نيوز” المحافظة التي تخلت عن تقاليد تعود إلى 143 سنة من تأييد المرشح الجمهوري.
حلب؟ أي حلب؟
الجهل المحير لغاري جونسون بأزمات العالم وحروبه، بما فيها الحروب التي تشارك فيها الولايات المتحدة، كما هو الحال في سوريا، يطرح من جديد الأسئلة الملحة حول الغياب الملحوظ للقضايا الخارجية – باستثناء التنديدات العلنية بالتنظيمات الإرهابية والتعهدات بالقضاء عليها- وأهمية العلاقات الدولية لأمريكا. قضايا الشرق الأوسط وأزماته أما غابت كليا عن المناظرة أو تم التطرق إليها بشكل عابر أو سطحي أو أحادي الجانب. كرر ترامب انتقاداته للاتفاق النووي مع إيران، ولكنه لم يتطرق إلى أي بدائل للاتفاق. من جهتها لم تقدم كلينتون أي طروحات تختلف عن طروحات أوباما في ما يتعلق بردع السلوك الإيراني الخطير في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
الحرب والأزمة الإنسانية الرهيبة في سوريا، وحلب تحديدا غابت عن المناظرة، حيث ذكرت كلينتون اسم سوريا مرة واحدة، ولكن ليس في إطار الحرب ضد نظام بشار الأسد الذي كثف في الأيام التي سبقت المناظرة قصفه –فضلا عن القصف الروسي- للمدنيين في حلب، ولكن في إطار الحملة الدولية ضد ما يسمى “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش). ولم يكن هناك أي ذكر لمأساة حلب.
وتبرع ترامب بتذكير الأمريكيين بأنه كان يدعو منذ زمن إلى “الاستيلاء على النفط ” العراقي والليبي لأن النفط هو مصدر التمويل الأساسي لداعش على حد قوله، ولو استولت الولايات المتحدة على النفط لما كان قد وقع بأيدي داعش. المؤسف هو أن مدير المناظرة، كما هو حال صحافيين ومحللين آخرين، لم يطرح سؤالا بديهيا وبسيطا على ترامب مثل : كيف يمكن للولايات المتحدة أن تستولي على نفط دولة ذات سيادة دون غزوها والدخول في حرب معها؟