ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
تلقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 24 من شهر آذار- مارس الماضي خبرا مفاجئا، ولكن جيدا بالنسبة له، كان ينتظره ومساعدوه منذ حوالي سنتين.
المحقق الخاص روبرت مولر الذي أنهى تحقيقاته بالتدخل الروسي في انتخابات 2016 واحتمال التواطؤ بين حملة ترامب والاستخبارات الروسية وما إذا كان ترامب قد حاول عرقلة القضاء، لم يجد الأدلة التي تثبت وجود مؤامرة من هذا النوع. وكان ترامب يكرر يوميا تقريبا أنه لا يوجد هناك أي تواطؤ بين حملته وروسيا. ولكن تقرير مولر أشار إلى أن هناك أدلة متناقضة حول مسألة عرقلة ترامب للتحقيق القضائي، وبالتالي فإنه “لم يستنتج أن الرئيس قد ارتكب جرما بهذا الشأن، ولكنه أيضا لم يبريء الرئيس” من تهمة عرقلة التحقيق. وكان وزير العدل وليام بار قد بعث برسالة من أربع صفحات إلى قادة اللجان المعنية في الكونغرس لخص فيها الاستنتاجات الرئيسية لتقرير مولر، وإن استخدم أقل من 80 كلمة من التقرير الذي تبين لاحقا أنه يتألف من 400 صفحة. ولكن الوزير بار وفي خطوة أثارت ولا تزال تثير الكثير من الجدل الحاد في البلاد، أعطى نفسه صلاحية تفسير مضمون تقرير مولر المتعلق بمسألة عرقلة العدالة، وقال في رسالته إنه قرر أن الأدلة التي جمعها فريق مولر “غير كافية لتؤكد أن الرئيس قد انتهك القانون وعرقل العدالة”، بهدف تقويض التحقيق بالتدخل الروسي. وسارع ترامب إلى تفسير رسالة الوزير بار على أنها ترقى إلى مستوى تبرئته ليس فقط من تهمة التواطؤ مع الروس، ولكن أيضا من تهمة عرقلة العدالة، على الرغم من أن تقرير مولر لم يؤكد ذلك، وبدأ يكرر في تصريحاته وتغريداته خلال الأيام التالية “لا تواطؤ، ولا عرقلة، وتبرئة شاملة وكاملة”.
وساهمت رسالة الوزير بار، كما تخوف الديمقراطيون والمراقبون، في مساعدة الرئيس ترامب على احتكار تفسير الوزير بار لتقرير مولر، وصياغة تقييم التقرير الذي بقى سريا، بالطريقة التي تلائم دفاعه عن نفسه، وتساعده على اتهام الديمقراطيين بأنهم كانوا بالفعل يحاولون قضائيا وسياسيا خلعه من الحكم كما أدعى لاحقا. هذا الوضع خلق احباطا كبيرا في أوساط الديمقراطيين، الذين اعتبروا أن الوزير بار تصرف بشكل غير مسؤول وكأنه المحامي الشخصي للرئيس وليس وزير العدل الذي يفترض أن يصون الدستور. ولكن مشاعر الابتهاج التي عمت البيت الأبيض بعد ظهر ذلك اليوم المحوري في رئاسة ترامب، سرعان ما انحسرت، بعد اتضاح أن “تبرئة” ترامب لم تؤد إلى تغيير ملحوظ في نسبة شعبيته، وفقا لنتائج استطلاعات الرأي في الإسبوع التالي. ولا تزال شعبية ترامب بنسبة 43 بالمئة. ومع أن الرؤساء السابقين تمتعوا بنسب عالية من التأييد الشعبي ومعظمهم وصل إلى نسبة 60 بالمئة، إلا أن أعلى نسبة تأييد حصل عليها ترامب كانت 46 بالمئة، وذلك بعد أسبوعين من انتخابه. ومنذ ذلك الوقت تتأرجح شعبيته بين 37 بالمئة و43 بالمئة. ويتمتع ترامب بتأييد قوي في هذه القاعدة الضيقة نسبيا، وهذا التأييد لم ينحسر بشكل ملحوظ حتى في أعقاب الكبوات والهفوات التي ارتكبها وهي كثيرة منذ بداية حملته الانتخابية.
ترامب يرفع متاريسه
وبعد أسبوعين من تقرير مولر ورسالة بار، وجد ترامب نفسه في مواجهة ضغوط متفاقمة وانتقادات متزايدة هو ووزير العدل بار للكشف عن محتوى تقرير مولر بكامله أو بمعظمه بعد حذف المعلومات السرية التي تمس بكيفية جمع الاستخبارات أو بشهادات بعض الشهود أمام هيئة المحلفين من الذين لم يطالهم القضاء. وسارع ترامب إلى بناء متاريسه الجديدة ضد ضغوط الكونغرس، وبعد أن قال في السابق أنه لا يمانع من نشر تقرير مولر، وبعد أن أثنى على التقرير الذي برأه من تهمة التواطؤ مع الروس، عاد ترامب لاستئناف هجماته ضد تقرير مولر والديمقراطيين، والتراجع عن مواقفه الأولى بشأن الكشف عن التقرير بحجة أن إرضاء الديمقراطيين هو أمر مستحيل. وفي الأيام الماضية فرضت لجان مجلس النواب المختصة التي يسيطر عليها الديمقراطيون حصارا غير معهود على ترامب. فقد فوضت اللجنة القضائية في مجلس النواب رئيسها جيرولد نادلر صلاحية إصدار مذكرة إحضار رسمية للحصول على التقرير الكامل للمحقق مولر من وزير العدل، إضافة إلى جميع المستندات والوثائق التي اعتمد عليها مولر في كتابة تقريره. وفي خطوة لافتة وغير مسبوقة طلبت اللجنة المعنية بالضرائب والتجارة في مجلس النواب من مصلحة الضرائب الحصول على السجلات الضرائبية الشخصية للرئيس ترامب للسنوات الستة الماضية إضافة إلى السجلات الضرائبية لشركته. وعلى عكس المرشحين والرؤساء الأمريكيين في العقود الماضية رفض ترامب ولا يزال الكشف عن سجلاته الضرائبية بحجة أن مصلحة الضرائب تنظر في سجلاته. ورد ترامب قائلا إنه سيقاوم هذا الطلب، بعد مشاوراته مع محاميه ومع وزير العدل، في مؤشر على أنه سيدخل في مواجهات قضائية طويلة مع الديمقراطيين في مجلس النواب قد تصل إلى المحكمة العليا. كما تقوم لجان أخرى في المجلس بالتحقيق بكيفية إنفاق عشرات الملايين من الدولارات من قبل لجنة تنصيب ترامب.
التناقض بين المشاعر الإيجابية التي عبّر عنها ترامب فور تسلمه رسالة الوزير بار وخلال الأيام التي تلت ذلك، والمشاعر والمواقف القاتمة والدفاعية التي يعبر عنها ترامب ومساعدوه بعد أقل من أسبوعين على رسالة بار عميقة ونافرة وتؤكد من جديد أن سلوك ترامب خلال حملته الانتخابية، وخلال النصف الأول من ولايته في البيت الأبيض لا يزال موضع تحقيقات الكونغرس، إضافة إلى تحقيقات المحاكم الأخرى في نيويورك وواشنطن وولاية فيرجينيا التي أحال إليها مولر قضايا وتهم لترامب وشركاته ليست ضمن انتداب مولر القانوني.
لا أسرار في واشنطن
وقبل أيام تأكدت من جديد بعض المسلمات والتقاليد السياسية المعمول بها في واشنطن، وأبرزها أن العاصمة الأمريكية لا تعرف كيف تخفي أسرارها لوقت طويل. كل شيء في واشنطن يسرب لاحقا، والسؤال الأساسي هو: في أي وقت. وعلى مدى حوالي السنتين، أدار المحقق مولر تحقيقا شاملا مع فريق من 19 محاميا و40 موظفا من مكتب التحقيقات الفيدرالي، وغيرهم من المساعدين والباحثين، بشكل سري، ونجح في منع أي تسريبات من الفريق، ما عزز الانطباع العام عن صدقية وانضباط مولر وجدية فريقه. ومساء الثلاثاء بدأت التسريبات غير المباشرة من أعضاء فريق مولر تنشر في وسائل الاعلام حول استيائهم من الطريقة التي تعامل بها الوزير بار مع تقريرهم، وكان ذلك بداية تصحيح السردية الأولية التي طرحها ترامب استنادا إلى رسالة بار. ونشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا مطولا جاء فيه أن بعض أعضاء فريق مولر الذين شعروا بإحباط كبير في أعقاب رسالة بار أبلغوا مقربين منهم أن وزير العدل لم ينقل بصورة كاملة أو دقيقة معلومات وأدلة مؤذية للرئيس ترامب احتواها تقرير مولر. ويعتقد أن هذه التسريبات الجديدة تهدف من جملة ما تهدف إليه الضغط على وزير العدل للإسراع بالكشف عن مضمون تقرير مولر. وتأكدت صحة إحباط المحققين في فريق مولر حين نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالا بهذا الشأن ولحقتها شبكة التلفزيون أن بي سي. هذه التسريبات فرضت على الديمقراطيين والرئيس ترامب ووزارة العدل إعادة تموضع ميداني تمهيدا للمعركة المقبلة. التسريبات الجديدة أكدت أن محققي مولر كتبوا أكثر من ملخص لبعض فصول التقرير أخذت بعين الإعتبار سرية التحقيقات وصيغت بطريقة تسمح للوزير بار بالكشف عنها، ولكن بار قرر تجاهلها حين كتب رسالته، التي اقتبست أقل من ثمانين كلمة من تقرير مالر الطويل والمفصل. وكان بار قد أبلغ لجان الكونغرس أنه سيقدم لهم تقرير مولر قبل منتصف الشهر الجاري، ولكن بعد حذف المقاطع الحساسة فيه. ولكن القيادات الديمقراطية رفضت ذلك وأصرت على الحصول على تقرير مولر بكامله. وطالبت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، يوم الخميس، الوزير بار بتقديم تقرير مولر بكامله إلى الكونغرس، وأصرت على أن يكشف الرئيس ترامب عن سجلاته الضرائبية، ثم وعدت الأمريكيين بثقة قوية أن الكونغرس سوف يحصل على التقرير بكامله بطريقة أو بأخرى.
من جهته طالب رئيسة اللجنة القضائية في مجلس النواب جيرولد نادلر الوزير بار بأن “ينشر فورا أي ‘تلخيصات’ يحتويها التقرير والتي حضرها فريق المحقق الخاص”، كما طالب نادلر الحصول على “مجمل الاتصالات” بين وزارة العدل ومكتب المحقق الخاص المتعلقة بالتقرير. التسريبات الجديدة زادت من حدة الانتقادات الديمقراطية ضد الوزير بار الذي يجد نفسه محاصرا وسمعته مجروحة بعد شهرين فقط من استلامه لمنصبه. وكالعادة قام رودي جولياني المحامي الشخصي للرئيس ترامب، بشن الهجوم المضاد ضد أعضاء فريق مولر “المستائين” والذين يقفون وراء التسريبات، ووصفهم في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز التلفزيونية بأنهم “مجموعة متسترة وغير أخلاقية تقوم بالتسريبات”وأضاف “هؤلاء ديمقراطيون مسعورون يكرهون رئيس الولايات المتحدة”.
ما يمكن قوله بثقة عالية هو أن الأشهر المقبلة سوف تشهد مواجهات سياسية وقانونية حادة بين الديمقراطيين وترامب وإدارته حيث خلع المتصارعون الكبار قفازاتهم وبدأوا بشحذ سيوفهم تمهيدا للمبارزات المقبلة، والتي ستزداد شراسة مع اقتراب البداية الفعلية للسباق إلى البيت الأبيض.