إن المضي قدمًا نحو علاقات متجددة بين القوى العالمية وإيران لن يكون سهلاً، نظرًا لخروقات إيران للاتفاقية النووية لعام 2015، والسياسة الداخلية في الولايات المتحدة وإيران، والاعتراضات من حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين. ولكنْ هناك فرص للمضي قدمًا إذا تم التوصل لحل سلمي يعالج قلق المجتمع الدولي من البرنامج النووي الإيراني. وفي الوقت الذي تقوم فيه إدارة الرئيس جوزيف بايدن بطرح موضوع إعادة الحوار مع إيران، فإن علاقات الإمارات العربية المتحدة الاقتصادية القوية وعلاقاتها المتوارثة مع إيران تمكنها من لعب دور محوري في تواصل الخليج مع إيران.
وعلى الرغم من التوترات الإقليمية مع إيران، فقد حافظت الإمارات على العلاقات بأشكال مختلفة. وعندما تمت مهاجمة السفارة السعودية في طهران في يناير/كانون الثاني 2016، قامت الإمارات بتخفيض مستوى العلاقات، لكنها أبقت على تمثيلها الدبلوماسي في إيران على الرغم من قيام السعودية والبحرين ودول عديدة أخرى بقطع العلاقات مع طهران. وفي عام 2020 انضمت الإمارات إلى الكويت وقطر لتقديم العون لإيران خلال جائحة فيروس كورونا، ونفذت عدداً من رحلات الطيران الطبية الطارئة، وذلك كجزء من مقاربة التوجه الإنساني و”روح التسامح” الإماراتية. وحسب وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، فإن إيران والإمارات وافقتا على استمرار الحوار فيما يتعلق بـ “موضوع الأمل” للمنطقة.
إن العلاقات التجارية المهمة مع إيران تشكل جزءاً من سبب إبقاء الإمارات على العلاقات معها. وعندما بدأت المحادثات حول القضية النووية بين دول العالم وإيران في عام 2013، فإن الإمارات قد استأثرت بحوالي 96,7% من صادرات مجلس التعاون الخليجي لإيران. وفي عام 2015 بلغت استثمارات إيران ما يصل إلى 200 مليار دولار في الإمارات. وفي عام 2017 كانت الإمارات هي الشريك المستورد الرئيسي لإيران، مع تجارة بينهما تصل إلى 12,9 مليار دولار، وقد شمل ذلك إلى حد كبير واردات من إيران إلى الفجيرة، التي عملت كمزود وقود للسفن ومركز تخزين وقود للسفن التجارية. وحتى نهاية فترة إدارة الرئيس باراك أوباما، اتبعت الإمارات سياسة الولايات المتحدة في تشجيع التجارة مع إيران، بعد أن قامت واشنطن بتخفيض العقوبات على إيران بموجب أحكام الاتفاق النووي عام 2015– خطة العمل الشاملة المشتركة.
إن انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة الذي تبعته إعادة فرض العقوبات على إيران في عام 2018، قد أدى بدولة الإمارات إلى اتخاذ لوائح جديدة للامتثال للعقوبات وتقييد تأشيرات الدخول وفرض لوائح مصرفية أكثر شدة على إيران. ولكن بقيت الإمارات شريك إيران التجاري الأول على الرغم من انخفاض حجم التجارة إلى 3,5 مليار دولار في عام 2019، وقد اشتمل ثلثا حجم التجارة على إعادة تصدير المنتجات الإيرانية عن طريق دبي امتثالاً للإعفاءات من العقوبات الصادرة من الولايات المتحدة.
بعد الهجوم على ناقلات النفط في مضيق هرمز، أرسلت الإمارات وفداً من حرس سواحلها إلى طهران في يوليو/تموز 2019 لعقد محادثات أمنية بحرية مع المسؤولين الإيرانيين. وقد شجعت إيران التجارة مع جمعية التجار الإماراتية، وفي سبتمبر/أيلول 2019 أعلنت الإمارات أنها ستنظر في إعادة منح تأشيرات العمل للإيرانيين بعد إيقاف العمل بتلك التأشيرات بسبب العقوبات، ومع ذلك فقد أُفيد بأن الإمارات أوقفت إصدار تأشيرات جديدة لرعايا إيران واثنتي عشرة دولة أخرى في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بحجة المخاوف الأمنية.
وبينما تسعى إيران لإعطاء الأولوية لصادرات القطاعات غير النفطية، فإنها ستعتمد على قدرات موانئ الإمارات في إعادة التصدير. في عام 2016 كانت الإمارات شريك إيران المفضل في التجارة غير النفطية. إن المبادرة الدبلوماسية الاقتصادية لطهران للوصول إلى أسواق أوسع تعني استخدام هذه الموانئ لربط إيران مع أوراسيا. وسيمكن ممر التجارة الشمالي-الجنوبي إيران من الوصول إلى أسواق عبر المحيط الهندي، ما يشجع على التجارة والتعاون. كما أن الإمارات وإيران عضوان في رابطة حافة المحيط الهندي التي تشجع على التجارة والتعاون. إن الدولتين شريكتان في التجارة إلى دول أوراسيا وتعملان مع اتحاد أوراسيا الاقتصادي، وهما دولتان رئيسيتان في نجاح مبادرة الحزام والطريق الصينية. إضافة لذلك، تهتم الدولتان بتوسيع التجارة والاستثمارات في أفريقيا من خلال طرق التجارة في المحيط الهندي، وتقدم الموانئ الإماراتية العرض الأقل تكلفة لإيران للوصول إلى الأسواق العالمية، وهكذا فإن إيران تعطي الأولوية للتجارة مع جارتها الخليجية وأفريقيا في خطة السنوات الخمس الاقتصادية الكلية الأخيرة.
إن آفاق زيادة التجارة واعدة، وقد زادت صادرات إيران لدولة الإمارات بحوالي 8%، أو مليار دولار بين شهري مارس/آذار ويونيو/حزيران 2020، وعلى الأغلب مرة أخرى في قدرة إعادة التصدير، وتلعب عدة منظمات في إيران دوراً رئيسياً في تسهيل هذه التجارة، ومنها مكتب ترويج التجارة مع الدول العربية والأفريقية وإدارة الجمارك ومنظمة الموانئ والملاحة البحرية الإيرانية.
ولكن لا تبقى التجارة دون مخاطر. تريد الإمارات أن تضمن ألا تستخدم إيران فوائد التجارة المتزايدة لاكتساب ميزة عسكرية في منطقة الخليج. إن تأثير إيران على الاستقطاب، بالنظر إلى توتراتها الدائمة مع دول الخليج وإسرائيل والولايات المتحدة، يعرقل احتمالات تحسين العلاقات. وقامت طهران مؤخرًا بالتهديد بمهاجمة الإمارات على إثر قرارها تطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما يوجد زعم أن وكلاء إيران خططوا لمهاجمة سفارة الإمارات في إثيوبيا للانتقام لمقتل إيرانيين رفيعي المستوى.
وبأخذ التوترات والتحديات الإقليمية التي تواجه الاقتصاد الإيراني بعين الاعتبار، فإن إيران لا تستطيع أن تتحمل الإضرار بعلاقاتها مع الإمارات بشكل لا رجعة فيه. ولكنها مع ذلك تتجاهل قلق الإمارات من الاستفزازات الإيرانية المتكررة. وما تزال إيران تقول إنها تريد بناء أمن إقليمي بشكل تعاوني ومن خلال ضمان نمو مستدام للمنطقة. وبالنظر لالتزامات إيران نحو التجارة، فإن ذلك يشجع توزيع الفرص بين دول الخليج وإيران، والذي ينتج عنه توزيع المخاطر على هذه الدول المسؤولة عن الأمن الإقليمي.
وبينما يُتوقع أن تخف حدة التوتر مع إيران في ظل إدارة بايدن، فإن الإمارات قد عينت سفيرها السابق في إيران خليفة شاهين المرر ليكون وزير دولة للشؤون الخارجية. وقد قام كل من رئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد آل نهيان وحاكم دبي ورئيس وزراء الإمارات محمد بن راشد آل مكتوم بتهنئة إيران قبيل الذكرى السنوية للثورة الإيرانية في فبراير/شباط. ولكن يبقى قادة الإمارات قلقين إزاء تعنت إيران في موضوع برنامجها النووي المثير للجدل، والذي لا يبشر بحل سريع لتلك المسألة مع الولايات المتحدة، بالإضافة لبرنامج صواريخها ودعمها للقوى العاملة بالوكالة عنها في المنطقة. وتقول إيران إن على الولايات المتحدة اتخاذ الخطوة الأولى برفع العقوبات مقابل تجاوب إيران مع خطة العمل الشاملة المشتركة، ولكن سياسة التخفيف السريع من العقوبات لا تعطي ضماناً بتصرف إيراني سريع لمعالجة الخلافات الإقليمية الأخرى مع جيرانها في الخليج. ومن خلال الرد بفتور كبير على عرض إدارة بايدن لاستئناف المحادثات، في حال امتثلت مع الاتفاقي،ة فقد حذرت إيران بعدم وجود متسع وقت كثير لإنقاذ الموقف. وللتأكيد على هذه النقطة فقد قالت إيران في البداية إنها ستضع قيوداً على مهام التفتيش الدولية لمواقعها النووية على الرغم من أن تقارير وسائل الإعلام الأخيرة قد أشارت إلى تراجعها عن تلك التهديدات إلى حد ما.
وعلى الرغم من التوترات المستمرة مع إيران، فقد أبقت الإمارات على درجة معقولة من المشاركة وسيبقى تطور هذه العلاقات في المستقبل مرهوناً إلى حد كبير بمسار المفاوضات المحتملة المقبلة بين إيران والولايات المتحدة إضافة إلى الأوروبيين. حالياً، فإن الواضح أن التجارة الثنائية، والعلاقات الدبلوماسية والجهود الإنسانية تقدم خلفية داعمة للسياسة النووية الرئيسية والجهود ذات الصلة المقبلة.