خفّضت دول مجلس التعاون لدول الخليج دعم الوقود تخفيضًا حادًّا، باستثناء الكويت التي كانت تخطط لتخفيض الدعم عن الوقود إلى أن واجهت رفضًا صارمًا لهذا القرار من قبل البرلمان. ففي نهاية شهر آذار/مارس، أعلنت حكومة الكويت عن خططٍ لزيادة رسوم الكهرباء والمياه وفق هيكليةٍ تنقسم بحسب حجم الاستهلاك. وسوف يتمّ فرض أعلى نسبةٍ من الزيادة على المستهلكين التجاريين، في حين سوف تشهد رسوم الوحدات السكنية ارتفاعًا بسيطًا. وبعيدًا عن أي مفاجأة، أظهرت الأدلّة الأولية أنّ الهيئة التشريعية الأكثر نشاطًا في مجلس التعاون لدول الخليج هي التي تخوض المعركة الأكبر ضدّ الإصلاحات الاقتصادية.
إلّا أنّ نسب نجاح تخفيض الدعم عن الوقود هذا متفاوتةٌ لدى باقي أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج (كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر وسلطنة عمان). فعلى الرغم من الدعم المخفّض، لا تزال أسعار البنزين منخفضةً للغاية نسبةً للمعايير الدولية في مجلس التعاون لدول الخليج (الرجاء مراجعة الجدول أدناه). وفي حين أن سكّان الخليج سمعوا طوال هذا العام حديثًا بعد حديث عن الإصلاح الاقتصادي الجديد، ما زال غير واضحٍ ما إذا كان استهلال الإصلاحات ببطء من خلال تخفيض دعم النفط يُحدث تغييرًا فعليًا في مواجهة تحديات العجز المالي الراهن. وبحسب تقديرات مؤسسة موديز للأبحاث، سوف يصل معدّل العجز المالي إلى 12.4% من الناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون لدول الخليج في العام 2016.
وأمام الحكومات اليوم قرارٌ صعب، إذ إنّ إصلاحًا صارمًا للاقتصاد السياسي كمقاربةٍ من العلاج بالصدمة تتمّ فيها إزالة دعم الحكومة لعددٍ من الخدمات سوف يهدّد من دون شكّ الاستقرار السياسي والاجتماعي. وقد يكون الحلّ البديل هو إدخال الإصلاحات تدريجيًا، ما يعرّف السكان والمواطنين على نمطٍ جديدٍ من العلاقات بين الدولة والمجتمع، إلّا أنّه لن يعالج سوى جزءًا بسيطًا من الأضرار الناجمة عن الانخفاض الملحوظ والمتواصل لسعر النفط وأثره على مداخيل الحكومة.
ولا يزال التراجع المطوّل في أسعار النفط منذ العام 2014 يشكّل تحديًا لحكومات مجلس التعاون لدول الخليج للتعويض عن توقعات الإنفاق بدخلٍ مخفّض. وفي حين أن معدّل سعر النفط ليس رقمًا محددًا لأي من الدول- وخصوصًا الدول ذات التقارير الميزانية المبهمة بعض الشيء- يشهد سعر النفط تباينًا ملحوظًا من دولةٍ إلى أخرى في مجلس التعاون لدول الخليج. وتواجه الدول ذات توقعات الإنفاق المرتفعة الضغوطات الأكبر في تنفيذ المزيد من الإصلاحات الاقتصادية التي سوف تقلّص مصاريف الحكومة، علمًا أن هذه التوقعات تتطلب أسعارًا مرتفعة للنفط من أجل تأمين المصاريف المتوقعة-وغالبًا ما يكون ذلك بسبب ضعف قدرتها الإنتاجية (كالبحرين وسلطنة عمان) أو لأن نفقاتها المالية مرتفعة نسبةً لدخلها (كالمملكة العربية السعودية). وتعاني هذه الدول أيضًا من الضغوطات الأكبر لتنويع مصادر الدخل الحكومي بعيدًا عن المصادر الطبيعية.
أمّا الدول الثلاثة ذات أسعار نقطة التعادل المالي الأصغر، أي بين 70 و50 دولار أمريكي للبرميل الواحد، (وهي الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت)، فتتشارك بعض نقاط التشابه بحيث أنها كلّها تتقن الادّخار، أو أقلّه استخدام صناديق الثروات المستقلة من أجل إنشاء دروع حمايةٍ لها في أوقات الدخل المنخفض. وتشكّل الكويت المثال الأفضل، فعلى الرغم من أنّها تجني مبالغ من تصدير النفط تقلّ عن تلك التي تجنيها قطر والإمارات العربية المتحدة، قامت بادّخار المال بذكاء. وتعتبر الإمارات وقطر الدولتين الأقل اتكالًا على المصادر الطبيعية بين دول المجلس، إذ تشكّل عائدات النفط والغاز لديها أقل من 70% من دخل الحكومة، أمّا بالنسبة للبحرين وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، فيتراوح سعر نقطة التعادل المالي بين 95 و105 دولار أمريكي لبرميل النفط الواحد، بحسب البيانات الصادرة عن مؤسسة موديز. وفي هذا الوقت، من المتوقّع أن تبقى أسعار النفط حوالى 40 دولار أمريكي للبرميل الواحد أو أقلّ خلال العام 2016.
وتكمن مسألة تخفيض إنفاق الحكومة في ردّة فعل المجتمعات الخليجية من مواطنين وسكّان. ويعتمد مدى تقبّل المواطنين لتخفيض الدعم وإضافة الضرائب وإحداث التغييرات في الدولة الانتقالية، على قدرة هذه العائلات على تسديد تلك المصاريف. ويبقى خيار العمّال الأجانب والمغتربين القدامى بالبقاء أو المغادرة شخصيًا بتقييمٍ منهم للفرص المتاحة لهم مقابل مصاريفهم، ومقارنةً مع المبالغ التي قد يجنونها في بلادهم. أمّا بالنسبة للمواطنين الخليجيين، فنجد تباينًا واسعًا بين مداخيلهم والمبالغ التي سوف تخصَّص للسلع والخدمات غير المدعومة بعد اليوم. ومع تخفيض دعم الوقود، سوف يضطرّ المواطنون في سلطنة عمان والبحرين وبنسبةٍ أقلّ في المملكة العربية السعودية، إلى تخصيص جزءًا أكبر من ميزانيات عائلاتهم لشراء الوقود، علمًا أنّ ميزانياتهم هي الأصغر بين بلدان مجلس التعاون لدول الخليج. ويشكّل النقل جزءًا أكبر من مؤشر أسعار المستهلك (أي معدّل مشتريات العائلة المتكررة) في سلطنة عمان والبحرين. ويشكّل النقل أيضًا مصروفًا مهمًّا للعائلات القطرية، إلّا أنّ مداخيلها تفوق تلك الخاصة بعائلات الدول المجاورة بشكلٍ ملحوظ، إذ يصل دخل الشخص المواطن الواحد إلى 140 ألف دولار أمريكي في السنة، مقارنةً مع حوالى 40 ألف دولار في سلطنة عمان.
نسبة تكاليف النقل كجزءٍ من مؤشر أسعار المستهلك (في المئة) في دول مجلس التعاون لدول الخليج
وتتعرض الحكومات اليوم لضغوطاتٍ كبيرة لاختيار الإصلاحات التي سوف تحمل التأثير المالي الأكبر على المدّخرات، والتأثير الاجتماعي الأصغر على نوعية حياة المواطنين والسكان. وبحسب صندوق النقد الدولي، وصلت تكلفة مجموع دعم الطاقة في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج (بما فيه الوقود والكهرباء) إلى حوالى 60 مليار دولار في العام 2015، أي ما يعادل 3.6% من الناتج المحلي الإجمالي. (وقد انخفضت هذه التكلفة بشكلٍ ملحوظ منذ العام 2013، في قمة فترة ازدهار قطاع النفط، عندما وصل دعم الطاقة في دول الخليج إلى 106 مليار دولار أمريكي). ولا يشكّل تخفيض دعم الوقود، على الرغم من كونه إشارةً سياسيةً مهمّة، خطّةً ثابتة لتقليص العجز لوحدها. بالإضافة إلى ذلك، تختلف آلية تخفيض الدعم هذه من دولةٍ إلى أخرى في مجلس التعاون لدول الخليج. وكانت الإمارات العربية المتحدة الدولة الوحيدة التي حاولت، عبر استعراض اللجنة الشهري، أن تنزع القيود عن تسعير الوقود الذي من المفترض أن يُبنى على أسعار النفط العالمية. وتعدّ سلطنة عمان لعمليّةٍ مشابهة من استعراض الأسعار من قبل لجنة. إلّا أنّ المملكة العربية السعودية وقطر والبحرين قد رفعت الأسعار لمرّةٍ واحدة، إلّا أنّ هذا الرفع قد لا يجدي بأي نفعٍ أو يُلغى بسهولة. ويحافظ تشكيل مؤسسةٍ أو هيئةٍ إجرائية تستعرض أسعار الوقود إلى جانب حاجات الحكومة من جهة وأسعار النفط العالمية من جهةٍ أخرى على هامشٍ من الاعتدال ومنطق السوق.
وأظهرت دراسةٌ أخيرة أجرتها مؤسسة موديز أنّ الأرباح المالية الناجمة عن الارتفاع في أسعار البنزين لا تغطّي سوى نسبة ضئيلة من عجز الميزانيات. فعلى سبيل المثال، رفعت المملكة العربية السعودية سعر البنزين بنسبة 50%، إلّا أنّ تأثير هذا الرفع على المدّخرات لا يصل إلى 1% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد عمدت البحرين إلى رفعٍ مماثلٍ لأسعار البنزين، إلّا أنّ تأثيره على المدّخرات سيكون لا يُذكر. ومن المتوقع أن تواجه كل من سلطنة عمان والبحرين العجز الأكبر في الميزانية في العام 2016.
الأرباح المالية الناتجة عن رفع أسعار البنزين
تقدير مدّخرات الدعم، كنسبةٍ من الناتج المحلي الإجمالي |
نسبة تغيّر السعر |
أسعار البنزين الجديدة لليتر الواحد |
|
0.9 |
55.6 |
0.42 |
البحرين |
0.0 |
0.0 |
0.21 |
الكويت |
1.1 |
36.7 |
0.41 |
سلطنة عمان |
0.1 |
34.6 |
0.35 |
قطر |
0.8 |
50.0 |
0.24 |
السعودية |
0.1 |
5.1 |
0.49 |
الإمارات |
خدمة موديز للمستثمرين، موقع Globalpetrolprices.com ابتداءً من شهر كانون الثاني/يناير 2016، الوكالة الدولية للطاقة IEA.
وفي حين تحمل إشارات الإصلاح الاقتصادي تأثيراتٍ سياسيةٍ واجتماعية مهمّة في تغيير فكرة الناس عن دور الدولة في الاقتصاد وفي تأمين السلع العامة، من الضروري اليوم أن تتّجه حسابات الإصلاح الاقتصادي نحو تقليص العجز وتطوير مصادر جديدة لعائدات الحكومة، وإنّ تخفيض أسعار الوقود بمثابة نقطة المياه في البحر. إلّأ أنّه إذا اقترن هذا التخفيض بجهودٍ منظّمة من المدّخرات البسيطة والعائدات المبنية على الرسوم، يمكن أن تصبح دول الخليج على المسلك الصحيح نحو إسعاف ميزانياتها. ويشكّل فرض الرسوم على الإقلاع في مطارَي دبي والشارقة مثالًا عن تنقيد الموجودات ونشر مبدأ فرض الضرائب والرسوم بشكلٍ حرّ لدى المواطنين وغير المواطنين. وقد تتخطّى المملكة العربية السعودية هذه الحدود باقتراحاتٍ أعلن عنها الأمير محمد بن سلمان آل سعود التي تقضي ببيع جزءٍ من أسهم شركة أرامكو السعودية من أجل بناء صندوق ثروة مستقلّ كبير. وإنّ هذا الاقتراح عبارةٌ عن مخططٍ غير متناسقٍ للخصخصة يمكن من خلاله توليد ثروةٍ هائلة من خلال عددٍ صغيرٍ من الأسهم، مع الحفاظ على ممتلكات الدولة بشكلٍ فعّال. وسوف تبقى الثروة الناتجة عن بيع الأسهم، الذي من المفترض أن يكون في إطار عرضٍ عام، في قبضة مجموعةٍ صغيرةٍ من المستثمرين المحليين على الأرجح. ويبقى توزيع إيرادات صندوق الثروة المستقل محصورًا أيضًا في دائرةٍ صغيرة من صانعي القرار. ولعلّ الاعتدال بين المتطلبات الناجمة عن انخفاض إيرادات الحكومة والقدرة على تحمّل الإصلاح المالي سيكون التّحدّي الأكبر الذي تواجهه دول مجلس التعاون لدول الخليج في الحوكمة الاقتصادية.