ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في أوائل أبريل/نيسان، تعهدت ثلاث دول في مجلس التعاون لدول الخليج العربية بتقديم حوالي 22 مليار دولار لمصر. فأودع السعوديون خمسة مليارات دولار في البنك المركزي المصري، بينما عقد الإماراتيون والقطريون صفقات استثمارية. وصل دعم دول المجلس للاقتصاد المصري في اللحظة الحرجة، فقد تراكمت الضغوط على الجنيه المصري منذ بداية عام 2022. فمن ناحية، أدى ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار إلى زيادة تكاليف تمويل أعباء الدين الخارجي المستحقة على مصر. كما أن ذلك قد شجع تدفق رأس المال للخارج ما أدى إلى انكشاف البلاد ماليًا أمام تقلبات التدفقات قصيرة الأجل. ومن الناحية الأخرى، لكون مصر مستوردًا صافيًا للغذاء والطاقة، فقد أدى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء العالمية إلى تعميق العجز في الحساب الجاري للبلاد.
كان الغزو الروسي لأوكرانيا بمثابة آخر التطورات التي فاقمت من الوضع سوءًا. في أواخر مارس/آذار، انخفضت قيمة الجنيه المصري، وخسر حوالي 15٪ من قيمته أمام الدولار. كان هذا أكبر انخفاض له خلال ثلاث سنوات تقريبًا من الاستقرار النسبي في سعر الصرف. في أعقاب الهروب الكبير لرؤوس الأموال، أعلنت الحكومة المصرية عن البدء بجولة جديدة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، مع إمكانية الحصول على قرض آخر. ثم هب أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية لنجدة مصر، باعثًا رسالة حازمة إلى دائنيها الأجانب مفادها أن لمصر أصدقاء أثرياء على استعداد للتدخل في وقت الحاجة. كان هذا، بشكل خاص، لسان حال الدول، الغنية بالمال، المصدرة للنفط في المجلس في أعقاب ارتفاع أسعار الطاقة الدولية.
يذكرنا لجوء مصر إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية للحصول على دعم مالي طارئ بالسنوات القليلة التي سبقت اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني 2016. بعد ثورة 2011 والاضطرابات السياسية التي تلتها، اعتمدت مصر على الدعم المالي من مختلف بلدان المجلس في مراحل مختلفة لتعويض نفاد احتياطياتها الأجنبية. في عام 2012، قدمت قطر حوالي 10 مليارات دولار للرئيس السابق محمد مرسي، المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين. وبعد الإطاحة بمرسي، قدمت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت دعمًا لمصر بمبلغ هائل قٌدر بنحو 23 مليار دولار بين عامي 2013 و2015. انخفض اعتماد مصر على بلدان المجلس بشكل ملحوظ حيث تضمن اتفاق صندوق النقد الدولي قرضًا بقيمة 12 مليار دولار، ومنحت مصر، بالتالي، نفاذاً أفضل لأسواق المال العالمية. وبالفعل، زادت الحكومة المصرية من معدل اقتراضها الخارجي، وقفزت الديون الأجنبية على البلاد من 40 مليار دولار في عام 2015 إلى 137 مليار دولار في يناير/كانون الثاني الماضي.
إن اللجوء إلى أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية الآن ليست مجرد علامة من علامات الهشاشة المالية بعد ست سنوات من اعتماد حزمة صندوق النقد الدولي، وإنما هي أيضًا إشارة إلى تدهور ظروف الاقتراض في الأسواق الدولية للبلدان النامية أو ما يسمى بالأسواق الناشئة مثل مصر. إن الشيء الوحيد الذي يمكن لمصر أن ترتكز عليه هو الديناميكيات السياسية والاقتصادية المعتادة، لإعادة توزيع عائدات النفط في الشرق الأوسط من خلال المساعدات الحكومية والاستثمار والتحويلات المالية التي أثبتت أهميتها عدة مرات منذ منتصف السبعينيات. ومع ذلك، فإن دعم المجلس يستلزم هذه المرة الاكتتاب الفعلي لديون مصر الخارجية بطريقة تُطَمئِن مستثمري القطاع الخاص لإعادة أموالهم أو على الأقل منعهم من سحبها من البلاد. وفي كلتا الحالتين، فإنها مناسبة تظهر بجلاء تقديم الاعتبارات الجيوسياسية والسياسية على الاعتبارات المالية والاقتصادية.
جاء دعم مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الأسبوع نفسه الذي انضمت فيه مصر للإمارات والبحرين والمغرب في اجتماع غير مسبوق في النقب بإسرائيل. كان هذا هو الوجود الأبرز لمصر منذ بداية عملية التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل في أغسطس/آب 2020. لم تُظهر مصر الكثير من الحماس لهذا المسعى من قبل، ربما خوفًا من اضمحلال دورها الإقليمي كوسيط تاريخي بين العالم العربي وإسرائيل بصفتها أول دولة عربية توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل. ما إذا كان اجتماع النقب يمثل تحولًا دائما في موقف مصر لا يعد أمرا مفروغًا منه. ولكن مع هذا الاعتماد المالي المتجدد على دول المجلس، قد تضطر مصر للاصطفاف، بشكل أكثر وضوحًا، مع الترتيبات الأمنية الجديدة الناشئة بين بعض بلدان المجلس وإسرائيل، والتي يتم صياغتها، بالدرجة الأولى، لمواجهة التهديد الإيراني الفعلي والمتصور. في هذا السياق، يمكن تفسير المواقف المستقلة السابقة لمصر بشأن النزاع في اليمن وسوريا من زاوية تنويع احتياجاتها المالية الأجنبية بمعزل عن مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد صفقة صندوق النقد الدولي عام 2016. منذ التدخل الذي قادته السعودية في اليمن عام 2015، أحجمت مصر عن أي مشاركة عسكرية مباشرة في الصراع اليمني على الرغم من تأكيداتها المستمرة على التزامها بأمن الخليج. وعلى نحو مماثل، كانت مصر منفتحة على استعادة «مكانة سوريا في العالم العربي» بقيادة الرئيس بشار الأسد. في المقابل، من الممكن أن يُتَرجم التراجع عن هذا التوجه إلى قدر أقل من الاستقلالية في المستقبل.
تعد المساهمة القطرية إحدى التداعيات الجيوسياسية الأخرى لضخ الأموال في الآونة الأخيرة. على عكس الدعم الذي تم تقديمه في 2012-2016 الذي كان يأتي حصريًا إما من قطر أو من الإمارات والسعودية، فإنه يصل هذه المرة من الثلاث دول معًا. ويأتي هذا الدعم تجسيدًا لعملية المصالحة التي انطلقت من قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمة العلا في يناير/كانون الثاني 2020 بين قطر وجيرانها الخليجيين بالإضافة لمصر. ومع ذلك، فإن هذا يشير كذلك إلى أن مصر قد تعمل على تنويع مصالحها بين دول المجلس مستغلة الاختلافات بين السعودية والإمارات وقطر سعيًا وراء مصلحتها في الحفاظ على سياسة خارجية مستقلة. وهذه ليست المرة الأولى. خلال حرب غزة عام 2021، اتفقت الحكومة المصرية مع القطريين على حزمة مالية لإعادة إعمار قطاع غزة. كان ينظر إلى هذا على أنه إجراء مضاد للتقارب الإماراتي مع إسرائيل وإعادة تأكيد على موقف مصر الفريد فيما يتعلق بغزة ومن ثم إسرائيل.
بعيدًا عن التداعيات الجيوسياسية للدعم المالي الأخير الذي يقدمه مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإن الشكل المفترض لمثل هذه المساعدة قد يمثل تحولًا نوعيًا في تبعية مصر. ومن الجدير بالذكر أنه من المقرر أن يتخذ ما تضخه الإمارات وقطر في الاقتصاد المصري شكل الاستحواذ على الأصول المالية في قطاعات مختلفة، بما في ذلك الطاقة والأسمدة والبتروكيماويات وإدارة الموانئ والخدمات المالية. جاءت صفقات الاستحواذ الضخمة هذه مباشرةً عقب الانخفاض الأخير في قيمة الجنيه المصري، ما يجعلها أرخص للمستثمرين الأجانب. وقد يشكل هذا توجهًا جديدًا يمكن من خلاله للاعتماد المستقبلي على الدعم المالي من المجلس أن يُترجم إلى تواجد أوسع في الاقتصاد المصري المحلي عن طريق نقل ملكية الأصول.
يُظهر اعتماد مصر المتجدد على الدعم المالي المباشر من أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن جذور الضائقة الاقتصادية في البلاد لم تتم معالجتها على ما يرام في السنوات القليلة الماضية. فاللجوء إلى بلدان المجلس من أجل الإنقاذ يؤكد مجددًا اندماج مصر في الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط كمستقبِل ثانوي لعائدات النفط والغاز. علاوة على ذلك، يبدو الآن أن وصول مصر إلى هذا النوع من العائدات يعد شرطًا مسبقًا لمزيد من الاقتراض من الأسواق المالية الدولية. إن إطالة أمد نقاط الضعف المالية هذه قد يؤثر على حجم ونطاق المشاركة المصرية في أي ترتيب أمني في المستقبل بقيادة المجلس في مواجهة إيران. كما أنه يثير تساؤلات حول ما إذا كانت دول المجلس ستكون دائمًا قادرة ومستعدة للتدخل ومنح الأولوية لاحتياجات مصر من التمويل في المستقبل.