في 30 يوليو/تموز، اتخذت السلطات القطرية خطوة مهمة نحو إنجاز تحركها الذي وعدت به، منذ فترة طويلة، نحو المزيد من المشاركة السياسية. أصدر الأمير تميم بن حمد آل ثاني قانونًا انتخابيًا جديدًا لتنظيم انتخابات مجلس الشورى في البلاد، حيث تجري عمليات التصويت الأولى في أكتوبر/تشرين الأول. وعِوضًا عن تلقي الثناء على هذه المكاسب الديمقراطية، واجهت القيادة احتجاجات فورية. عندما علم القطريون أنه سيتم استثناء معظم المواطنين المتجنسين من العملية الانتخابية، احتشد البعض للتعبير عن معارضتهم، بشكل علني نادر، ولجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي ونظموا اعتصامًا استمر لعدة أيام.
تسلط هذه الحادثة الضوء على تحدٍ طويل الأمد تواجهه قطر، وبالطبع جميع دول الخليج، في تصنيفها للجنسية، واستعدادها أيضاً لاستغلال هذه التصنيفات للمواطنة للتأثير على مخرجات العملية السياسية. في حين أن القواعد الانتخابية القطرية قد تفضي إلى تشكيل هيئة تشريعية طيّعة أكثر، إلا أنه يشكل خطرًا يهدد الوحدة الوطنية التي تشكلت أثناء خلاف قطر مع الدول المجاورة. إن الحماس الذي تظهره العديد من الأطراف الإقليمية المنتقدة لقطر – مسلطة الضوء على الانقسامات القطرية على الإنترنت والمشاركة في هاشتاج الاحتجاجات – يؤكد على أن ديناميكيات التنافس ما تزال قائمة، على الأقل على المستوى الاجتماعي، وبالتالي وجود بعض المخاطر من الانفتاح المحلي في قطر. هذا يطرح سؤالًا، مثيرًا للاهتمام، حول سبب إقدام قطر على الانتخابات في الوقت الذي تتعرض فيه الديمقراطية – بما في ذلك الهيئات التشريعية في الخليج – لضغوط في جميع أرجاء العالم.
تعريف القطريين الأصليين – تضييق قاعدة الناخبين السياسية
تعود أصول التحرر السياسي المرتقب والخلاف الحالي حول المشاركة إلى الوثائق التحويلية التي اعتمدها الأمير حمد بن خليفة آل ثاني بعد توليه زمام السلطة في عام 1995. عمل دستور عام 2003، وقانون الجنسية لعام 2005 بصورة أفضل، على تمهيد الطريق للانتخابات البرلمانية، وهي خطوة واضحة إلى الأمام من حيث السياسات التشاركية التي تمثلت في انتخابات المجلس البلدي المركزي في قطر، والذي هو هيئة استشارية فقط. ومع ذلك فإنه من الواضح أن هذه النصوص التأسيسية تضع قيودًا على كل من السلطات السياسية لمجلس الشورى وتركيبة جمهور الناخبين المستقبلي.
يظل مجلس الشورى معينًا بصورة جزئية، يختار الأمير 15 عضوًا ويتم انتخاب 30. وهذا بدوره من المرجح أن يقيد كلاً من عملية صنع القانون ووظائف الرقابة، لأنه وفقًا للدستور، يحتاج فرض القوانين أو إقالة الوزراء، في حال معارضة الأمير، إلى تصويت ثلثي الأعضاء. ومع ذلك، فإن القيود المفروضة على المشاركة، والمتجذرة في قانون الجنسية، تظل من أبرز الأمور الخلافية حول قانون الانتخابات.
تم اعتماد أول قانون للجنسية في قطر في عام 1961. كما هو الحال في العديد من دول الخليج، يميز هذا القانون بين “القطريين الأصليين” – أولئك الذين كانوا موجودين في البلاد قبل عام 1930 وظلوا مقيمين فيها، وبين أولئك الذين قدموا أو عادوا إلى البلاد بعد ذلك التاريخ وتم تجنيسهم. ومع ذلك، تم منح هؤلاء القطريين المتجنسين الفرصة للحصول على حقوق في بعض الوظائف العمومية والمشاركة السياسية بعد البقاء في البلاد لفترة زمنية محددة. لكن قانون الجنسية لعام 2005، الذي تم إقراره تحسبًا لحدوث تحرر سياسي، ألغى هذه الحقوق، وحرم القطريين المتجنسين صراحةً من هذه الامتيازات. كما أن الأهم من ذلك – وعلى غير العادة – فإن حالة القطري المتجنس يتم توريثها، بحيث تُحرم عائلات كاملة وسلالات العائلات الكبيرة من الامتيازات السياسية.
تمت مناقشة هذه التغييرات بين علماء القانون القطريين ومجموعة صغيرة من الإصلاحيين. من المؤكد تم رؤية هذه التغييرات على أنها خطوة إلى الوراء، ولا سيما عندما يؤخذ في الحسبان تاريخ الدول المجاورة، مثل الكويت، التي وسعت من القاعدة الانتخابية من خلال التمكين السياسي لمواطنيها المتجنسين. لكن مع تكرار تأجيل قطر لتنفيذ انتخابات مجلس الشورى، بقيت هذه التغييرات القانونية حبرًا على ورق، إلى حد ما. ومع صدور قانون الانتخابات الآن، أصبح تحديد الحقوق السياسية حسب المستويات الجديدة للمواطنة التي حددها قانون الجنسية لعام 2005 أمرًا حقيقيًا قابلاً للتطبيق، حيث يكتشف المواطنون القطريون المتجنسون أنه لن يكون لهم حق التصويت أو الترشح للانتخابات البرلمانية.
القطريون يناقشون الوحدة الوطنية – والامتيازات
أثار الإعلان عن قانون الانتخابات وتوقع إجراء أول انتخابات لمجلس الشورى في قطر نقاشًا عامًا وحلقة من الاحتجاجات السياسية. كان صوت المحامي القطري في محكمة النقض هزاع أبو شريدة بمثابة صوت رائد ومنارة لهذا النقاش. انتشر خطاب له من عشر دقائق موجهًا للأمير على موقع اليوتيوب بسرعة النار في الهشيم، دعا فيه الأمير للتراجع عن قانون الجنسية لعام 2005، واصفًا إياه باللادستوري. وفي حين كان يضيغ خطابه بحرص شديد في إطار إعلانات الولاء للأمير ورفض استخدامه للخطاب من أجل الانقسام السياسي، إلا أن الخطاب كان لا يزال مثيرًا للاهتمام بما ينطوي عليه من المطالبة المباشرة دون خجل بالحقوق السياسية. ثم أصبح بيته موقعًا لاعتصام استمر لأيام. وخلال هذه الفترة، أحالت وزارة الداخلية سبعة أشخاص إلى النيابة العامة بتهمة “نشر أخبار غير صحيحة والتحريض على الفتنة العرقية والقبلية”، وتم على إثرها اعتقال أبو شريدة. فشلت تدخلات زعماء العشائر في إنهاء الاعتصام، الذي لم ينته إلا بعد أن أصدر الأمير أمرًا بتفريق التجمع، مؤكدًا أنه سينظر في المطالب.
بالنسبة لبعض القطريين، كانت هذه الاحتجاجات مقلقة: إن الكشف عن الكثير من المظالم في العلن يتم استغلاله من قبل منتقدي قطر. كانت هذه الانقسامات مدهشة بشكل خاص بعد التضامن الوطني الذي نشأ ردًا على المقاطعة التي نفذتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر – وهي التجربة التي سلطت الضوء على نقطة ضعف قطر سياسيًا. في هذا الصدد، حذّر رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم آل ثاني، “الأسرة القطرية تسوي شؤونها تحت لواء الوطن وتحت لواء ولي الأمر، خاصة أن هناك أمرًا من الأمير بتشكيل لجنة المظالم”.
من المرجح أن يؤدي تبوء قبيلة آل مرّة الصدارة في الاحتجاجات إلى رفع مستوى استياء بعض القطريين والقيادة. قبيلة آل مرة واحدة من أكبر القبائل القطرية المترامية على جانبي الحدود مع السعودية، تعد هذه القبيلة، أو بالأحرى بعض من أفرادها، متورطة في أعمال ضد القيادة الحالية، بما في ذلك محاولة الانقلاب المضادة ضد الأمير حمد بن خليفة آل ثاني في عام 1996. بعد أن استولى على السلطة من والده، ومؤخرًا في التحالف مع السعودية إبّان المقاطعة التي فرضت على قطر، والتي بدأت في عام 2017. وهكذا، فإن الخلاف حول قانون الانتخابات يهدد بحدوث انقسامات، بالضبط، على غرار تلك التي سبق أن استغلها المنافسون الإقليميون، مثل السعوديين.
ومع ذلك، من المرجح أن يتمدد الاستياء بشأن قانون الجنسية والمشاركة السياسية المحدودة إلى ما هو أبعد من هذه القبيلة. ففي حين لم يتم نشر الحدود الفاصلة بين القطريين “الأصليين” والقطريين “المجنسين”، إلا أنه في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قدم وزير سابق تقديرات تصل إلى أنه ما بين 40٪ إلى 50٪ من المواطنين القطريين قد تأثروا سلبًا بقانون الجنسية. وأن ذلك سيشمل الحرمان من التصويت، وكذلك أيضًا، فقدان الامتيازات الأخرى التي تشمل فرص العمل الوزارية والإسكان. وقد حفّز هذا آخرين، مثل طالبة الدكتوراة مريم الهاجري التي تكتب للمنشور، إلى القول بأن عدم المساواة في جوهر قانون الجنسية هو ظلم أساسي لا يمكن علاجه من قبل لجنة المظالم الانتخابية، ولكنه يتطلب دعوةً لتحرك سياسي على نطاق أوسع، “إن حرمان شريحة كبيرة من المجتمع القطري من المشاركة الشعبية لا يعكس رغبة حقيقية في التحول الديمقراطي”.
مثل هذه الدعوة من شأنها أن تورط الحكومة نفسها في التركيز على الهوية القبلية. هناك بالفعل مؤشرات أخرى على مثل هذا النهج في الاقتراع. في وزارة الداخلية، حيث خضعت قوانين الانتخابات وتحديد الدوائر الانتخابية للنقاش لأكثر من عقد من الزمن، كانت السلطات على دراية تامة بالحساسيات القبلية، وعقدت العزم على تحديد الدوائر الانتخابية بطريقة توفر التوازن العادل في التمثيل. سوف يتجلى المعنى المقصود من “التوازن العادل” في السياق السياسي القطري، بشكل أوضح، ويخضع للنقاش السياسي عندما تظهر نتائج هذا النظام في التصويت الأول.
إن الشكل المرجح ظهوره هو تمثيل محلي فردي مُشَخْصَن للغاية. من المؤكد أن وضع نظام انتخابي يقوم على الصوت الواحد سوف يفضل الروابط الأسرية، كما حدث في انتخابات أخرى في الخليج، كما هو الحال في المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات. ومن المرجح لتقسيم القاعدة الانتخابية والجغرافيا القطرية، الصغيرة أصلًا، إلى 30 دائرة منفصلة أن يؤدي إلى حرمان المرشحين من منصة لمناقشة المزيد من القضايا الوطنية. لهذا السبب، فإنه ليس من المرجح أن يكون هذا النقاش العام الأول حول التمثيل والمواطنة هو النقاش الأخير. وسواء حظيت الاحتجاجات بالدعم على أنها مجرد دعوة عادلة من أجل المساواة والاندماج الشامل أو بتصويرها، بدلاً من ذلك، على أنها مجرد مظالم قبلية، فإن ذلك سيحدد شروط التطور السياسي المستقبلي لقطر.
سياق الانتخابات
من الواضح، في البداية على الأقل، أن القيادة القطرية تخطط لانفتاح تتم إدارته بعناية، مع قيود كبيرة على المشاركة وآليات إدارة التوجه السياسي للبلد. وقد تجلى هذا الحذر في البطء الشديد في طرح انتخابات مجلس الشورى التي يتطلبها دستور 2003، وفي الشكوك التي أعربت عنها النخب. في مقابلة مع متحدثين قطريين رئيسيين في مناصب بارزة في المجتمع المدني – مثل رئيس المجلس البلدي ورئيس جامعة قطر- قالوا مرارًا وتكرارًا إن مثل هذه التحولات تتطلب الصبر، “إن التحضير والطهو بالمكونات الصحيحة يستغرق وقتًا. إذا كان لديك وجبة يحتاج طهوها لثلاث ساعات، فلا يجوز طهوها في 30 دقيقة فقط. لن تكون جاهزة!”
ومع ذلك، فإن اختيار هذا التوقيت للانفتاح هو أمر مثير للفضول من نواحٍ عدة. على ما يبدو أن أبرز الأنظمة البرلمانية في الخليج -في الكويت والبحرين- واقعة في أزمة، حيث تغيير القواعد والحظر السياسي يقوض من أهداف الديمقراطية والرقابة. ويمكن القول إن الشيء نفسه ينطبق على الحكم الديمقراطي على الصعيد العالمي.
ومع ذلك، فإن التوقيت يشير إلى أن القيادة القطرية تحاول استمالة المجتمع الدولي. اعتبرت إدارة الرئيس جوزيف بايدن، مرارًا وتكرارًا، تعزيز التحالفات الديمقراطية أولوية، من خلال الرسائل إن لم يكن دائمًا بالممارسة العملية. كما أن وسائل الإعلام العالمية سوف تركز اهتمامها مرة أخرى على قطر باعتبارها الدولة المضيفة لكأس العالم 2022. يشير تطور الوعي السياسي الذي برز في الاحتجاجات الأخيرة إلى أنه بقدر ما اضطرت القيادة القطرية للشروع في عملية طويلة من الإصلاحات العمالية لمعالجة التناقضات في رعايتها لكأس العالم، فإن ولوج قطر المبكر إلى معترك المشاركة السياسية، ربما، ما يزال يتطلب المزيد من المفاوضات الاجتماعية.