لقد سقطت سمة رئيسية من سمات الاستثنائية السعودية، أي حظر قيادة المرأة في المملكة، مما يمثل تتويجًا لعقود من التغيير الاجتماعي والنشاط السياسي من جانب طليعة صغيرة ولكن متزايدة من النساء السعوديات. ويقدم المرسوم الملكي الذي أعلن بدء السماح للمرأة بالقيادة بحلول شهر حزيران/يونيو 2018 أفضل مؤشر حتى الآن على أن القيادة السعودية تعتزم اغتنام فرصة هذه المرحلة من الانتقال بين الأجيال في المملكة لدفع عملية التحول الأوسع نطاقًا بشكل آمن ومحكوم وبمصادقة عائلة آل سعود الحاكمة.
كما يمثل إنهاء حظر القيادة خطوة هامة إلى الأمام بالنسبة للمرأة السعودية. وبينما سيواصل النشطاء النضال من أجل رفع المزيد من القيود عن استقلال المرأة – المتمثلة في وصاية الأقارب الذكور – فإن هذا التقدم في الحراك ينبغي أن يوسع فرصهن ووجودهن في الحياة العامة، وخاصة عندما يقترن ذلك بفرص أخرى تحاول الحكومة توفيرها. وفي الوقت ذاته، فإن إنهاء حظر قيادة المرأة يفتح المجال للحكومة أيضًا، بعد أن كانت قد اختُزلت في الأصولية الدينية واضطهاد المرأة في المملكة. كما شكل إنهاء الحظر ردًا سهلًا على كل من سعى إلى نبذ أي تقدم تسعى إليه الحكومة في مجال إدماج المرأة. ومن ثم، فإن هذه الخطوة تلغي وصمة مستحقة وطويلة الأمد على المصداقية السعودية مع شريحة واسعة من المجتمع الدولي.
وإضافة إلى ذلك، فإن رمزية حظر القيادة – وهو أمر فريد وخاص بالمملكة العربية السعودية – يجعل إنهاءه إشارة قوية للاتجاه الجديد الذي تسلكه المملكة، مما يشكل أهمية بالنسبة للدول الأخرى التي تتطلع إلى السعودية للتعاون في مكافحة التطرف الإسلامي، وبالنسبة للمستثمرين الأجانب الذين يفكرون في الاستثمار في الاقتصاد السعودي الجديد.
إطلاق الاقتصاد الجديد
يتحرك الاتجاه الجديد في الاقتصاد السعودي بدافع من الضرورات الاقتصادية والالتزام بالتغيير الثقافي. فالضرورة تدفع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان – والذي يقود جهود الإصلاح الاقتصادي المجسدة في رؤية السعودية 2030 – إلى الحد من الاقتصاد الخاضع لسيطرة الدولة. المملكة ببساطة لا يمكنها توفير فرص عمل لجميع سكانها المتنامين، وذلك نظرًا لواقع سوق النفط اليوم. وفي الوقت ذاته، هناك مزيج من السياسة وتغيير الأجيال وما يبدو أنه تفضيلات شخصية يملي على القيادة السعودية فتح المجال أمام الحياة العامة في المملكة المعروفة بفرض القيود، كما أن النهوض بالمرأة جزء لا يتجزأ من نجاح كل من التنويع الاقتصادي ومبادرات التحرير الثقافي.
ويعد الفصل بين الجنسين مكلفًا. فقد قدرت وسائل الإعلام السعودية تكلفة استقدام السائقين الأجانب وحدها بأكثر من 3.7 مليار دولار عام 2016. ومما لا شك فيه أن غياب حرية التنقل يمنع النساء من الانضمام بشكل كامل إلى الحياة الاقتصادية في المملكة. ومع ضعف اعتمادها على النفط، ستحتاج المملكة إلى قوة عاملة أكثر إنتاجًا وتشمل النساء، حيث تصل نسبة البطالة لدى النساء خمسة أضعاف النسبة لدى الرجال. لذا تسعى رؤية السعودية 2030 إلى زيادة نسبة مشاركة المرأة في القوة العاملة من 22 إلى 30 في المائة على مدى الخمسة عشر سنة القادمة.
وتتجاوز الأهمية الاقتصادية لإنهاء حظر قيادة المرأة التكلفة المباشرة للسائقين، وصولًا إلى تغيرات الاقتصاد الاجتماعية الثقافية الأوسع نطاقًا. فمن أجل توفير فرص العمل وفقًا لرؤية 2030، تسعى المملكة إلى تطوير قطاعي الترفيه والسياحة. فهذه المجالات تتطلب المزيد من الانفتاح وتخفيف الفصل الصارم بين الجنسين. وينعكس هذا التغيير الجاري اتباعه في احتفالات اليوم الوطني السعودي التي تم تنظيمها في مراكز المدن مؤخرًا، حيث رقص الجمهور في جو مهرجاني على أنغام موسيقى العازفين (دي جي) ومع وجود شاحنات الطعام.
ولكن بطبيعة الحال، سيعتمد التحرير الاقتصادي والإدماج الناجح للمرأة في القوى العاملة السعودية على التنفيذ، مما سيشكل مهمة إدارية هائلة بالنسبة لنظام بيروقراطي معروف ببطئه الشديد وكونه يخضع حاليا إلى تفويضات مختلفة للتغيير.
على درب ميثاق وطني جديد
لمجاراة هذه المرحلة من التغيرات الجيلية والاجتماعية والثقافية العميقة، عكفت القيادة السعودية على وضع ميثاق وطني جديد يتطلب المزيد من السعوديين من حيث الاقتصاد، ويعطيهم المزيد من حيث الحريات الاجتماعية. ولكن عائلة آل سعود الحاكمة تريد السيطرة الكاملة على هذه العملية. فقد قيل إن بعض الناشطات اللاتي دفعن نحو هذا التغيير تم تحذيرهن من التعليق على هذا القرار التاريخي، والذي صدر بأمر ملكي وتم الاحتفاء به بصفته هدية من الملك من خلال هاشتاغ وسائل التواصل الاجتماعي، مثل “#الملك_ينتصر_لقيادة_المرأة”.
ويعد الانتقال السياسي من الاعتماد على الولاية الدينية إلى موقف أكثر وطنية أمرًا صعبًا، فالتمكين النسبي للمرأة الممثل في إنهاء حظر القيادة يشكل أحد المبادئ – والأدوات – الرئيسية لهذا التحول. وسيقدر البعض قرار فتح المجال الاجتماعي أمام المرأة – من خلال العمل والترفيه والقيادة – وخاصة بين الشباب في المدن، إلا أنه لا يحظى بالشعبية بين المحافظين في المملكة.
وفي أعقاب صدور المرسوم الملكي، اعتقل العديد من الرجال السعوديين الذين تعهدوا على وسائل التواصل الاجتماعي بالاعتداء على السائقات. كما صاغت الحكومة قانونًا جديدًا يجرم التحرش الجنسي لردع المقاومة المتوقعة لزيادة نسبة النساء على الطرق وفي أماكن العمل.
أشار المرسوم الملكي إلى دعم أغلبية أعضاء هيئة كبار العلماء للقرار، ولكن ليس بالإجماع. وقد أصدرت الهيئة لاحقًا بيانها الخاص، مشيدة بالمرسوم وجهود الملك الذي “توخى مصلحة بلده وشعبه في ضوء ما تقرره الشريعة”. أما الانتقادات التي تعرضت لها الهيئة بسبب تغييرها لموقفها المذكور في بيانات سابقة من قبل رئيسها، الذي حذر من أن السماح للمرأة بالقيادة “يفتح أبواب الشرور”، فقد عارضتها الهيئة، التي أنكرت أنها أصدرت أي فتوى تحرم قيادة المرأة.
تكمن أهمية توقيت هذا الإعلان في أمرين، أولهما كان من المهم أن تحصل هذه الخطوة المثيرة للجدل قبل أي انتقال للسلطة، وبالتالي إعطاء القرار قوة سلطة جيل أبناء المؤسس عبد العزيز بن سعود، وثانيهما أن الإعلان تبع حملة اعتقالات لأهم أصوات المعارضة، وأغلبهم من الشيوخ والمثقفين، مما أرسل رسالة بأن المعارضة العلنية لن يتم التسامح معها. وفي حين أن الحكومة لم تصدر أي أحكام رسمية على المعتقلين، إلا أنها أعلنت تفكيك خلية استخباراتية تعمل لصالح جهة أجنبية. وفي ذلك استكمال لحملة طويلة تصور المعارضة السياسية الدينية على أنها من جهة خارجية، وتعارض مصلحة الدولة، بهدف إضعاف مصداقيتها أمام العامة.
يوم تاريخي وطريق وعر
سيُذكر يوم 26 أيلول/سبتمبر 2017 كيوم تاريخي في المملكة، وبالتأكيد كيوم احتفالي، وخاصة بالنسبة للمرأة والنشطاء الاجتماعيين الذين ناضلوا من أجل هذا الحق. ومع ذلك، سيستغرق الأمر وقتًا لنرى مدى فعالية تنفيذ الحكومة لهذا الإجراء إداريًا وسياسيًا على حد سواء. فتطبيق هذا التغيير سيُثقل النظام البيروقراطي الخاضع للاختبار اصلا بسبب إصلاحات اقتصادية طموحة أخرى. وفي حين أن مثل هذه الإصلاحات التحررية قد تساعد على تمييز أولئك الذين يرغبون في التغيير الاجتماعي عن المعارضين السياسيين، فإن المقاومة المحافظة الهائلة ضد هذه التغييرات مرجحة وسيتم مراعاتها بعناية عند تحديد وتيرة الانفتاح الاجتماعي. وبذلك أزيلت إحدى العقبات أمام التقدم الدبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي، ولكن الطريق أمامنا لا يزال وعرًا.