يستند هذا التقرير إلى العروض والمناقشات التي تمت خلال منتدى الإمارات للأمن 2020، الذي جاء تحت عنوان "اقتصادات مرنة، ومجتمعات المرنة"، الذي عقد في الفترة من 15 إلى 17 ديسمبر 2020 عبر شبكة الانترنت.
تقليدياً، تركزت المناقشات حول أمن الخليج على التهديدات السياسية والعسكرية، واستقرار النظام والتدفق الحر للنفط والغاز. أظهرت جائحة فيروس كورونا أن المخاوف الإنسانية، مثل الرعاية الصحية والحصول على الغذاء والماء والكوارث الطبيعية التي زاد تأثيرها بسبب تغير المناخ، يجب أن تؤخذ في الاعتبار أيضاً في المناقشات حول الأمن، لأنها يمكن أن تهدد أسس دول الخليج العربية الهياكل الاقتصادية الريعية.
بينما تفاعلت دول الخليج العربية بكفاءة نسبية مع تفشي فيروس كورونا، لتحسين التأهب للأزمات الصحية، يمكن إحراز تقدم في تطوير تحليل بيانات الرعاية الصحية وزيادة القدرات في مجال الصحة العقلية.
ساهمت دول الخليج في مبادرات دولية متعددة منذ بداية الوباء، من خلال تقديم التبرعات والدعم اللوجستي والمشاركة في تجارب اللقاحات. ستكون هذه المشاركة الدولية ذات قيمة في السنوات القادمة بسبب الاحتمال الكبير لظهور فيروسات جديدة ومسببات الأمراض، وكذلك الدرجة العالية من الاعتماد المتبادل في سلاسل التوريد الطبية.
عززت أزمة فيروس كورونا الحاجة الملحة لأن تصبح اقتصادات الخليج أقل اعتماداً على عائدات النفط والغاز. نظراً لأن الحكومات تختار الإنفاق العام الأصغر حجماً والأكثر تبسيطاً، يجب عليها إعطاء الأولوية لأصحاب المشاريع والشركات عالية الأداء، وإيلاء اهتمام أكبر للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتحسين التوازن بين تدابير التحفيز النقدي وإجراءات التحفيز المالي.
يعد ضمان نظام تعليم عالٍ متنوع أمراً أساسياً في إنشاء النظم البيئية الفكرية والتقنية المعقدة اللازمة للتنمية الكاملة لاقتصاد المعرفة. يجب على دول الخليج مقاومة الضغوط لمواءمة التعليم مع الاحتياجات الفورية لسوق العمل، لأن هذا يمكن أن يحد بشكل كبير من الابتكار.
أدت جائحة فيروس كورونا إلى تطورات إيجابية أيضاً، مثل تسريع التحول الرقمي للمدارس والجامعات. يمكن أن تكون هذه الاستجابة الإبداعية للأزمة بمثابة أساس لتوسيع نطاق وصول التعليم إلى السكان الجدد أو في المناطق النائية.
يمكن للتكنولوجيات والأبحاث الجديدة أن تقدم سبلاً واعدة للأمن الغذائي. على سبيل المثال، يمكنهم المساعدة في زيادة الإنتاج الزراعي المحلي – وهي قضية مهمة بالنظر إلى اعتماد الخليج على الإمدادات الغذائية الأجنبية.
لأن تغير المناخ سيخلق المزيد من التحديات الاقتصادية والبيئية، تحتاج دول الخليج إلى إعادة ضبط مزيج الطاقة لديها. تمثل حزم التعافي من فيروس كورونا فرصة لتشمل تدابير تستهدف الاستدامة وكفاءة الطاقة. ستفيد هذه الإجراءات البيئية وتخلق فرص عمل للشباب وتسرع من التنويع الاقتصادي.
الملخص التنفيذي
في الفترة من 15 إلى 17 ديسمبر 2020، عقد معهد دول الخليج العربية في واشنطن منتدى الإمارات للأمن الخامس، تحت عنوان “الاقتصادات المرنة، والمجتمعات المرنة”. جمع المنتدى، الذي عُقد افتراضياً، مجموعة متنوعة من الممارسين والباحثين وممثلي المنظمات غير الحكومية. ركزت المناقشات على الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية لوباء فيروس كورونا في دول الخليج العربية. بينما تؤكد المقاربات التقليدية لأمن الخليج على العوامل السياسية والعسكرية، سلط المتحدثون في المنتدى الضوء على قضايا الأمن البشري، حيث ناقشوا كيف إن الآثار الملموسة للوباء على الصحة العامة، والتي لا تتعلق بالجوانب السياسية أو العسكرية للأمن، يمكن أن تهدد، بشكل خطير، أسس دول الخليج العربية وهياكلها الاقتصادية الريعية.
كانت ردود فعل دول الخليج العربية على تفشي فيروس كورونا أكثر فعالية نسبياً من ردود فعل العديد من الدول الأخرى. حيث أظهرت القيادة والقدرة على التحرك بسرعة، وتنفيذ البروتوكولات الطبية المناسبة. ومع ذلك، لتحسين التأهب للأزمات الصحية، لا يزال التقدم مطلوباً في تطوير تحليل بيانات الرعاية الصحية، وزيادة القدرات في مجال الصحة النفسية. كان الدرس الأساسي الآخر للوباء هو قيمة التعاون والتضامن العالميين. على سبيل المثال، قدمت دول الخليج المساعدة للعديد من المبادرات الدولية، وشاركت في تجارب اللقاحات. ستكون هذه المشاركة الدولية لا غنى عنها في السنوات القادمة بسبب الاحتمال الكبير لظهور فيروسات جديدة ومسببات الأمراض، وكذلك الدرجة العالية من الاعتماد المتبادل في سلاسل التوريد الطبية.
خلق الوباء تحديات اقتصادية في منطقة الخليج أيضاً. وقد أثر ذلك بشكل مباشر على قطاعي السياحة والضيافة، كما أدى إلى انخفاض عالمي في الطلب على النفط وأسعاره، الأمر الذي كان له تأثير كبير على اقتصادات المنطقة. وبهذه الطريقة، عززت الأزمة الحاجة الملحة لأن تصبح اقتصادات الخليج أقل اعتماداً على عائدات النفط والغاز. نظراً لأن الحكومات تختار الإنفاق العام بالصورة المناسبة لها، يجب أن تكون سياسات التعافي الاقتصادي استراتيجية. يجب على دول الخليج إعطاء الأولوية لرجال الأعمال والشركات عالية الأداء في عملية تحصيص الموارد في إطار خطط التعافي الاقتصادي. ويجب أن تولي اهتماماً للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، لأنها تمثل شريحة مهمة من الاقتصاد الكلي، ولكن، في الغالب، تتلقي نسبة صغيرة جداً من القروض الحكومية. لتشجيع الانتعاش الاقتصادي للقطاع الخاص، تميل الحكومات في جميع أنحاء المنطقة إلى تفضيل تدابير التحفيز النقدي من خلال تعزيز السيولة في البنوك أو تأجيل سداد القروض. يجب أن يوازنوا هذا بشكل أفضل مع تدابير التحفيز المالي، التي من شأنها ضخ المزيد من السيولة في حسابات الشركات والمستهلكين. بالإضافة إلى ذلك، يمكنهم أيضاً تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي المتزايد. على الرغم من وجود سوق مشتركة ونظام جمركي موحد بالفعل، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، على سبيل المثال، لزيادة التنسيق في العمليات الجمركية.
تستثمر معظم دول الخليج في اقتصاد المعرفة لتعزيز التنويع الاقتصادي على المدى الطويل. من المقرر أن يلعب التعليم دوراً رئيسياً في هذا التحول. على مدار الخمسين عاماً الماضية، أنشأت دول الخليج نظاماً قوياً للتعليم العالي، مع نسبة عالية من الشباب، الذين يتلقون تعليماً جامعياً، وتتصدر النساء هذا الطريق. يعد ضمان نظام تعليم عالٍ متنوع أمراً أساسياً في إنشاء النظم البيئية الفكرية والتقنية المعقدة اللازمة للتنمية المكملة لاقتصاد المعرفة. يجب على الحكومات أيضاً مقاومة الضغوط من أجل التوفيق، بشكل مفرط، بين التعليم والاحتياجات الفورية لسوق العمل. نظراً لأن أسواق العمل تتطور باستمرار، فمن المرجح أن تؤدي الجهود الصارمة للغاية في المواءمة إلى خنق الابتكار والقدرات التكيفية بين الطلاب.
كان أحد الآثار المباشرة لوباء الفيروس كورونا على التعليم هو التطور السريع للغاية لتقنيات التدريس الرقمية. في العديد من القطاعات الأخرى أيضاً، يمكن للتقنيات الجديدة أن تقدم إجابات واعدة لمختلف قضايا الأمن البشري. على سبيل المثال، يمكن لهذه التقنيات المساعدة في زيادة الإنتاج الزراعي المحلي – وهي مسألة مهمة بالنظر لاعتماد الخليج على الإمدادات الغذائية الأجنبية، والتي كان أمنها مصدر قلق في بداية تفشي فيروس كورونا.
أخيراً، نظراً لأن التحديات المتعلقة بتغير المناخ أصبحت أكثر إلحاحاً، يجب على دول الخليج العربية أخذها في الاعتبار في خطط الإنعاش الاقتصادي. ستؤدي الجهود العالمية لإزالة الكربون حتماً إلى تقليل الطلب على النفط، وبالتالي التأثير على ميزانيات الدول في الخليج. سيؤثر تغير المناخ أيضاً على المنطقة بشكل مباشر مع ارتفاع متوسط درجات الحرارة وزيادة فترات الجفاف الشديدة، التي ستزيد الطلب المحلي المتزايد بالفعل على الطاقة. لذلك يجب أن تتضمن حزم التعافي من فيروس كورونا تدابير تستهدف الاستدامة وكفاءة الطاقة.
مع اقتراب عام 2024 من نهايته، لا يزال عدم اليقين يخيم على أسواق النفط بسبب المخاطر الجيوسياسية، وضعف الطلب الصيني الذي جاء أقل من المتوقع، والتطورات المتعلقة بالتحول في مجال الطاقة.
مع سعي ترامب لتحقيق زيادة هائلة في إنتاج النفط والغاز الأمريكي، وعرقلة صادرات النفط الإيرانية، فإنه لن يتردد في التدخل بقوة في سوق النفط.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.