أدى الإغلاق الناجم عن جائحة فيروس كورونا وفقدان الوظائف إلى سعي ملايين الوافدين للعودة إلى أوطانهم الأصلية. كما ينتظر بضع مئات من آلاف العاملين في دول الخليج العربية العودة بعد أن تقطعت بهم السبل في بلدانهم الأصلية. وتعاني الشركات في معظم القطاعات من خسائر، وتفيد التقارير بوجود تقليص على وظائف ذوي الياقات الزرقاء والبيضاء. مع انخفاض في التوظيف يقدر بـ 13٪ في جميع أنحاء المنطقة، قد يؤدي خروج الوافدين إلى تقليص إجمالي عدد السكان بنحو 10٪ في الإمارات العربية المتحدة وقطر، و4٪ في المملكة العربية السعودية وعمان. وقد يضطر حوالي 3.5 مليون من 30 مليون وافد في دول الخليج العربية الست للعودة إلى ديارهم.
يشكل الوافدون جزءاً كبيراً من سكان المنطقة، يشكلون أكثر من 85٪ في الإمارات العربية المتحدة وقطر. كان معظم العائدين إلى ديارهم من الهنود والباكستانيين والمصريين والفلبينيين، والذين يشكلون أكبر الجاليات من الوافدين في المنطقة. لقد أرهق التعامل مع انتشار الفيروس الحكومات الإقليمية بسبب وجود معظم العمال غير المهرة وشبه المهرة في مساكن مزدحمة.
ضاعفت الرواتب غير المدفوعة للوافدين في القطاع الخاص من المشاكل. واحتج المهاجرون في قطر على الأجور غير المدفوعة، وتلقى الاتحاد العام للنقابات التجارية في البحرين شكاوى من المواطنين والوافدين حول الخسارة الوشيكة للوظائف المدعومة من الحكومة.
تقدم الحكومات ومجموعات الدعم الاجتماعي الإغاثة الطارئة للتخفيف من حدة الأزمة. قام برنامج هيئة المساهمات الاجتماعية، على سبيل المثال، بتوزيع 20 مليون وجبة طعام على 35 مخيماً للعمال في أبوظبي. وتدخلت حكومة أبو ظبي لمساعدة 180 ألف عامل من ذوي الياقات الزرقاء في العودة إلى بلدانهم ما بين شهري أبريل/نيسان ويونيو/حزيران. وتم فحص العديد من العمال العاطلين عن العمل للتأكد من خلوهم من فيروس كورونا، وكان كل من تظهر نتيجته إيجابية يتلقى العلاج على نفقة الحكومة. كما تكفلت السلطات بحصول العمال العائدين على رواتبهم ومستحقات نهاية الخدمة قبل عودتهم إلى أوطانهم.
وتمت إعادة جثث أكثر من 120 بنغالياً ممن لقوا حتفهم لأسباب طبيعية من الإمارات العربية المتحدة إلى بنغلاديش في مايو/أيار ويونيو/حزيران بعد أن تم تخفيف الإغلاق. بالإضافة إلى ذلك، أعيد 5000 بنغالي إلى وطنهم في 30 رحلة جوية مستأجرة وخاصة.
كان التعامل مع الهنود، وهم أكبر جالية أجنبية في المنطقة، يمثل تحدياً خاصاً. قبل تفشي فيروس كورونا، كان هناك 1100 رحلة جوية أسبوعياً بين الإمارات العربية المتحدة والهند. منذ شهر أبريل/نيسان، أدى الإغلاق إلى توقف عمليات الطيران تماماً، ما أعاق حركة ملايين الأشخاص.
من خلال ترتيب لحركة جوية “باتجاه واحد”، تم إجلاء 125 ألف من أصل 450 ألف متقدم هندي من الإمارات بحلول نهاية يونيو/حزيران. كان هذا جزءاً من أكبر عمليات تسفير للمدنيين في العالم ممن تقطعت بهم السبل خارج بلدانهم، حيث تم نقل حوالي 365 ألف هندي من أكثر من 50 دولة إلى ديارهم في مايو/أيار ويونيو/حزيران.
وفي حين أن هذا الترتيب عالج جزءاً من المشكلة، إلا أنه لم يعالج محنة عشرات آلاف الهنود المقيمين في الخليج والذين تقطعت بهم السبل في الهند منذ أبريل/نيسان. وإلى جانب المخاوف اللوجستية والصحية، كانت سياسة الأجواء المفتوحة حجر عثرة. طلبت الإمارات العربية المتحدة من طيران الهند عدم نقل ركاب من الهند في رحلات العودة إلى الوطن ما لم توافق الحكومة الإماراتية على وجه التحديد. جاءت هذه الخطوة بعد أن اتهمت الولايات المتحدة الهند بالتورط في ممارسات تتسم بالتمييز والاحتكار، عن طريق استبعاد شركات الطيران الأمريكية من رحلات العودة التي تدعمها الحكومة للهنود الذين تقطعت بهم السبل في الخارج. واتفقت الحكومتان الآن على السماح للمقيمين في الإمارات العربية المتحدة، الذين تقطعت بهم السبل في الهند، بالعودة على متن رحلات العودة الجوية لشركة طيران الهند، ولكن فقط ما بين 12 و26 يوليو/تموز. وأعلنت خطوط الطيران الإماراتية استئناف الرحلات الجوية المنتظمة إلى الهند اعتباراً من الأول من أغسطس/آب.
وتجري حاليًا عملية إعادة حوالي 200 ألف من الوافدين المقيمين في الإمارات العربية المتحدة، والذين تقطعت بهم السبل في الخارج. منذ تعليق خدمات الهجرة خلال فترة الإغلاق، مددت المملكة العربية السعودية صلاحية تصاريح الإقامة المنتهية وتأشيرات الدخول والعودة للوافدين خارج المملكة لمدة ثلاثة أشهر دون عقوبات. أما في الكويت، فإن العودة ممكنة فقط للوافدين العاملين في المجال الصحي، حتى ولو كانت تأشيرات إقامتهم منتهية الصلاحية.
وفي حين أن قائمة الوافدين المقيمين في دول الخليج، وينتظرون العودة إلى أوطانهم، قد تزايدت خلال فترة الإغلاق مع تردد حكوماتهم، فقد أعلنت وزارة الموارد البشرية والتوطين الإماراتية أنها تفكر في إعادة النظر في معايير تعاونها في مجال العمل مع الدول التي ترفض استقبال مواطنيها. وعلى الرغم من عدم متابعة ذلك، فقد بحثت الوزارة فرض قيود صارمة على توظيف العمال من هذه الدول، وتفعيل نظام الحصص في المستقبل، وتعليق مذكرات التفاهم السابقة.
وسعت الكويت إلى تحويل الأزمة إلى فرصة. في عام الانتخابات، أعطى الخطاب المناهض للوافدين زخماً جديداً لسياسة تأميم القوى العاملة. وفي الوقت الذي قام ما يقارب الـ 100 ألف وافد بمغادرة الكويت منذ أبريل/نيسان، قال رئيس الوزراء صباح الخالد الصباح إنه يجب تخفيض عدد سكان البلاد من الوافدين من 70٪ إلى 30٪. وحيث إن الوافدين يشكلون حوالي 3.4 مليون من أصل 4.8 مليون شخص يعيشون في الكويت، قال: “لدينا تحدٍّ مستقبلي لتصحيح هذا الخلل في التوازن”.
وفي وقت لاحق، اعتبرت لجنة برلمانية مشروع قانون بشأن تخفيض عدد العمال الأجانب في الكويت دستورياً. ويتضمن مشروع القانون خططًا لاستبدال 100 ألف موظف حكومي من الوافدين بالمواطنين. كما يقترح نظام الحصص لمختلف الجنسيات. على سبيل المثال، فإن اعتماد السقف 15٪ للهنود كنسبة من إجمالي عدد السكان، سيقلل أعدادهم بأكثر من النصف من أصل 1.4 مليون موجودين حالياً. وينتظر مشروع القانون التدقيق من قبل لجنة برلمانية أخرى قبل التصويت عليه وربما سنه كقانون.
وفي موقف مماثل، فإن محاولة عُمان الحد من الإنفاق العام تعني عدم تجديد العقود لـ “70٪ على الأقل من الخبراء والمستشارين الأجانب العاملين في جميع القطاعات المدنية والحكومية”. كما صدرت تعليمات للشركات الخاصة لاستبدال الموظفين الوافدين بمواطنين. هناك حوالي 35٪ من سكان السلطنة البالغ عددهم 4.6 مليون نسمة هم من الوافدين.
في المملكة العربية السعودية، من المتوقع أن يغادر المملكة 1.2 مليون وافد بحلول نهاية العام. غادر المملكة 323 ألف عامل منذ بداية عام 2020. خلال فترة ستة أسابيع من أبريل/نيسان وحتى يونيو/حزيران، تقدم 178 ألف وافد بطلب للحصول على تصاريح مغادرة. هنالك حوالي 10.5 مليون وافد من إجمالي عدد السكان، الذي يبلغ ما يقارب الـ 35 مليون نسمة في بلد اتبع سياسة السعودة بشكل استباقي في السنوات القليلة الماضية.
وفي حين أثار تدفق الوافدين إلى الخارج مخاوف البعض بخصوص هجرة الأدمغة، وعدم توفر القوى العاملة بأسعار معقولة، وتأثيره العام على الاقتصاد الذي يعاني أصلاً، إلا أن البعض الأخر رآه إيجابياً. وألقى بعض المواطنين باللائمة على الوافدين بنشر فيروس كورونا وطالبوا بطردهم. ودعا كاتب عمود سعودي إلى “تطهير” المملكة من العمالة الوافدة المفرطة.
وفي تبريرات أخرى تجادل بأن مغادرة العمال الأجانب دول الخليج لن تؤدي إلى خسائر اقتصادية، تمت الإشارة إلى أن ذلك سيقلل من العبء على الخدمات العامة، وأنه سيتم تقليص تدفق التحويلات المالية، ما “سيساعد على تعزيز السيولة المحلية”، خاصة أنه من المتوقع أن ينخفض التدفق المالي إلى الخارج من 120 مليار دولار في عام 2019، إلى حوالي 100 مليار دولار في عام 2020.
من المؤكد أن تأثير تناقص أعداد الوافدين على اقتصادات دول الخليج سيكون مصدر قلق على المدى الطويل، خاصة على قطاعات العقارات وتجارة التجزئة والضيافة والترفيه. وقد تعاني بعض الدول أيضا من خسائر فادحة بسبب عدم القدرة على تحصيل الضرائب غير المباشرة المفروضة لزيادة الإيرادات غير النفطية. وينطبق هذا بشكل خاص على المملكة العربية السعودية، التي تفرض رسوما خاصة على العمال الأجانب وأسرهم. بالإضافة إلى ذلك، فقد رفعت ضريبة القيمة المضافة مؤخرا إلى ثلاثة أضعاف لتصل 15٪. ومع ذلك، فإن هنالك بارقة أمل للدول الخليجية تتمثل في فرصة تأميم القوى العاملة لديها. ولكن بالنظر إلى التجارب السابقة، نجد أن القول أسهل من العمل لأن معظم المواطنين إما لا يتمتعون بالمهارات الكافية، أو أنهم غير راغبين في الحصول على الوظائف التي لا تتطلب مهارة وذات الأجور المتدنية.
بشكل عام، من المرجح أن تصبح التحديات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الجائحة أسوأ من أي انتكاسة آخرى في الماضي. لكن من المرجح ألا تلقى هذه التحديات الاهتمام الكامل إلا بعد أن تتغلب حكومات الخليج على الأعباء اللوجستية القصيرة المدى المرتبطة بتدفق الوافدين إلى الخارج، وتصبح قادرة على حساب مدى التوسع والانحسار في أسواق العمل المتغيرة.