ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
إن لإستراتيجية المملكة العربية السعودية في تحسين صورتها، ولجهودها في تحقيق التنويع الاقتصادي آثار واسعة النطاق، وقد شمل ذلك الساحة الرياضية محليًا وعالميًا. تمحورت أنشطة التنويع في الآونة الأخيرة حول تغييرات كبيرة في عالم لعبة الجولف وانتقالات كبيرة في مجال كرة القدم. يخضع استثمار السعودية في لعبة الجولف، وهي رياضة لا يتابعها أو يلعبها الكثيرون في المملكة، لتدقيق شديد حتى منذ فترة ما قبل الاندماج المفاجئ لدوري ليف جولف (LIV Golf) المدعوم من السعودية مع رابطة محترفي الجولف في الولايات المتحدة وأمريكا الشمالية بي جي إيه تور (PGA Tour) ودي بي ورلد تور (DP World Tour). حظى هذا الإندماج بتغطية إعلامية كبيرة وتعليقات ناقدة عبر الإنترنت، في سياق مفهوم “الغسل الرياضي” [تلميع وتحسين الصورة عبر استخدام الرياضة] المعتاد. ولكن الخبر الكبير الآخر المتعلق بكرة القدم يستحق المزيد من التدقيق لفهم أبعاده المتعددة.
لقد أسهمت شعبية كرة القدم ومستقبلها في المملكة في ظهور التزام حقيقي لدى الدولة، حيث يهدف القادة السعوديون إلى تحويل دوري المحترفين السعودي إلى دوري مربح وتنافسي، فالهدف الرسمي هو أن يحتل الدوري السعودي مركزًا بين المراكز العشرة الأولى بين دوريات كرة القدم في العالم. ولتحقيق هذا، أعلن ولي العهد محمد بن سلمان في الخامس من يونيو/حزيران مبادرة لخصخصة أندية كرة القدم المحلية، التي كانت حتى ذلك الحين تحت سيطرة وزارة الرياضة. وشمل الإعلان أيضًا خبر تحويل ملكية أربعة أندية إلى صندوق الاستثمارات العامة، ثلاثة منها، الهلال والنصر والاتحاد، كانت قد احتلت صدارة الدوري السعودي خلال الموسم الماضي. أما الرابع، الأهلي، فقد صعد للمشاركة في الدوري العام موسم 2023-2024. وتعكس مبادرة الخصخصة والاستثمار هذه، والدور المحوري الذي يضطلع به صندوق الاستثمارات العامة، الجهود الأوسع التي تبذلها المملكة لإعادة هيكلة الاقتصاد. شملت الخصخصة، التي هي أحد الأهداف الأساسية لرؤية 2030، قطاعات عدة، مثل التعليم والرعاية الصحية والنقل. في حين أن صندوق الاستثمارات العامة لا يزال مملوكًا للحكومة، تهدف خطط الخصخصة للتخلي عن إدارة القطاعات المختلفة، التي كانت تعتمد في السابق على التمويل الحكومي، لصالح جهات خاصة من أجل تقليل الاعتماد على النفط. وتهدف هذه الخطوة أيضًا إلى تحفيز وجذب الرعاة المحليين والعالميين للاستثمار في قطاع الرياضة.
تتمتع تطلعات كرة القدم في السعودية، على عكس دول الخليج الأخرى، بميزة ناتجة عن الشعبية الواسعة التي تحظى بها هذه الرياضة في المملكة، والأعداد الكبيرة نسبيًا والمتزايدة من المشاهدين. من هنا، تأمل المملكة في أن يصبح استثمارها في كرة القدم المحلية مصدرًا إضافيًا للإيرادات غير النفطية، وذلك من خلال جذب الاستثمارات الإقليمية والعالمية وخلق فرص عمل للشباب، مع العلم بأن العديد من هذه الوظائف قد تكون موسمية أو مؤقتة. كما تأمل المملكة بأن تصبح كرة القدم ساحة للانفتاح الاجتماعي في البلاد. كانت أول دفعة كبيرة للدوري السعودي وقاعدة مشجعيه، في أواخر عام 2022، في عقد غير مسبوق، وقعه نجم كرة القدم البرتغالي كريستيانو رونالدو مع نادي النصر في الرياض. بعد ذلك، في أوائل يونيو/حزيران، انضم كريم بنزيمة لاعب ريال مدريد إلى نادي الاتحاد في جدة، تلاه نجولو كانتي لاعب تشيلسي، وبذلك يكون لدي أكبر سوقين لكرة القدم في المملكة نجم رياضي واحد على الأقل. ومن المتوقع أن ينضم المزيد من اللاعبين الدوليين خلال فترة الانتقالات الصيفية، رغم أن عدم انضمام ليونيل ميسي، الذي اختار الانضمام لنادي إنتر ميامي في الولايات المتحدة، شكل خيبة أمل كبيرة للسعوديين.
ظهرت إمكانات كرة القدم السعودية وأهميتها في المملكة، وفي المنطقة ككل، خلال بطولة كأس العالم في قطر 2022، فقد حدثت خلال البطولة واحدة من أكبر المفاجآت في تاريخ كرة القدم حين هزم المنتخب السعودي منتخب الأرجنتين في مباراتهما الافتتاحية. علمًا بأن الأرجنتين كان متوقع بقوة فوزها بتلك المباراة، وقد فازت الأرجنتين في النهاية بكأس العالم. وتم الاحتفال بالانتصار الذي حققه اللاعبون السعوديون، وجميعهم يلعب في الدوري السعودي المحلي، على نطاق واسع في المملكة وجميع أنحاء العالم العربي. يوضح الدعم الذي حظيت به المملكة خلال كأس العالم مدى أهمية لعبة كرة القدم وقدرتها على تقوية شعور الفخر الوطني في الداخل، وزيادة تأثير القوة الناعمة في الخارج. وتجلى هذا التأثير أيضًا في وقت لاحق من البطولة، عندما دعم مشجعو كرة القدم في جميع أنحاء المنطقة منتخب المغرب في مشواره التاريخي والتأهل للدور نصف النهائي.
إن الاستثمارات التي تقوم بها السعودية في قطاع الرياضة، وخاصة في أندية كرة القدم، تساعد في تعزيز النزعة القومية، التي هي هدف أساسي لرؤية 2030، علمًا بأن هذا الاتجاه في تزايد في جميع أنحاء منطقة الخليج. في حين أن المشاركة الخليجية في كرة القدم غالبًا ما يتم اختزالها في مفهوم الغسل الرياضي، إلا أن هذه الادعاءات لا تعترف بقدرة الرياضة على تعزيز المصالح الوطنية للحكومات. فالمملكة، نظرًا لحجمها الكبير وعراقة الدوري المحلي، تحاول الاستفادة من قطاع الرياضة والعقود التي تبرمها مع كبار اللاعبين كوسيلة لتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية. في حين سيتعين على صندوق الاستثمارات العامة ضخ أموالًا طائلة حتى تتمكن الأندية من جذب نجوم كرة القدم والاحتفاظ بهم، يأمل القادة السعوديون أنه من خلال زيادة الاهتمام بالأندية السعودية على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، سيكونوا قادرين على توليد استثمارات وصفقات رعاية بهدف تحقيق عوائد في نهاية الأمر. وتؤكد التطورات الأخيرة، مثل استثمار صندوق الاستثمارات العامة في الدوري والأندية المحلية، اهتمام السعودية المتزايد بجعل الرياضة ركن أساسي من أركان أجندة المملكة للتحول.
كما يساعد اهتمام السعودية باستضافة الأحداث الدولية الكبرى لكرة القدم على تطوير البنية التحتية للرياضة في المملكة، وإضافة المزيد من الانجازات إلى ملفها الرياضي. ففي عام 2019، وقعّت المملكة اتفاقية لاستضافة كأس السوبر الإسباني لمدة ثلاث سنوات، وتم تمديدها لاحقًا إلى عام 2029. وبما أن الدوري الإسباني يحظى بمتابعة واسعة في المملكة، فاستضافة هذا الحدث السنوي يمكن أن تؤدي إلى تعزيز السياحة إلى المملكة وفي داخلها، بالإضافة إلى زيادة خيارات الترفيه في البلد وتوليد الإيرادات. وعلى نحو مماثل، تقدمت المملكة، التي ستستضيف كأس آسيا 2027، بطلب لاستضافة كأس آسيا للسيدات 2026. كذلك قدمت المملكة في عام 2022 ملفًا، إلى جانب مصر واليونان، لاستضافة كأس العالم في عام 2030. إن إقامة مثل هذه المناسبات ليست مجرد عنصر حاسم في استراتيجية القوة الناعمة الدولية للسعودية، ولكنها تمثل أيضًا جزءًا مهمًا من مبادرات الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي في المملكة.
عند رؤية الأمر من منظور خارجي، تلعب كرة القدم الدولية، منذ فترة طويلة، دورًا محوريًا في جهود تحسين الصورة، وخلق فرص استثمارية في منطقة الخليج. وقد سلكت كل من السعودية وقطر والإمارات مسارًا مماثلًا في شراء أندية كرة القدم واستضافة الأحداث الرياضية. وكانت الإمارات وقطر قد بدأتا موجة امتلاك الأندية عندما اشترت أبوظبي نادي مانشستر سيتي في عام 2008، واستحوذت الدوحة على نادي باريس سان جيرمان بعد ثلاث سنوات من ذلك. وانضمت السعودية لهم لاحقًا عندما استحوذ صندوق الاستثمارات العامة على نادي نيوكاسل يونايتد في عام 2021. في ذلك الوقت، كان نادي نيوكاسل في أسفل ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز وعرضة للهبوط إلى الدوري الأدنى، ولكنه أحرز منذ ذلك الحين تقدمًا سريعًا ليحتل المركز الرابع في الدوري في مايو/أيار، وتأهل لدوري أبطال أوروبا لأول مرة منذ 20 عامًا.
إن المنافسة المتزايدة في الخليج، خاصة بين السعودية والإمارات وقطر، ليست أمرًا جديدًا ولا تقتصر على الرياضة. فالدول الثلاث تسعى لوضع خطط مماثلة لتصبح مراكز إقليمية للثقافة والسياحة والنقل والأعمال. ومع ذلك، من المرجح أن تلعب كرة القدم دورًا أكثر بروزًا في المستقبل في هذه الدول. فمثلًا، سيجلب الاستحواذ القطري المحتمل على نادي مانشستر يونايتد ديناميكية جديدة إلى الدوري الإنجليزي الممتاز، وفي الوقت نفسه، ستتنافس لأول مرة معًا الفرق المدعومة من دول الخليج الثلاث في دوري أبطال أوروبا. لا شك أن فوز نادي مانشستر سيتي في نهائي 10 يونيو/حزيران لم يتم الاحتفال به في الإمارات فقط، بل في جميع أنحاء المنطقة.
بالنسبة لقاعدة مشجعي كرة القدم الكبيرة في السعودية، سيكون انضمام نادي نيوكاسل إلى فرق النخبة في الموسم المقبل محل ترحيب من الكثيرين. فمن المتوقع أن يؤدي إدراج فريق “سعودي” في دوري الأبطال إلى تعزيز شعبية البطولة، المحبوبة على نطاق واسع، فضلاً عن تعزيز المشاعر القومية المتزايدة تماشيًا مع أجندة المملكة. إلى جانب التطورات الأخيرة في الدوري المحلي، سيحظى مشجعو كرة القدم السعودية بموسم حافل على الصعيدين المحلي والدولي.