عندما سُئل الرؤساء التنفيذيون وكبار المسؤولين التنفيذيين في خمس من أكبر شركات الطاقة في العالم مؤخراً عن أكثر الأمور التي تؤرق مضاجعهم ليلاً، أدرجوا المخاطر الجيوسياسية وأمن الطاقة، والتباطؤ الاقتصادي في الصين، وتعطل سلاسل الإمداد، والتهديد بتصعيد الحروب التجارية وتأثيرها على عملية التحول في مجال الطاقة، باعتبارها أكثر القضايا إلحاحاً في عام 2024. وكانت هذه هي القضايا نفسها التي كان على تحالف أوبك بلس بقيادة السعودية وروسيا التعامل معها من خلال إدارة سياسة الإنتاج النفطي في عام 2024.
إن استمرار هذه الحالة من عدم اليقين التي تخيم على مدى نمو الطلب على النفط، في الصين بشكل خاص، وكيفية إدارة التغيير المحتمل في سياسة الطاقة الأمريكية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي يعد من أنصار الوقود الأحفوري، سيشغلان بال وزراء تحالف أوبك بلس مع اقترابهم من عام 2025. كما زادت المخاطر الجيوسياسية تعقيداً بعد انهيار نظام البعث السوري بقيادة بشار الأسد في أوائل ديسمبر، ولا تزال تداعيات هذا الحدث غير واضحة.
ذكر وائل صوان، الرئيس التنفيذي لشركة شل في معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، “طبعاً، الصراع في الشرق الأوسط هو ما يقلق مضجعي في بعض الأحيان، وحالياً أكثر من أي شيء آخر”. وأضاف، “إن ما سيحدث، على المدى الطويل، بشأن دخول الولايات المتحدة والصين، وتأثير ذلك على الطلب على الطاقة، ولا سيما على السوق الصينية وحجمها، والتأثير الذي قد يسببه ذلك لسلاسل التوريد، والتأثير الذي يمكن أن يحدثه على إعادة ترسيم التعقيدات في قضايا الطاقة على مستوى العالم، وكيف من الممكن لشركة مثل شركتنا أن تنطلق؟ هو بالفعل مسألة بالغة الأهمية”.
نهج تحالف أوبك بلس الحذر
مع كل حالة عدم يقين تخيم على المشهد، اتبع تحالف أوبك بلس نهجاًً حذراً طوال عام 2024، تمثل في الحفاظ على مستويات الإنتاج دون تغيير في الجهود المبذولة لتحقيق التوازن في السوق، ودعم الأسعار التي تأثرت سلباً بسبب ضعف الطلب الصيني، وارتفاع الإنتاج من خارج أوبك بلس، ومن الولايات المتحدة بشكل أساسي. ونجحت أوبك بلس إلى حد كبير في منع ما توقعه بعض المحللين من انخفاض الأسعار إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل.
بلغ متوسط سعر خام برنت القياسي 80.91 دولار للبرميل اعتباراً من ديسمبر/كانون الأول مع تداول للأسعار ضمن نطاق ضيق بين 71 دولاراً للبرميل و74 دولاراً للبرميل في آخر أيام التداول لهذا العام. وتوقعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن متوسط أسعار خام برنت سيصل 80.49 دولار للبرميل في نهاية هذا العام، ثم ستنخفض إلى متوسط 73.58 دولار للبرميل في عام 2025.
منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، انتهج تحالف أوبك بلس، الذي يضم 22 عضواً، إجراء تخفيضات في الانتاج وصلت إلى ما مجموعه 5.8 مليون برميل يومياً من النفط الخام، منها 3.9 مليون برميل يومياً عبارة عن تخفيضات طوعية تحملت السعودية جزءاً كبيراً منها. وتم تنفيذ الجزء الأخير من التخفيضات الطوعية، التي بلغ مجملها 2.2 مليون برميل يومياً، في يناير/كانون الثاني عندما بذل تحالف أوبك بلس جهوداً مضنية للحيلولة دون هبوط أسعار النفط بسبب التوقعات بانخفاض الطلب الصيني لدى مراجعته في المرحلة الأخيرة من عام 2024، على الرغم من جهود التحفيز الاقتصادي التي تبذلها بكين. بعد إرجاء التناقص التدريجي للتخفيضات الطوعية للمرة الثانية، قرر وزراء أوبك بلس في أوائل ديسمبر/كانون الأول تأجيل عودة هذه البراميل والانتظار حتى الربع الأول من عام 2025.
في الخامس من ديسمبر/كانون الأول، عقد تحالف أوبك بلس آخر مؤتمراته الافتراضية لها لهذا العام، وحدد مساراً إنتاجياً متعدد الأوجه حتى عام 2026، ويتمثل في استراتيجية تأمل المجموعة أن تحبط جهود المضاربين للتأثير على الأسعار. وكما هو موضح في بيان صحفي صادر عن الأمانة العامة لمنظمة أوبك، اتفقت الدول الثماني المنتجة للنفط في أوبك بلس التي كان من المقرر أن تبدأ تدريجياً باسترجاع انتاج النفط بمعدل 180 ألف برميل يومياً، على تأجيل استعادة معدل انتاج 2.2 مليون برميل يومياً من التخفيضات الطوعية إلى مارس/آذار من عام 2025، أي بعد عام مما كان مقرراً في الأصل. كما عملوا على إبطاء وتيرة الزيادات التي كان من المقرر أن تبدأ في كانون الثاني/يناير 2025. ضمن التخفيض التدريجي الأولي المخطط له لمدة 12 شهراً، تأتي خريطة الطريق الأحدث المتمثلة في إعادة 2.2 مليون برميل يومياً للسوق على مدى 18 شهراً من أبريل/نيسان 2025 إلى سبتمبر/أيلول 2026.
وفي الوقت ذاته، قام تحالف أوبك بلس بتمديد تخفيضات أخرى قدرها 3.65 مليون برميل يومياً، منها مليونا برميل يومياً تخفيضاً رسمياً و1.65 مليون برميل يومياً تخفيضاً طوعياً، حتى نهاية عام 2026. وقد وافقت الإمارات، التي تحملت أكبر حصة تناسبية من التخفيضات عند الأخذ بعين الاعتبار قدرتها الإنتاجية المتزايدة، على تأجيل الزيادة التي كانت قد مُنحت لها، على الأرجح من أجل الحفاظ على تماسك المجموعة. كان من المفترض أن تزيد الإمارات من إنتاجها تدريجياً من 300 ألف برميل يومياً وحتى 3.52 مليون برميل يومياً على مدى الأشهر التسعة الأولى من عام 2025. وبدلاً من ذلك، ستتم الزيادة على مراحل على مدار 19 شهراً بدءاً من أبريل/نيسان 2025. وتقدر الإمارات طاقتها الإنتاجية القصوى الحالية من النفط بمقدار 4.85 مليون برميل يومياً، وهو ما يعني، بموجب مخصصاتها الحالية “الإنتاج المطلوب”، أ لديها ما يزيد على مليون برميل يومياً من الطاقة الإنتاجية الخاملة.
توقعات متباينة
في سوق يشوبها عدم اليقين مع العديد من المتغيرات، كان من المنطقي لتحالف أوبك بلس أن يترك خياراته مفتوحة بدلاً من الالتزام بالمحافظة على التخفيضات الكاملة إلى ما بعد الربع الأول، وإلى أن يتم توفير البيانات حول الموازنات المبكرة لعام 2025.
يعاني سوق خام برنت من حالة تراجع ضيقة للغاية، حيث يتم تداول عقد الشهر الأول بسعر أعلى من الأشهر الآجلة، وهي علامة على سوق متوازنة إلى حد ما. ولكن الهامش ضيق للغاية، وسوف يرغب تحالف أوبك بلس في تجنب تحويل بنية السوق إلى وضع المؤجل، ما من شأنه أن يسمح بتراكم المخزون، وبالتالي هبوط الأسعار. وسيسمح ذلك أيضاً باتضاح الصورة بشكل أفضل بمجرد انتهاء موسم التكرير الأمريكي في الربع الأول.
قبل اتفاق ديسمبر/كانون الأول، توقعت وكالة الطاقة الدولية أنه، حتى لو التزم تحالف أوبك بلس بالتخفيضات الكاملة، فسيكون هناك فائض في السوق في عام 2025 بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً. وبعد قرار التأجيل الذي صدر من التحالف، خفضت وكالة الطاقة الدولية قليلاً من تقديراتها في “تقرير سوق النفط” الصادر في ديسمبر/كانون الأول، على الرغم من أنها لا تزال تتوقع فائضاً بمقدار 950 ألف برميل يومياً، بما في ذلك زيادة المخزون بمقدار مليون برميل يومياً في الربع الأول الذي يعد تقليدياً فترة انخفاض الطلب على النفط.
وفي تقريرها الصادر في ديسمبر/كانون الأول، أشارت وكالة الطاقة الدولية إلى أن القرار “قد قلل بشكل ملحوظ من الفائض المحتمل في العرض الذي كان من المقرر أن يطرأ في العام القادم”. وعلى النقيض من ذلك، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية انخفاض المخزون بمقدار 700 ألف برميل يومياً، ليتراكم المخزون بعد ذلك بمقدار 100 ألف برميل يومياً خلال الفترة المتبقية من العام.
ومع أن عام 2024 قد أوشك على الانتهاء، لا تزال الصورة الشاملة لحال التوازنات بين العرض والطلب غير واضحة مع تباين في توقعات وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية لهذا العام. ومع ذلك، فإن اضطرار منظمة أوبك لمراجعة وتخفيض توقعات الطلب الصيني على النفط لخمسة أشهر متتالية يشير إلى تدهور السوق. كما شهد تحالف أوبك بلس عدم التزام متواصل بحصص الإنتاج، ولا سيما من قبل العراق وكازاخستان وروسيا، ما تسبب في تعقيد جهود التحالف لإدارة الفائض في ظل زيادة إنتاج الولايات المتحدة وغيرها من المنتجين من خارج أوبك بلس.
ولقد شهدت حالة الإجماع في السوق هبوطاً متزايدًا في الأشهر الأخيرة. فبعد أن تمسكت أوبك بتقييم تصاعدي للطلب خلال معظم الأوقات في عام 2024، قامت المنظمة بتخفيض توقعاتها بواقع 210 ألف برميل يومياً منذ أغسطس/آب، ويعزى ذلك بشكل أساسي إلى تعديل بمقدار 570 ألف برميل يوميا في الربع الثالث، ليصل إلى 1.61 مليون برميل يومياً.
ومع ذلك، فإن هذا التقييم لا يزال أعلى بكثير من توقعات وكالة الطاقة الدولية لعام 2024 بنمو الطلب بمقدار 840 ألف برميل يومياً، وعلى الرغم من تضييق الفجوة منذ بداية العام، عندما توقعت أوبك أن يصل النمو إلى مليوني برميل يومياً.
أشارت وكالة الطاقة الدولية في تقرير ديسمبر/كانون الأول إلى أن “التوقف المفاجئ لتنامي الطلب الصيني على النفط هذا العام – إلى جانب الانخفاض الحاد في الزيادات في أبرز الاقتصادات الناشئة والنامية الأخرى، مثل نيجيريا وباكستان وإندونيسيا وجنوب أفريقيا والأرجنتين – تسبب في ترجيح كفة الإجماع نحو توقعات أكثر مرونة”.
عدم اليقين في عام 2025
تسود حالة عدم اليقين إلى جانب المعادلة المتعلقة بالإمدادات من قبل دول من خارج تحالف أوبك بلس. بالنسبة لعام 2024، لا تزال أحدث توقعات وكالة الطاقة الدولية بشأن الإمدادات البالغة 1.48 مليون برميل يومياً متماشية إلى حد كبير مع توقعاتها من بداية العام، على الرغم من تراجع أداء البرازيل مرة أخرى. أشارت وكالة الطاقة الدولية إلى أنه ما بين التوقعات الأولى والوقت الراهن، “كانت البرازيل، إلى حد بعيد، الأكثر إخفاقاً لهذا العام، حيث تم تخفيض الإنتاج السنوي بمقدار 280 ألف برميل يومياً”.
في حين ظل نطاق أسعار النفط محدوداً إلى حد كبير في عام 2024، إلا أن الطفرات الكبيرة في الأسعار كانت ناجمة عن التوترات الجيوسياسية بسبب المخاوف من اندلاع حرب شرق أوسطية أوسع تنخرط فيها إيران وإسرائيل. لقد ارتفعت أسعار النفط لأكثر من 90 دولاراً للبرميل في أبريل/نيسان بعد أن شنت إسرائيل غارات جوية على منشآت عسكرية إيرانية، لكنها تجنبت ضرب البنية التحتية للطاقة. وتراجعت الأسعار بشكل حاد عندما أصبح من الواضح أن إمدادات النفط لن تتأثر، علماً بأنها ارتفعت مجدداً بعد أن ردت إيران في أكتوبر/تشرين الأول، وأطلقت أكثر من 180 صاروخاً على إسرائيل. وارتفعت الأسعار قليلاً مرة أخرى بعد تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، بتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول، يفيد بأن ترامب يدرس خيارات لوقف برنامج إيران النووي، بما في ذلك إمكانية توجيه “ضربات جوية وقائية”. وفي الوقت ذاته، تأقلمت السوق مع التهديد الجيوسياسي الناجم عن الهجمات التي شنها الحوثيون، المدعومون من إيران، في اليمن على خطوط الملاحة في البحر الأحمر بتجنب ناقلات النفط للممر المائي.
ومع ذلك، تبقى السياسة الأمريكية القادمة تجاه إيران واحدة من أكبر الأمور المجهولة. ففي حين تم إعفاء إيران من القيود المفروضة على إنتاج أوبك بلس، فقد تمكنت من الحفاظ على إنتاجها النفطي، وإن كان أقل من طاقتها القصوى بسبب العقوبات. كما أنها تمكنت من تصدير نفطها، إلى الصين بشكل أساسي، بعد أن وجدت طريقة للتهرب من التطبيق المتساهل للعقوبات من قبل إدارة الرئيس جوزيف بايدن. من المرجح أن تتبنى إدارة ترامب القادمة سياسة أكثر صرامة ضد طهران هذه المرة، وتشديد حملة “الضغوط القصوى” التي طبقتها خلال فترة ولاية ترامب السابقة. وفي حال حدوث ذلك، فإنه قد يؤدي لتقليص صادرات إيران من النفط والمواد المكثفة، والتي تُظهر بيانات الشحن الصادرة عن شركة كبلر أن متوسطها بلغ 1.57 مليون برميل يومياً حتى الآن هذا العام.
يحدث كل ذلك في الوقت الذي يتكيف فيه منتجو النفط وشركاته مع مشهد الطاقة المتغير بسبب التحول المتواصل، وتسارع وتيرة التحول لاستخدام الطاقة الكهربائية في قطاعات رئيسية، كالمواصلات التي كانت تعتمد تقليدياً على النفط. في هذه الأثناء، أخذت عملية نشر الطاقة المتجددة تتنامى بوتيرة أسرع، حيث تجاوزت الأموال المستثمرة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تلك المستثمرة في مشاريع النفط والغاز. وقد أكدت وكالة الطاقة الدولية في توقعاتها طويلة المدى لغاية عام 2050 أن الطلب على النفط سيصل إلى ذروته بحلول عام 2030، في حين ترى منظمة أوبك استمرار تنامي الطلب حتى عام 2045 وربما بعد ذلك.
قال مصبح الكعبي، المدير التنفيذي لدائرة الحلول منخفضة الكربون والنمو الدولي في شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) المملوكة لدولة الإمارات، إنه سيكون للعوامل الجيوسياسية تأثير على مسار التحول. “عندما أنظر للتحول المستقبلي في مجال الطاقة، يتضح لي أنه سيكون للعوامل الجيوسياسية دور ما، ولكن قد تقود السيناريوهات المختلفة إلى مسارات متنوعة أيضاً في مجال التحول في الطاقة، وأعتقد أنه قد يكون لتصاعد الحروب التجارية تأثير في المستقبل على التحول في مجال الطاقة”.
ومع اقتراب عام 2024 من نهايته، لا تزال حالة عدم اليقين تخيم على أسواق النفط بسبب المخاطر الجيوسياسية، وضعف الطلب الصيني الذي جاء اقل من المتوقع، والتطورات المتعلقة بالتحول في مجال الطاقة. وفي حين تمكن تحالف أوبك بلس من تحقيق الاستقرار في الأسعار من خلال استراتيجيات الإنتاج الحذرة، إلا أنه لا تزال تلوح في الأفق بعض التحديات، مثل فائض العرض المحتمل، والتحول في السياسة الأمريكية في ظل الإدارة الجديدة، والرياح الاقتصادية العالمية المعاكسة. إن قدرة التحالف على تحقيق التوازن بين أساسيات السوق مع مواجهة الصدمات الجيوسياسية هي التي ستحدد دوره في عام 2025، مع استعداد منتجي الطاقة لسوق متزايدة التعقيد والتنافس.