هذه المقالة هي جزء من سلسلة حول المقاتلين الشيعة الأجانب المدعومين إيرانيًّا وتأثيرهم المحتمل على ديناميكيات الأمن الإقليمي.
في الوقت الذي تستعد فيه واشنطن لإجراء محادثات مباشرة مع طالبان لإنهاء الحرب التي دامت 17 عامًا في أفغانستان، وربما الحد من الوجود العسكري الأمريكي هناك، يجب عليها أن تستعد لمخاطر القوى الإقليمية التي تعزز من وجودها لتملأ الفراغ في السلطة. قدمت إحدى هذه القوى الإقليمية، وهي إيران، الدعم للمقاتلين الأفغان الشيعة والسنة على مدى أربعة عقود، الأمر الذي يوفر نوعًا من التبصر في استراتيجية طهران على المدى البعيد.
الكشف الخاص ذو المغزى كان عن فرقة فاطميون في الحرس الثوري الإيراني (IRGC)، التي تكبدت ما يقارب 897 قتيلاً من بين مقاتليها في سوريا منذ آب 2013. وتشير الأرقام الإجمالية، إلى أن حزب الله اللبناني وحده قد تكبد ما يقارب 1232 قتيلاً من مقاتليه، وهي أكبر من خسارة الشيعة الأفغان في سوريا.
المحاربون الشيعة الأجانب الذين قتلوا في المعارك في سوريا من كانون الثاني 2012 إلى تموز 2018
تم الحصول على البيانات من مصادر مفتوحة متعددة
وعلى أية حال فإن العلاقات بين الجمهورية الإسلامية والشيعة الأفغان قد سبقت الحرب السورية ويمكن أن تعيدنا إلى زمن الثورة الإيرانية عام 1979. الانقلابات العسكرية، والغزو السوفييتي لأفغانستان واحتلاله، والمقاومة الأفغانية للاحتلال السوفييتي قدمت للنظام الثوري في طهران فرصًا لاستغلال الصحوة السياسية في أفغانستان و”تصدير” فرعها ذي النزعة الاسلامية نحو الشرق.
تم تنفيذ “تصدير الثورة” من قبل مكتب حركات التحرر، الذي سمي فيما بعد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني (IRGC)، والذي أرسل قادة الحرس الثوري الإيراني مثل محمد رضا حكيم- جوادي، عبد الرضا رحماني، والراحل علي تجلايي إلى أفغانستان من أجل التجنيد والتدريب العسكري لشيعة الهزارة، وبدرجة أقل للطاجيكيين السُنّة الناطقين بالفارسية، في محاولة لتوسيع دائرة نفوذ إيران في أفغانستان.
في أعقاب الغزو العراقي لإيران عام 1980، تحول اهتمام الجمهورية الإسلامية غربًا، وبدأ الحرس الثوري الإيراني بتجنيد متطوعين للجبهة من بين صفوف المهاجرين واللاجئين الأفغان في إيران. وقد تم تنظيم هؤلاء الأفغان في لواء أبو ذر، الذي كان تحت قيادة المجموعة نفسها من ضباط الحرس الثوري الإيراني الذين قاموا بتجنيد الأفغان في عام 1979.
من الناحية التنظيمية، يتبع لواء أبو ذر إلى قاعدة رمضان في شمال غرب إيران، والتي نفذت عمليات وراء خطوط العدو، وكذلك فعل غيرهم من المواطنين غير الإيرانيين، بما في ذلك فيلق بدر، المؤلف من أسرى حرب عراقيين شيعة ومجموعات مختلفة من الأكراد العراقيين المتحالفين مع إيران. العدد الإجمالي للمتطوعين في الجبهة الأفغانية غير معروف، لكن مع 3000 قتيل فقط خلال الحرب العراقية الإيرانية، لم يتمكن لواء أبو ذر من قلب ميزان القوى. بسبب سوء التدريب العسكري المسبق، ربما كانت أهميتهم العسكرية في الجهد الحربي محدودة للغاية. في المقابل، فقد قُتل 210,000 مواطن إيراني في حرب السنوات الثماني مع العراق. ومع ذلك، فإن دمج الأفغان الشيعة في قاعدة رمضان، إلى جانب العرب والأكراد العراقيين، ساعد النظام على تعزيز العلاقات العضوية بين مختلف المقاتلين الشيعة غير الإيرانيين ومهد الطريق لقوة تدخل سريع استطلاعية شيعية خارجية.
بعد انتهاء الحرب في عام 1988، تم حل لواء أبو ذر رسميًا، ما أربك بعضًا من محاربيه القدامى، الذين وجدوا أنفسهم مرة أخرى يبحثون عن وظائف في قطاع البناء وغيره من الوظائف المتدنية الأجر في سوق العمل الإيراني. بشكل غير رسمي، تم نشر العديد من المحاربين الأفغان القدامى في الحرب مع العراق في أفغانستان لمساعدة الجبهة الإسلامية المتحدة لتحرير أفغانستان، والمعروفة أيضًا باسم التحالف الشمالي الأفغاني. ووفقًا لأحدى الروايات، التي لم يتسنَّ التحقق من صحتها بشكل مستقل، فإن نصف أعضاء لواء أبو ذر الأفغان الذين نجوا من الحرب مع العراق قاتلوا إلى جانب التحالف الشمالي وقتلوا في الحرب ضد طالبان في تسعينيات القرن الماضي.
لقد بذل الحرس الثوري الإيراني في الحقيقة جهودًا كبيرة لتقويض حركة طالبان، وكان قاسم سليماني هو من تزعم هذه الجهود، حيث كان آنذاك رئيسًا للحرس الثوري الإيراني في إقليم كرمان في جنوب شرق إيران، ويشغل حاليًّا منصب القائد الأعلى لفيلق القدس. التاريخ الدقيق لتعيين سليماني على رأس فيلق القدس غير معروف، ولكن استنادًا إلى تصريحات اللواء يحيى رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني الذي اختار سليماني ليكون القائد الأعلى لفيلق القدس، لا بد أنه كان ما بين 10 أيلول 1997 و21 آذار 1998. في هذه الأثناء كان فيلق القدس يعمل على حل نفسه من الحرب الأهلية في يوغوسلافيا السابقة وإعادة توجيه نشاطه نحو آسيا الوسطى. لطالما نظرت طهران إلى طالبان على أنها أكبر تهديد لأمن إيران واستعدت للحرب عليها في أعقاب استيلاء طالبان على مدينة مزار الشريف الأفغانية. عندما أحكمت قوات طالبان سيطرتها على المدينة، هاجمت القنصلية الإيرانية وأعدمت الدبلوماسيين الإيرانيين. ولذلك، كان من الممكن أن يكون الدافع وراء ترقية سليماني إلى القائد الأعلى لفيلق القدس هو سجله السابق في الانخراط العسكري في أفغانستان والمعرفة الوثيقة بحركة طالبان.
ومع ذلك في نهاية المطاف، لم يكن الحرس الثوري الإيراني وحلفاؤه الأفغان، وإنما الغزو الذي قادته الولايات المتحدة هو الذي أطاح بحكم طالبان لأفغانستان. دخل معظم حلفاء الجمهورية الإسلامية من الأفغان في العملية السياسية، ولكن ظهر بعضهم لاحقًا كمسلحين في جسم جديد: لواء فاطميون، الذي تحول فيما بعد إلى فرقة.
التاريخ المبكر لفرقة فاطميون يكتنفه الغموض. وتزعم صحيفة كيهان، الناطق غير الرسمي للمرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، أن الجمهورية الإسلامية لم تشارك في تأسيس الفرقة. وهناك من يزعم أن علي رضا توسلي، المعروف أيضًا باسم أبو حامد هو من أنشأ اللواء ومعه “25 صديقًا من كابول”، وتوسع لاحقًا ليصبح “5000 مقاتل” من أجل “حماية مسجد السيدة زينب في ضواحي دمشق”. عمل توسلي بصفة القائد الأعلى لفرقة فاطميون حتى قُتل في معركة ضد جبهة النصرة، في درعا بسوريا، يوم 28 شباط 2015. كما تدعي كيهان أن توسلي تمكن من حشد حوالي 5000 من المواطنين الأفغان الشيعة الذين كانوا بالفعل مقيمين في دمشق.
مصدر آخر في التاريخ المبكر لفرقة فاطميون هو “المعلم“، وهو فيلم “وثائقي” يمجد دور لواء فاطميون، ويكرر الحجة نفسها للأفغان الشيعة الموالين، بمبادرتهم الخاصة، في مغادرة أفغانستان والسفر إلى سوريا للدفاع عن أماكن الحج الشيعية.
غالبًا ما تكرر سلطات الجمهورية الإسلامية مزاعم كيهان والفيلم الوثائقي، ولكن هناك الكثير من الأدلة على أن الحرس الثوري الإيراني هو الذي أسس لواء فاطميون وليس مجرد رجل بمفرده. علاوة على ذلك، تم تجنيد مقاتلين شيعة أفغان كمرتزقة من بين المهاجرين الأفغان في إيران، لا تقدم التغطية المفتوحة المصدر لخدمات الجنازات للأفغان الشيعة الذين قُتلوا في سوريا أي دليل على التجنيد المباشر في أفغانستان أو بين الأفغان الذين يزعمون أنهم أقاموا في سوريا قبل الحرب.
هاجر توسلي شخصيًّا إلى إيران في عام 1984 وشارك في الحرب ضد العراق كجندي في لواء أبو ذر. بعد انتهاء الحرب مع العراق، درس الفقه في جامعة المصطفى الدولية في قم، ولكن بحلول منتصف التسعينيات، عاد توسلي إلى أفغانستان وحارب ضد طالبان. كما شارك في حرب عام 2006 في لبنان وقاتل إلى جانب قوات حزب الله اللبناني.
رضا بخشي، المعروف أيضًا باسم فاتح، الذي شغل منصب نائب القائد توسلي إلى أن قُتل في المعركة يوم 18 شباط 2015، ولد في مشهد، في شمال شرق إيران، وكذلك كان ضباط المستوى المتوسط في فرقة فاطميون بين الوفيات: كانوا جميعًا من مواليد إيران وكانوا إما أبناء المحاربين الأفغان القدامى أو أبناء شهداء لواء أبو ذر في الثمانينيات. حتى بين الجنود العاملين ضمن فرقة فاطميون الذين قُتلوا في الحرب في سوريا، لا يوجد دليل على أن أيًا منهم قد تم تجنيده مباشرة في أفغانستان. وعلاوة على ذلك، لا يوجد دليل على تجنيد أي من الشيعة الأفغان الذين يدّعون الإقامة الدائمة في سوريا قبل الحرب.
وتتناقض ادعاءات كيهان أيضًا مع لقطات لكاميرا مخفية تابعة لمكتب تجنيد تابع للحرس الثوري الإيراني في مشهد شمال شرق إيران، نشرتها قناة “بي بي سي فارسي”. قام الحرس الثوري الإيراني بتجنيد مهاجرين أفغان غير شرعيين في إيران مقابل تصريح إقامة دائمة في إيران وبضعة مئات من الدولارات كأجر شهري. وقد تم توثيق ذلك في المقابلات التي بثتها “بي بي سي فارسي”.
بسبب ندرة المعلومات المفصلة، يصعب تقييم الأداء العسكري لفرقة فاطميون، ولكن استنادًا إلى القليل من المعلومات المتوفرة في المصادر المفتوحة باللغة الفارسية في إيران، فهي لا تكاد تكون مثيرة للإعجاب. ورغم أنه لا توجد معلومات متاحة للجمهور عن حجم فرقة فاطميون، فمن غير المحتمل أن يكون وجود الميليشيات الأفغانية كبيرًا كما هو حزب الله في سوريا. قد يشير العدد الكبير نسبيًّا من قتلى الشيعة الأفغان إلى ارتفاع معدل الوفيات. وهذا ليس بالأمر المفاجئ: إذ يبدو أن المقاتلين الأفغان يُستخدَمون وقودا للمدافع، وقد كشف المنشقون الأفغان، الذين قابلتهم هيئة الإذاعة البريطانية BBC، أنهم لم يتلقوا سوى أربعة أسابيع من التدريب العسكري الأساسي قبل نشرهم في سوريا.
كما تُظهِر البيانات أن ثمانية عشر فردًا من فيلق القدس المنتدبين إلى فرقة فاطميون قتلوا في المعارك في سوريا. وهذا واضح جزئيًّا من أوقات وفاة المقاتلين من الميليشيات الشيعية الفردية: فكلما كان هناك تقرير عن وجود وفيات بين الشيعة الأفغان، كان هناك قتلى بين ضباط من الحرس الثوري الإيراني في القتال في سوريا، ما يدل على خضوع الشيعة الأفغان لقيادة الحرس الثوري الإيراني وأنهم لا يقاتلون في وحدة شيعية أفغانية بحتة. قد تشير محاولة الحرس الثوري الإيراني في ممارسة المزيد من السيطرة المباشرة على المجموعة إلى عدم رضا الحرس الثوري الإيراني عن الأداء العسكري السيئ للفرقة ومعدل الاستنزاف العالي.
المقاتلون الشيعة الأجانب الذين قُتلوا خلال المعارك في سوريا ما بين كانون الثاني 2012 إلى تموز 2018
تم الحصول على البيانات من العديد من المصادر المفتوحة
بالرغم من السيطرة المباشرة للحرس الثوري الإيراني على فرقة فاطميون، إلا أن معدل الوفيات داخل الفرقة قد ازداد منذ نهاية عام 2015. إن خسائر فرقة فاطميون الكبيرة منذ كانون الثاني 2017 -المتزامن مع الانخفاض العام في عدد القتلى من المقاتلين الشيعة الأجانب- قد تشير إلى أن قيادة الحرس الثوري الإيراني تنظر إلى الأفغان على أنهم عرضة للاستهلاك أكثر من المقاتلين النظاميين الإيرانيين المدربين تدريبًا عاليًا ومقاتلي حزب الله ذوي الخبرة.
وفي حين أن المقاتلين الأفغان مستهلكون في سوريا، إلا أنهم يشكلون استثمارًا مهمًا على المدى الأبعد لإيران. وإلى جانب خدمتهم في سوريا، قد تتمكن إيران من نشرهم في صراعات أخرى. وعلى الرغم من أن تركيز إيران يقع غرب حدودها بشكل رئيسي هذه الأيام، فإن قيادة الحرس الثوري الإيراني تتوقع أن تقع أفغانستان في مزيد من الفوضى إذا سحب الناتو قواته. وخوفًا من الصعود السريع لطالبان لملء الفراغ بعد الانسحاب الغربي، تنخرط طهران في جهد مزدوج لإجراء مفاوضات مع طالبان من جهة، واستخدام سوريا كمنطقة تدريب لميليشيات شيعية أفغانية من جهة أخرى. وهذا يعطي طهران قوة ميليشيا ثابتة قادرة على الانتشار في أفغانستان لحماية مصالحها بأقل التكاليف.