إن استضافة المملكة العربية السعودية لقمة مجموعة العشرين الافتراضية من 21 إلى 22 نوفمبر/تشرين الثاني في الرياض، تسلط الضوء على دور البلاد كقوة اقتصادية كبرى. ومع ذلك، فإنها تعد مناسبة للتفكير في السجل المختلط من الإصلاحات الاقتصادية، والتقدم غير المتكافئ في الأبعاد الاقتصادية لرؤية 2030. وقد شارك ولي العهد محمد بن سلمان في مثل هذا التفكير في خطابه أمام مجلس الشورى في الثالث عشر من نوفمبر/تشرين الثاني. ومع أن جائحة فيروس كورونا تقدم عذراً مبرراً للتقدم البطيء وغير المؤكد حتى الآن، إلا أنه لا يمكن التساهل مع الوضع الراهن إلى ما لا نهاية.
ليس الكل سيئاً
على الرغم من الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة فيروس كورونا، فإن الاضطلاع برئاسة مجموعة العشرين لعام 2020 ما زال يضفي مصداقية على الأهمية العالمية للاقتصاد السعودي. ينقسم موضوع القمة الأساسي وهو “إدراج فرص القرن الحادي والعشرين للجميع” إلى ثلاث مكونات فرعية عملية؛ تمكين الناس (مع التركيز على النساء والشباب)، وحماية الكوكب، وتشكيل آفاق جديدة. ومن المتوقع أن يهيمن الوباء واستراتيجيات إنعاش الاقتصاد العالمي على النقاشات خلال القمة.
تنسجم الطبيعة الافتراضية لقمة مجموعة العشرين مع أجندة التحول الرقمي الطموحة للمملكة العربية السعودية. في أكتوبر/تشرين الأول، أطلقت المملكة العربية السعودية استراتيجيتها الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، وجاء ذلك بعد إنشاء هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي في عام 2019. وتهدف الاستراتيجية، التي تركز على التكنولوجيا، لاجتذاب 20 مليار دولار من الاستثمارات وتدريب 2000 سعودي كمتخصصين في البيانات والذكاء الاصطناعي على مدى العقد المقبل.
يبذل اجتماع مجموعة العشرين، المنعقد عن بعد، جهوداً معقدة لعرض الوجهات السياحية ومعالم الجذب الثقافية وأماكن الترفيه الموسعة الحديثة. ومع ذلك، تستمر مبادرات التنمية الوطنية ذات الأولوية العالية – من نيوم إلى أمالا – في المضي قدماً وإن كان بوتيرة حذرة. كما أنشأت الحكومة الشركة السعودية للرياضة، لإدارة وتأمين حقوق البث لنخبة الفعاليات الرياضية، وحصلت المملكة العربية السعودية على حقوق استضافة سباقات الفورميولا 1 (Formula 1) للسنوات الخمس عشرة المقبلة. وستمكن هذه التطورات المسؤولين السعوديين من الترويج بشكل أفضل للمبادرات المحلية، وتسويق البلاد للجمهور العالمي.
تم تعديل توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية نحو الزيادة في الربع الثالث. يتوقع صندوق النقد الدولي الآن أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي -5.4% لعام 2020، مرتفعًا عن -6.8٪، الذي كان متوقعًا في وقت سابق من العام. ومع ذلك، فقد تقلص الاقتصاد السعودي بنسبة 7٪ في الربع الثاني، تاركاً مجالاً كبيراً للتحسين.
مررت الدولة تدابير جديدة من أجل زيادة تدفقات الإيرادات غير النفطية، مثل رفع معدل ضريبة القيمة المضافة من 5٪ إلى 15٪، وزيادة الرسوم الجمركية على بعض الواردات. كما أعلنت الحكومة عن إصلاحات في سوق العمل تمنح بعض الوافدين حقوقاً إضافية، ما قد يحسن صورة المملكة العربية السعودية على المسرح العالمي بشكل هامشي. يعتمد مدى التحسن الفعلي الذي سيطرأ على ظروف عمل الوافدين بسبب هذه الإصلاحات، إلى حد كبير، على تنفيذ السياسة في عام 2021 وتطبيقها فيما بعد.
رؤية مُكْلفة
تنادي رؤية 2030 بتحول باهظ التكلفة في إدارة الحكومة. فقد أتاح الانتعاش البطيء لأسعار النفط بين عامي 2016 و2018 بعض الموارد المالية للتقدم في هذه الأجندة الاقتصادية. ومع ذلك، تحوم أسعار النفط حول 40 دولاراً للبرميل لخام غرب تكساس الوسيط، ولا تزال المملكة العربية السعودية تعتمد على عائدات النفط والغاز في أغلب الإيرادات الحكومية. واستأثرت الخدمات الحكومية على الجزء الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي السعودي – بإجمالي 24.5٪ – في الربع الثاني من العام، في حين كان النفط الخام والغاز الطبيعي ثاني أكبر قطاع بنسبة 14.5٪.
يواجه صناع القرار السعوديون معضلة في كيفية تحقيق الأهداف الطموحة بالقليل من الموارد المالية. وسيكون هذا الأمر صعباً دون عمليات شراء كبيرة وداعمة من قبل المستثمرين المحليين والدوليين، ممن يعتمد اهتمامهم بالتحول الاقتصادي في المملكة العربية السعودية، إلى حد كبير، على قدرتهم على تأمين الفرص التجارية المثمرة في البلاد.
تُعد خصخصة أصول الدولة أحد السبل التي حددها صناع القرار السعوديون لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد وتوفير أموال إضافية. وطرحت الحكومة اكتتاباً عاماً أولياً لشركة أرامكو السعودية، ولكن هذا لم يسفر عن مزيدٍ من الطلبات على أصول حكومية أخرى. والعديد من هذه الهيئات الحكومية تكابد، حيث استعانت أرامكو، وهي جوهرة التاج في البلاد، بالبنوك لإصدار سندات لمساعدتها في دفع أرباح أسهمها لعام 2020. كما تفكر أرامكو ملياً في الخصخصة الجزئية لأصول أخرى من النفط والغاز، كما فعلت شركة بترول أبوظبي الوطنية في الأشهر الأخيرة.
كان الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة العربية السعودية مخيباً للآمال طوال العقد الماضي، ومنذ عام 2008 وهو في اتجاه تنازلي. وفشلت المملكة العربية السعودية في تحقيق هدفها للاستثمار الأجنبي المباشر البالغ 10 مليارات دولار في عام 2019، واجتذبت بدلاً من ذلك ما يقدر بـ 4.6 مليار دولار. وليس من المرجح أن يكون مردود تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2020 أفضل بكثير. بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر الوافد ما يقارب الـ 945 مليون دولار في الربع الثاني من عام 2020، بعد أن كان قد وصل 1.6 مليار دولار في الربع الأول.
الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية (بالدولار الأمريكي)
بالنظر إلى حجم سكان المملكة العربية السعودية، لا تزال مشكلة البطالة جاثمة في البلاد. فقد وصلت النسبة الإجمالية للبطالة إلى 15.4٪ في عام 2020، وهو رقم قياسي. ويبدو أن أعداد الوظائف، التي تشغلها النساء، تبعث على قليلٍ من التفاؤل، ولكن لا تزال هناك تحديات على هذا الصعيد. ووفقًا للهيئة العامة للإحصاء، ارتفعت مشاركة الإناث في القوى العاملة من 17.7٪ إلى 31.4٪ بين عامي 2016 و2020. ويبدو أن أهداف رؤية 2030 المتواضعة المتمثلة في زيادة مشاركة المرأة السعودية في العمل إلى 25٪ في عام 2020 و30٪ في عام 2030 تسير على المسار الصحيح. ومع ذلك، فإن نسبة البطالة البالغة 31.4٪ بين النساء السعوديات تربو كثيراً على نسبة البطالة لدى الذكور البالغة 8.1٪ في الربع الثاني من عام 2020.
في خطابه أمام مجلس الشورى، أعلن ولي العهد أن صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادية في البلاد، سوف يضخ 40 مليار دولار سنوياً في الاقتصاد المحلي في عامي 2021 و2022. وتراكمت الضغوط على صندوق الاستثمارات العامة لبعض الوقت من أجل إعادة توجيه المزيد من رأس المال محلياً؛ ومع ذلك، فإن هذه الالتزامات تجعل الهدف في زيادة أصول الصندوق إلى 2 تريليون دولار بحلول عام 2030 يبدو هدفاً غير واقعي.
والواقع أن ما أشار إليه المسؤولون الحكوميون السعوديون بأن رؤية 2030 قد أعدت البلاد لهذه الفترة العصيبة يعمل على تصوير الرؤية على أنها عامل تمكين للتقدم الاقتصادي، وليس عائقاً له. ولكن في الكثير من النواحي، تراجعت الرؤية إلى حيث بدأت: فالتحول الطموح يجب أن تقوده حكومة مستعدة للإنفاق بشكل كبير في بيئة اقتصادية غير مستقرة. سوف يكشف العقد المقبل إلى أي مدى يمكن لولي العهد والمسؤولين الحكوميين الآخرين وضع السياسات الاقتصادية اللازمة موضع التنفيذ في الأوقات العصيبة.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.