أعلن صندوق الاستثمارات العامة في أواخر يوليو/تموز تأسيس الشركة السعودية للاستثمار السياحي الهادفة لتعزيز قدرات نمو القطاع السياحي في المملكة العربية السعودية – وهو هدف رئيسي لجهود التنويع الاقتصادي الذي يتلقى دعم من الوزارة والهيئة والعديد من المشاريع المدعومة من الدولة. يأمل المسؤولون السعوديون أن يسافر المزيد من السياح ورجال الأعمال قريبًا من جميع أنحاء العالم إلى منطقة الخليج وعبرها على متن خطوط شركة طيران الرياض، وهي شركة طيران وطنية تأسست في مارس/آذار، بدلًا من السفر عبر الخطوط الجوية القطرية أو طيران الإمارات. وفي الوقت ذاته، أنشأت الإمارات، البلد المجاور الذي يعتبر منذ فترة طويلة المركز الرئيسي للسياحة والاستثمار في المنطقة، في أوائل يوليو/تموز وزارة للاستثمار، وعينت وزيرًا لرئاسة هذا الكيان الجديد. سيكون لهذا التحرك الإماراتي الأخير صدى لدى المسؤولين السعوديين، لأن الحكومة السعودية استبدلت في عام 2020 الهيئة العامة للاستثمار بوزارة استثمار جديدة تسعي لتعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر المنخفض.
ولا تزال الديناميكيات التنافسية بين دول مجلس التعاون الخليجي تثير اهتمام المراقبين الدوليين، لا سيما تلك القائمة بين السعودية والإمارات، أكبر اقتصادين في المنطقة. فقد أفاد صحفيون بارزون بوجود توترات متنامية بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان آخذة في التزايد. ويعتقد بعض المحللين أن تداعيات التنافس بين الرياض وأبوظبي على السياسة الخارجية ستكون كبيرة. علاوة على ذلك، يشعر قادة الأعمال بالقلق من أن السياسات الناشئة والكيانات الحكومية الجديدة، التي تهدف إلى توفير ميزة اقتصادية تنافسية لبلدان معينة، قد تؤثر سلبًا على عملياتهم التجارية الإقليمية.
لكن الديناميكيات التنافسية بين دول مجلس التعاون الخليجي في مجال الاقتصاد ليست بالأمر الجديد. ويرجع أساس هذا النوع من المنافسة، إلى حد كبير، إلى التجانس النسبي لاقتصادات دول الإقليم، التي تعطي الأولوية لقطاعات مماثلة. ففي السنوات الأخيرة، سيطرت عناصر القومية الجديدة، التي بدأت تتجذر في جميع أنحاء المنطقة، علي عملية صنع السياسات الاقتصادية، وبالتحديد في السعودية، حيث يظل تبنى الرياض، على وجه الخصوص، لسياسة السعودية أولًا قويًا. وقد أدى التراجع الاقتصادي، الذي نجم عن جائحة كورونا، وما أعقب ذلك من ضرورة العمل على التعافي الاقتصادي، إلى التركيز المفرط على صنع السياسات، بما في ذلك السياسات الخارجية، التي تعزز المصالح الاقتصادية المحلية. وعلى المدى الطويل، ستضمن المسارات المتداخلة لجهود التنمية في الخليج بقاء المنافسة الاقتصادية الإقليمية كواقع هيكلي وليست مجرد أمرًا مؤقتًا.
المنافسة المتنامية
على المدى القريب، ستزيد مجموعة من العوامل من احتمال اشتداد المنافسة الاقتصادية في المنطقة، خاصة بين السعودية والإمارات كمنافسين رئيسيين.
- من شأن تباطؤ النمو وانخفاض إيرادات الدول أن يكبحا الزخم الاقتصادي في المنطقة.
- لا تزال أجندات التنمية الإقليمية طموحة للغاية، وسوف تفرض التزامات تمويلية كبيرة على عاتق هذه الدول.
- إن الرغبة العالمية في التفاعل مع اقتصادات بلدان الخليج والمشاركة في عمليات تحولها محدودة، وعلى دول العالم التعامل مع بيئة جيوسياسية وسياسات اقتصاد كلي تتسم بالغموض.
وفي حين أن الظروف باتت مهيأة لازدياد التنافس الاقتصادي في المنطقة، إلا أن صناع السياسة الخليجيين، خاصة في الدول الأصغر، قد يختارون التعاون في إطار صناعات ومشاريع معينة.
بدأ الزخم الاقتصادي الإقليمي الذي شهده عام 2022، نتيجة النمو المرتفع والفوائض المالية الكبيرة، في التراجع. فوفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، سينخفض معدل النمو في السعودية من %8.7 في عام 2022 إلى نسبة %1.9 في عام 2023، وسيكون 2.3 % في عام 2024، وهو ما يضع معدل النمو في السعودية دون متوسط معدل النمو المتوقع للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية (%4 و%4.1 على التوالي). ويتوقع المحللون في كابيتال إيكونوميكس (Capital Economics) وبلومبرج إيكونوميكس (Bloomberg Economics) أن تواجه السعودية انكماشًا اقتصاديًا خلال عام 2023. فقد انخفضت عائداتها من صادرات النفط الخام والمنتجات المكررة في مايو/أيار الماضي إلى أدنى مستوى شهري لها منذ سبتمبر/أيلول 2021. ومن المتوقع أيضًا أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات من %7.4 في عام 2022 إلى %3.5في عام 2023.
وعلى الرغم من الرياح الاقتصادية المعاكسة، تستمر أجندات التنمية الاقتصادية في التوسع بقوة، مما يزيد من التزامات التمويل طويلة الأجل لحكومات هذه البلدان. ستحتاج الإمارات إلى تحقيق نمو سنوي يبلغ حوالي %7 لتحقيق هدفها لعام 2030 بمضاعفة الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى أكثر من 800 مليار دولار. ولا تأمل وزارة الاقتصاد الإماراتية في “تحقيق قفزة نوعية في نمو الاقتصاد الوطني بحلول عام 2030” فحسب، بل تم تقديم خطة مئوية الإمارات 2071 باعتبارها “خارطة طريق لجعل الإمارات أفضل دولة في العالم” بحلول 2071، هذه هي ذروة الطموحات الإماراتية.
بالمثل، لا يبدو محمد بن سلمان مستعدًا لقبول تحول اقتصادي متواضع في بلاده. الاستراتيجية الوطنية للسياحة في المملكة تهدف لتحقيق مئة مليون زيارة سنويًا بحلول عام 2030. كما تهدف الاستراتيجية الوطنية للاستثمار لجذب أكثر من مئة مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة سنويًا مع نهاية العقد، مع أن التدفقات لم تسجل سوى جزءًا بسيطًا من هذا الهدف على مدار السنوات الأخيرة. في الوقت نفسه، تتقدم المشاريع العملاقة، قيد التنفيذ حاليًا، كمشروع نيوم، ومبادرات التطوير العقاري، مثل مشروع المربع الجديد بكامل قوتها إلى الأمام. كما أنفقت الحكومة السعودية والكيانات المرتبطة بها ببذخ على الاستثمارات الرياضية منذ عام 2018. ومع أن هذه الكيانات تمتلك العمق المالي لتمويل المراحل الأولى من هذه المبادرات الاستثمارية، إلا أن الاستراتيجية الوطنية للاستثمار قد أقرت باحتياجها لمزيد من الاستثمارات الأجنبية والشراكات الخاصة في المستقبل.
ومع ذلك، فإن اهتمام مجتمع الأعمال العالمي باقتصادات الخليج له حدود في نهاية الأمر. على سبيل المثال، يوضح برنامج المقرات الإقليمية السعودي المقايضات التي على الشركات العاملة في المنطقة القيام بها، بالإضافة إلى أهمية إدارة العلاقات. ولا ننسى أن هناك أسواق واعدة خارج منطقة الخليج أيضًا، فوفقًا لأحدث تصنيفات مورجان ستانلي (Morgan Stanley)، قفزت الهند إلى أعلى مرتبة في قائمة الأسواق الناشئة والأكثر تفضيلًا. لذا على الحكومات الخليجية والفاعلين في قطاع الأعمال أن تعمل بجدية لتتميز ليس فقط عن نظرائها الإقليميين، بل عن نظرائها في الأسواق الناشئة الأخرى أيضًا.
تعاون مفيد للطرفين؟
إن المنافسة والتعاون الاقتصادي ليسا خيارين متعارضين بالضرورة. فقد تقرر الحكومات الخليجية والفاعلين في قطاع الأعمال أن التعاون عبر مجالات اقتصادية ومشاريع معينة أفضل من المنافسة. على سبيل المثال، يقال إن ثمة نظام تأشيرة “على غرار نظام الشنجن” قيد الإعداد، والذي من شأنه أن يعمل علي تنسيق أنظمة التأشيرات على مستوى المنطقة بشكل أفضل، وتسهيل السفر بين بلدان مجلس التعاون الخليجي. وسوف تجد دول الخليج الأصغر حجمًا، مثل عمان، أن المنافسة الاقتصادية المباشرة مع جيرانها الأكبر حجمًا غير مجدية. لذا تسعى الحكومتين العمانية والسعودية إلى بناء علاقات أقوى بين المناطق الاقتصادية الخاصة وصناديق الثروة السيادية الخاصة بهما.
ويقال إن الكويت، التي يتعين عليها مواجهة مجموعة من التحديات السياسية الداخلية قبل أن تتمكن من التنافس أو التعاون بفعالية مع دول مجلس التعاون الخليجي المجاورة، تخطط لإطلاق صندوق محلي تابع للهيئة العامة للاستثمار. وقد تستطيع الكويت أن تصبح لاعبًا أقوى في المنافسة الاقتصادية في الإقليم، إذا تمكنت من التغلب على العقبات السياسية المختلفة، والاستفادة بشكل فعال من المزيد من أصول الثروة السيادية محليًا.
في غضون ذلك، انعقدت قمة مجموعة العشرين في عام 2020 في السعودية، وانعقد معرض إكسبو الدولي المؤجل في دبي، وانعقد كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر. ومع اقتراب مؤتمر التغير المناخي كوب 28 في دبي، في نهاية عام 2023، تركز الحكومات الإقليمية على تحقيق الأمر الكبير القادم، على الرغم من أن استضافة الأحداث البارزة والقيام بمشاريع جديدة غالبًا ما ينطوي على تكاليف مالية كبيرة. ومع تباطؤ الزخم الاقتصادي واستمرار صناع السياسات الاقتصادية في توجيه أجندات التنمية نحو المستقبل بقوة، فإن المخاطر المرتبطة بجذب التدفقات العالمية للتجارة والاستثمار والسياحة سوف ترتفع.