ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
عندما بدأ فيروس كورونا المستجد بالانتشار في كافة أنحاء العالم عام 2020، أُجبرت المعارض الفنية والمتاحف والمؤسسات في شتى بقاع الأرض على إغلاق أبوابها، بشكل مؤقت، أمام الزوار. وقد دفعت الأشهر التي تلت ذلك، والتي شهد فيها العالم حالة من عدم اليقين، إلى ظهور حالة من الانتقال إلى العالم الافتراضي من أجل ضمان سلامة الجمهور، ووصولهم إلى الفن، ومشاركتهم فيه أثناء تواجدهم في منازلهم. لقد بدأ التحول الرقمي قبل ظهور الوباء، وكان حينها مجرد استراتيجية للمشاركة الاحتياطية أو استراتيجية غير مطورة بشكل كافي. ولكن فيروس كورونا غيّر كل ذلك. فخلال فترة الوباء، على سبيل المثال، عقد متحف الفنون الحديثة (MoMA) سلسلة من المعارض الإلكترونية، كما قام متحف اللوفر في باريس برقمنة مجموعته الكاملة من أجل ضمان وصول الجمهور العالمي لها. إضافة إلى ذلك، ظهرت في حينها مبادرات ومؤسسات إلكترونية بشكل كامل، بما فيها متحف كوفيد للفنون، وهو متحف رقمي يصف نفسه على أنه “أول متحف للفنون ولد في العالم خلال الحجر الصحي أثناء انتشار فيروس كورونا”، وكذلك المتحف الافتراضي الإلكتروني للفنون الذي وصف في مجلة سميثونيان بـ “أول متحف فني افتراضي بالكامل في العالم.”
وقد قامت المراكز الفنية والمتاحف في دول الخليج – والتي أصبحت على مر العقود حاضنة نابضة بالحياة للفنون – بتحّول إلكتروني مشابه. على سبيل المثال، أطلق مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) معرضًا فنيًا إلكترونيًا يمكن لزواره الافتراضيين الدخول إليه من خلال نقرة زر واحدة. كما تعاون المتحف الوطني في قطر مع شركة مايكروسوفت في أواخر مايو/أيار 2021 لزيادة وتحسين التحول الرقمي للمتحف، وكذلك من أجل مساعدته في بناء معارض ذكية على أحدث طراز. وفي معرض إعلانه عن هذا التعاون، علق أحمد موسى النملة، الرئيس التنفيذي لمتاحف قطر، قائلًا، “لطالما كان تعزيز التقنيات الرقمية لمتاحف قطر جزءًا رئيسيًا من استراتيجيتنا تجاه جمهورنا. ولكن الأحداث، خلال الثمانية عشر شهرًا المنصرمة، تعني أننا قمنا بتسريع جهودنا”. كما أن المبادرات الجديدة الأخرى في المنطقة قد دُفعت بالجهود المبذولة للتعامل مع الوباء، بما فيها متحف الفن الخليجي، وهو المتحف الرقمي الأول المتخصص في تقديم الفن الخليجي المعاصر للجمهور العالمي، وبناء جسور ثقافية، وإثارة حالة من الحوار بين الثقافات. وكذلك جاليري باوا، ومقره الكويت، وهو أول معرض إلكتروني مخصص لعرض وبيع فنون من إنتاج فنانين خليجيين. إضافة إلى ذلك، مجموعة دبي، ذات الاختلاف البسيط في هدفها المتمثل في أن تكون “أول مجموعة فنية مؤسساتية لدبي، منها ولها” والتي تم الإعلان عنها خلال هذا الوقت. حيث تهدف إلى جمع وعرض الأعمال التي تعكس روح دبي، بشكل جزئي، من خلال متحف رقمي قادم.
إن ظهور المنصات الفنية الإلكترونية الجديدة، والتحول الرقمي لمعارض ومتاحف ومؤسسات أخرى، قائمة بالفعل، ساهم في إضفاء الطابع الديمقراطي على الفنون، وزيادة النقاشات عبر الثقافات في الميدان الافتراضي الذي يخلو من الحدود. ولكن عددًا من المخاوف قد برزت بشأن اتساع الفجوة الرقمية بين سكان العالم في ظل العدد الكبير من السكان الذين يفتقرون إلى وسائل الوصول الرقمي. وكذلك بشأن أصالة التجربة الفنية الشاملة عندما يتم وضعها في المجال الرقمي أو الافتراضي.
وفيما يتعلق بالفجوة الرقمية، قالت منال عطايا، وهي مديرة هيئة الشارقة للمتاحف، في منتدى اليونسكو رفيع المستوى للمتاحف الثاني، إن التفكير بشأن إمكانية الوصول يعد “محدودًا إذا فكرنا فيه من المنظور الرقمي فقط”. في حين توجد بالفعل فجوة رقمية في العالم، تشير عطايا إلى أن أغلبية سكان العالم، في حقيقة الأم،ر يملكون إمكانية الوصول إلى الإنترنت. وبناء على إحصائيات البنك الدولي، فإن ما يقارب من 4.5 مليار نسمة حول العالم يملكون في الوقت الحاضر إمكانية الوصول إلى الإنترنت، وهؤلاء يشكلون أكثر من نصف سكان الأرض. كما أن عدد الأشخاص الذين يستطيعون الوصول إلى الإنترنت في تزايد مستمر. إضافة إلى ذلك، فإن نسبة انتشار الإنترنت في الخليج تعد من أعلى النسب عالميًا، وهي 98.6%.
ومع ذلك، فقد أشارت عطايا إلى وجود مجموعات لا تملك إمكانية الوصول إلى المساحات الرقمية أو المادية لأسباب عديدة. حيث أكدت أنه يتوجب على المتاحف الانخراط مع المجتمعات، التي لا تستطيع الوصول إلى المؤسسات الثقافية أو مثيلاتها الرقمية، من خلال الفعاليات المجتمعية، وقالت “إن هناك جزءًا كبيرًا مما نقوم به لا يتعلق بمقتنيات المتاحف، وإنما بالكيفية التي يمكننا من خلالها أن نصبح فضاء للتفاعل الاجتماعي”. لقد استضافت هيئة الشارقة للمتاحف عام 2020، والتي كان لها حضور واقعي وإلكتروني، معرضًا فنيًا لنزلاء السجون في منشأة إصلاحية في الشارقة، وقدمت تجربة متحف متنقل “المتاحف السريعة” من خلال قيادة حافلة لزيارة الطلاب في المدارس الواقعة على بعد ساعات من متاحف الشارقة. وبشكل مماثل، نفذ متحف الفن الخليجي فعاليات من خلال عقد شراكة مع دبي فيستيفال سيتي (DFC) لتقديم وإبراز أعمال فنانين من المنطقة. كما قاموا من خلال هذا التعاون بتنظيم عروض فنية عرضوا خلالها أعمال فنانين خليجيين على مبنى مرتفع يتكون من 37 طابقًا يقع في دبي فيستيفال سيتي، وبالتالي نقلوا أعمال الفنانين المقيمين في الخليج إلى المجال الواقعي للزوار. وبالمثل، في حين أن مجموعة سلطان بن مسعود القاسمي الفنية العربية، واسعة النطاق، تم عرضها بشكل افتراضي منذ فترة طويلة على الموقع الإلكتروني لمؤسسة بارجيل للفنون ومن خلال جوجل للفنون والثقافة، لا يزال جامع الفنون الإماراتي والمحاضر والكاتب في الصحف والمؤلف يعرض أعمالًا من مجموعته حول العالم من خلال تأسيس شراكات مع مؤسسات ثقافية مختلفة من أجل أن يشغل الفن العربي حيزًا على الخارطة، ولتعزيز الحوار الثقافي وتقويته.
ولكن في الوقت الذي اختارت فيه عدد من المؤسسات الخليجية إما التحول الرقمي الكامل أو نموذجًا مختلطًا بين الرقمي والشخصي لتيسير أعمالها، قاومت مؤسسات أخرى التحول الرقمي، مؤكدة على الحاجة إلى مساحة واقعية، ومشيرة إلى عدد من المخاوف المتعلقة بفقدان قيمة تقليد إعطاء قيمة لزيارة المتحف الفني، بعد أن تم تحقيقها بشق الأنفس. على سبيل المثال، قام مركز جميل للفنون، وهو مركز فني يقع في قلب دبي، بتوفير موارد إلكترونية واستضافة خطابات فنية افتراضية، ولكنه في الوقت ذاته لم يقم بنقل معارضه إلى العالم الافتراضي مع ظهور الجائحة. حيث أكدت لانا شما – رئيسة قسم البرامج في مركز جميل للفنون- في مقابلة أجريت معها على أهمية تجربة المركز قائلة، “لم تكن لدينا ثقافة ارتياد المتاحف طوال حياتنا، خاصة متاحف الفن المعاصر. ولكن من المهم جدًا أن يتعلم الناس كيفية الذهاب إلى المتحف، والتفاعل مع الأعمال الفنية، والدخول في نقاشات ربما تكون صعبة. ولكنك إن ذهبت إلى معرض افتراضي، لن تحقق كل هذا، فتجربة المشي في المتحف تعد مهمة وأساسية في التفاعل مع جمهورنا. وهذا الأمر ينطبق أيضًا، بشكل كبير، عندما يتعلق الأمر بأعمال فنية أكبر، وأعمال خاصة بالموقع وتجهيزاته المادية الموجودة هناك. فلا يمكنك أن تعيش التجربة ذاتها إلكترونيًا على الإطلاق”.
وأشارت شما إلى نقطة مهمة تمت إثارتها، على نطاق أوسع، خلال النقاشات التي تجري في مجال صناعة الفنون والثقافة في الوقت الذي يفتح فيه العالم أبوابه مجددًا بشكل بطيء، ويعمل على التعافي من الوباء. فكيف سيبدو مستقبل الفن؟ هل سيتم الإبقاء على التجارب الافتراضية وتطويرها بشكل أكبر أم هل ستعود هذه الصناعة إلى مكان تكون فيه المعارض والفعاليات الحقيقية سيدة الموقف؟
أشار بندر الوزان، مؤسس معرض باوا، في نقاش، افتراضي، استضافته مؤسسة مسك السعودية في ديسمبر/كانون الأول 2020، حول المنصات الفنية الخليجية الجديدة، إلى أن “المساحات المادية تكّمل تلك الافتراضية”. بالتالي، فبدلًا من أن تحل واحدة مكان الأخرى، يمكن للمساحات الافتراضية والواقعية أن تحسّن من بعضها بعضًا. كما أظهرت التجربة خلال الجائحة أهمية استخدام الأدوات الرقمية لنشر المعرفة، والانخراط في محادثات ثقافية متقاطعة، وأظهرت الحاجة إلى التجارب الفنية الرقمية والواقعية. على سبيل المثال، على الرغم من أن عدد الزوار الحقيقيين لمتحف اللوفر في باريس بلغ حوالي 7 ملايين عام 2020 بسبب الإغلاق الناتج عن جائحة كورونا، إلا أن المنضمين إلكترونيًا لمنصات المتحف قد ازدادوا بنسبة 900% تقريبًا خلال الفترة ذاتها، وتم الدخول إلى الموقع الإلكتروني للمتحف 21 مليون مرة، والفضل يعود في ذلك إلى التوسع في العروض الرقمية للمتحف.
في بيئة ومناخ ما بعد الوباء، من المحتمل أن تجد المؤسسات الفنية في منطقة الخليج أهمية للوجود الواقعي والافتراضي اللذين يكملان بعضهما بعضًا، وهو ما يمكن تيسير تحقيقه من خلال تأسيس شراكات، مثلما حدث مع متحف قطر الوطني ومتحف الفن الخليجي ومؤسسة بارجيل للفنون. كما يمكن استخدام المواقع الإلكترونية للمؤسسات لعرض مجموعات دائمة، أو إبراز مجموعة صغيرة من الأعمال بهدف زيادة اهتمام الجمهور بها، وتحفيز الزيارات الواقعية للمعارض. وقد تكون هذه طريقة ناجحة لجذب المزيد من الجمهور، الذي يتقن استخدام التكنولوجيا، لمواصلة استكشاف المؤسسات الفنية والانخراط معها. وبعد انتهاء المعارض، يمكن توفير نسخ موثقة منها عبر الإنترنت لمن لم يتمكنوا من الحضور، وللأغراض البحثية. علاوة على ذلك، يمكن بث النقاشات الفنية الداخلية مباشرة أو تسجيلها، ومن ثم توفيرها إلكترونيًا لمواصلة النقاشات وزيادة التفاعل العالمي معها. وبعد كل شيء، لقد ساعدت التجربة الافتراضية، الناتجة عن الوباء، في توسيع حالة الانخراط العابر للثقافات مع المؤسسات الفنية – وهي إحدى النقاط القليلة المضيئة لهذه التجربة العالمية الكئيبة.