لقي إعلان الرئيس دونالد جي. ترامب “انسحاب” الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، أو ما يعرف بخطة العمل الشاملة المشتركة، ترحيبًا حماسيًّا كبيرا من قبل العديد من قادة دول الخليج العربية. يقدم هذا الإعلان احتمالاً بحقبة جديدة للقيادة الأمريكية تهدف بشكل مباشر إلى صد الهيمنة الإيرانية على المنطقة، ولربما حتى إلى حملة لتغيير النظام في طهران. الكثير مما قاله ترامب يشجع على مثل هذه الآمال. لكن هناك أسئلة خطيرة تكمن في المسار الفعلي لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط واستعداد واشنطن لدفع الثمن المطلوب لتحقيق مثل هذه الغايات. وإذا كان الوضع الناشئ يحتوي على كل عناصر سيناريو افتراضي لتحقيق رغبات المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وربما بعض دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى (على الرغم من أن الرأي العام في مجلس التعاون الخليجي منقسم) فإن النظر عن كثب يكشف عن احتمال حدوث المزيد من التحول المقلق للأحداث مع بداية انهيار الاتفاق النووي الدولي مع إيران.
كانت دول الخليج العربية وإسرائيل -التي غالبًا ما يشار إليها مجتمعة كحلفاء واشنطن الرئيسيين في الشرق الأوسط– من أكثر الدول الفاعلة دوليًّا انزعاجًا من المفاوضات النووية مع إيران والاتفاق اللاحق. لكن أولوياتهم تباينت إلى حد ما، خاصة مع تطبيق خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015. وركزت إسرائيل بشكل مباشر على مساعي إيران للحصول على سلاح نووي، بينما أعطت دول الخليج الأولوية للهيمنة الإقليمية الإيرانية المتزايدة ودعمها للجماعات المتطرفة غير الحكومية. بعد الحصول على ضمانات من الولايات المتحدة، وافقت دول الخليج على المفاوضات، وعلى الاتفاقية في نهاية المطاف، وإن ساور ذلك شكوك واضحة.
في تحول استراتيجي مهم منذ عام 2015، تقاربت وجهات النظر الإسرائيلية من منظور دول الخليج العربية في التأكيد على الحاجة إلى احتواء نفوذ إيران المتزايد والتصدي له. مع سقوط الأجزاء التي يسيطر عليها المتمردون في حلب في يد القوى الموالية للنظام السوري في الأسابيع الأولى من عام 2016، انتهت المرحلة الرئيسية للحرب السورية فعليًا، تاركة إيران وحلفاءها يسيطرون على جزء كبير من البلاد ويعززون مواقعهم بشكل كبير. لقد برز حزب الله، بشكل خاص، من الصراع أكثر قوةً ووسع من تواجده المؤثر، ما عزز دوره كقوة طليعية إقليمية للجماعات المسلحة غير الحكومية المؤيدة لإيران. وعلاوة على ذلك، بدأت مجموعات مسلحة مختلفة معادية لإسرائيل في تعزيز مواقعها بالقرب من حدودها ومن مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.
وتزايدت المخاوف في إسرائيل ودول الخليج عندما انهارت الدولة الإسلامية في العراق والشام والتي أعلنت نفسها كدولة الخلافة في غرب العراق وشرق سوريا عام 2017 ، حيث استولت القوات الموالية لإيران على مواقع إستراتيجية على جانبي الحدود العراقية السورية. لقد جعلت هذه التطورات من المعقول إنشاء وتوطيد ممر عسكري أو “جسر بري” يسيطر عليه الإيرانيون يمر عبر العراق وسوريا ويربط إيران بلبنان (وحزب الله) وساحل البحر المتوسط. في هذه الأثناء، اتضح تزايد النشاط الإيراني وحزب الله في اليمن والبحرين وما بعدها، في حين بدأت إسرائيل في شن عمليات عسكرية ضد أهداف في سوريا لإيران وحزب الله. واتهمت إسرائيل إيران باطلاق طائرة عسكرية من دون طيار إلى مجالها الجوي من سوريا -وأسقطها الجيش الإسرائيلي- وأنحت كل من الرياض وواشنطن باللائمة على إيران في سلسلة من الهجمات الصاروخية الحوثية من اليمن مستهدفة المدن السعودية. بعد وقت قصير من إعلان ترامب، دخلت إسرائيل في “حالة تأهب قصوى” في مرتفعات الجولان المحتلة، بما في ذلك إعداد ملاجئ تحسبًا من القصف.
لذلك فقد تزايد إحساس إسرائيل ودول الخليج العربية المشترك بالتهديد الإيراني وأصبح أكثر تناغمًا منذ 2015. في تصريح له حول خطة العمل الشاملة المشتركة، استشهد ترامب تحديدًا بكشف إسرائيل عن الأرشيف الذي يوثق عناصر برنامج الأسلحة النووية الإيراني قبل التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة. خارج إسرائيل والولايات المتحدة، من المحتمل أن إعلان ترامب قد لقي صدى أكثر قوة في بعض دول الخليج العربية. في الواقع، وفي مقابلة لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الفريق غادي أيزنكوت مع موقع إيلاف الإخباري السعودي الرائد في عام 2017، كان من غير الممكن تقريبًا التمييز بين وصفه للتهديد الإيراني وكيفية مواجهته وبين العديد من وجهات النظر الخليجية.
ومع ذلك، فبينما كان قادة إسرائيل السياسيون، وخاصة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يريدون من ترامب التخلي عن الاتفاقية ببساطة، فإن العديد من الأصوات العربية الخليجية كانت تنصحه في استخدام الاتفاقية كوسيلة للضغط على السياسات الإقليمية الإيرانية المُزعزِعة للاستقرار. لقد أوردت التقارير بأن المفاوضين الأوروبيين تمكنوا من الاتفاق مع مسؤولي إدارة ترامب على معالجة تجارب الصواريخ الإيرانية والسلوكيات الإقليمية المشبوهة، على الرغم من عدم الكشف عن معالم هذه التفاهمات. لكن المفاوضات بين واشنطن والدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاقية (فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا) قد انهارت بسبب “بنود غروب الشمس” في خطة العمل الشاملة المشتركة، والتي تنتهي بعدها بعض القيود على أنشطة إيران النووية من الناحية الفنية. لذا، وفي الوقت الذي تحصل فيه الحكومة الإسرائيلية على ما تريده بالضبط، فربما كانت دول الخليج العربية أفضل حالاً مع الترتيبات التكميلية التي لم يتم الاتفاق عليها بشكل كامل أبدًا. ومع ذلك، فإن العديد من عرب الخليج سيشعرون بالسعادة من إدانة ترامب القوية لأجندة إيران الإقليمية، وخاصة “أنشطتها المشؤومة في سوريا، واليمن، وأماكن أخرى في جميع أنحاء العالم”.
كما عكست مخاوف دول الخليج العربية بشأن الاتفاقية قلقهم بشأن الشرعية التي يخشون من منحها للنظام الإيراني واحتمال تقارب أوسع بين واشنطن وطهران. ولا شك أن الآمال باتت عالية الآن بين هؤلاء القادة بأن الولايات المتحدة تنوي مواجهة إيران واحتواءها، بل وصدها أيضًا بشكل عنيف، خاصة في ظل إقرار المرسوم الرئاسي الذي وقعه ترامب بأن السياسة الأمريكية هي أن “شبكة إيران وحمْلة العدوان الإقليمي يجب تحييدها”، وزد على ذلك “تعطيل أو قهر أو حرمان فيلق الحرس الثوري الإسلامي ووكلائه من الوصول إلى الموارد التي تعزز نشاطاته المُزعزعة للاستقرار”. بالنسبة للمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين، على الأقل، فإن الحد الأدنى من الهدف هو ضمان عدم زيادة التوسع في نفوذ إيران الإقليمي المتنامي. أما الهدف على المدى المتوسط فهو إنهاء سياسات إيران المزعزعة للاستقرار، مثل دعم مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة غير الحكومية في العالم العربي. وسيكون الهدف الأقصى هو تغيير النظام.
إن اقتصاد إيران في حالة يرثى لها على الرغم من الارتفاع الأخير في أسعار النفط، وقد عصفت الاحتجاجات والانقسامات العميقة بالبلاد. يأمل المتحمسون في تل أبيب والرياض وواشنطن في أنه من دون تخفيف العقوبات التي توفرها الاتفاقية، ومع مباشرة ترامب لتعهده بأن يكون “أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية”، فإن حملة الاستنزاف الاقتصادي ستبدأ في عكس توسع نفوذ إيران الإقليمي منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003. مع مرور الوقت، يأمل أنصار هذا النهج أن يبدأ هذا الضغط، إلى جانب اتخاذ إجراءات عسكرية إقليمية محدودة ومحددة ضد الأطراف النشطة غير الحكومية المؤيدة لإيران، وربما حتى من خلال قوات بالوكالة، للتقليل من بعض المكاسب التي حققتها إيران في أجزاء من العالم العربي مثل سوريا واليمن والعراق وحتى لبنان. قد يتوقع البعض أنه حتى مثل هذه السياسة، إذا استمرت، سوف تنسجم مع السخط الشعبي الإيراني والانقسامات السياسية لخلق جو من التغيير الشامل في السياسة الخارجية، إن لم يكن تغيير النظام في طهران.
ومع ذلك، فإن مجرد إعادة، أو حتى توسيع العقوبات التي رفعتها خطة العمل الشاملة المشتركة، بحد ذاته، من غير المحتمل أن يفضي إلى أيٍ من هذه النتائج. وتوقيع المذكرات الرئاسية والأوامر التنفيذية أمر سهل. لكن مواجهة إيران على الأرض في المنطقة ستكون أصعب بكثير. تطرح بعض التطورات الأخيرة الأخرى شكوكًا خطيرة حول استعداد إدارة ترامب لاتخاذ ذلك النوع من الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة ذات مغزى للمعادلة الإستراتيجية في المنطقة. إذا كانت إدارة ترامب تبحث عن فرصة لردع ما وصفه الرئيس بـ “الأنشطة الشريرة” لإيران في سوريا، فإن الضربات الصاروخية الأخيرة التي أعقبت هجومًا بالأسلحة الكيماوية من قبل نظام الرئيس بشار الأسد وفرت فرصة واضحة. ومع ذلك، فإن ما قام به ترامب لم يحرص فقط على تجنب أي أهداف روسية، وإنما حرص أيضًا على تجنب أي شيء متعلق بإيران أو حزب الله. حتى إنه تجنب أي أهداف حساسة لنظام الأسد ويبدو أن ذلك يوحي بأن الردع الروسي والإيراني يعملان بشكل جيد.
علاوة على ذلك، تعهد ترامب بسحب جميع القوات الأمريكية المتواجدة شرق سوريا، الأمر الذي كان من شأنه أن يجعل القوات الموالية لإيران مستعدة للاستيلاء على آخر المناطق الإستراتيجية المتبقية اللازمة لجسر بري. من الواضح أنه عدل عن ذلك الإجراء، لكن ذلك يشير إلى درجة من التناقض المعرفي بين التصريحات القوية التي استخدمها ترامب في رفض الاتفاقية وشعوره بالحذر الشديد عندما يتعلق الأمر بالتطبيق العملي للقوة العسكرية الأمريكية. إما أن تتولى واشنطن زمام القيادة في مثل هذه المسارح، أو أنها ستصر على جعل “أناس آخرين” يتولون الأمر، ويبدو الآن أن كلا هذين الحافزين المتناقضين يسيران بشكل كامل.
علاوة على ذلك، إذا كانت واشنطن تأخذ على عاتقها زمام المبادرة في حملة واسعة ومستمرة للضغط على إيران في عدة جبهات، فإن كلا جانبي النزاع الداخلي في دول مجلس التعاون الخليجي يمكن أن يتوقعا ضغوطًا كبيرة. ويتعين على قطر أن تكون حذرة للغاية بشأن الحد من علاقتها مع طهران، بما في ذلك العلاقات الاقتصادية، وما يدفع المواقف نحو نزاع محتمل مع إيران هو ترويج قناة الجزيرة العربية ووسائل الإعلام المختلفة التي تمولها الدوحة. من ناحية أخرى، قد تجد السعودية والإمارات والبحرين، إلى جانب مصر، أنه إذا كانت إدارة ترامب تقود مثل هذه الحملة المركزة للضغط على إيران، فإنها ستفقد الكثير من صبرها من أجل اتخاذ قرار بشأن المقاطعة مع قطر، خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار القواعد العسكرية الأمريكية المهمة وممتلكاتها هناك. حتى الآن، لم تجعل واشنطن أيًّا من مظاهر العلاقات الثنائية مع أي من هذه الأطراف متوقفًا على إنهاء المقاطعة، ولكن في ضوء التركيز الجديد على إيران يمكن لذلك أن يتغير بالتأكيد.
ومن بين جميع الأطراف الرئيسية في التحالف الناشئ في مواجهة إيران، قد تكون دول الخليج العربية مكشوفة أكثر من غيرها. ردت طهران على ترامب كما هو متوقع من خلال التأكيد على تصميمها على الاستمرار في JCPOA مع الموقعين الخمسة الآخرين بصرف النظر عن تظاهرها بأنها الضحية والطرف الدولي المسؤول. من المؤكد أن هناك إمكانية حدوث صدام بين إسرائيل وحزب الله، وربما حتى مع إيران في سوريا، وقد يتوسع ذلك إلى لبنان. لكن حتى الآن، يبدو أن كلا الطرفين عازمان على تجنب مثل هذه المواجهة. اليمن هي البقعة الأكثر سخونة، حيث تحارب القوات السعودية والإماراتية مجموعة من الأعداء غير الحكوميين بمن في ذلك الحوثيون والقاعدة. وأصبحت الضربات الصاروخية الحوثية ضد السعودية حدثًا منتظمًا، ومن السهل أن نتصور تكثيفًا لمثل هذه الهجمات. يمكن للصراع بالوكالة أن ينتشر في العراق وسوريا وربما في البحرين. وتمتلك إيران الكثير من الموارد المعتبرة، وستكون الأهداف العربية الخليجية هي الأضعف، وبالتالي فهي مغرية للاستهداف، في حال اشتداد الصراع بشكل كبير.
وأخيرًا، فإن الأماني بأن يؤدي الانسحاب الأمريكي من خطة العمل الشاملة المشتركة إلى إطلاق حملة جديدة كبيرة للضغط على إيران تفترض وجود خطة بديلة تكون عمليّة ومتماسكة بقيادة الولايات المتحدة. إذا ثبت أن واشنطن تفتقر إلى الرؤية أو الالتزام أو القدرة على شن مثل هذه الحملة، فإن العواقب قد تكون كارثية. يمكن أن يجد المتشددون الإيرانيون أنفسهم مدعومين إلى حد كبير، متحررين من نظام العقوبات الدولي الشامل الذي أدى إلى JCPOA، وكذلك من التزاماتهم النووية الخاصة بموجب الاتفاق، وبقليل من القيود المباشرة على التجاوزات الإقليمية. لا يمكن لأي من الدول الخليجية المساندة لهذه المواجهة أن تتغلب على طهران وحدها، ولا يمكنها الاعتماد على إسرائيل. فهم يعتمدون على واشنطن لاستخدام أكبر قدر ممكن من قوة الولايات المتحدة لضمان أن يتم، على الأقل، إعادة ترتيب المشهد الاستراتيجي بما يكفي لجلب إيران إلى شروط معقولة معهم. بعد انسحاب ترامب من خطة العمل المشتركة، قد يكون الحماس مرتفعًا في بعض الأوساط حول احتمالية أن تواجه إيران قدرًا كبيرًا من الألم في الأشهر المقبلة. لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت طهران ستعاني من انعكاس استراتيجي ذي مغزى.