صادف 26 آذار/مارس ذكرى مرور سنة على بدء التحالف الذي تقوده السعودية في شن غارات جوية في اليمن بناء على دعوة من حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي. ومع انتشار تقارير تتحدث عن إيقاف المحادثات السعودية المباشرة مع ممثلي الحوثيين، فإن الإيقاف المؤقت للغارات العابرة للحدود والقصف المدفعي من قبل المقاتلين الحوثيين ضد المملكة العربية السعودية وغارات التحالف الجوية في صنعاء تقدم أملًا نادرًا في تطور الجهود الدبلوماسية. العوائق التي تحول دون نجاح المفاوضات عالية، وذلك بسبب المهمة المعقدة المتمثلة في التوفيق بين المصالح المتعارضة للأطراف المتحاربة المتعددة، بمن فيهم حتى الحلفاء الخليجيون الذين يقودون التدخل العسكري في اليمن.
كان الهدف المباشر لعملية “عاصفة الحزم” واضحًا: قلب مكاسب المقاتلين الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح المتحالفة معها والتي تقدمت بشكل سريع عبر اليمن وجعلتهم يسيطرون على العاصمة، صنعاء، وضواحي مدينة عدن الجنوبية، ومساحات واسعة من الأراضي فيما بينهما. في وقت لاحق، وبعد ما يقرب من عام، كشف مسار الحرب الفروق الدقيقة في الأهداف الاستراتيجية للقوات الأجنبية الرئيسية التي تدعم الحكومة هادي وهي كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. تجعل هذه الرؤى المتباينة الطموحات النهائية للتدخل الدولي والنتيجة المقبولة للصراع متعدد الأحزاب أقل وضوحًا.
تفصل الحليفين الخليجيين عن اليمن كل من الجغرافيا والأيديولوجيا إضافة إلى اختلاف رؤيتهما الاستراتيجية. لعبت المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة دور صانع الملوك الخارجي في اليمن، حيث تتشارك في نفس الوقت أطول حدود مع اليمن علاوة على روابط تاريخية عميقة. دعمت السعودية من قبل حكومة صالح السابقة في هجومها في تشرين الأول/أكتوبر 2009 في محافظة صعدة، وعملية “الأرض المحروقة”، والتدخل عسكريًا في اليمن بما في ذلك الغارات الجوية ضد الحوثيين.
إن هدف القيادة السعودية هو حرمان إيران من موطئ قدم استراتيجي لها في الجزء الجنوبي من اليمن المتمثل بدعم إيران العسكري والأيديولوجي المحدودين للحوثيين. في هذا الصدد، بات اليمن ساحة أخرى للحرب بالوكالة بين إيران والمملكة العربية السعودية من أجل الهيمنة الإقليمية، وإن كان ذلك في مكان قريب جدًا من حدودها، حيث أفاد السعوديون عن مقتل 375 مدنيًا في هجمات صاروخية وهاون عبرت الحدود من قبل الحوثيين والقوات الموالية للرئيس صالح. عطلت هذه التوغلات العسكرية الحياة تمامًا في البلدات الحدودية السعودية لجازان ونجران، حيث تكرر إغلاق المطار والمدارس خلال تلك الهجمات. في حين أن هناك سعي لفصل تكتيكي بين الحوثيين والإيرانيين، لكن أمن الحدود سيبقى ذي أهمية قصوى وجزءًا أساسيًا من أي تسوية مؤقتة.
أما الأهداف الاستراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة في اليمن فربما تكون أقل وضوحًا. أمام مواطنيها حديثو العهد على هذا النوع من التعبئة الوطنية التي أجريت من أجل دعم هذا الصراع، قيل إن التدخل هو حرب وقائية لازمة ضد إيران علاوة على الدفاع عن المملكة العربية السعودية، حليفتها الخليجية؛ لكنه في الواقع جاء لحسابات مختلفة.
في خطاب مهم ألقاه وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 ضمن مناظرة استراتيجية في مركز الإمارات للسياسات في أبوظبي، أكد بجرأة التزام دولة الإمارات العربية المتحدة في تشكيل محصلات التحول الإقليمي الذي يجري في العالم العربي الأوسع. من المكونات الرئيسية لهذه الرؤية الاستراتيجية هزيمة “التطرف”، والذي يشمل، من وجهة النظر الإماراتية، جميع الحركات الإسلامية السياسية المستقلة. بالتالي أدى إدراج مقاتلين من “التجمع اليمني للإصلاح” التابع “للإخوان المسلمين” في اليمن، كأعضاء محليين في التحالف الذي تقوده السعودية، إلى نشوء احتكاك بين الحليفين. حتى أنه غيّر المسؤوليات في ساحة المعركة، مع قيام الإماراتيين بالحد من دورهم في المعركة في تعز، والتي يلعب فيها مقاتلو “الإصلاح” دورًا هامًا.
ركز الجيش الإماراتي والإدارة السياسية الإمارتية مواردهما على منطقة الجنوب، حيث يُعد تحريرهم وحلفائهم المقاتلين اليمنيين للعاصمة الجنوبية عدن النجاح الرئيسي للتدخل بقيادة السعودية. هناك العديد من الروابط التي تربط دولة الإمارات بجنوب اليمن؛ حيث هاجر بعض الجنوبيين الذين فروا من الحرب الأهلية في اليمن في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي إلى دول الخليج العربي، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، ومُنحوا لاحقًا المواطنة وبات يشغلون مناصب بارزة في مجال الأعمال والاستثمار؛ كما أن هناك جنودًا إماراتيين ممن يقاتلون في اليمن لديهم أقارب يمنيين.
قدمت المحادثات التي عُقدت في دولة الإمارات العربية المتحدة أواخر عام 2015 العديد من المؤشرات على وجود التزام إماراتي بعيد المدى بعدن، حيث عكفت مؤسسات الفكر والرأي في دبي على طرح خطط للتنمية الاقتصادية في عدن تركزت على الميناء، وذلك عبر تقديم خبراتهم والامتداد العالمي لموانئ دبي العالمية متعددة الجنسيات. ذكر أحد المحللين الإماراتيين أن “عدن هي دبي” ، كما قال محلل آخر بأنه يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تلعب دورًا في اليمن على غرار ما حاولت أن تفعله في مصر – أي استخدام الاتصالات والنفوذ الدوليين لحشد القبول الدولي والدعم الاقتصادي لإعادة تطوير عدن.
ومع ذلك، يحيط الشك بتقييم هذه الخطط الطموحة، حيث سلطت صحيفة الغارديان في تقرير صدر مؤخرًا الضوء بوضوح على محدودية وصول الحكومة اليمنية إلى تلك المنطقة مع قيام الفصائل اليمنية في الوقت ذاته – والتي اتحدت ذات مرة لقتال الحوثيين – بقتال بعضها البعض من أجل الموارد المحدودة والسيطرة على المدينة. وصف مصدر ميداني في عدن مؤخرًا الأحياء في المدينة وكيف تسيطر عليها قوى متنافسة – الانفصاليون الجنوبيون والانفصاليون والسلفيون الموالون والميليشيات المجاورة – مع ضعف التنسيق والأجندات السياسية المتنافسة في الوقت نفسه.
لقد ترك الفراغ السياسي فجوة كبيرة استغلتها الجماعات الجهادية، حيث خضعت حكومة الهادي منذ عودتها إلى عدن إلى عدد مذهل من الهجمات؛ منها عمليات انتحارية ادعت مسؤوليتها “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ضد الفندق الذي تقيم فيه الحكومة اليمنية في تشرين الأول/أكتوبر عام 2015، وعلى أبواب القصر الرئاسي في كانون الثاني/يناير. كما اُغتيل مسؤولين أمنيين كبار في الأشهر الثلاثة الماضية مثل محافظ عدن ورئيس محكمة مكافحة الإرهاب في عدن وقائد القوات العسكرية في محافظة أبين، ما أدى إلى سيادة انطباع بأن عدن وضواحيها باتت غير قابلة للحكم.
لقد اختبرت الهجمات المتواصلة ضد القوات الإماراتية – التي تتحمل ما يفوق طاقتها – وضد حلفائها في الحكومة اليمنية التزام دولة الإمارات العربية المتحدة في اليمن، حيث تلاحظ التقارير الأخيرة إعادة نشر الجنود الإماراتيين، وسحبهم من شوارع المدينة والمطار. كما تسود أيضا مخاوف من أن مناخ التقشف الاقتصادي قد يحد من الاستثمارات الخليجية في إعادة الإعمار.
وبينما تعيد دولة الإمارات العربية المتحدة تقييم موقفها فيما يتعلق بخطط التنمية الخاصة بها لعدن أمام تهديد المتطرفين الإسلاميين، قد ترغب بتسوية سياسية أكثر سرعة مع الحوثيين. ومع ذلك، قد يتوقف حماسهم للمفاوضات وخططهم الحالية لوجود طويل الأجل في الجنوب على نوايا اللواء علي محسن الأحمر نائب قائد القوات المسلحة المدعوم من السعودية، والذي يُعرف عنه تعامله السابق مع “التجمع اليمني للإصلاح“. قد يخفف أي ارتفاع في نفوذ التجمع اليمني للإصلاح من التزام الإماراتيين بالدولة اليمنية.
صحيح أن دولة الإمارات العربية المتحدة تدخلت رسميًا بهدف إعادة الحكومة الشرعية في اليمن، إلا أن الإماراتيين أظهروا أحيانًا تناقضًا يثير الدهشة حول الوحدة السياسية المستقبلية للبلاد، حيث ذكر الفريق ضاحي خلفان تميم من شرطة دبي، في تغريدة عام 2015، أن غياب الدولة في اليمن يقوي شرعية انفصال الجنوب، وهو تصريح تلاه تفسير ينص على أن الجنوبيين، ولا سيما المحافظات الغنية بالنفط مثل حضرموت، خلاقين ويستعدون للتنمية الاقتصادية. كما تمتع القادة الانفصاليون مثل الرئيس السابق المنفي للجمهورية الديمقراطية الشعبية في اليمن، علي سالم البيض، بإمكانية الوصول إلى مسؤولين رفيعي المستوى في دولة الإمارات العربية المتحدة. وأشار تقرير صدر مؤخرًا من عدن إلى رفع علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بفخر إلى جانب أعلام دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية عند نقاط تفتيش الميليشيات.
تضع قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة أهمية كبيرة على علامة العمل الوثيقة التي تجمعها مع الرياض والتي تعتبر إحدى “أحجار الأساس” التي يعتمد عليها الاستقرار الإقليمي. لكن مع استمرار التكلفة الهائلة للحرب في اليمن– مع مقتل أكثر من 7000 شخص وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة الأخيرة، وحدوث أضرار لا تحصى للبنية التحتية الهشة في اليمن – لا بد لخلافاتهما أن تترك بصماتها. إذا قادت المحادثات الحالية في المملكة العربية السعودية بسرعة إلى وقف الأعمال العدائية، من الممكن أن يكون هناك تكامل بين الشركاء اليمنيين المختلفين وأولويات ما بعد الصراع لكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، مع تحديد نفوذ كل واحدة منها لمصلحة تنمية اليمن. ولكن، كلما استمر النزاع لفترة أطول من دون حل سياسي، كلما زاد خطر أن تؤدي هذه الخلافات إلى تفاقم الانقسام السياسي المتصاعد في البلاد.
كريستن سميث ديوان باحثة مقيمة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن.