في بلدة الروضة الصغيرة بولاية المضيبي في سلطنة عُمان، تقوم الفنانة كوثر الحارثي بتجميع المواد الطبيعية وحطام الأشياء والمواد الأرشيفية لعمل كولاجات [collages] معقدة وأعمال تركيبية تأملية، وتستكشف من خلال أعمالها، التي قادتها إلى إقامات فنية ومعارض من مسقط ودبي إلى فيينا وبودابست، الذاكرة الشخصية وتأثيرات التغيرات المناخية على المشهد العُماني والتواريخ الجمعية.
اكتسب فن الكولاج (collage) زخماً كعملية إبداعية وشكل فني في بدايات القرن العشرين عندما استخدم فنانون معاصرون، مثل بابلو بيكاسو (Pablo Picasso) وجورج براك (Georges Braque)، زخرفة الوسائط والصور المعاصرة لسرد قصص جديدة. غالبًا ما يستخدم فنانو الكولاج اليوم هذه الوسيلة لانتقاد ممارسات الاستهلاك الجماعي وثقافة المستهلك، مستخدمين موضوعات نقدهم ذاتها في تعليقاتهم. كما يلجأ الفنانون في جميع أنحاء العالم إلى عمل الكولاجات كوسيلة لاستكشاف تواريخ أكثر قرباً للإنسان. فعلى سبيل المثال، تقوم فنانة الوسائط المتعددة الإماراتية مريم الحريز بتجميع صور طفولتها وحياكتها معًا بخيط أحمر للتحقق من طبيعة الذكريات المجزأة في كثير من الأحيان، وتضيف كذلك لمسة مرحة للصور المثالية والمتقنة من جانب آخر.
بصفتها باحثة ومتخصصة في البحث في الأرشيف وفنانة وسائط متعددة، تستلهم كوثر الحارثي أعمالها من الأشياء المادية المحيطة بها، والتي تسرد قصص الحياة المعاصرة في عُمان. في أحد مشاريعها عام 2018، جمعت بطاقات مكتبة من مكتبة جامعة السلطان قابوس لعمل كولاج يعكس لمحة من الحياة الجامعية في أواخر القرن العشرين.
تحدث معهد دول الخليج العربية في واشنطن مع الفنانة كوثر، الفائزة بجائزة صالة ستال للفنون، التي تسمى جائزة الفنانين الواعدين لعام 2022 للتعرف على أساليبها الإبداعية في مختلف الوسائط، وكيف ساهمت نشأتها في بلدة صغيرة في تشكيل أعمالها الفنية.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: كيف أصبحتِ فنانة؟
كوثر: بدأت الرسم عندما كنت طفلة، ثم بدأت في عمل الكولاجات. أحب حقًا اللعب بالأشياء الموجودة في محيطي، وتخيل الأشياء ودمجها معًا باستخدام فن الكولاج. وقد جربت أيضًا التصوير والتلاعب بصوري واستخدامها لإنتاج كولاجات. وأقوم الآن بتجربة الفن التركيبي، لذلك بدأت قبل عامين باستخدام الأشياء الجاهزة. أفكر في فرص أن تكون لهذه الأشياء ذكريات وقصص خاصة بها. أنا مهتمة جداً بهذا الأمر. أجمع الأشياء من قريتي بولاية المضيبي في الشرقية، وأتعامل معها، واستخدمها في صنع الأعمال التركيبية. درست التربية الفنية في جامعة السلطان قابوس، ثم حصلت على درجة الماجستير في الفن من نفس الجامعة.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: كيف بدأتِ العمل في فن الكولاج؟
كوثر: لقد بدأت استخدام فن الكولاج من خلال عملين فنيين. قمت بجمع دفاتر أبي وكتبه المدرسية ودليل الهاتف، والكثير من الأشياء التي تركها، وبدأت بلصقها لعمل كولاج، أطلقت عليه اسم “ما تركه الوالد”. توفي أبي عندما كنت في التاسعة من عمري، وأتذكر أنني بدأت البحث في مكتبته بعد وفاته – حيث كان يملك مكتبة كبيرة – وبدأت أتصفح دفاتره ومذكراته وكل ما وجدته هناك. والتقطت صوراً لبعض ما ترك، مثل شجرة زرعها وماتت، وتم قطعها فيما بعد.
أعتقد أن ذلك قد ساعدني على تصور حياته بطريقة مختلفة – ربما بطريقتي كباحثة أو كإنسانة تريد أن تكتشف المزيد عن هذا الشخص. كانت تلك واحدة من أقدم كولاجاتي المبكرة، ثم بدأت استخدام فن الكولاج أكثر.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: كيف ساعدتك هذه الممارسة البحثية الإبداعية في صقل موهبتك كفنانة كولاج؟ ماذا تعلمت خلال هذه العملية؟
كوثر: كنت فقط أُجرب وأستكشف الأشياء من حولي. أردتُ أن أطلق العنان لنفسي في التجريب دون ضوابط، وأفعل فقط ما يحلو لي. بعد الانتهاء من عمل كولاج “ما تركه الوالد”، بدأت استخدام عناصر أقل في كولاجاتي. استخدمت في هذا العمل الكثير من العناصر– الكثير من الرسومات والكتابات والصور. ولكن بعده، بدأت باستخدام عدد أقل من العناصر، لأنني كنت أشعر أنني لست بحاجة لكل هذه الأشياء لأعبر عن شيء ما.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: اذكري لنا مثالاً على واحد من كولاجاتك الأخيرة التي تحتوي على عناصر أقل؟
كوثر: كان ذلك كولاجاً قمت به عام 2020، كنت قد أمضيت عاماً دون القيام بأي عمل فني، فقط مخططات. لذلك، قررت فقط تجريب استخدام الأشياء دون اعتبارها عملاً فنيًا. أخذت قصاصات من قصائدي المفضلة وصورة، وبدأت بالرسم عليها والكتابة بشكل عشوائي.
كتبت شيئًا من مذكراتي، وبدأت أرسم أشيائي المفضلة وأشياء أخرى من ذاكرتي، وتحوّلتْ في نهاية المطاف لعمل فني، وأصبحت بعدها غلافاً لكتاب أحد الأصدقاء. كنت سعيدة جدًا بهذا العمل لأنه مهد الطريق لي للقيام بالكثير من الأعمال.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: علامَ تدل الألوان المختلفة في أعمالك، مثل اللون الأحمر؟
كوثر: أنا لا أفكر كثيراً في الألوان. فقط أرسم وفقاً لمشاعري، فأضيف اللون الأحمر عندما أشعر بأن اللون يجب أن يكون أحمر. في بعض أعمالي، يمكن للون الأحمر أن يعكس الدم أو الحياة، وقد يكون الرغبة في إعادة الحياة لشيء ما. وأحياناً أستخدم لوناً ما كالأحمر لإعادة التواصل مع أحد عناصر العمل، قد يكون مكانًا مهجوراً أو شيئاً مخفياً في الذاكرة.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: كيف بدأت لاحقاً في تجربة الفن التركيبي؟
كوثر: في سياق التحضير لمعرض في صالة ستال للفنون قبل بضع سنوات بعنوان “مركز الكون: انعكاس على الصورة الذاتية“، كنت أفكر في شجرة النخيل باعتبارها انعكاساً لذاتي الداخلية. كل عام، نقطع أجزاء من أغصان النخلة، فتنمو أغصان جديدة. كنت أفكر في الزمن وذكرياتي القديمة، وكيف أنني في كل عام أقطع أجزاء من نفسي، لتنمو أجزاء جديدة أخرى. كان هذا باكورة أعمالي التركيبية. كنت أجرب وبدأت بصورة، ثم بدأت أفكر فيما يمكنني فعله بهذه الصورة، كيف يمكنني أن أصنع منها قصة جديدة.
التقطت هذه الصور في وادٍ في القرية المجاورة لقريتي، وأنا واقفة بين أشجار النخيل وسط الوادي، حيث كان وضع جسدي مشابهاً لوضع أشجار النخيل المنتصبة هناك. لقد كنت مرتبطة جداً بالطبيعة منذ طفولتي، فقد ترعرعت في مكان مليء بأشجار النخيل، واعتدنا أن نعتني بكل تلك الأشجار والحيوانات. لذلك فأنا أعتقد أن جزءاً من نفسي مرتبط جداً بالطبيعة.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: أخبرينا عن العمل التركيبي الذي أنجزته فيما بعد عندما فزت بجائزة ستال الكبرى للفنانين الواعدين.
كوثر: للقيام بهذا العمل، قمت بتجميع قطع الطوب من بقايا الجدران التي دمرتها الفيضانات في قريتي. وكانت جدراناً قديمة جداً، لذا كان الأمر يبدو وكأن الجدران شاهد على ما كان يحدث في القرية منذ فترة طويلة – وكأن لها ذاكرة. عندما دمرت الفيضانات أجزاء من هذه الجدران، بدا الأمر وكأن جزءاً من الذاكرة قد اختفى. وبطريقة ما، يمكن أن يكون هذا مرتبطًا بالتغيرات المناخية، فقد شهدنا الكثير من هذه الفيضانات في السنوات القليلة الماضية، والتي دمرت الكثير من الأشياء.
قمت بجمع الطوب من أسفل الوادي. كانت هذه جدران المزارع، وبالفعل أحببت طريقة المزارعين في إعادة بناء هذه الأجزاء بالتحديد من الجدار. بعضهم وضع الطوب من دون الأسمنت، ووجدته مثيراً جداً للاهتمام من الناحية البصرية. كان الطوب في منتصف الوادي تحت التربة، لذلك كان جزءاً منه مخفياً. بالنسبة لي، هذا الأمر يمثل الذكريات المخفية التي نحتفظ بها في العقل الباطن (اللاوعي).
يمكن رؤية أيادي الجبس في العمل التركيبي على أنها رموز لاستعادة الذكريات، أو ملامستها للشعور بأنها ما تزال موجودة.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما هي بعض المواد المختلفة التي قمت بتجربتها؟
كوثر: خلال الجائحة، قمت بأشياء غريبة جداً – قمت بتجميع مقتطفات من القصائد، سواء من مكتبة والدي أو غيرها مما قرأت، كانت تتحدث عن الأبواب أو عما يرمز له الباب. قمت، في الأساس، بإلقاء نظرة سريعة على صفحة من إحدى القصائد، ثم قمت بقص الجزء المتعلق بالباب، واحتفظت بالكلمات المتبقية، واستخدمت تلك البقايا في عملي. كنت آنذاك منزعجةً حقاً بسبب قطع بعض أشجاري المفضلة لبناء شيء ما في مكانها. لذلك بدأت برسمها، وإضافة أبيات من هذه القصائد. ما زلت لا أعرف ماذا أفعل بالأجزاء التي تتحدث عن الباب، لذلك احتفظت بها للمستقبل.
هناك أيضاً شيء جديد. فأنا أعمل الآن على كولاج، ولكن بطريقة مختلفة – أعمل الآن بالمنسوجات، وهذا هو الشيء الجديد، ولكن هذا الأسلوب مرتبط بعملي السابق. أعمل على كولاج لمشروع محدد لم يتم الإعلان عنه حتى الآن، وقد يتم الإعلان عنه لاحقاً أواخر هذا العام أو مع بدايات العام القادم. يتعلق الأمر بجدتي المولودة في زنجبار، وقد رزت مكان ولادتها قبل بضعة أسابيع.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ماذا يمثل لكِ رمز الباب في هذه القصائد وفي كولاجاتك؟
كوثر: ليس للأمر علاقة بالباب أو إزالة الباب. لدي فقط صندوق مليء بمقتطفات من القصائد، وبدأت أكتشف ماهية هذه المقتطفات. أحياناً لا يكون لها معنى محدد – في اعتقادي لا ينبغي للفن أن يكون مباشراً جداً. عندما يكون شيئاً عشوائياً، فإنه يدفعك للتساؤل عما قد ينطوي عليه المعنى. لا يمكن فهم الفن في بعض الأحيان. يبدو الأمر كما لو أنني لا أفهم لحظة معينة، لذلك أقوم بإدخال هذا الشعور للفن.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.