تبدّدت التوقعات بشأن استعادة أسواق النفط توازنها في الربع الثالث من العام 2016 بعدما أعادت وكالة الطاقة الدولية النظر بشكل قاطع في توقعاتها السابقة المذكورة في تقريرها الشهري الأخير، علمًا أنه طال انتظار استعادة التوازن هذه في أسواق تشهد فائضًا في العرض. وينذر تقرير وكالة الطاقة الدولية لشهر أيلول/سبتمبر حول سوق النفط بأن تخمة العرض غير المسبوقة التي ألقت بثقلها على أسعار النفط في خلال العامين المنصرمين ستستمر إلى ما بعد النصف الأول من العام 2017 بسبب ارتفاع الإنتاج من منظمة “أوبك”، ونظرًا إلى أن العرض من خارج نطاق “الأوبك” قد أصبح أكثر مرونة مما كان متوقعًا، وإلى تباطؤ نمو الطلب العالمي. وكنتيجة لهذا الأمر، ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، سجّلت مستويات مخزونات النفط العالمية أرقامًا قياسية جديدة في شهر آب/أغسطس.
هزّت التوقعات المعدّلة الأسواق وسوف تزيد من صعوبة اجتماعات منظمة “أوبك” غير الرسمية المقرر عقدها في الجزائر في أقل من أسبوعين. وتشير البيانات الأخيرة إلى أن أسعار النفط ستبقى منخفضة لمدة أطول، مما يزيد من ضرورة توصل الدول المنتجة للنفط إلى اتفاق يهدف إلى تقليص نمو العرض المتزايد. وتستمر الخلافات التي لا يستهان بها بين الدول الأعضاء ومنتجي النفط الرئيسيين الذين لا ينتمون إلى “الأوبك”، على غرار روسيا، بشأن ما إذا كان عليهم خفض مستويات الإنتاج أو مجرد تجميدها.
وأحبطت وكالة الطاقة الدولية التوقعات التي كانت تنذر باحتمالية توازن السوق وهي التي لا تتوقع حصول ذلك قبل منتصف العام 2017 على الأقل. ويشير التقرير إلى أنه “قد لا تتغيّر ديناميكية العرض والطلب هذه بشكل كبير في الأشهر القادمة. وبالتالي، سيظل العرض أكبر من الطلب في خلال النصف الأول من السنة القادمة على الأقل. وسيستمر المخزون السلعي العالمي في النمو. وحطّم مخزون منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في شهر تموز/يوليو الرقم القياسي المتمثل بـ 3.1 مليار برميل. أما بالنسبة إلى موضوع استعادة السوق لتوازنها، فيبدو أنه علينا أن ننتظر لفترة أطول.”
الأسعار المستقبلية لمؤشر خام غرب تكساس الوسيط
انخفضت أسعار النفط كرد فعل على ما خلص إليه التقرير، كما انخفض مؤشر خام غرب تكساس الوسيط بمعدل 3.25 دولارًا بالبرميل الواحد، إلى حوالى 43 دولارًا بالبرميل الواحد منذ صدوره في 13 أيلول/سبتمبر. أدّى التصور السائد بالمزيد من الهبوط في السوق إلى توقّع المتكهنين أن المؤشر الدولي لأسعار النفط الخام “برنت” المستقبلية سيتراوح بين 40 و50 دولارًا/برميل كحد أقصى مقارنة بالتوقعات السابقة التي تكهنت أنه سيتراوح بين 50 و60 دولارًا/برميل. وتوقعت شركة غولدمان ساكس أن تتراوح أسعار بيع النفط ضمن هامش ضيق (45 إلى 50 دولارًا/برميل) في خلال الأشهر الاثني عشر القادمة. .
لعبة الانتظار
طرح تقرير وكالة الطاقة الدولية بشأن سوق النفط السؤال التالي: “متى ستستعيد سوق النفط العالمية توازنها؟” وأجاب على النحو الآتي: “في ظل المستويات الحالية التي يسجّلها سعر النفط، يُخال للمرء أن العرض سيتقلص في حين سيشهد الطلب نموًا كبيرًا. ولكنه يبدو أن ما يحصل مغايرًا تمامًا. إذ إنّ نموّ الطلب في تباطؤ في حين يرتفع العرض. وبناء على ذلك، تبلغ مخازن النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مستويات غير مسبوقة.”
ومن المتوقع أن يزيد الطلب العالمي على النفط بمعدل 1.3 مليون برميل في اليوم (م ب ي) ليصل إلى 96.1 م ب ي في العام 2016، أي ما يقل بمئة ألف برميل في اليوم (أ ب ي) عمّا كان متوقعًا وذلك يعود، بحسب وكالة الطاقة الدولية إلى “التباطؤ الذي بات أكثر وضوحًا في الربع الثالث من العام 2016”. ويُتوقع أن ينخفض نمو الطلب تدريجيًا من 1.2 م ب ي إلى 97.3 م ب ي في العام 2017. وحذّرت وكالة الطاقة الدولية من أن “أوضاع الاقتصاد الكلي لا تزال غامضة.” وساهم تباطؤ حاد في الربع الثالث في التخلي عن التوقعات السابقة المتعلقة “بسحب كمية كبيرة ” من المخزون في هذه الفترة، الخطوة التي كانت لتكون الأولى من نوعها بعد 10 أرباع من التقدم المتواصل. وذكرت وكالة الطاقة الدولية أن نمو الطلب في الصين والهند “يتأرجح” واستنتجت أن “نمو الطلب على النفط قد انهار من 1.4 م ب ي في الربع الثاني إلى ما لا يزيد عن 800 أ ب ي في الربع الثالث وهو أدنى مستوى على مدى سنتين.” تسببت آسيا في ثلثي التغيير الهابط فيما تعتبر أوروبا مسؤولة عن الجزء المتبقي. وأشار التقرير إلى أن تباطؤ نمو الطلب في الهند يعود إلى عاملين مجتمعين ألا وهما الأمطار الموسمية الغزيرة والنشاط الصناعي المتعثر.
ميزانيات العرض والطلب والمخزون الاحتياطي (2013-2017)
والجدير بالذكر أن الطلب الصيني كان مستقرًا في الربع الثالث، وهو أول ربع لا يسجل أي نمو منذ أزمة الركود الكبرى في العامين 2008 و2009. إلا أن تراجع الطلب الصيني بمعدل 200 أ ب ي عكس بشكل كبير عوامل مؤقتة وفريدة كخطة الحكومة الرامية إلى تأمين “سماء صافية” لقمة مجموعة العشرين التي افتتحت في شهر أيلول/سبتمبر في هانغتشو. أمرت الحكومة المصانع المجاورة بوقف عمليات التصنيع قبل انعقاد القمة من أجل التخلص من تلوث الهواء، الأمر الذي قلّص استخدام النفط الصناعي. إن تاريخ الصين حافل باتخاذ تدابير مؤقتة لتنظيف الهواء قبل استضافة الاحتفالات الدولية المهمة. كما خففت الفياضنات الغزيرة من الطلب على وقود النقل. وتوقعت وكالة الطاقة الدولية أن ينتعش نمو الطلب الصيني بمقدار 300 أ ب ي في الربع الرابع ليصل إلى 11.8 م ب ي على أن يستمر في الارتفاع في العام 2017.
إن الجانب المتعلق بالعرض، يساهم بالقدر عينه، إن لم نقل أكثر، في تقويض معنويات السوق. فقد سجّل إنتاج النفط في العالم ارتفاعًا يفوق 1 م ب ي بين الربعين الثاني والثالث من العام 2016 على الرغم من انخفاض أسعار النفط وتراجع الاستثمارات بشكل مستمر وصرف أعداد كبيرة من الموظفين من قطاع الصناعة النفطية. وبحسب ما جاء في التقرير الافتتاحي السنوي الصادر في 14 أيلول/سبتمبر عن وكالة الطاقة الدولية والذي يتناول موضوع الاستثمارات في قطاع الطاقة حول العالم، لحقت بمنتجي النفط عالي التكلفة الذين لا ينتمون لمنظمة “أوبك” خسارة فادحة. وتقدّر وكالة الطاقة الدولية أنّ المنتجين امتنعوا عن استخراج حوالى 1.4 م ب ي منذ بداية انهيار الأسعار في منتصف العام 2014. إن من اقتطعوا حوالى نصف قيمة الاستثمارات هم من المنتجين الأمريكيين المستقلين. وبناء على ذلك، بعد الانخفاض المتوقع في حجم الإمدادات النفطية للمنتجين الذين لا ينتمون إلى منظمة “أوبك” لهذه السنة بمقدار 840 أ ب ي ليصل إلى 56.7 م ب ي، من المتوقع أن ينمو مجددًا في العام 2017 بقدر 400 أ ب ي تقريبًا ليصل إلى 57 م ب ي.
عوّض الإنتاج الزائد من “الأوبك”، وبزيادة، عن الخسارة الفادحة التي لحقت بالإمدادات النفطية للمنتجين الذين لا ينتمون إليها. فلقد سجّلت المنظمة ارتفاعًا مذهلًا في إنتاجها للنفط بمعدل 2 م ب ي منذ تبنيها لسياسة المحافظة على حصتها في سوق النفط في أواخر العام 2014. وتشكل الزيادة المستمرة في إمدادات “الأوبك” عاملًا رئيسيًا في استبعاد التوقعات المسبقة التي كانت تنذر بتقليص المخزون. وتقدّر وكالة الطاقة الدولية أن كل من المملكة العربية السعودية وإيران قد زادت من إنتاجها للنفط بحوالى 1 م ب ي في أواخر العام 2014. وفي الواقع، إن منتجي النفط منخفض التكلفة (10 دولارات/برميل) في الشرق الأوسط التابعين لمنظمة “أوبك”، أي المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة والعراق، يسجلون جميعًا معدلات انتاج عالية، هي الأعلى أو شبه الأعلى، إذ بلغ ناتجها الإجمالي الهائل 33.5 م ب ي في شهر آب/أغسطس. وفيما زادت إيران، بعد رفع العقوبات عنها، من إنتاجها للنفط بسرعة مفاجئة، باتت معدلات الإنتاج مستقرة إلى حد كبير وتبلغ حوالى 3.65 م ب ي ولا تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تتمكن البلاد من تحقيق هدفها المتمثل بإنتاج 4 م ب ي قبل العام 2020، على افتراض أنها تستطيع أن تجذب الاستثمار الأجنبي والتكنولوجيا.
ولقد أدت الزيادة في إنتاج منظمة “أوبك” بالإضافة إلى تباطؤ الطلب على النفط العالمي إلى الاستمرار في إرجاء استعادة الأسواق التي تشهد فائضًا في العرض لتوازنها، علمًا أنه من المتوقع أن يرتفع العرض العالمي للسنة الرابعة على التوالي في العام 2017. من المتوقع أن يتجاوز مخزون النفط الطلب بحوالى 500 إلى 600 أ ب ي في النصف الثاني من العام 2016 وأوائل العام 2017 قبل أن ينخفض تدريجيًا ليسجل 100 أ ب ي في أواخر العام 2017، علمًا أن هذه الأرقام تبلغ أقل من نصف مقدار الزيادة المذهلة التي شهدها مخزون النفط في العام 2015 والتي بلغت 1.7 م ب ي. والجدير بالذكر أن التوقعات عرضة من حيث المبدأ إلى بعض التعديلات، ويعود هذا الأمر إلى الأحداث المؤقتة التي تغير التوقعات المتعلقة بالعرض والطلب أو إلى توفر البيانات الحديثة بعد فترة تمتد من بضعة أشهر إلى أكثر من سنة. وبالتالي، ستشهد البيانات المتعلقة بالعرض والطلب ومخزون النفط مدًا وجزرًا من اليوم حتى نهاية العام 2017، ولكن لا شك في أن العمل على إعادة التوازن جار على قدم وساق.
مشكلة “الأوبك” مع إيران
تؤدي التوقعات المعدّلة لوكالة الطاقة الدولية والتصور السائد بهبوط السوق إلى تفاقم مجموعة التحديات التي يتعين على منظمة “أوبك” أن تواجهها في اجتماع وزراء أعضائها غير الرسمي في الجزائر في 26 إلى 28 أيلول/سبتمبر. سيجمع منتدى الطاقة الدولي الخامس عشر حوالى 600 مشارك من وزراء ومسؤولين حكوميين بارزين وممثلين عن المنظمات الدولية ومدراء تنفيذيين في شركات نفطية من كافة الدول الأعضاء الثلاث وسبعين. ولن يصدر المنتدى أي بيان رسمي ومن المرجح أن تطغى على هذه السنة المحادثات المقررة بين الدول التي تنتمي إلى “الأوبك” وتلك التي لا تنتمي إليها على هامش الاجتماع.
تتمثّل المسألة الرئيسية التي تخيم على المحادثات المقررة باستعادة قواعد العرض والطلب لتوازنها وهي قيد التنفيذ في هذه الآونة. أصبحت الزيادة الحادة في مخزون النفط العالمي بطيئة جدًا في الجزء الثاني من العام 2016 وستبدأ في الانكماش مع تجاوز نمو الطلب العالمي العرض المتزايد. إلا أن عملية إعادة التوازن الكاملة والعمل على تقليص الفائض غير المسبوق في موجودات المخزون المتراكمة منذ العام 2014 تتطلب المزيد من الوقت، ويصعب تحديد هذه الفترة الزمنية المطلوبة. وقد تشكل العوامل الفريدة كسياسة الصين التي ترتكز على توفير “سماء صافية” عوائق مؤقتة أو قد تسرع الخسارة في العرض العملية. بالنسبة إلى بعض دول منظمة “أوبك” كالمملكة العربية السعودية فإن عملية إعادة التوازن تسير في الاتجاه الصحيح. ولكن بالنسبة إلى دول أعضاء أخرى تعاني من محنة اقتصادية أكبر كنيجيريا وفنزويلا على سبيل المثال فإن عملية إنعاش السوق تسير ببطء شديد. كما تقوم روسيا بسحب احتياطاتها المالية لتعويض خسارتها من عائدات النفط المنخفضة التي تتقاضاها الحكومة. المسائل المطروحة على طاولة المحادثات في الجزائر كثيرة إلا أنه سيصعب كثيرًا التوصل إلى اتفاق لاتخاذ خطوات تهدف إلى تأمين استقرار الأسواق.
عقدت اجتماعات رفيعة المستوى بين المملكة العربية السعودية وروسيا بالإضافة إلى اجتماعات ثنائية بين المسؤولين في منظمة “أوبك” في خلال الشهر المنصرم، وأدت إلى دعم الأسعار واكتساب مؤشر خام غرب تكساس الوسيط 5 دولارات/برميل منذ أن أشار وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد الفالح في 11 آب/أغسطس إلى دعمه لاتخاذ أي خطوة ممكنة تساهم في توازن السوق. وركّزت الجولة الأخيرة من الاجتماعات على الخطوات الممكنة التي يمكن النظر فيها في الجزائر بالإضافة إلى توقعات السوق. كما نشرت الأمانة العامة لمنظمة “أوبك” في 12 أيلول/سبتمبر تقريرها الشهري المتعلق بسوق النفط الذي عكس عن كثب تقرير وكالة الطاقة الدولية. وتتوقع المنظمة أن ينمو الطلب بمعدل 1.2 م ب ي في العامين 2016 و2017. وزادت التوقعات للإمدادات الخارجة عن نطاق “الأوبك” للعامين، ومن المتوقع أن تنخفض الإمدادات بمعدل بسيط يساوي 610 أ ب ي لكنها ستزيد بمعدل 200 أ ب ي في العام 2017.
أنتجت فورة الاجتماعات عناوين تتوقع نهوض السوق ولكن ثمة مسائل أخرى لا تزال تحوم في فلك هذه الاجتماعات. فالتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على هامش اجتماع مجموعة العشرين في الصين لمناقشة التعاون. وتلا هذا اللقاء اجتماع بين الفالح ونظيره الروسي ألكسندر نوفاك في الاجتماع عينه حيث تم التوقيع على مذكرة تفاهم لتشكيل فريق عمل لدراسة السوق. ولكن سرعان ما نفى الفالح، عقب التوقيع على المذكرة، الحاجة إلى كبح جماح الإنتاج، قائلًا إن قوى السوق بدأت في إعادة التوازن إلى الأسواق. وفي الوقت عينه، صدر عن نوفاك تعليقات مماثلة. ووسط كل هذا الترحيب والتأهيل، لقد بدا أن ما من مبادرة فعلية بين مركزي القوى لتحقيق هدفهما المعلن المتمثل باستقرار السوق.
وها إن إيران متواجدة مرة أخرى في قلب النزاع الطويل الأمد الدائر بين المسؤولين السعوديين والروس حول إذما كان ينبغي إشراكها في أي اتفاق لتجميد الإنتاج. أعربت روسيا عن استعدادها للتعاون مع منظمة “أوبك”، متى وإن توصّلت “الأوبك” إلى اتخاذ قرار بالإجماع. وفي ظل عدم إجماع “الأوبك”، ستبقى روسيا على الهامش. ولدعم الموقف السعودي، قال وزير الخارجية عادل الجبير في 8 أيلول/سبتمبر إن بلاده لن تقبل بتجميد الإنتاج إلا إن تعهد كافة المنتجين بالقيام بذلك إلا أنه أضاف:” أعتقد مجددًا أن الإيرانيين سيؤدون دور المفسدين. لا يمكنك أن تتوقع من الدول الأخرى أن تجمّد إنتاجها فيما تحتفظ لنفسك بحق زيادة الإنتاج.” تريد إيران أن تحصل على حصة بقيمة 15 بالمئة من إنتاج “الأوبك” بالإضافة إلى إعفائها من أي قرار تتخذه المنظمة في الجزائر. مما يعني، في الواقع، أن ما من قرار سيتخذ بالإجماع. وبناء على ذلك، ليس من المتوقع أن تتخذ “الأوبك” في الجزائر قرارًا يهدف إلى تجميد الإنتاج، ناهيك عن اقتطاع الإمدادات.
وليد خدوري هو زميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن.
دايان مونرو محللة أقدم سابقة للسوق النفطية في وكالة الطاقة الدولية وكاتبة مساهمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن.