في 20 كانون الثاني/ يناير أدّى رئيس الولايات المتحدة المنتخب دونالد ج. ترامب اليمين الدستورية. يستعرض الباحثون المقيمون الأولون في معهد دول الخليج العربية في واشنطن تصريحات بعض مرشحي الرئيس الأساسيين لتولّي مناصب وزارية في خلال جلسات المصادقة عليهم – فضلًا عن تصريحات الرئيس نفسه – لاستشفاف سياسات الإدارة الجديدة المحتملة بشأن القضايا الأكثر إلحاحًا التي تهم دول الخليج العربية.
يتابع المراقبون السياسيون جلسات المصادقة على المسؤولين الذين عيّنهم الرئيس دونالد ج. ترامب لمعرفة ما إذا كانوا يعزّزون مواقفه الجريئة والمثيرة للجدل في السياسة الخارجية أو يقللون من حدتها، وما إذا كانوا يقدّمون درجة أكبر من الوضوح بشأن التناقضات الكثيرة في تصريحات ترامب حول الشؤون الخارجية.
كشفت جلستا استماع للدبلوماسي الأول في البلد ريكس تيلرسون والجنرال المتقاعد ومسؤول الدفاع الأعلى جيمس ماتيس عن استعدادهما للابتعاد عن توجّهات ترامب في ما يتعلّق ببعض العلاقات المثيرة للجدل ولا سيّما لجهة التعبير عن تشكيك أكبر تجاه الدوافع الروسية واعتبار عدوّ الحرب الباردة كخصم استراتيجي. ولكن عزّزت شهادتهما بطرق أساسية استعدادًا جوهريًا: وهو الميل للنظر إلى الشؤون العالمية كعلاقات مميزة بين الدول مع التركيز بشكل خاص على نوعية هذه العلاقات الثنائية. ويبشّر ذلك بالعودة إلى وضع مركزية الدولة حيث تُعطى الأولوية لاستقرار الدول والعلاقات الشخصية مع الحكّام وليس للمؤسسات الدولية والدفاع عن المعايير الليبرالية مثل حقوق الإنسان.
ومن المتوقع أن يتّخذ المرشّح لمنصب وزير الدفاع، ماتيس، هذا الموقف الأكثر واقعية، علمًا أنه لم يواجه أي صعوبة في خلال جلسة الاستماع أمام لجنة القوات المسلّحة في مجلس الشيوخ. ولقد حصل على إعفاء للسماح له بتولّي منصب وزير الدفاع بما أنه لواء متقاعد حديثًا وحاز لاحقًا على مصادقة مجلس الشيوخ بالإجماع. وسترحّب دول الخليج العربي بتعيينه وزيرًا للدفاع لأنه بنى علاقات متينة وهامة مع قادة الخليج وجيوشه في خلال فترة خدمته كقائد للقيادة المركزية الأمريكية. وخلافًا لما حصل مع ماتيس، غالبًا ما تثير جلسة الاستماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الجدل حيث دقّق الليبراليون الديمقراطيون والجمهوريون من المحافظين الجدد مرارًا في التزام تيلرسون بقضايا الحوكمة وحقوق الإنسان. فلم يحصلوا على ضمانة أكيدة.
وتحدّدت اللهجة وفق التصريح الذي أعده مسبقًا تيلرسون، الرئيس التنفيذي السابق لشركة إيكسون، الذي شكّك فيه بالتحالفات الرسمية والاتفاقات الدولية التي فشلت في الوفاء بالتزاماتها المعلن عنها تجاه الولايات المتحدة. ونظرًا لارتباطه منذ زمن طويل بالكشّافة، صاغ ملاحظاته متعهدًا بالتعاملات الصادقة “وأقسم بشرفه” قائلًا:
لا يمكننا التغاضي عن الحلفاء الذين لا يفون بالتزاماتهم؛ هذا ليس ظلمًا لنا فحسب وإنما لأصدقائنا التقليديين الذين يحترمون وعودهم ويعزّزون أمننا القومي أيضًا. وعلينا مساءلة من ليسوا أصدقاءنا بشأن الاتفاقات التي يعقدونها. فقد قلّل فشلنا في القيام بذلك على مدى العقود الأخيرة من مكانتنا وشجّع الجهات الفاعلة السيئة في مختلف أنحاء العالم على عدم الوفاء بوعودها.
ودافع تيلرسون في كلمته الافتتاحية بقوّة عن القيادة الاستراتيجية والأخلاقية للولايات المتحدة ولكنه لم يأتِ على ذكر دور المؤسسات الدولية. وتناقض هذا الإغفال تمامًا مع الملاحظات الافتتاحية لأحد كبار أعضاء الحزب الديمقراطي السيناتور بن كاردن (ممثل ولاية ماريلاند) الذي أيّد النظام العالمي الليبرالي تأييدًا تامًا قائلًا:
أؤمن بشدّة بعالم تعمل فيه الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها، بعالم يخضع للقوانين والمؤسسات بما يتفق مع النظام العالمي الليبرالي، بعالم ندافع فيه عن قيمنا في الداخل والخارج.
وأعلن كاردن لاحقًا عن نيته بالتصويت ضد تيلرسون نظرًا لعدم قدرته على المجاهرة بقضايا حقوق الإنسان والحوكمة الرشيدة.
وشدّد تيلرسون على مسألة الاستقرار عندما انتقد سعي إدارتين جمهورية وديمقراطية إلى تغيير النظام في العراق وليبيا. ولكن توضّحت الأهمية التي يعلّقها على الولاء للقيادة القائمة بالرغم من الانتهاكات الدولية والمحلية للحقوق خلال إجابته على الأسئلة التي طرحها السيناتور الجمهوري ماركو روبيو. فقد تحدّى تيلرسون روبيو ورفض الإذعان لمحاولات هذا الأخير في الضغط عليه لتسمية جرائم حرب روسيا في سوريا وانتهاكات حقوق إنسان في السعودية على هذا النحو. وحصل تبادل حام في مرحلتين فأعطى موقف تيلرسون طابعًا دراميًا. فعندما دعاه روبيو إلى إدانة حملة الاقتصاص التي شنّها الرئيس الفلبيني رودريغو دوترتي ضدّ مرتكبي جرائم المخدرات والتي أسفرت عن 6200 حالة وفاة خارج نطاق القانون قابله تيلرسون بدفاع حذر عن الصداقة القديمة التي تجمع بين الولايات المتحدة والفلبين قائلًا: “علينا الحرص على أن تبقى حليفتنا”. ورفض على نحو مماثل وصف السعودية بالمنتهكة لحقوق الإنسان وعبّر بدلًا من ذلك عن تخوّفه من أن يؤدّي تدخّل الولايات المتحدة في مجال تمكين المرأة وحرية المعتقد إلى إعاقة التقدّم الذي حققته المملكة: “السعودية تسلك الاتجاه الذي نريدها أن تسلكه. ما لا أريد فعله هو اتّخاذ إجراءات قد تدفع بالقيادة في المملكة العربية السعودية فجأة إلى إيقاف ذلك”.
وتمامًا مثل ترامب، شدّد ماتيس وتيلرسون على الحاجة إلى تحديد الأولويات في الشؤون الخارجية وقدّما دعمًا قويًا لمهمته الأهم وهي هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). وأشار تيلرسون في شهادته إلى إمكانية تسريع القتال وتوسيع نطاقه ووعد بتسريع الجدول الزمني للأعمال العسكرية في العراق وتوجيه وزارة الخارجية نحو دعم المسلمين “الذين يرفضون الإسلام المتشدّد بأشكاله كافة”. وعندما شمل تيلرسون صراحة الدولة الإسلامية والقاعدة فضلًا عن الإخوان المسلمين “وبعض العناصر في إيران” الذين وصفهم “بالعملاء” للإسلام المتشدّد، لفت إلى دعم الحلفاء الخليجيين، مثل حكومة الإمارات العربية المتحدة وبعض أجزاء القيادة في السعودية، الذين اتّخذوا موقفًا أيديولوجيًا ضدّ الناشطين السياسيين الإسلاميين.
وفي حين شدّدت شهادتا تيلرسون وماتيس على أهمية التحالفات التي يتم فيها الوفاء بالالتزامات، وضّحتا أيضًا أن المصالح الوطنية ولا سيما هزيمة الدولة الإسلامية ستحظى بالأولوية. ولم تلقَ دعوة المؤسسات الليبرالية عن طريق كاردن ودعوة المحافظين الجدد عن طريق روبيو إلى تعيين وزير خارجية يدافع عن الديمقراطية والحرية الدعم في ظل هذا التوجّه القومي المتمثل بشعار “أمريكا أولًا”.