تم الإعلان أن نسبة المشاركة الرسمية في الانتخابات البرلمانية.، التي جرت في العاشر من أكتوبر الجاري، من الناخبين المسجلين، وتعد هذه النسبة منخفضة منذ بدء الانتخابات في 2005. وقد قاطع بعض العراقيين، عن عمد، الانتخابات كتعبير منهم عن احتجاجهم ضد النظام السياسي في الدولة، فيما ظل آخرون في منازلهم تعبيرًا عن لامبالاتهم البحتة.
تأسيسًا على النتائج الأولية، بعد فرز ما يقارب 94% من الأصوات، طبقًا للمفوضية العليا للانتخابات، فإن حركة الاحتجاج، المكونة من شباب عراقي، أحدث تأثيرًا بارزًا. هذه الرسالة القوية، التي تشير لانعدام الثقة بالنظام والحكومة، ترمز للعديد من المفاجأت الناتجة عن عملية فرز الأصوات، وتفترض تحولاً عن السياسات الحزبية الراسخة أو – على الأقل – خطوة باتجاه نظام سياسي أكثر شمولاً.
أولًا، إن التحالف الذي يقوده رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، والذي حارب التحالف الأمريكي خلال فترة الاحتلال بعد عام 2003، فاز بما لا يقل عن 70 مقعدًا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 329 مقعد. وبحسب النتائج الأولية، حصل تحالف الصدر على نحو 20 مقعدًا أكثر مما فاز به في انتخابات 2018.رغم أن استطلاعات الرأي أظهرت أن كتلة الصدر كانت مرشحة للفوز، إلا أن هامش فوزها أكبر مما كان متوقعًا.
ثانيّا، فازت الأحزاب المكونة من قادة حركة احتجاج أكتوبر 2019 – والمعروفة باسم تشرين – بما لا يقل عن 10 مقاعد، وحصل المرشحون المستقلون، وكثير منهم متحالف مع حركة تشرين، على نحو 30 مقعد، وكانت هذه المرة الأولى التي يفوز فيها المرشحون المستقلون، وهو ما يشير بالفعل إلى أن حركة الاحتجاج قد غيرت المشهد السياسي. كما دافعت حركة تشرين عن حقوق المرأة، حيث فازت النساء بعدد قياسي من المقاعد بلغ 97 مقعدًا.
ثالثّا، والأكثر دهشة، كان أداء تحالف فتح المدعوم من إيران، والذي يقوده قائد الميليشيا هادي العامري، ضعيفًا على غير المتوقع. ويشغل الحزب 48 مقعدًا في البرلمان الحالي، ولكن من المتوقع أن يتراجع لـ 12 مقعدًا حسب نتائج نشرتها وكالة فرانس برس.
كان أبرز مطالبات حركة الاحتجاج إنهاء النفوذ الإيراني في العراق. في المقابل، دفع بعض المتظاهرين حياتهم ثمنًا لذلك، حيث قتلت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، وبمساعدة قوات الأمن العراقية، بعض المتظاهرين، واختطاف آخرين، كما عملت على تهديد المرشحين الشباب الذين حاولوا المنافسة في الانتخابات. طبقًا لمجموعات حقوقية، قتلت قوات الأمن وعناصر الميليشيات 600 محتج في الفترة بين أكتوبر 2019 ويناير 2020.
حملة تحالف الفتح الفاشلة إما أن تقلل من النفوذ الإيراني في العراق أو تزيد من تعقيد قدرة الحكومة العراقية على الموازنة بين الوجود الأمريكي والإيراني على أراضيها. وصلت العديد من الميليشيا التي يقودها سياسيون، مثل العامري، إلى السلطة في العراق بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) عام 2014، اكتسبت الميليشيات دعمّا شعبيّا في العراق بعد هزيمتها لتنظيم داعش، ويبدو أنها ما تزال تستغل هذا الدور منذ ذلك الحين.
وقد تطرق الصدر في خطاب النصر الذي ألقاه في 11 أكتوبر الجاري إلى قضية الوجود الإيراني والأمريكي في البلاد، قائلاّ، “كل السفارات مرحب بها ما لم تتدخل في الشأن العراقي وتشكيل الحكومة”. وعُرف الصدر بمعارضته للتدخل الأجنبي في العراق، علاوة على موقفه الثابت والمعارض للولايات المتحدة، في حين بلغت علاقاته الدينية مع القيادة الإيرانية ذروتها قبل أن تتدهور. ومن المتوقع أن يكون للصدر دورًا بارزًا في تشكيل الحكومة الجديدة واختيار رئيسًا للوزراء كونه رئيس الائتلاف الحاصل على أكبر عدد من المقاعد.
وبالنظر إلى حركة الاحتجاج، فقد فاز مرشحو حركة تشرين بغالبية المقاعد في بعض المدن، حيث ضمنوا جميع المقاعد الخمسة في المركز الشيعي في النجف، بالإضافة إلى غالبية المقاعد في مدينة الناصرية مركز الحركة. هذا وقد فازت حركة “امتداد” بأكبر عدد من المقاعد من بين الحركات التابعة لتشرين، وإضافة إلى ذلك فقد حقق حزب شبابي أخر “إشراقات قانون” أداءً جيدًا، وهو حزب يجمع معارضين ذوي توجهات إسلامية. هذا وستخلق هذه الانتصارات، غير المتوقعة، صدى واسع لحركة الاحتجاج، وهو ما من شأنه أن يدفع بعض الأعضاء، الذين طالبوا بمقاطعة الانتخابات، إلى الندم على قرارهم. بالإضافة إلى ذلك، استفادت ائتلافات، مثل تحالف الصدر، من دفع غالبية مؤيديها نحو التصويت في حين ظل العديد من المعارضين في منازلهم.
وفي مقابلة مع ربى الحسني، الباحثة العراقية الشابة، وهي باحثة مشاركة في مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة لانكستر في المملكة المتحدة، قالت، “إن ما يحدث يشكل فارقًا للناس في هذه المدن ولأنصار حركة تشرين بشكل عام”، مضيفة، “إنه يمنحهم بارقة، أو لحظة من التفاؤل، أمل بأن تضحياتهم لم تذهب أدراج الرياح”.
في الانتخابات العراقية، يعد التصويت فقط الخطوة الأولى، فخلال الأسابيع المقبلة، سيتفاوض الصدر وجبهته مع الائتلافات الأخرى لتشكيل الحكومة المقبلة، واختيار رئيسًا للوزراء. وقد أعرب مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء الحالي والمرشح المفضل لدى الولايات المتحدة لهذا المنصب، عن رغبته في البقاء في السلطة. وفقًا لمحللين عراقيين مقيمين في بغداد، فإنه رغم اختلاف الكاظمي مع الصدر في العديد من القضايا، إلا أنه تفاوض معه لعدة أشهر خلف الكواليس، متوقعًا فوز تحالف الصدر في الانتخابات. ومن المرجح أن تطول المفاوضات نظرًا للانقسامات في الأحزاب الشيعية، فبعد انتخابات 2018، استغرقت العملية شهورًا حتى تم اتفاق الأحزاب المختلفة على وزراء وحكومة جديدة.
مع بدء عملية تشكيل الحكومة الجديدة، من المحتمل أن تندلع اضطرابات، وصفت الأحزاب الشيعية، المرتبطة بالمليشيات المدعومة من إيران، بما فيها حركة فتح، والتي كان أداؤها متواضعًا، الانتخابات بأنها مجرد “احتيال“، وتعهدت بتحدي النتائج. من غير الواضح ما إذا كان هذا سيهم. ومن الممكن أيضًا أن تنتهي عملية تشكيل الحكومة العراقية، التي لا يمكن التنبؤ به، إلى حد ما، بتفضيل هذه الأحزاب ذات الأداء الضعيف، التحالف مع قائمة الصدر.
تعهد قادة الاحتجاج بمزيد من المظاهرات على نطاق واسع في حال شكهم بنزاهة الانتخابات أو عدم تلبية مطالبهم بالتغيير. وتساءل بلسم مصطفى – أكاديمي ومحلل سياسي – قائلاً، “هل تنجح حركة الاحتجاج في تشكيل معارضة؟”، متسائلاً أيضًا عما إذا كانت الأحزاب الناشئة “ستلبي مطالب المحتجين”، وأضاف، “إن احتمالية حدوث حركة احتجاج في المستقبل سيعتمد على كل هذا”.
رغم المناورات السياسية الحاصلة وتلك المرتقبة، فإن الانتخابات التي رآها العراقيون أنفسهم، إضافة إلى وسائل الإعلام الرئيسية، مجرد تكريس لنفس الوضع القائم المرتبط بالأحزاب الشيعية القائمة، تعكس، في الحقيقة، تحولات محتملة يمكن أن تجعل الحكومة الجديدة مسئولة أمام مواطنيها من جهة، وأكثر شمولاً لمن لم يكن صوتهم مسموعًا من قبل من جهة أخرى. كما تؤكد استطلاعات الرأي أن جيًلًا من الشباب قادر على التنظيم والفوز بمقاعد برلمانية رغم العقبات التي وضعها النظام السياسي، الذي فقد ثقة معظم العراقيين به منذ زمن طويل.