عندما أطلقت إيران صواريخها على القواعد العراقية، التي تستضيف القوات الأمريكية، انتقاماً لاغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، اللواء قاسم سليماني، في يناير/كانون الثاني 2020، سرت تكهنات حول إلغاء رئيس وزراء اليابان شينزو آبي جولته في الشرق الأوسط. ودون أن يثنيه شيء، تمت جولة آبي كما ينبغي لها بعد أيام فقط من التوترات الأمريكية-الإيرانية التي تركت المنطقة في وضع شديد الاضطراب.
كان دافع اليابان نحو التواصل الدبلوماسي الاستباقي مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وعُمان هو مصلحتها الذاتية في ضمان أمن الطاقة، وكذلك دورها الفريد كشريك للولايات المتحدة وإيران ودول الخليج العربية. وبدلاً من مجرد مناقشة الشراكة الاقتصادية، فقد ركز جدول أعمال آبي على نزع فتيل التوتر في المنطقة، ونيل دعم قادة الخليج العربي لخطة اليابان لإرسال وحداتها من قوات الدفاع الذاتي البحرية لدعم الأمن البحري في منطقة الخليج.
تناغماً مع النهج الاستراتيجي لكبار مستهلكي النفط في آسيا، مثل الصين وكوريا الجنوبية والهند، فإن اليابان لم تنضم للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لحماية الممرات المائية في الخليج. وبدلاً من ذلك، فقد اختارت طوكيو مهمة بحرية “مستقلة” تجنّبت من خلالها مضيق هرمز، وهكذا تحافظ على تموضعها السياسي المحايد على جانبي الخليج.
قبل ذلك بستة أشهر فقط، واجهت زيارة آبي لطهران، وهي الأولى لرئيس وزراء ياباني منذ أربعة عقود، كوسيط غير متوقع في الصراع الأمريكي-الإيراني نكسة، حيث قامت طائرة مسيّرة بضرب سفينة تجارية يابانية أثناء زيارة رئيس الوزراء. ومع ذلك، فقد تم النظر إلى تلك الجهود على أنها “تطور جديد لليابان على المسرح الدولي.. للعب دور الوسيط النزيه.. دور لم تلعبه اليابان في الماضي، وذلك في سعيها لتشجيع الحوار بين طرفين يبدوان في حالة جمود”.
هذا الاستثمار الدبلوماسي والأمني متجذر في هواجس اليابان المتعلقة بأمن الطاقة. بعد كارثة فوكوشيما النووية في 2011، تغيرت سياسة الطاقة في اليابان بشكل ملحوظ، بالعودة إلى الوقود الأحفوري، وهكذا زادت من اعتمادها على دول الخليج العربي. في يناير/كانون الثاني، استوردت اليابان 90% من نفطها الخام من دول الخليج العربي – 46% من السعودية، و30% من الإمارات، و8% من قطر، و6% من الكويت. كما أن إيران زودت اليابان بحوالي 5% من متطلباتها قبل تطبيق العقوبات الصارمة من جانب الولايات المتحدة.
وقّعت الإمارات واليابان اتفاقية التعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة في 2020، حيث تم توسيع اتفاقية سابقة في هذا الشأن، تسمح الاتفاقية الجديدة لليابان بتخزين 8 ملايين برميل من الخام الإماراتي، وبالتالي زيادة قدرة التخزين في حالة الطوارئ لدول شرق آسيا. ويوجد لليابان اتفاق مشابه مع السعودية.
وتعتبر المنطقة مصدراً مهماً للغاز الطبيعي المسال لليابان. وقد قامت مجموعة الهندسة اليابانية شيودا بتأمين طلب بقيمة 13 مليار دولار في فبراير/شباط لتطوير معامل الغاز المسال (LNG) في قطر، يشمل ذلك انشاء مرافق صديقة للبيئة لحجز وتخزين الكربون. ويتوقع اكتمال المشروع بين عامي 2025 و2027.
في إطار المحافظة على التحول للطاقة النظيفة، استوردت اليابان الشحنة الأولى من الأمونيا الزرقاء لتوليد الطاقة الكهربائية من السعودية في سبتمبر/أيلول 2020. في يناير/كانون الثاني توصلت اليابان إلى اتفاقية التعاون الأولى في مجال وقود الأمونيا مع شركة النفط الوطنية في أبوظبي، وفي مارس/آذار وقعت أكبر مصفاة في اليابان، إنيوس (ENEOS) اتفاقية مع شركة أرامكو السعودية لتطوير هيدروجين خالٍ من الكربون، وسلسلة تزويد الأمونيا لمساعدة خطوات اليابان لإنتاج الهيدروجين واستخدامه في قطاع النقل. وفيما يتعلق بالتعاون مع اليابان، أصدرت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) بيانًا تقول فيه: “إن اليابان هي أكبر مستوردي مشتقات النفط والغاز من شركة أدنوك على مستوى العالم… وسنستمر في الترحيب بالشركاء اليابانيين الجدد والحاليين، لاستكشاف استثمارات مربحة للطرفين وفرص تنمية في الإمارات العربية المتحدة وعبر سلسلة القيمة الكاملة لشركة النفط الوطنية في أبوظبي مع تركيزنا على الانتعاش بعد مرحلة كوفيد-19”.
يبقى قطاع الطاقة مساهماً كبيراً في تجارة اليابان مع دول الخليج العربية، وزادت قيمته من 22.8 مليار دولار في عام 2000 إلى 65.4 مليار دولار في عام 2018. ومع ذلك العلاقات بين الجانبين يتم تنويعها، حيث تعمل اليابان على إنعاش اقتصادها، بينما تعمل دول الخليج العربية على تعزيز برامج التنويع الاقتصادي لتقليل اعتمادها على عائدات النفط.
وتحت راية الدبلوماسية الاقتصادية، توسعت العلاقات بين الجانبين لتشمل تعاوناً في قطاعات تتضمن الاستثمار والعلوم والتكنولوجيا والتعليم والسياحة والأمن. وهناك أيضاً محاولات لجلب قطاعات مثل الروبوتات المتقدمة والذكاء الاصطناعي إلى هذا المزيج.
حددت اليابان مجالات جديدة للتعاون كجزء من الشراكة الشاملة نحو القرن الحادي والعشرين. ويشمل ذلك رؤية السعودية-اليابان لعام 2030، التي تم إطلاقها في عام 2017 “كبوصلة لشراكة استراتيجية جديدة”، وذلك لدعم المملكة في تنويع أهدافها ودعم مبادرة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الإمارات واليابان الموقعة عام 2018.
في عام 2017، نتج عن الزيارة الأولى للملك السعودي إلى اليابان، منذ حوالي خمسين عاماً، التوقيع على عدة اتفاقيات موجّهة صوب تطوير التعاون في ثلاثة مجالات من الخبرات اليابانية: التنويع (التنمية المستدامة) والابتكار (التكنولوجيا)، والقيم الناعمة (المجتمع والثقافة). وفي تطور كبير نشرتهالصحف العالمية، أطلقت مجموعة سوفت بانك ( (SoftBank Group صندوق الرؤية (Vision Fund) بقيمة 100 مليار دولار مع صندوق الاستثمارات العامة في السعودية. ومع وجود تقارير عن خسارة كبيرة للصندوق في عام 2020، إلا أنه يشكل أساساً مرجعياً للاستثمار القائم على التكنولوجيا في المستقبل.
نسّقت اليابان والإمارات جهودهما في استكشاف الفضاء. فتم إطلاق القمر الصناعي خليفة سات، أول قمر صناعي من إنتاج الإمارات، في عام 2018 من مركز تانيجاشيما الفضائي في اليابان. وإضافة لذلك، فقد تم إطلاق مسبار الإمارات لاستكشاف المريخ من الموقع نفسه في عام 2020 باستخدام صاروخ ياباني من إنتاج ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة.
ولتعزيز العلاقات الثقافية، فقد تمّ تعيين الممثل والمغني الياباني هيدياكي تاكيزاوا كأول سفير ياباني–إماراتي للنوايا الحسنة في عام 2017. كما يلتحق الطلبة الإماراتيون باثنتين من المدارس ذات المنهاج الياباني في أبوظبي ودبي. وتم العمل ببرنامج الإعفاء المتبادل من التأشيرات مع الإمارات عام 2017، وذلك لتعزيز قطاعي السفر والسياحة في الدولتين. وقد تجاوزت أعداد السياح اليابانيين للإمارات 100 ألف سائح لأول مرة عام 2018.
تشجع اليابان أيضًا تبادل المعرفة المتعلقة بالأمن الغذائي. حيث يهدف مصنعو المواد الغذائية اليابانيون لإنتاج الغذاء الحلال لتصديره لدول الخليج. في عام 2016، تعاونت مؤسسة الخليج للاستثمار، التي يقع مقرها في الكويت، مع بنك ميزوهو الياباني وبنك نورينشوكن، من أجل إطلاق صندوق الغذاء الخليجي-الياباني لدعم الغذاء والأعمال الزراعية اليابانية في دول الخليج العربي، ولدعم خطط دول الخليج العربية في مجال الأمن الغذائي. كما كان صندوق الاحتياطي العام للدولة في عُمان أيضاً جزءاً من التعاون. ويبقى صندوق الأسهم الخاصة نشطًا مع استحواذ جديد في الإمارات في ديسمبر/كانون الأول 2020.
تتغير أولويات العلاقات اليابانية-الخليجية. سيبقى هناك اعتماد متبادل على النفط لعقود قادمة، ومع ذلك فإن المشاركة في القطاعات غير النفطية في ازدياد، ويعود ذلك إلى التركيز على عملية التنويع الاقتصادي، وكذلك التحول للأعمال القائمة على التكنولوجيا خلال جائحة فيروس كورونا. ومع إرسال اليابان إشارات عن استعدادها للعب أدوار دبلوماسية وأمنية في المنطقة، فإن العلاقات الخليجية-اليابانية تضيف لديناميكية سياسة “النظر نحو الشرق” في الخليج.