في 26 تشرين الثاني/نوفمبر، أجرت الكويت انتخابات برلمانية، وهي الانتخابات البرلمانية الرابعة التي تجريها في خلال خمس سنوات فحسب، ولقد ضمن هذا الاقتراع فوز المعارضة بعد مقاطعتها للانتخابات لحوالى أربع سنوات. وعلى الرغم من العائق المتمثل بنظام “الصوت الواحد” الانتخابي، وضيق الوقت المتاح للتحضير للانتخابات نظرًا إلى حلّ البرلمان، تمكّنت المعارضة من الحصول على تأييد شعبي كبير مستفيدة من حرص الشعب على إقامة برلمان نافذ يضطلع بدور الرقيب على السلطة التنفيذية التي تقودها الأسرة الحاكمة. تهافتت أعداد كبيرة من الناخبين على صناديق الاقتراع لانتخاب وجوه سياسية جديدة: وبالتالي، تسببت نسبة 70 بالمئة من الناخبين في تغيير 60 بالمئة من أعضاء البرلمان، وتشير معظم التكهنات إلى حصول المعارضة على كتلة نيابية مؤلفة من 15 مقعدًا إلى احتمالية حصولها على تأييد أغلبية المقاعد الخمسين حول مسائل معيّنة.
سيترأس المعارضة الإسلاميون الكويتيون السنّة، الذين يحظون على دعم “الحركة الدستورية الإسلامية” (حدس) التابعة لجماعة “الإخوان المسلمين”، والذين يتطلعون إلى إصلاح موقفهم بعدما تمت معاقبتهم وحرمانهم من السلطة لمدة خمس سنوات. ومن الوجوه الجديدة التي انتُخبت عدد من الوجوه الشابة التي تتضمن أصغر نائب في البرلمان الكويتي سنًا حتى الآن بالإضافة إلى امرأة. وتواجه هذه الشخصيات كلّها ضغوطات لتقوم بما يترتب عليها وتعثر على حلول للقضايا المصيرية المتعلقة بالموارد المالية إذ تجاهد الكويت للعثور على وسيلة لسدّ العجز الهائل في موازنتها. كما سيتولى معظم الأعضاء مهمة مواجهة أي قيود تفرض على الحريات المدنية، كقوانين الإرهاب ووسائل الإعلام الجديدة، والتدبير الحكومي التأديبي القاضي بسحب الجنسية الكويتية من البعض، بالإضافة إلى الخطط الرامية إلى جمع الحمض النووي الخاص بكل مواطن كويتي للمساهمة في الحفاظ على أمن البلاد.
ولعلّ الحلّ الأمثل لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تعترض دولة الكويت يتمثّل بانتهاج سياسة التعاون والتسوية داخل البرلمان وفي علاقته مع السلطة التنفيذية، علمًا أن هذا الأمر بعيد المنال نظرًا إلى الانقسامات المذهبية والسياسية التي لا تزال تعصف بالإمارة الصغيرة. ونذكر من هذه الانقسامات تلك تطال الأسرة الحاكمة نفسها. تزداد المنافسة على قيادة البلاد المستقبلية إذ تلوح في الأفق بوادر مرحلة انتقالية مهمة، قد يضطلع البرلمان بدور فيها.
إعادة تنظيم صفوف المعارضة الإسلامية
تستكمل هذه الانتخابات مرحلة مليئة بالاضطرابات السياسية الملحوظة، إذ لم تتمكن البرلمانات السبعة الأخيرة من إكمال ولايتها نظرًا إلى القرارات الصادرة عن المحاكم الكويتية القاضية بحلّ البرلمان على قاعدة أسس إجرائية أو تلك الصادرة عن الأمير وفقًا لمناورة مشرّعة في الدستور. ففي الحالة الأخير، أقدم الأمير على حلّ البرلمان قبل تسعة أشهر من انتهاء فترة الحكم المحددة له، معللًا أن ما فعله يعود إلى التحديات الداخلية والإقليمية. إلا أن معظم المحللين يرون أن الأمير قد اتخذ هذا التدبير في وقت مبكر لأسباب تكتيكية أخرى: للتفوّق على معارضة تعتزم أن تعود مجددًا إلى الانتخابات بعد سنوات من المقاطعة. وبالتالي فإن هذه الانتخابات كانت بمثابة أول اختبار كامل للنظام الانتخابي الجديد الذي وضع بموجب المرسوم الذي أقرّه الأمير في العام 2012، مما أدّى إلى مقاطعة المعارضة للانتخابات. ولقد كان متوقعًا على نطاق واسع أن يؤثّر قرار تقليل الأصوات لكل ناخب، من أربعة أصوات إلى صوت واحد، سلبًا على المعارضة، التي كانت تستخدم نظام التصويت المتعدد لتبني تحالفاتها الانتخابية.
إن الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) المدعومة من جماعة “الإخوان المسلمين” هي أبرز الأحزاب التي عادت إلى الانتخابات. في ظل عهد الأمير الحالي، ولاسيما منذ اتخاذه موقفًا أكثر معارضة في العام 2011، تعاني جماعة “الإخوان المسلمين” على الصعيد المؤسساتي، إذ خسرت مكانتها في الوزارات الأساسية أمام السلفيين الموالين للحكومة، وواجهت ضغوطات متزايدة اعترضت نشاطاتها الخيرية الدولية الواسعة النطاق. لطالما عملت الجماعة على فصل مجتمعها السياسي عن المنظمة الأساسية، وهي خطوة سمحت للطبقة الوسطى ولأعضاء البرلمان الشباب أن يتولوا القيادة. ولقد سمح هذا الأمر لجماعة “الإخوان المسلمين” في الكويت أن تتفادى الانقسامات التي شهدتها الحركة في دول أخرى كالاردن، علمًا أن أقليًة لا يستهان بها من أعضاء “الحركة الدستورية الإسلامية” قد أدلت بأصواتها في انتخابات داخلية للحفاظ على المقاطعة نوعًا ما. ولقد اختارت “الحركة الدستورية الإسلامية” استراتيجية انتخابية معتدلة، واختارت مرشحين جديرين، ولم ترشّح في أغلب الأحيان أكثر من مرشّح واحد في كل دائرة. ولقد أثبتت هذه الاستراتيجية نجاحها إذ فازت “الحركة الدستورية الإسلامية” بأربعة مقاعد في أربع دوائر مختلفة، فيما لم تخسر سوى مقعدًا واحدًا بفارق ضئيل في الأصوات في دائرة كانت “الحركة” قد رشّحت فيها مرشحين تنافسيين ليخوضا الانتخابات.
تنقسم الحركات السلفية انقسامًا حادًا بين المرشحين الموالين للحكومة وعدد من التيارات الأخرى الناشطة بشكل أكبر. ولم تأتِ هذه الانتخابات لصالح المرشحين الموالين للحكومة، بما في ذلك وزيرين سابقين. أما التيارات الناشطة فقد حصدت نجاحًا أكبر، إذ أعادت عددًا من النواب السابقين البارزين إلى مجلس الأمة، على الرغم من أن البعض الآخر قد فشل في مسعاه.
إن عودة المعارضة الإسلامية السنية إلى الانتخابات بالإضافة إلى العديد من المرشحين المستقلين والإصلاحيين الجدد في مناطق حضرية، أدّت إلى تقليص عدد النواب الشيعة.
الدوائر الانتخابية القبليّة في المرحلة الانتقالية
تشهد الدوائر الانتخابية الأكثر قبليًة في الكويت تقلبات سياسية أكبر. فإن هذه المناطق التي كانت في السابق مواليًة للحكومة باتت تتمتّع بمستوى أعلى من الثقافة وزاد شعورها بعدم الرضى حيال حصتها من الصفقة الريعيّة، إذ أصبحت تعاني، إلى حد أكبر، من تراجع الخدمة العامة وتقلّص الوظائف في القطاع العام. ويمثّل هذا التيار، بلا منازع، زعيم الشعبويين القبليين، مسلّم البرّاك. ولطالما رفض، طوال مسيرته البرلمانية الطويلة، المشاركة في الانتخابات التمهيدية القبلية، وهي الانتخابات غير الشرعية والتي تجرى على الرغم من ذلك بشكل غير رسمي لتعزيز الدعم القبلي للمرشحين المختارين، مفضلا بدلا عن ذلك المشاركة في تشكيل حملات انتخابية ائتلافية مناهضة للفساد وللأوليغارشية التجارية في الكويت.
ولكن، ونظرًا إلى أن البراك لا يزال قابعًا في السجن على خلفية مناوشاته مع الأمير، تضاربت الآراء في صفوف قبيلة مطير النافذة والموالية له حول ما إذا كانت ستدلي بأصواتها لمرشحين موالين للحكومة أو للمعارضة، أو ستتخذ قرارًا بمقاطعة الانتخابات مما يضعف موقفها. وفي الوقت عينه، إن التطبيق الأكثر صرامة للقانون المناهض للانتخابات التمهيدية القبليّة، واعتماد نظام الصوت الواحد، قد ألحقا الضرر في استراتيجيات الاقتراع التي تعتمدها القبائل الكبرى في الكويت. ولجأت القبائل، التي لم تعد تستطيع الإدلاء بأصواتها للكثير من المرشحين، إلى حيل انتخابية تهدف إلى توزيع أصوات الناخبين على النواب المحتملين، وإلى تنظيم ناخبيها، وفقًا للأسماء على سبيل المثال. ويبدو أن هذه الخطة باءت بالفشل، إذ تعرّض الفائزون في الانتخابات التمهيدية للهزيمة وقلّصت أكبر ثلاث قبائل، المطران والعجمان والعوازم، تمثيلها البرلماني من حوالى 15 مقعدًا إلى سبعة مقاعد فحسب، مما أتاح الفرصة للقبائل الصغرى، التي لم تحظ بعضها بأي تمثيل برلماني.
الوجوه الجديدة، تتضمّن وجوهًا شابة
إن درجة التغيير المرتفعة وهزيمة بعض السياسيين المخضرمين تعنيان أن ثمة وجوه جديدة ستجتاح البرلمان، وكثيرة هي الوجوه التي تصغر أسلافها سنًا بفارق ملحوظ. هنّأت وكيلة وزارة الدولة لشؤون الشباب الشيخة الزين الصباح ستّة نواب يمثّلون دوائر الناخبين الشباب، وحثّتهم على المساهمة في إتمام السياسة الوطنية للشباب التي لا تزال قيد التطوير. أشارت مصادر أخرى إلى أن عدد النواب الشباب المنتخبين هو سبعة بما في ذلك أربعة وجوه جديدة في البرلمان. والجدير بالذكر أن عددًا كبيرًا من هذه الشخصيات قد انتقد جهرًا وبقساوة البرامج الإصلاحية، وتنتمي اثنتان على الأقل من هذه الشخصيات إلى “الجمعية الكويتية للدفاع عن المال العام”، وهي جمعية تهدف إلى مكافحة الفساد. ويبقى السؤال إذا ما كان كل هؤلاء النواب اليافعين قادرين على كسب ثقة جيل أصغر سنًا يمتاز بالتنوع وبالطموح، بما فيهم قيادات من الناشطين السياسيين لا تزال تتعرض للملاحقة القضائية وتدعم مقاطعة الانتخابات.
استمرت معاناة المرأة في هذه الانتخابات، فلم يكن لديها سوى 15 مرشحة ولم تفز سوى مرشحة واحدة وهي صفاء الهاشم بمقعد في البرلمان. لم تنجح المرأة في الاستفادة من الانجاز الذي حققته عام 2009 عندما فازت بأربعة مقاعد في البرلمان، مما دفع ببعض الناشطين والمحللين إلى المطالبة بتطبيق نظام “الكوتا النسائية“.
الديناميات البرلمانية
لا شك في أن انتخابات العام 2016 تعزز قوة المعارضة، وهو أمر محتم نظرًا إلى مدى موالاة البرلمان الذي انتُخب خلال المقاطعة للحكومة. إلا أن المعارضة والأصوات الداعية إلى الإصلاح قد خاضت الانتخابات من خلال مرشحين مستقلين وهم يمثلّون بالفعل تيارات مختلفة. ستختلف قدرتهم على التكتّل بناء على القضية المطروحة ودرجة اقتناع الحكومة، التي تبقي على وزرائها الإثني عشر الذين يدلون بأصواتهم بحكم منصبهم. كما أن التعديلات الإجرائية الداخلية التي اعتُمدت في خلال السنوات القليلة الماضية ستضعف قدرة النواب على استجواب الوزراء، وهي أعظم صلاحية يتمتعون بها.
ستتعرض قدرة المعارضة المشتتة على الاتحاد، وبالتالي على أن تكون فعالة، لاختبار مبكر في انتخاب رئيس البرلمان. وثمة ثلاثة مرشحين حاليًا يأملون أن ينافسوا رئيس البرلمان الحالي، مرزوق الغانم. تحتاج المعارضة أن توحّد صفوفها وتتبنى مرشحًا واحدًا لتسنح لها الفرصة بخلع رئيس البرلمان النافذ.
نظرًا إلى الخطاب الشعبوي الذي طبع الحملة الانتخابية، قد تزداد الحملة المناهضة للاقتطاعات في الموازنة المالية، بما في ذلك قرار خفض الدعم الحكومي للوقود غير المستحب الذي أُقرّ فيما كان البرلمان يمضي إجازته الصيفية. وقد يكون أي ائتلاف واسع النطاق، مناهض للخصخصة والمناقصات العامة الضخمة، أكثر عرضًة لتدخل الحكومة وللجدل الدائر حول الحاجة إلى التنوع والنمو الاقتصاديين.
وثمة مسألة أخرى قد تستدعي رقابة برلمانية مشددة أكثر وهي التدابير الاستخباراتية والأمنية الصارمة الجديدة، التي يعتبر العديد من أعضاء المعارضة أنها تميل إلى إخافة المواطن. في خلال الحملة، تم التداول بعمق في قانون الإعلام الجديد وقانون الحمض النووي واللجوء بشكل متزايد إلى التدبير العقابي المتمثل بسحب الجنسية. ولكن قد تكون قدرة البرلمان على تغيير بعض هذه السياسات محدودة نظرًا إلى الصلاحيات التي تتمتع بها السلطة التنفيذية.
قد تؤثر المجموعة الأساسية من المسلمين السنّة والضعف النسبي في صفوف الشعوبيين القبليين، على تحديد القضايا في جدول أعمال المعارضة. فلقد أعرب الإسلاميون السنّة عن قلقهم الشديد حيال الشؤون الإقليمية، بما في ذلك بروز إيران. وإذ يحيل البرلمان عادًة القضايا المرتبطة بالسياسة الخارجية إلى السلطة التنفيذية، ثمة خطورة بأن يتم توجيه هذه المخاوف داخليا نحو المجتمع الشيعي وربما قد يبدأ في التشكيك في معالجة الحكومة لقضية خلية العبدلي والأسلحة المخبأة التي تم العثور عليها في صيف 2015. فإن الخطر الذي لا يستهان به والمتمثل بتفاقم العداء المذهبي، والذي هو ليس خفيا، كنتيجة لهذا البرلمان حقيقي.
وثمة عامل آخر سيؤثر على مسار البرلمان وهو اتحاد الحكومة بقيادة الأسرة الحاكمة نفسها. فلقد أحرزت الحكومة تقدمًا في جدول أعمالها بالتعاون مع برلمان أكثر مرونة، إلا أن قدرات البيروقراطية المحدودة قد حدّت من فعاليتها، مما دفع الديوان الملكي إلى تجاهل الحكومة برمّـتها في ما يخص أبرز المشاريع العامة، كبرامج الشباب، وبناء دار أوبرا جديد وتجديد حديقة الشهيد. إلا أن الزعامة الملكية لما بعد عهد الأمير الحالي، الذي يبلغ من العمر 87 سنة، تشكّل محطّ خلاف كبير ولقد طبعت المنافسة بين أفراد الأسرة المالكة المتنافسة الديناميات البرلمانية. وواقع أنه قد يكون للبرلمان الحالي أي تأثير على أي خلافة متنازع عليها، وهو قرار قد اتخذ سابقًا عام 2006، يزيد من أهميته، وربما يزيد أيضًا من احتمالية حلّ البرلمان مرة أخرى بشكل مفاجئ.