بعد أيام من النقاش الحاد بين الفئات المختلفة المنضوية تحت قبة الحزب الديمقراطي الواسعة، صّوت مجلس النواب بالأكثرية، وبمشاركة معظم الأعضاء الجمهوريين، على مشروع قرار فريد من نوعه يدين جميع أنواع التعصب في المجتمع الأمريكي، بعد أن أبرز إلى السطح الاستقطابات الدينية والعرقية والاجتماعية في أوساط الحزب الديمقراطي، وفي أعقاب جدال واسع داخل وخارج الكونغرس، حول طبيعة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، بما في ذلك أساليب قوى الضغط المؤيدة لإسرائيل، وردود الفعل عليها من حزب ديمقراطي لم يعد فيه تأييد إسرائيل تلقائيا أمرا مسلما به، كما كان الوضع في الماضي.
صحيح أن أكثرية ساحقة من 407 عضوا وافقت على القرار وعارضه 23 عضوا جمهوريا فقط، إلا أن ذلك لا يعني أن الأكثرية قد وضعت ورائها النقطة الخلافية التي هزت المؤسسة التشريعية في البلاد، أي: الحد الفاصل بين الانتقاد الشرعي لإسرائيل وسياساتها تجاه الفلسطينيين، وبين الانتقادات التي يمكن تصنيفها عداءً للسامية.
تغريدات هزت الحزب الديمقراطي
الهدف الرئيسي للمسودة الأولى لمشروع القرار كان الموافقة على إدانة العداء للسامية، وذلك في تأنيب واضح، ولكن ضمني، للنائبة الديمقراطية ألهان عمر، الصومالية الأصل، التي انتخبت للمرة الأولى في نوفمبر- تشرين الثاني الماضي، بعد تغريدات انتقدت فيها قوى أمريكية يهودية مؤيدة لإسرائيل، واتهمت فيها “اللجنة الأمريكية-الإسرائيلية للشؤون العامة” (إيباك)، وهي قوة الضغط الرئيسية في البلاد المؤيدة لإسرائيل، باستخدام المال لاقناع المشرعين بالتصويت لصالح إسرائيل. هذه التغريدة فسرت من قبل أعضاء يهود في المجلس وغيرهم بأنها تعكس مشاعر معادية للسامية من خلال نبش الصورة النمطية القديمة والقبيحة حول استخدام المال اليهودي لشراء الولاء السياسي. ومع أن النائبة عمر، التي تم تعديل تقاليد مجلس النواب الذي لا يسمح لأي عضو بوضع قبعة أو أي غطاء على الرأس، للسماح لها بارتداء الحجاب، اعتذرت لاحقا لأنها لم تكن حساسة بما فيه الكفاية عندما صاغت تغريدتها، ورفضت التهم الموجهة إليها بالعداء لليهود. إلا أن الانتقادات استمرت ضدها، لأن الهان عمر قالت إنها لن تتوقف عن انتقاد سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين، أو انتقاد قوى الضغط المؤيدة لها. ومنذ انتخابها شكلت الهان عمر مع زميلتها رشيدة طليب (الفلسطينية الأصل) “كتلة” من أول امرأتين مسلمتين يتم انتخابهما لمجلس النواب في تاريخ البلاد، ربطتهما علاقة قوية مع عدد من الأعضاء الشابات اللاتي انتخبن للمرة الأولى لمجلس النواب. هذه المجموعة من النواب الشباب والشابات الجدد الذين وصلوا إلى المجلس من خلفيات متنوعة يشكلون جيلا جديدا من الديمقراطيين الليبراليين-التقدميين، والذين لهم حضور قوي في وسائل الاتصال الاجتماعي، ويعكسون مواقف نقدية أكثر حدة ضد حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في الشرق الأوسط، بمن فيهم إسرائيل والسعودية ومصر. وهناك معارضة قوية للحرب في اليمن في مجلس النواب الجديد سوف تترجم في المستقبل القريب في مشروع قرار يطالب الحكومة الأمريكية بوقف أي دعم مباشر للعمليات العسكرية التي يقوم بها الائتلاف الذي ترأسه السعودية.
وفي الأسبوع الماضي، شاركت الهان عمر في ندوة مع عدد من النواب الجدد، وقالت إنها تريد أن تتحدث عن ظاهرة “النفوذ السياسي في هذه البلاد والتي توافق على دفع الناس لكي يكون لهم ولاء لدولة أجنبية”. وتساءلت لماذا يحق لها أن تنتقد لوبي الأسلحة النارية، وصناعة النفط وشركات الأدوية الكبيرة، ولكن ليس اللوبي المؤيد لإسرائيل؟ وسارع مؤيدو إسرائيل في مجلس النواب وخارجه وغيرهم بكيل الاتهامات لألهان عمر بإحياء التهمة القديمة والتحريضية ضد اليهود وهي “الولاء المزدوج”. وسارع بعض الأعضاء النافذين من أعضاء مجلس النواب من اليهود لاستخدام كلمة الهان عمر، كمثال آخر ونافر للقول بأن انتقاداتها لإسرائيل قد عبرت إلى فضاء العداء الكلاسيكي للسامية، وبدأوا بتنسيق الاتصالات فيما بينهم لاستصدار قرار من مجلس النواب ضد زميلتهم الديمقراطية الجديدة، يندد بالعداء للسامية.
وفي هذا السياق أشار منتقدو الهان عمر إلى أن مشاعر العداء لليهود في الولايات المتحدة ارتفعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ انتخاب الرئيس دونالد ترامب، ويتم التعبير عنها بأعمال عدائية ضد المراكز الدينية والثقافية اليهودية في البلاد. وتبين احصائيات مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) أن الحوادث المعادية لليهود في 2017 على سبيل المثال ارتفعت بنسبة 57 بالمئة أكثر من حوادث سنة 2016. وفي اكتوبر –تشرين الأول الماضي تعرض اليهود في أمريكا لابشع وأخطر هجوم ضدهم في تاريخ البلاد حين قام مسلح معروف بعدائه لليهود بمهاجمة المصلين في كنيس في مدينة بيتسبيرغ، بولاية بنسلفانيا، وقتل 11 منهم وهو يهدف بهتافات معادية. معظم المواقف والحوادث المعادية لليهود مصدرها اليمين الأمريكي المتطرف والعنصريون البيض. التظاهرات التي نظمها النازيون الجدد والعنصريون البيض في مدينة شارلوتسفيل، بولاية فيرجينيا في 2017 والتي رددوا فيها عبارات معادية لليهود، لا يزال صداها حاضرا في الحياة السياسية لأن الرئيس ترامب في أول تعليق له على التظاهرات التي أدت إلى مقتل امرأة على يد أحد المتطرفين، رفض إدانة النازيين، وادعى أنه كان هناك أناس جيدون في التظاهرة النازية والتظاهرة المناوئة لها. ولكن تفاقم العداء لليهود ليس ظاهرة معزولة، فقد صاحبه في السنوات الأخيرة، وعلى الأخص بعد حملة ترامب وانتخابه، ازدياد ملحوظ في المواقف المعادية والاعتداءات ضد المسلمين والأمريكيين المتحدرين من أصول أمريكية لاتينية، والأمريكيين من أصل أفريقي، شجعها الخطاب المتعصب والعنصري للرئيس ترامب.
الهجوم المعاكس
الهجوم الذي تعرضت له النائبة الهان عمر، والذي صاحبه تشويه لسمعتها، بما في ذلك رفع لافتة وصورة للنائبة عمر أمام مقر الحزب الجمهوري في ولاية ويست فيرجينيا مع عبارة تحريضية تربطها بهجمات سبتمبر – أيلول الإرهابية، أدت إلى رد معاكس من قبل النائبة عمر واصدقائها وحلفائها الجدد في مجلس النواب وخارجه، تحول إلى بداية نقاش جديد لمجمل العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية، التي تحولت إلى مسألة مثيرة للجدل بسبب العلاقة الوثيقة بين الرئيس ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو والغضب الذي أثاره نتنياهو في أمريكا وفي أوساط اليهود الأمريكيين الذين انتقدوا بشدة تحالفه مع اليمين المتطرف والعنصري في إسرائيل. وشمل النقاش الحدود الفاصلة بين النقد الشرعي لإسرائيل وسياساتها تجاه الفلسطينيين، والعداء التقليدي للسامية، ودور قوى اللوبي، ودور المال في تحديد مواقف المشرعين الأمريكيين تجاه إسرائيل. وبينما انتقد المشرعون اليهود الهان عمر بالعداء للسامية أو الاقتراب من هذا العداء، سارع آخرون في المجلس إلى تأييد الهان عمر في رفضها لهذه التهمة، ورفضهم لمشروع القرار ضدها، والتساؤل لماذا لم يتم طرح مشاريع قرارات مماثلة تدين العداء ضد الأمريكيين من أصل أفريقي أو ضد المسلمين. وحتى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التي قالت إن الهان عمر التي لم تدرك في البداية حساسية وقع كلماتها، ليست معادية لليهود. وسارع بعض المرشحين الديمقراطيين لمنصب الرئاسة للدفاع عن النائبة عمر حيث رأى السيناتور بيرني ساندرز أن الهجمات ضدها “خاطئة.. لأنها تخنق النقاش” بشأن العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، بينما رأت السيناتور اليزابيث وارن أن “وصف انتقاد إسرائيل بشكل تلقائي على أنه عداء للسامية سوف يكون له وقع مخيف على الخطاب السياسي العام”. وأعربت السيناتور كاميلا هاريس عن قلقها من أن تؤدي الهجمات ضد الهان عمر إلى وضع حياتها في خطر.
هذه المواقف دفعت برئيسة المجلس نانسي بيلوسي، وغيرها من القادة الديمقراطيين إلى البحث عن صيغة جديدة لمشروع القرار تأخذ بعين الاعتبار مواقف المطالبين بقرار يركز على إدانة العداء للسامية،، والمعارضين لأي قرار، والمطالبين بتطوير الصيغة الأولى لتشمل إدانة جميع أنواع التعصب والتمييز. وهذا ما حدث بالفعل.المسدودة الأولية بدأت بإدانة العداء للسامية، ولكنها تطورت لتشمل إدانة العداء للمسلمين ولجميع الفئات والأقليات في المجتمع الأمريكي من السكان الأصليين إلى الأمريكيين من أصل أفريقي والسيخ والهندوس والمهاجرين. وكان من الواضح التحفظات التي كانت لدى بيلوسي وغيرها من قادة الحزب الديمقراطي للغة التي استخدمتها الهان عمر، إلا أنهم لم يسمحوا بتصنيفها معادية لليهودية، وهم لا يريدون تحويلها إلى كبش فداء والتضحية بها أمام حزب جمهوري معظم قادته، بمن فيهم الرئيس ترامب، وزعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفن ماكارثي لهم تصريحات علنية ربطت بشكل مباشر وفظ بين اليهود والمال السياسي.
حقيقة ما قالته الهان عمر عن اللوبي والولاء المزدوج
للنائبة الهان عمر، البالغة من العمر 37 عاما، خبرة سياسية محدودة، وأحيانا لا تدرك كليا وقع كلماتها كما قالت نانسي بيلوسي. ويؤكد هذا التقويم اعتذار عمر عن استخدامها غير الدقيق لبعض الكلمات والتعابير. وقبل حوالي ست سنوات غردت الهان عمر، عندما كانت مواطنة عادية، أنها “للأسف” كانت تعرف مسلمين أمريكيين، يشاركون المسيحيين في احتفالات عيد الميلاد. لاحقا اعتذرت عن هذه التغريدة المتعصبة، ومحتها. وقد لا تكون الهان عمر مطلعة بما فيه الكفاية على تاريخ العداء للسامية وخاصة في العالم الغربي، بما في ذلك التعابير والمفاهيم المهينة والعنصرية والتي تعكس الصور النمطية عن اليهود، والتي تستخدم من قبل المعادين لليهود كرموز “ومفاتيح” للتحريض ضدهم. ولظاهرة العداء للسامية وخاصة في الغرب تاريخ وتقاليد قديمة، وعلى مدى قرون طويلة اضطهد اليهود وتم عزلهم اجتماعيا، وتعرضوا لأبشع أنواع التنكيل والعنف الجماعي في أوروبا الشرقية، ووصل العداء الوحشي والمنظم ضدهم إلى ذروته في المحرقة النازية، التي كانت مبنية على إرث عنصري عميق وشامل.
ولكن اتهام الهان عمر بالعداء السافر للسامية، استنادا إلى تغريدات وتصريحات عامة تعرضت فيها لسياسات إسرائيلية تستحق الشجب القوي، ولمؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة الذين تتم مكافأتهم أو محاسبتهم انطلاقا من مواقفهم تجاه إسرائيل، فيه الكثير من التجني. اتهاماتها اللوبي المؤيد لإسرائيل بأنه يستخدم المال لتعبئة الدعم لإسرائيل صحيح في جوهره. صحيح أن “أيباك” لا تقدم التبرعات المالية المباشرة للمرشحين لعضوية الكونغرس، وصحيح أيضا أن أيباك ليست مسجلة رسميا كلوبي إسرائيلي، لأنها في الواقع لوبي مؤيد لإسرائيل ويمول نفسه. ومن الخطأ الفادح وصف اللوبي المؤيد لإسرائيل بأنه لوبي يهودي، لأن ذلك مجحف بحق العديد من اليهود الأمريكيين الذين يعارضون الكثير من سياسات إسرائيل، والذين يؤيدون حق الفلسطينيين في إنشاء دولة مستقلة لهم تتعايش مع إسرائيل. والأهم من ذلك، هناك جزء هام من هذا اللوبي المؤيد لإسرائيل مؤلف من المسيحيين الإنجيليين المعروفين بمغالاتهم في تأييد إسرائيل.
ولكن أيباك، وفقا لمسؤولين سابقين فيها، تقوم بشكل غير مباشر، ومن خلال أعضائها الأثرياء بجمع التبرعات المالية لتمويل حملات المرشحين المؤيدين لإسرائيل. وهناك عشرات اللجان المحلية التي لها أسماء لا علاقة لها بإسرائيل أو اليهود، تجمع التبرعات للمرشحين المتعاطفين مع إسرائيل. وفي المقابل تقوم أيباك وحلفائها بجمع التبرعات لتمويل المرشحين المناوئين للسياسيين الذين يعارضون أو ينتقدون سياسات إسرائيل. أي أن أيباك تكافيء أصدقاء إسرائيل ماليا، وتعاقب خصوم أو منتقدي إسرائيل ماليا من خلال تمويل حملات خصومهم. وعبر العقود الماضية نجحت أيباك في تمويل حملات المرشحين الذين استهدفوا بعض أبرز منتقدي إسرائيل في مجلس النواب ومن أبرزهم النائب بول فندلي الذي كتب بإسهاب عن تجربته المرّة مع أيباك، كما ساهم اللوبي المؤيد لإسرائيل بهزيمة السيناتور النافذ تشارلز بيرسي لأنه تجرأ على انتقاد إسرائيل. ضحايا اللوبي المؤيد لإسرائيل استخدموا لاحقا لترهيب أي أصوات نقدية لإسرائيل. وهناك خوف عميق من تعرض أي مشرّع أمريكي يتجرأ على انتقاد سياسات إسرائيل الاستيطانية على سبيل المثال لتهمة العداء للسامية، لأن اللوبي يحاول تمويه الخطوط الفاصلة بين انتقاد إسرائيل والعداء لليهود. وخلال النقاش الراهن قال النائب الديمقراطي خوان فارغاس في معرض نقده لالهان عمر “إن إثارة الأسئلة حول دعم العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية هو أمر غير مقبول”، وهذا يعني عمليا أن حرية التعبير يجب الاّ تمس العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. مثل هذا الموقف يعزز من صدقية الطرح القائل بأن الهدف الأولي من مشروع القرار ضد الهان عمر، هو جعل انتقاد إسرائيل وكأنه شكل من أشكال العداء للسامية. وهذا هجوم سافر على حرية التعبير لأي أمريكي.
بعد تطرقها إلى ما وصفته بمحاولات البعض خلق ولاء لدولة أجنبية لدى أعضاء الكونغرس قالت الهان عمر، في تغريدة لها، ردا على انتقاد وجهته إليها زميلة يهودية، “يجب الاّ تتوقعوا مني أن الزم نفسي أو أن أعرب عن ولائي ودعمي لدولة أجنبية من أجل أن أخدم بلادي في الكونغرس في لجنة الشؤون الخارجية”. من الواضح أنها تتحدث عن نفسها وليس عن الأعضاء اليهود، أي أنها تقول إنها لن تؤيد إسرائيل إذا كان ذلك هو الثمن الذي ستدفعه لكي تعين عضوة في هذه اللجنة الهامة. (طالب نواب جمهوريون كثر بطردها من اللجنة). موقف الهان عمر لا ينحصر بالأعضاء اليهود وحدهم وطبيعة موقفهم من إسرائيل بل يتعلق بمطالبة أيباك وقوى الضغط المؤيدة لإسرائيل من جميع أعضاء الكونغرس بإبداء تأييدهم لإسرائيل، وهذا ينطبق عليها أيضا، وهو ما ترفضه.
النقاش الراهن في الكونغرس، والذي فجرته الهان عمر، يأتي في سياق تطورات مقلقة حول العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، وذلك في سياق إقرار أكثر من 25 ولاية لقوانين محلية تحرم تعامل سلطات الولاية مع أي شركة أو رجل أعمال يقبل أو يدعو إلى مقاطعة إسرائيل اقتصاديا وعدم الاستثمار فيها. وتفرض بعض الولايات الآن على أي رجال أعمال أو تقنيين يتعاقدون مع الولاية أن يوقعوا على مذكرات تلزمهم بالتعهد بعدم دعم أي مقاطعة لإسرائيل. وأدت هذه الممارسات إلى دعاوى قضائية لأنها تمس بالحقوق الجوهرية للمواطن الأمريكي بما في ذلك حقه بمقاطعة أي منتجات أو بضائع أي دولة. هذه العلاقة بين الولايات الأمريكية وإسرائيل وصلت إلى درجة دفعت بحاكم ولاية تكساس الجمهوري للقول “السياسات المناوئة لإسرائيل، هي سياسات مناوئة لتكساس”. هل يمكن تسمية ذلك ولاء مزدوج للولايات؟
الجدل الحاد الراهن في الكونغرس وفي الأوساط السياسية في البلاد حول أمريكا وإسرائيل والفلسطينيين والذي فجرته تغريدات وتصريحات نائبة ديمقراطية جديدة، هو جدل مطلوب منذ زمن، لأن العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية تتجاوز الحد الطبيعي المعروف، الأمر الذي يدفع إلى المطالبة بـ”تطبيعها” وجعلها علاقات مثلها مثل تلك التي تربط أمريكا مع أصدقائها في أوروبا على سبيل المثال، وهي علاقات يمكن تقويمها وانتقادها بشكل عقلاني وليس وضعها في سياق إيديولوجي أو حتى ميتافيزيقي. وهذا الجدال في هذا الوقت بالذات، غير مستغرب لأنه يعكس الطبيعة الجديدة للحزب الديمقراطي، ووصول جيل جديد من النواب الجدد والشباب من الليبراليين-التقدميين ومن خارج الطبقة السياسية التقليدية، ولهؤلاء مواقف “طبيعية” تجاه إسرائيل، ومواقفهم هذه تختلف نوعيا عن مواقف القيادة التقليدية للحزب الديمقراطي المعروفة تعاطفها التاريخي وغير النقدي مع إسرائيل. ما يحدث اليوم في الحزب الديمقراطي هو نقاش حول قيم الحزب وما إذا كانت هذه القيم تعكس مواقف التركيبة المتنوعة لهذا الحزب وحتى هويته الجديدة.