تستضيف ألمانيا والأمم المتحدة مؤتمرًا في أواخر يونيو/حزيران لدراسة خطوات إنجاح الانتخابات العامة في ليبيا، وإخراج المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية. وسيكون هذا المؤتمر هو متابعة لمؤتمر برلين في يناير/كانون الثاني 2020، والذي ساعد في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين الأطراف الليبية المتحاربة، وكذلك وضع الأساس لمنتدى الحوار السياسي الليبي، الذي تم التوصل إليه بوساطة الأمم المتحدة، ومن خلاله تم انتخاب، في مارس/آذار، مجلسًا رئاسيًا ثلاثيًا ورئيس وزراء مكلفًا بتشكيل حكومة انتقالية. وقد وافق المجلس التشريعي المنقسم، مجلس النواب، على حكومة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، حيث أتاح ذلك إقامة أول حكومة موحدة في ليبيا منذ 2014. وقد تم تكليف هذه الحكومة الموحدة للتحضير للانتخابات المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول.
بعد حصار استمر لتسعة أشهر على صادرات النفط، بعد سيطرة قوات اللواء خليفة حفتر على حقول النفط الليبية، تم استئناف الإنتاج في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، واستمر بمعدل أعلى من مليون برميل في اليوم. وتسعى حكومة الوحدة إلى تصدير مليون ونصف مليون برميل في اليوم مع نهاية 2021، والذي من شأنه تخفيض العجز في الميزانية بشكل كبير. طبقًا للبنك الدولي، إن الأداء الاقتصادي الليبي كان “الأسوأ طبقًا للبيانات المسجلة حديثًا” في معظم عام 2020. على الرغم من الانقسامات السياسية المستمرة والخلافات حول عملية انتخابات حرة ونزيهة، فإن توقف القتال واستئناف صادرات النفط وإيجاد حكومة موحدة تشكل خطوات واعدة لليبيا.
مؤشرات التقدم
اشترطت الأمم المتحدة أن تكون العملية السياسية الليبية، حتى مع وساطة الأمم المتحدة، بقيادة ليبية ويتولاها ليبيون. ويحبذ الليبيون الديمقراطية والحل السياسي للصراع. وفي استطلاع للرأي العام، قام به الباروميتر العربي في أكتوبر/تشرين الأول 2020، قال 71% من الليبيين إن “الانتخابات الحرة، على الإطلاق أو إلى حد، ما جزء ضروري للديمقراطية”، وأن “تمتع جميع الأفراد، على الإطلاق أو إلى حد ما، بنفس الحقوق بصرف النظر عن الدين والعرق، ضروري”. وقد وجد الاستطلاع أن الليبيين، على الأغلب، قلقون من عدم الاستقرار الداخلي والتدخل الأجنبي والاقتصاد.
إن وقف إطلاق النار المتفق عليه في ليبيا في أكتوبر/تشرين الأول 2020 ما يزال صامدًا، ويشكل ذلك مستوى ما من التوافق على عبثية استمرار القتال وأهمية دعم حل سياسي للصراع. في أبريل/نيسان صوت مجلس الأمن بالإجماع لصالح القرار 2570 لإرسال مراقبين أمميين قبل منتصف سبتمبر/أيلول للمساعدة على الإشراف على وقف إطلاق النار. ومن خلال هذا الإطار، سيقوم ستون مراقبًا أمميا على وقف إطلاق النار بالعمل مع اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، والتي تشمل خمسة ممثلين يتم اختيارهم من حكومة الوفاق الوطني السابقة في طرابلس وخمسة يختارهم حفتر وجيشه الوطني الليبي، المتمركز في الشرق، وذلك لتحسين آليات مراقبة وقف إطلاق النار.
في الوقت الراهن، فإن أطرافًا فاعلة في الصراع الليبي، مثل حفتر، قد خفضت من حدة مواقفها. وقد تحول الخطاب العسكري لحفتر، أكثر، إلى سرد سياسي، حيث تم تجفيف الدعم الدولي والمحلي له، كما أن الإجماع الدولي لدعم العملية السياسية، التي تتم بوساطة الأمم المتحدة، قد اكتسب زخمًا. ويبدو أن حفتر يستعد للترشح للرئاسة، على الرغم من احتمال وجود عقبات تعترض طريقه. على سبيل المثال، إن مسودة الدستور الليبي، والتي وضعت ليتم التصويت عليها قبل انتخابات ديسمبر/كانون الأول، تحتوي على بند يمنع حاملي الجنسيات المزدوجة من الترشح للرئاسة (حفتر يحمل الجنسيتين الأمريكية والليبية). وإذا لم يتمكن حفتر من الترشح، فيمكنه دعم مرشح معين يساعد على بقائه في المشهد السياسي والأمني الليبي.
على الرغم من الاتهامات بشراء الأصوات التي شابت عملية منتدى الحوار السياسي الليبي وانتخاب الدبيبة كرئيس وزراء، يبدو أن حكومة الوحدة الجديدة قد أمنت دعم واسع، محلي ودولي، ومن الممثلين الدوليين الذين كانوا يدعمون أطرافًا متناحرة في الصراع، مثل تركيا ومصر وروسيا والإمارات العربية المتحدة، وقطر. هذه إشارة واعدة، بالنظر لمدى مساهمة هذه الدول وغيرها في تأجيج الانقسامات في ليبيا. تركز الحكومة الانتقالية، بشكل قوي، على استعادة العلاقات مع المجتمع الدولي والجيران، كما أنها تسعى لاستئناف التجارة والاستثمار وحشد الدعم لجهود إعادة البناء لمرحلة ما بعد الصراع.
كانت زيارة الدبيبة الأولى لدول الخليج من أجل عقد اجتماع، في أبريل/نيسان، مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان في الإمارات لمناقشة التعاون الاقتصادي. وقد زار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ليبيا في أبريل/نيسان لمناقشة التجارة واستعادة العلاقات الاقتصادية والسياسية عبر الحدود. ويعد مدبولي أعلى مسؤول مصري يزور ليبيا منذ اندلاع الحرب في 2011. وقام وزيرا خارجية تركيا وقطر بزيارة ليبيا للقاء رئيس الوزراء الانتقالي. كما أن وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وعد بتقديم دعم قطري للحكومة الانتقالية، وتعهد بإقامة مجموعات عمل لاستكشاف مجالات للتعاون خلال الفترة الانتقالية. كما سافر الدبيبة إلى تركيا لعقد لقاء مع الرئيس رجب طيب أردوغان في أبريل/نيسان. وقد أكد كلا الزعيمين على التزامهما بالاتفاقية البحرية الثنائية لعام 2019، والتي أثارت انتقادات الخصوم في شرقي المتوسط، اليونان وقبرص. وقد تعهد أردوغان بتقديم الدعم لإعادة بناء ليبيا وأمنها، بالإضافة للدعم الصحي واللقاحات لمساعدة ليبيا على مكافحة فيروس كورونا. كما زار الدبيبة روسيا، حيث التقى رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين لمناقشة التعاون في مجال الطاقة، والتقى وزير الدفاع سيري شويجو لمناقشة العلاقات العسكرية.
تثير هذه اللقاءات الدهشة، نظرًا لأن هذه الدول كلها قد استثمرت بشكل قوي في دعم جهات متناحرة في الصراع الليبي. ولكن هذه الأطراف الدولية تبدو متوحدة، على الأقل، في الالتقاء وإقامة علاقات مع حكومة الوحدة الجديدة. طبعًا، ليس متوقعًا من هذه الدول الأجنبية أن تتخلى عن علاقاتها السياسية والاقتصادية والدفاعية، التي أقامتها في ليبيا مع عناصر سياسية والمليشيات خلال هذا الصراع. وتلتمس تركيا والإمارات وروسيا ودول أخرى السبل لتحقيق تأثير خارجي وإظهار القوة مع الحكومة الليبية الجديدة مع الاحتفاظ بوجود مميز للمقاتلين الأجانب في الدول.
بواعث القلق
قام الموفد الأممي الخاص إلى ليبيا يان كوبيش بإبلاغ مجلس الأمن في مايو/أيار أن عملية سحب القوات الأجنبية من ليبيا قد توقفت. وقد انتقد كوبيش والدبيبة كلا من روسيا وتركيا والإمارات للوجود المستمر لمقاتليهما الأجانب، وفي خطاب أمام البرلمان في مارس/آذار، صرح الدبيبة أن “المرتزقة هم طعنة في ظهرنا – عليهم أن يغادروا… إن سيادتنا يتم انتهاكها بوجودهم”. إن تعنت القوى الأجنبية المستمر، ورفضها سحب قواتها بالوكالة من ليبيا، يوضح مخاطر العودة للصراع العسكري.
بعيداً عن التهديدات المستمرة التي يشكلها المقاتلون الأجانب في ليبيا، هناك أيضًا قلق بخصوص الحكومة الانتقالية ورئيس الوزراء. الدبيبة هو رجل أعمال ملياردير من مصراته، ويمثل، بأشكال عديدة، فساد عهد معمر القذافي. وكان القائد الليبي السابق قد عين الدبيبة لإدارة شركة التطوير والاستثمار الليبية، المملوكة للدولة، عام 2007، والتي أدارت أضخم مشاريع الأعمال الليبية العامة قبل الإطاحة بالقذافي في 2011 من قبل انتفاضة دعمها الناتو. ومع ذلك، فإن تركيز الدبيبة على الاستقرار وإدارة عجلة النشاط الاقتصادي وجلب الاستثمار الأجنبي إلى ليبيا هو استراتيجية يبدو أنها حشدت الدعم المحلي والدولي، وعملت على تأمين توافق سياسي دقيق- توافق تجنب التركيز على ماضي الدبيبة. ولكن، مع اقتراب الانتخابات، فإن عملية التوازن الهشة هذه يمكن أن تنهار بسبب الانقسامات الأمنية والسياسية الراسخة.
صرح ولفرام لاتشر “حتى الآن، فإن الأطراف السياسية قد وافقت فقط على التنافس للوصول إلى أموال الدولة داخل حكومة موحدة. ويمكن للصراعات حول تخصيص الموارد اختبار مدى تماسك الحكومة. وفي هذه الأثناء، فقد تمت تنحية خلافات جوهرية جانبًا”. ويشير لاتشر، مع خبراء ليبيين آخرين، إلى إمكانية تأجيل حكومة الدبيبة للانتخابات والتمسك بالسلطة، الأمر الذي قد يؤدي لإشعال أزمة سياسية أخرى. وفوق ذلك، فإن التعجل في إجراء الانتخابات – بالرغم من أن نصوص قرار مجلس الأمن هي التي تدفع نحوه – يمكن أن يتجاهل أهمية عقد انتخابات حرة ونزيهة. وهناك احتمال أن تشهد الانتخابات تجاوزات لافتة، ما يؤدي إلى إثارة العنف. كما أنه من غير الواضح ما إذا كان ذلك سيساعد على حل جذور الصراع الليبي بشكل جوهري. وفوق ذلك، فإن الانتخابات قد تسمح بعودة الشخصيات السياسية من عهد القذافي، مثل ابن القذافي، سيف الإسلام القذافي، الذي صرح بأنه ينوي الترشح للرئاسة. ولكن على الرغم من قوى عدم الاستقرار التي يمكن أن تفرزها الانتخابات، ليس من الواضح إن كانت حكومة الدبيبة والنظام الكامل لمنتدى الحوار السياسي الليبي لديهما القدرة على الاستمرار دون إمكانية انتخابات تلوح في الأفق، كما تم الوعد بها.
التداعيات الإقليمية للأمن الليبي
إذا تمكنت الحكومة الليبية الانتقالية من الحفاظ على هذا التوافق السياسي الدقيق، وركزت على التعاون الاقتصادي وتحسين الاستقرار الداخلي، وهيأت الأرضية لإطار قانوني ولوجستي لإجراء الانتخابات في ديسمبر/كانون الأول، فإن هذه المرحلة الانتقالية ستكون ناجحة نسبيًا. ولكن، وبشكل حاسم، يتطلب ذلك من الحكومة الانتقالية احترام تفويضها للتحضير للانتخابات والتنازل عن السلطة بعد إجرائها. وفي الوقت نفسه، توجد مخاوف جدية حول مدى صحة توقيت الانتخابات. ويبقى الوضع الأمني الليبي متقلبًا، ويمكن للانتخابات أن تؤدي الى اندلاع الحرب من جديد. وربما لا تمتلك ليبيا مؤسسات قوية ،بما فيه الكفاية، لإجراء الانتخابات بهذه السرعة.
في تعليقاته أمام مجلس الأمن، أكد كوبيش أن “قدرة المجموعات المسلحة والإرهابيين – وكذلك المهاجرين الاقتصاديين واللاجئين – العالية على الحركة غالبًا ما تكون من خلال مسارات تديرها شبكات الجريمة المنظمة ولاعبون محليون آخرون عبر حدود لا سيطرة عليها، تعمل فقط على تعزيز مخاطر عدم الاستقرار وعدم الأمن في ليبيا والمنطقة”. إن الانتشار الواسع للمجموعات المسلحة في جنوب ليبيا ظهر كمصدر قلق ملحوظ لأمن الدول المجاورة. والتشريد الجماعي في ليبيا والزيادة السكانية للجماعات المستضعفة، مثل المهاجرين واللاجئين، يتطلبان تصرفًا حكوميًا إضافيًا ودعمًا إنسانيًا دوليًا.
إن عملية وساطة الأمم المتحدة في ليبيا قد قدمت عدة أسباب للتفاؤل. ومع ذلك، فإن الوجود المستمر للمقاتلين الأجانب والميليشيات في ليبيا، وخوف الأطراف السياسية والعسكرية من خسارة القدرة على الوصول للمال والحماية، ووجود حكومة وحدة هشّة تحارب الفساد والتحديات السياسية (وتشتتها بسبب الطموحات السياسية المستقبلية لبعض أعضائها)، كل ذلك يوفر إمكانية تقويض العملية السياسية، ويضع انتخابات ليبيا واستقرارها في دائرة الخطر.