ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
تمثلت إحدى الصفقات العديدة التي انبثقت عن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ج. ترامب للمملكة العربية السعودية الأسبوع الفائت في الإعلان عن استثمار بقيمة 20 مليار دولار لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، وهو أحد صناديق الثروة السيادية السعودية، في مجموعة “بلاكستون”. وتشكّل “بلاكستون” صندوقًا شهيرًا للأسهم الخاصة وإدارة الأصول، تأسس على يد ستيف شوارزمان، وهو من أوائل مؤيدي حملة ترامب الانتخابية ويعمل كمستشار للمنتدى الاستراتيجي والسياسي التابع لإدارة ترامب. كما ستقوم “بلاكستون” بتحصيل رسوم إدارية من الاستثمار السعودي في صندوقها، ويقدّر المحللون أن تتراوح قيمة هذه الرسوم ضمن هامش 1 بالمئة على الأقل من قيمة المخصصات، وتضاف إليها نسبة من الأرباح، من شأنها أن تعود على الشركة بأرباح تصل بكل سهولة إلى 200 مليون دولار.
وتهدف الاستراتيجية التي تعتمدها “بلاكستون” في تأسيس صندوق جديد للاستثمار في البنية التحتية الأمريكية إلى جمع رأس المال من بعض المستثمرين على غرار صندوق الاستثمارات العامة السعودي بهدف تأسيس صندوق ضخم بقيمة 100 مليار دولار يمكن استثماره لاحقًا بعدة طرق. ولعل إحدى هذه الطرق تتمثل في شراء سندات الدين الصادرة عن ولايات وبلديات محلية ترغب في تحسين وضع الطرقات والجسور والمطارات والموانئ والمرافق العامة. وثمة طريقة أخرى تقضي بالاشتراك في مشاريع جديدة بصفة أصحاب أسهم مباشرة. ومن المحتمل أن يصبح صندوق “بلاكستون”، وغيره من الصناديق المماثلة، مالكًا وليس مجرد مستثمر غير فعال، لعدد من أبرز مشاريع البنية التحتية الأمريكية. وسيكون للحكومة السعودية حصة في هذه الملكية. وقد يثير هذا الأمر التساؤلات حول الأمن القومي، كما كان واضحًا في المرة الأخيرة التي حاولت فيها دولة خليجية عربية الاستثمار في امتلاك موانئ أمريكية وتشغيلها.
ولا يُعتبر الاستثمار في “بلاكستون” كونه خيارًا تخصيصيًا اتخذه الصندوق التابع للحكومة السعودية بغير الاعتيادي، إذ أن صناديق الاستثمار تعتبر عمومًا أقل مخاطرة وتسمح بالقيام باستثمارات طويلة الأمد. إنها لمراهنة مضمونة النتيجة. وقد يكون هذا الإعلان الذي تمّ خلال زيارة الرئيس للمملكة العربية السعودية شكلًا من أشكال الدهاء السياسي. (علمًا أن السعوديين قد أعلنوا أيضًا عن استثمارهم في صندوق تكنولوجي، تابع لمجموعة “سوفت بنك” اليابانية، وهو استثمار ذو نسبة مخاطرة أعلى وتبلغ قيمته 45 مليار دولار) فالسؤال الذي يطرح نفسه إذًا ليس لماذا قد ترغب الحكومة السعودية في القيام باستثمار آمن طويل المدى في الولايات المتحدة، بل لماذا تريد الولايات المتحدة نقودًا سعودية؟
ولعل الجديد في خطة “بلاكستون” هو أن تدفقات رؤوس الأموال إلى الأسواق الأمريكية الرامية إلى الاستثمار في هذا القطاع قد تكون مفرطة وسابقة لأوانها. لا تكمن مشكلة البنية التحتية الأمريكية في قلّة رؤوس المال، بل في قلّة المشاريع. تبصر أغلبية المشاريع النور على المستوى المحلي في ظل غياب التنسيق على المستوى الاتحادي. فإن أرادت مدينة ما أن تشيّد مطارًا جديدًا، يمكنها أن تلجأ إلى رفع الضرائب أو إصدار السندات أو إلى إبرام شراكة بين القطاعين العام والخاص تخوّل منشأة تجارية خارجية أن تبني المطار وتديره من دون أن تستحوذ على الأرض.
وتمتلك إدارة ترامب سيطرة محدودة على الطريقة التي تحكم بها الولايات والبلديات نفسها، فضلا عن قرارات إنفاقها للأموال.. فيمكن للحكومة الاتحادية أن تسهّل هذه الاستثمارات وأن تقدم الحوافز لدعم التمويل، إلا أن نسبة كبيرة من هذه الجهود السريعة المسار قد بذلت بالفعل. وتبرز أيضًا مشكلة سن قوانين محلية وحكومية من شأنها أن تسمح بخصخصة هذه الأصول وباقتسام ملكيتها وبالشراكات حولها بين القطاعين العام والخاص، إذ تمتلك 38 ولاية فحسب، بالإضافة إلى مقاطعتي كولومبيا وبورتوريكو، مثل هذه الأطر. وفي المقابل، في المملكة العربية السعودية، يبدو أن هذه الأطر القانونية غائبة إلى حدّ بعيد، كما هي حال إجراءات الإفلاس الخاصة بالمستثمرين الأجانب المباشرين. وسيصعب تصوّر أن أي صندوق شقيق “لبلاكستون” يتمكن من الاستثمار في مثل هذه المشاريع داخل المملكة العربية السعودية.
وثمة جدال محتدم أيضًا حول كيفية خلق استثمار فعال في مجال البنية التحتية، كي لا تهدر المشاريع الباهظة الثمن وغير المجدية أموال دافعي الضرائب والمستثمرين القيمة. وفي معظم الحالات، يتعين على الحكومات المحلية أو على مستوى الولاية أن تكفل سندات الدين التي تصرف إلى المستثمرين، ما يعطي المستثمرين الأفضلية في حالات الإفلاس أو عند وقوع أي أزمة في ميزانية الحكومة. ورأى بعض المستشارين أن على الولايات المتحدة أن تقوم بتأسيس بنك وطني للبنية التحتية، تديره الحكومة الاتحادية، بهدف تسهيل المعاملات وضمان التمويل.
ووفقًا للبيانات التي نشرتها شركة بريكن (Preqin) للأبحاث، يزداد الاستثمار في صناديق البنى التحتية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها بالإضافة إلى عمليات جمع الأموال المكرّسة لخلق فرص عمل جديدة في هذا القطاع. وتتضمن صناديق أخرى الجهود التي بذلتها شركة “بروكفيلد” (Brookfield) لإدارة الأصول لجمع 14 مليار دولار عام 2016 وتلك التي بذلها صندوق “غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز” (Global Infrastructure Partners-GIP) في كانون الثاني/يناير لجمع مبلغ يساوي 15.8 مليار دولار مكرّس لتمويل بعض المشاريع الأمريكية.
المصدر: بلومبرغ
قد يكون ترامب حريصًا على أن يثبت قدرته على انتزاع التنازلات وإبرام صفقات تفي بالاحتياجات الاستثمارية الأمريكية، ولاسيما مع الدول التي اتهمها بأنها لا تسدّد نصيبها من الأثمان لقاء الغطاء الأمني الذي توفره لها الولايات المتحدة. ومن المرجح أن يحرص أيضًا على الادعاء بأن أبرز تعهدات حملته الانتخابية لجهة زيادة الاستثمار في مجال البنية التحتية قد باتت تتحقق وتشهد تقدمًا. إلا أنه قد يكون قد انتزع، في هذا السياق، صفقة تخدم مصالح المملكة العربية السعودية والقيّمين على إدارة الصناديق الذين يتلقون الاستثمار، ولكنها لن تسد بالضرورة أي ثغرة تمويل، حيث أن هناك أصلا أعدادا كبيرة من المستثمرين في الولايات المتحدة من الراغبين في الاستثمار.
الأموال التي جُمعت لتستثمر في مجال البنية التحتية والتي لم تدرج في الربع الأول من العام 2017 وفقًا لمعيار التركيز
المصدر: شركة بريكن (Preqin) للأبحاث