تقدم البرامج الثقافية السعودية والأمريكية فرصة لتجسير الاختلافات الثقافية - وإبراز الفنانين والمبدعين الذين يمزجون تأثيرات فنية متنوعة من البلدين - مع القدرة على تسخير مصادر جديدة للإبداع والابتكار.
افــتُـتِــحَ بينالي الفنون الإسلامية الأول من نوعه في أواخر يناير/كانون الثاني في جدة بالمملكة العربية السعودية أمام الزوار من جميع أنحاء العالم. تحت عنوان “أول بيت”، يحتفي البينالي بمقتنيات وقطع فنية يعود تاريخها إلى قرون مضت، فضلاً عن الممارسات والتقاليد الفنية المستوحاة من الكعبة المشرفة في مكة. يعرض البينالي كذلك أعمالاً فنية معاصرة تستكشف موضوعات الوطن والهجرة، والوحدة والتنوع، والانفتاح والمساواة. هذه الأعمال مجتمعةً، وهي من إنتاج مبدعين سعوديين وغير سعوديين، تسلّط الضوء على الروابط الثقافية المتنامية للمملكة مع العالم الخارجي، وعلى الكيفية التي يوفر الفن من خلالها مسارات مبتكرة لربط مختلف الشعوب والمجتمعات ببعضها البعض- بما في ذلك السعوديون والأمريكيون.
هذه الموضوعات آنفة الذكر يعززها أيضًا موقع البينالي، وكذلك الأشخاص الذين يقفون خلف إدارة وتنظيم هذا الحدث الفني. بالنسبة للموقع، يقع البينالي في صالة الحجاج الغربية بمطار الملك عبد العزيز، والتي صممها فضل الرحمن خان (Fazlur Rahman Khan) – وهو مهندس معماري بنجلاديشي-أمريكي بارع، أحدثت تصميماته المبتكرة ثورة في الهندسة المعمارية الحضرية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. ومن ناحية أخرى، يشارك جوليان رابي (Julian Raby)، الذي سبق أن ترأّسَ المتحف الوطني للفن الآسيوي في مؤسسة سميثسونيان في الولايات المتحدة لمدة عقدين تقريبًا، بوصفه أحد القيمين الرئيسيين على المعرض.
يعد بينالي الفنون الإسلامية، الذي تنظمه مؤسسة بينالي الدرعية، واحدًا من بيناليين دوليين انطلقا مؤخرًا في السعودية. البينالي الثاني كان بينالي الدرعية للفن المعاصر في الرياض، والذي ترأس فيليب تيناري (Philip Tinari) فريق القيمين عليه، وهو قيّم فني وكاتب أمريكي رائد. كان أحمد ماطر واحدًا من السعوديين الذين عرض تيناري أعمالهم في بينالي الدرعية، وهو فنان يدمج الصور والموضوعات الأمريكية والسعودية في عمله، وكان له عروض فردية في الولايات المتحدة في المتحف الوطني للفنون الآسيوية التابع لمؤسسة سميثسونيان وفي متحف بروكلين للفنون. في الواقع، يربط عمله “تطور الإنسان في ستاندنغ روك“ ( Evolution of Man at Standing Rock) عام 2016 بين عالمين منفصلين عبر ما يسميه ماطر “معركة أساسية واحدة”، حيث يقدم عمله الفني تحذيرًا من مخاطر الاعتماد على النفط في المعركة ضد خط أنابيب سيوكس للنفط في ولاية داكوتا (Dakota Access Oil Pipeline).
كِـلا الحدثين الفنيين، بينالي الدرعي وبينالي الفنون الإسلامية، يسلطان الضوء على النهضة الثقافية للمملكة وعلاقاتها الفنية الوثيقة مع الولايات المتحدة والعالم. من خلال فهم هذه العلاقات بصورة أفضل، يمكن للأمريكيين والسعوديين أن يشاهدوا بوضوح التأثيرات الفنية المشتركة، وتلك الأخرى الفريدة، في مجتمعاتهم. تعكس هذه القوى عمل مبدعين سعوديين وأمريكيين يمكن أن نطلق عليهم “صانعو الشبكات الإنسانية” – وهم فنانو القاعدة الشعبية الذين يعملون على ربط الناس بعضهم البعض وإيجاد القواسم المشتركة بينهم، إضافة إلى توفير مصادر مميزة للإبداع. “الناس بحاجة للاستماع إلى الفنان،” كانت هذه إحدى نصائح الفنان السعودي المعاصر عبد الناصر غارم.
الإصغاء لنصيحة غارم يتضمن التمعن بشكل دقيقٍ في أعماله، مثل لوحة “لا تثق بالخرسانة” لعام 2022، والتي تستكشف سبب ثقة الناس العمياء في هياكل من صنع البشر يمكن أن تنهار بشكل كارثي – وهي رسالة أوضحتها بشكل جلي الزلازل الأخيرة في سوريا وتركيا. كانت هذه القطعة واحدة من الأعمال التي دشنت أول عرض فردي لغارم في مدينة نيويورك، والذي أقيم في جاليري مارك شتراوس (Marc Strauss Gallery) في خريف عام 2022. وبالتزامن مع اختتام ذلك العرض، كان مغني الراب الأمريكي دي جي خالد (DJ Khaled) يتألق بنجومية إلى جانب العشرات من منسقي الأغاني والمغنين السعوديين في مهرجان ساوند ستورم الذي تنظمه منصة مدل بيست، وهو مهرجان موسيقي لمدة ثلاثة أيام أُقيم في ديسمبر/كانون الأول 2022 بالقرب من الرياض، واستقطب 600 ألف شخص. أما في فبراير/شباط 2022، فقد كانت المغنية الأمريكية أليشيا كيز (Alicia Keys) الحائزة على جائزة جرامي خمس مرات، تؤدي عرضًا في قاعة مرايا للحفلات الموسيقية في منطقة الحِـجْـر، بالعلا، والتي تعد موطن أول موقع سعودي يسجل في لائحة اليونسكو للتراث العالمي. وفي أول حفلة موسيقية سعودية لها، أدت أليشيا كيز أغنية “جاني الأسمر” التي اشتهرت بها المغنية السعودية الراحلة عتاب.
هذه الحفلة الموسيقية كانت تبني على النجاح الذي حققه زوج كيز، قاسم دين المشهور بـ “سويز بيتس” (Swizz Beatz)، الذي أصبح، في عام 2020، أول غربي يشارك بفريق فائز في سباقات الهجن التنافسية في السعودية. وبعد ذلك بعام، شارك سويز بيتس في تأسيس شركة استشارية سعودية إبداعية، تتمثل أحد أهدافها في الاستفادة من أفواج السعوديين الذين أمضوا وقتًا في الولايات المتحدة في إقامة أعمال فنية وتأسيس شركات جديدة. وبدورها، كانت الشركات والمؤسسات الثقافية السعودية، مثل تلفاز 11 ومهرجان البحر الأحمر السينمائي، تستفيد في تأسيسها وأنشطتها من هذه الفئة الصاعدة من المبدعين السعوديين.
آخرون من أولئك الذين درسوا في الولايات المتحدة قاموا بتأليف قصائد تجمع بين كتابات أسماء عربية وأمريكية متنوعة، مثل المتنبي ومحمد الثبيتي وتي إس إليوت (T. S. Eliot) وهارولد بلوم (Harold Bloom) ودانا جويا (Dana Gioia). بالإضافة إلى ذلك، قام ممثلون مثل عهد كاملودينا الشهابي بأدوار البطولة في أفلام وبرامج تلفزيون أمريكية.
ومن جهتهما، لعبت كلٌّ من الرياض وواشنطن أدوارًا مهمة في تعميق الروابط الثقافية. فقد رعت واشنطن العديد من برامج التبادل الثقافي، بما في ذلك حفل موسيقي في مارس/آذار 2022 في جدة شارك فيه دي جي رغد والموسيقيون محمد عبده (Moe Abdo) وأحمد أمين وحمزة هوساويوغادة شيري. بالإضافة إلى ذلك، ومنذ انطلاق خطة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي رؤية 2030 في عام 2016، قامت وزارة الثقافة السعودية برعاية مبادرات جديدة، وأنشأت مؤسسات متنوعة للارتقاء بالفنون والثقافة في المملكة.
ومن الأمثلة على المبادرات الثقافية السعودية التي أعلن عنها مؤخراً المسرحية الشعرية الغنائية “معلقاتنا امتداد أمجاد“، والتي تعتبر واحدة من أهم تلك المبادرات. عرضت المسرحية لأول مرة في الرياض في 22 فبراير/شباط خلال احتفالات يوم التأسيس، وتعتبر أول وأكبر عرض مسرحي شعري غنائي من نوعه في تاريخ السعودية. تحت إشراف الشاعر السعودي الشهير الأمير عبد الرحمن بن مساعد آل سعود وبرعاية هيئة المسرح والفنون الأدائية بوزارة الثقافة، يمزج العرض الموسيقى بين الموضوعات القديمة والحديثة بطريقة كان من المستحيل تحقيقها قبل بضع سنوات. وبالاعتماد على فريق متعدد الجنسيات من الفنانين والمنتجين من ذوي الخبرة الواسعة في الخارج، بما في ذلك في برودواي، وُصِـفَ هذا العرض بأنه “مسرحية شعرية غنائية سعودية برؤية عالمية”.
وفي نهاية المطاف، لقد تعززت الروابط الثقافية بين السعودية والولايات المتحدة لأن فنانين مثل ماطر وغارم وكيز، وغيرهم من الفنانين والمبدعين، قد أظهروا، من خلال أعمالهم الفنية، كيف يمكن لأشخاص من ثقافات مختلفة أن يواجهوا تحديات مشتركة. إن البرامج الثقافية السعودية والأمريكية تقدم فرصة لتجسير الاختلافات الثقافية – وإبراز الفنانين والمبدعين الذين يمزجون تأثيرات فنية متنوعة من البلدين – مع القدرة على تسخير مصادر جديدة للإبداع والابتكار.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.