انخفضت أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة، حيث انخفض سعر خام برنت من حوالي 88 دولارًا للبرميل في أوائل يوليو/تموز إلى 71 دولارًا للبرميل في أوائل سبتمبر/أيلول. أدت المخاوف المتزايدة من تأثير تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين والولايات المتحدة على مستوي الطلب على النفط للتغطية على الأخبار المتعلقة بتوقف إنتاج النفط في ليبيا، وعلى المخاوف المستمرة من احتمالية عرقلة الإمدادات الناجمة عن توسع الصراع في الشرق الأوسط. كان تحالف أوبك بلس (الذي تشكل عام 2016 ويضم أعضاء منظمة أوبك وعشر دول أخرى مصدرة للنفط) قد أعلن في الخامس من سبتمبر/أيلول أنه سيؤجل زيادة الإنتاج التي كان من المقرر أن تبدأ في أكتوبر/تشرين الأول حتى ديسمبر/كانون الأول، لكن ذلك لم يؤثر على أسعار النفط. بالنسبة للسعودية، فإن الانخفاض المتواصل في عائدات النفط الناجم عن انخفاض الأسعار هو أمر غير مرغوب فيه، بشكل خاص، نظرًا لحاجتها لتمويل خطط الإصلاح الطموحة التي تنص عليها رؤية 2030.
عدم الاستقرار في سوق النفط
ارتفعت أسعار النفط في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 حتى اقتربت كثيرًا من سعر 120 دولارًا لبرميل خام برنت. ثم انخفضت منذ ذلك الحين ليتم التداول بسعر 71 دولارًا للبرميل الواحد.
في حين انتعش الطلب العالمي على النفط بقوة منذ جائحة فيروس كورونا، فقد شكل الإنتاج المتزايد من النفط في البرازيل وكندا وغيانا والولايات المتحدة إضافة كبيرة للمعروض العالمي من النفط خلال الفترة نفسها. وفي ظل توقعات بوجود فائض كبير في المعروض من النفط، قام تحالف أوبك بلس بتخفيض الإنتاج بشكل كبير بدءًا من أواخر عام 2022 للحفاظ على توازن السوق ودعم الأسعار. وقد ساهمت السعودية بجزء كبير من هذه التخفيضات في الإنتاج. حيث بلغ إنتاجها 8.8 مليون برميل يوميًا في شهر يونيو/حزيران، وهو أقل كثيرًا من ذروة إنتاجها التي بلغت مؤخرًا 11.1 مليون برميل يوميًا في أغسطس/آب 2022. والواقع إن الإنتاج السعودي بلغ الآن أدنى مستوياته منذ عام 2007 إذا استثنينا فترات الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى، كما خسرت المملكة جزءاً من حصتها سوقية.
الآفاق المرتقبة لسوق النفط
تختلف تنبؤات كلٍّ من منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة بشأن الآفاق المرتقبة للطلب العالمي على النفط. تعد أوبك الأكثر تفاؤلاً بينهم، حيث تتوقع زيادة في الطلب على النفط قدرها 2.1 مليون برميل يوميًا في عام 2024، وزيادة أخرى قدرها 1.8 مليون برميل يوميًا في عام 2025. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة زيادات أكثر تواضعًا تقدر بمليون برميل يوميًا و1.1 مليون برميل يوميًا على التوالي في عام 2024، ومليون برميل يوميًا و1.8 مليون برميل يوميًا على التوالي في عام 2025.
تتوقع المنظمات الثلاث تباطؤاً كبيرًا في نمو المعروض من النفط، من 2.4% في عام 2023 ليتراوح ما بين 1.1% إلى 1.8% في عامي 2024-2025، لدى الدول غير الأعضاء في تحالف أوبك بلس هذا العام والعام القادم. تقدم كل من إدارة معلومات الطاقة وكالة الطاقة الدولية توقعات بشأن المعروض من النفط من دول تحالف أوبك بلس في عامي 2024 و2025 (وأوبك لم تفعل ذلك). تتوقع كلتا المنظمتين زيادة المعروض من دول تحالف أوبك بلس في عام 2025، على الرغم من أنه لا يبدو أن أياً هذه التوقعات قد أخذ في الاعتبار زيادات الإنتاج الكاملة التي أعلنها تحالف أوبك بلس.
يعتبر حساب متوسط توقعات العرض والطلب للمنظمات الثلاث طريقة بسيطة لوضع سيناريو أساسي لسوق النفط. يشير هذا النهج إلى أنه على الرغم من احتمال أن يتجاوز نمو الطلب نمو العرض في معدل عام 2024، إلا أن هذا النمو سينعكس في عام 2025، خاصة إذا استأنف تحالف أوبك بلس خططه لزيادة الإنتاج.
قد لا تكون بيئة السوق ملائمة بالقدر الذي يشير إليه هذا السيناريو “المتوسط”. أولاً، من المرجح أن يظل النمو العالمي راكداً خلال عامي 2024 و2025، حتى ولو عملت البنوك المركزية الكبرى على تخفيف قيود السياسة النقدية كما هو متوقع. تواجه الصين وأوروبا مشاكل بنيوية طويلة الأمد، كما تزداد حالة عدم اليقين التي تكتنف السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني، وتتواصل التوترات والصراعات الجيوسياسية في تقويض الثقة. تاريخيًا، لطالما ارتبط النمو العالمي عند المستويات التي توقعها صندوق النقد الدولي لعامي 2024 و2025 بنمو الطلب على النفط الذي يتماشى مع توقعات وكالة الطاقة الدولية أكثر من توقعات منظمة أوبك. ثانيًا، قد يكون التباطؤ المتوقع في نمو إنتاج الدول غير الأعضاء في تحالف أوبك بلس أقل وضوحًا مما هو متوقع. ثالثًا، إن التنفيذ الكامل لزيادات الإنتاج التي أعلنتها تحالف أوبك بلس من شأنه أن يسفر عن زيادة إضافية في المعروض من النفط في السوق تفوق ما توقعته كل من وكالة الطاقة الدولية أو إدارة معلومات الطاقة لعام 2025. وسوف يؤدي الطلب المتوافق مع توقعات الوكالة الدولية للطاقة إلى جانب مزيد من العرض من جانب كل من تحالف أوبك بلس والدول من خارج التحالف إلى اختلال كبير في التوازن بين الطلب والعرض في عام 2025، مما سيكون له تداعيات سلبية على أسعار النفط.
هل يتكرر سيناريو 2014؟
مرت عشر سنوات الآن على انهيار أسعار النفط في عام 2014. فبعد مرور ثلاث سنوات من تذبذب أسعار خام برنت ما بين 100 و125 دولارًا للبرميل، انخفضت أسعار الخام إلى ما هو أقل بقليل من 100 دولار للبرميل في سبتمبر/أيلول 2014. ثم تسارعت وتيرة الانخفاض مع هبوط الأسعار إلى 50 دولارًا للبرميل في يناير/كانون الثاني 2015، وأخيرًا إلى أدنى مستوى له، حيث وصل إلى 30 دولارًا للبرميل في أوائل عام 2016.
لقد فاجأ الانخفاض الحاد في الأسعار الجميع تقريباً. وقد ساهمت أربعة عوامل في انخفاض الأسعار. أولًا، زيادة كميات النفط المعروضة عالميًا بفضل النمو السريع في إنتاج الولايات المتحدة. ثانيًا، تباطؤ النمو في الطلب العالمي على النفط خلال الفترة من 2011 وحتى 2014 في أعقاب الانتعاش القوي في عام 2010 بعد الأزمة المالية العالمية. ثالثاً، ارتفاع مستويات المخزون العالمي خلال عام 2014. رابعًا، تضخم هذه العوامل نتيجة لتنقيح التوقعات المتعلقة بتجاوب منظمة أوبك مع انخفاض الأسعار. ففي مايو/أيار 2014، بدا أن تصريح وزير النفط السعودي آنذاك علي النعيمي بأن “100 دولار سعر عادل للجميع – للمستهلكين والمنتجين وشركات النفط” يؤكد على أن منظمة أوبك ستقوم بضبط الإنتاج للحفاظ على الأسعار عند حوالي 100 دولار للبرميل. وعندما أخفق اجتماع أوبك في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 في تحقيق تخفيضات في الإنتاج على الرغم من انخفاض الأسعار إلى 80 دولارًا للبرميل، تم تعديل هذه التوقعات بسرعة.
يوجد اليوم أوجه شبه وأوجه اختلاف مع عام 2014. لقد ارتفع انتاج الدول غير الأعضاء في تحالف أوبك بلس بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ويبدو أن الطلب العالمي على النفط في تناقص. وثمة أوجه اختلاف أيضًا. فالمستويات العالية من المخزون التي كانت واضحة في عامي 2014 و2015 لم تظهر حتى الآن، في حين حرصت اتصالات تحالف أوبك بلس على عدم تقديم أي مؤشر على مجموعة الدول التي تحاول دعم هدف محدد للأسعار. ومع ذلك، فإن تجربة عام 2014 تظهر مدى السرعة التي يمكن أن تتغير بها أوضاع سوق النفط.
النفط والسياسة المالية في السعودية
لقد حققت الحكومة السعودية تقدمًا كبيرًا في تنويع مصادر عائداتها في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة. تشكل العائدات غير النفطية الآن ما يقارب 40% من مجمل الإيرادات الحكومية. ومع ذلك، فإن هذا يعني أن الموازنة لا تزال تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط. تتسلم الحكومة الإيرادات النفطية من خلال ثلاث قنوات: سعر البيع (المفروض على مبيعات النفط)؛ وضريبة دخل الشركات (مع أنظمة ضريبية مختلفة لمراحل الإنتاج الأولية والنهائية والغاز)؛ وأخيراً توزيعات الأرباح التي تدفعها شركة أرامكو لجميع المساهمين (تمتلك الحكومة حاليا 81.5٪ من الشركة). في النصف الأول من عام 2024، شكلت هذه الأرباح حوالي نصف إجمالي الإيرادات التي دفعتها أرامكو للحكومة. كما يستفيد صندوق الاستثمارات العامة، الذي يمتلك حصة أسهم بنسبة 16٪ في أرامكو، من الأرباح التي تدفعها الشركة.
سيؤدي الانخفاض المستمر في أسعار النفط إلى تأثير سلبي كبير على ميزانية الحكومة، وإن كان أقل مما كان عليه قبل عقد من الزمان نظرًا لقاعدة الإيرادات الأكثر تنوعًا. لا تقوم الحكومة السعودية بنشر التوقعات المتعلقة بإيرادات النفط التي تستند إليها أرقام ميزانيتها. ومع ذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر مؤخرًا حول السعودية أن تبلغ إيرادات النفط 760 مليار ريال (حوالي 200 مليار دولار) في عام 2025 مستندًا إلى متوسط سعر النفط البالغ 77.80 دولار للبرميل ومتوسط الإنتاج البالغ 9.7 مليون برميل يوميًا (تفترض توقعات صندوق النقد الدولي أن تحالف أوبك بلس سينفذ زيادات الإنتاج المخطط لها بالكامل).
تشير الحسابات التقديرية إلى أنه إذا بلغ متوسط أسعار النفط 70 دولارًا للبرميل في عام 2025 بدلاً من 77.80 دولار للبرميل التي توقعها صندوق النقد الدولي، فإن عائدات النفط سوف تنخفض بنسبة 5%. وإذا ثبت الإنتاج على 9 ملايين برميل يوميًا، وبلغ متوسط أسعار النفط 70 دولارًا للبرميل، فإن العائدات سوف تنخفض بمعدل 9% عن توقعات صندوق النقد الدولي. وتفترض كلتا العمليتين الحسابيتين أن أرامكو في عام 2025 سوف تحافظ على مستوى أرباح 2024 على الرغم من انخفاض دخلها. إذا انخفضت الأرباح بسبب الضغوط على التدفق النقدي الناجم عن انخفاض الدخل النفطي، فإن العائدات الحكومية سوف تتضرر بشكل أكبر. ويمكن تقدير تأثير العائدات في هذه السيناريوهات المختلفة ما بين 1٪ و4٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وقد يفضي ذلك إلى عجز مالي في عام 2025 يتراوح ما بين 4٪ و7٪ من الناتج المحلي الإجمالي ما لم يتم اتخاذ تدابير لتعويض ذلك من خلال خفض الإنفاق أو زيادة الإيرادات غير النفطية. كما أن رأسمال صندوق الاستثمارات العامة سيتأثر بأي تخفيض في توزيعات الأرباح التي تدفعها أرامكو.
قرارات صعبة قادمة
إن الإعلان عن تأخير زيادة الإنتاج لمدة شهرين، الذي خطط له تحالف أوبك بلس، لم يكن له أي تأثير ملموس على سوق النفط. وفي حين أن أسعار النفط قد تتعافى بسرعة إذا طرأ انقطاع كبير في انتاج إحدى الدول الرئيسية المصدرة للنفط أو إذا أقدم الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على خفض أسعار الفائدة بنسبة كبيرة، فإن البيانات الإضافية الضعيفة من الصين أو الولايات المتحدة ستستمر في الضغط على الأسعار نحو الانخفاض. قد يؤدي مزيد من الانخفاض في الأسعار إلى تحويل الاهتمام إلى ما إذا كان تحالف أوبك بلس بحاجة لتنفيذ المزيد من التخفيضات في الأسعار بدلاً من إعادة الإنتاج للسوق. ومع ذلك، قد يكون من الصعب الاتفاق على مثل هذه التخفيضات نظرًا لأن بعض أعضاء تحالف أوبك بلس ينتجون أكثر من حصصهم، في حين يرغب آخرون في زيادة الإنتاج بسبب الاستثمارات الكبيرة التي قاموا بها لتوسيع قدراتهم.
يشكل خطر انخفاض عائدات النفط مصدر قلق لميزانية السعودية وبرنامج إنفاق القطاع العام على نطاق أوسع. ومن الممكن التعامل بسهولة مع هبوط متواضع وقصير الأجل في عائدات النفط بفضل قوة الوضع المالي للحكومة. ولكن الانخفاض الكبير في عائدات النفط ولفترة طويلة من شأنه أن يجبر الحكومة على اتخاذ قرارات أصعب فيما يتعلق بأولويات الإنفاق، وفيما إذا كانت هناك حاجة لاستغلال مصادر جديدة للعائدات غير النفطية من أجل تمويل خطط الإنفاق الطموحة في المملكة.
سيقوم دونالد ترامب بعمل تحولات غير مسبوقة في السياسة الأمريكية بتحديه للأعراف الديمقراطية والتقاليد الدستورية والقانونية في المشهد السياسي الأمريكي، بما يؤثرعلى شكل ودعائم النظام السياسي الأمريكي.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.