سلط فيروس كورونا الضوء على الوضع المعقد الذي يواجه العمال الوافدين في الخليج. وفي ظل الانتشار المستمر للفيروس في المنطقة، أصبح العمال الأجانب هم الأكثر تضررًا. ومع انخفاض أسعار النفط والاستمرار في حالات الإغلاق والمخاطر الصحية بسبب الجائحة، من المرجح أن يتم التخلي عن العديد من الوظائف. ولهذا السبب، فإن المنطقة التي تعتمد بشكل كبير على العمال الوافدين تمر بمرحلة انتقالية عصيبة، وقد ظهرت فجوة متنامية بين هؤلاء العمال والسكان المحليين.
منذ الطفرة النفطية، دأب العمال الوافدون على تقديم خدمات متنوعة لمواطني الخليج، من الصيانة والبناء إلى تعبئة الأكياس في الأسواق التجارية وتوصيل البضائع. وأدت هذه الحاجة إلى تدفق العمال الوافدين، الذين يشكلون ثلثي القوى العاملة في الخليج، ويشغل العمال ذو الأجور المتدنية معظم هذه الوظائف. وعلى الرغم من أن معظمهم يأتون إلى دول الخليج بصورة قانونية، إلا أن الكثير منهم ينتهي بهم الأمر للعمل بشكل غير قانوني كـ “عمال يومية”، ويكسبون قوتهم من وظائف متنوعة، ويدفعون رسومًا شهرية أو سنوية لكفلائهم. انتشرت مثل هذه الترتيبات على نطاق واسع في المنطقة، ما أدى إلى وجود ظاهرة “تجار التأشيرات”.
على مدى عقود، كان تجار التأشيرات موضع نقاش كثير في الصحف في العديد من دول الخليج، وكتبت “القبس” الكويتية عن هذه الظاهرة في وقت مبكر عام 1989. كانت الشخصيات والشبكات المؤثرة جزءًا من هذه الظاهرة في كافة أرجاء الخليج. وبالتالي، لم تسفر محاولات معالجة وضع العمال الوافدين على مر السنين عن تغيير كبير. وما زالت المشكلة تشكل تحديًا في أماكن أخرى من الخليج، حيث هدد وزير العمل السعودي تجار التأشيرات بـ “إيداعهم السجن“. في البحرين، تم إدخال نظام التصاريح المرنة في عام 2017 لتحسين وضع عمال اليومية وكبح تجاوزات تجار التأشيرات. إلا أن الكثير من البحرينيين قد انتقدوا هذا النظام، بحجة أنه سمح للعمال الوافدين بمنافسة السكان المحليين من خلال توفير الخدمات بأسعار أقل في الوقت الذي أصبح من الصعب على الشركات الصغيرة الحجم المحافظة على وجودها أو تأميم الوظائف.
مع انتشار فيروس كورونا في الخليج، يستمر ارتفاع عدد الإصابات بين العمال الوافدين. ويتم يوميًا الإعلان عبر الإيجازات الصحفية حول فيروس كورونا عن حالات جديدة بين كل من الأجانب والسكان المحليين في جميع أرجاء منطقة الخليج. قد يكون التمييز مهمًا للتحليل الإحصائي، وقد يخفف أيضًا من مخاوف السكان المحليين. ومع ذلك، فهو يغذي انعدام الثقة المتزايد تجاه العمال الوافدين. يتم تداول عمليات انتهاك حظر التجول من قبل العمال على وسائل التواصل الاجتماعي في الكويت والمملكة العربية السعودية. وعلاوة على ذلك، أدت مقاطع الفيديو التي تعرض معايير النظافة الصحية السيئة إلى زيادة القلق، وحثت وزارة التجارة السعودية على تفعيل جهودها الاستباقية لتضييق الخناق على الانتهاكات.
في الكويت، أعلن وزير المالية أنه سوف يتم حجز بعض محلات البقالة في أحد الأحياء التي تحوي عددًا كبيرًا من العمال الأجانب لصالح المواطنين فقط. وأصبحت حالات الفصل هذه واحدة من أولى علامات الانقسام بين مجتمع الوافدين والسكان المحليين. وأوقفت بعض محلات البقالة العمال الوافدين عن تعبئة البضائع للعملاء، حيث تم استبدالهم بمتطوعين كويتيين. وتم إلزام العديد من عمال اليومية بالبقاء في أماكن إقامتهم وأصبحوا عاجزين عن كسب قوتهم، وهو ما جعل وضعهم مروعًا بشكل خاص تحت حظر التجول.
في عُمان، خلق العدد الكبير من الإصابات بين العمال الوافدين، وخاصة في بعض المواقع، مثل منطقة كورنيش مطرح في العاصمة مسقط، مناخاً من التوجس والخوف. وأصبح يُنظر إلى العمال الوافدين غير القادرين على العمل بسبب حظر التجول على أنهم تهديد أمني محتمل لابُد من معالجته من خلال تقليص أعدادهم. وقارن آخرون تدفق العمال الوافدين بـ “السرطان“، مُلقين باللائمة على نقص اللوائح القانونية الحكومية الصارمة. ونتيجة لذلك، حث وزير الصحة العماني المواطنين على عدم الخوض في الجانب القانوني من الأزمة، موضحا أن الخدمات الصحية سوف تقدم للجميع.
وتعتبر قطر والإمارات العربية المتحدة الأكثر اعتمادًا على العمال الوافدين، حيث لديهما النسبة الأعلى في المنطقة مقارنة بعدد السكان. وتلعب العمالة الأجنبية، في كلا البلدين، دورًا مهمًا في المشاريع التنموية الكبيرة والأحداث التي تلوح في الأفق، بما في ذلك كأس العالم 2022 و “إكسبو دبي” (Expo Dubai) الذي (تم تأجيله إلى عام 2021 بسبب فيروس كورونا). في قطر، يعيش العمال الوافدون في قطاع صناعي تم إغلاقه إلى حد كبير بسبب ارتفاع عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا بين العمال. من ناحية أخرى، فقد ازدادت المخاوف المتعلقة بالعمال الوافدين خارج قطاع البناء، والذين هم على اتصال مباشر مع السكان القطريين. وكما هو الحال في بقية دول الخليج، ارتفعت الدعوات المطالبة بفرض إجراءات صارمة على انتهاكات العمال ومحاسبة الكفلاء.
في المملكة العربية السعودية، تتركز أغلب حالات العدوى بين العمال الوافدين، ويتم استخدام المدارس لتوفير أماكن إقامة مؤقتة لهم. وطرأ تحدٍّ خاص في المناطق الغربية من البلاد، ويعزى ذلك جزئيًا إلى دورها التاريخي كنقطة دخول للحجاج من جميع أنحاء العالم. ونتيجة لذلك، فقد أصبحت المراكز الحضرية لفترة طويلة بمثابة بوتقة لانصهار مختلف المجتمعات، التي يفتقر بعض سكانها إلى وثائق رسمية. فتعتبر مكة بمثابة بؤرة الجائحة في المملكة في الوقت الراهن. في جدة والمدن المقدسة، كانت الأحياء التي تحوي أعدادًا كبيرة من الوافدين هي الأولى التي فرض عليها حظر التجول. وتم تداول مقطع فيديو عن الظروف المعيشية السيئة في حي النكاسة في مكة على نطاق واسع. وفي وقت لاحق، تم إغلاق الحي من قبل الحرس الوطني، وتم فرض حظر تجول.
لقد ساهم الجدل المتعلق بالعمال الوافدين في تغذية النقاش المستمر حول إعادة تعريف مسؤولية الشركات إبّان الجائحة. فمنذ بداية الجائحة، تعرضت الشركات والتجار لانتقادات من قبل الجمهور لعدم مساعدتها الحكومة خلال الأزمة. والآن، أعادت قضية العمالة الوافدة إلقاء اللوم من جديد على الشركات والتجار. في المملكة العربية السعودية، تستهدف الانتقادات أرباب العمل والكفلاء الذين يتحملون المسؤولية عن تدهور أوضاع العمال الوافدين. ويجادل البعض بأنه لا ينبغي على الدولة أن تحول المدارس إلى أماكن سكن، وأن يتحمل الكفلاء المسؤولية الكاملة عن عمالهم.
كما قام خبراء من الخليج بلعب دور فعالٍ في فحص مستوى أزمة الوافدين على التركيبة الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. يحتج الخبير الاقتصادي عمر الشهابي بأن دول الخليج لا تحتاج فقط إلى تغيير نظام الكفالة من أجل إدارة وتنظيم تدفق العمالة إلى الخليج بشكل أفضل، وإنما يجب عليها أيضًا أن تلعب دورًا فعالًا في إنشاء مؤسسة حكومية مركزية لرصد وضع العمال الوافدين بدلًا من تركهم يعتمدون على كفلائهم وأرباب عملهم. وعلاوة على ذلك، يطرح أيضا أن على دول الخليج أن تقرر أولًا ما هو نوع سوق العمل الذي تريده، سواء كانت تعتمد على العمال الوافدين، أو أنها تعتمد بشكل متزايد على المواطنين ومن لديهم إقامة دائمة. وفي ضوء أزمة فيروس كورونا، عادت النقاشات على وسائل التواصل الاجتماعية والتقليدية تظهر من جديد حول كيفية جعل القطاع الخاص أكثر جاذبية للسكان المحليين، وهو تحدٍّ طويل الأمد في الخليج.
وبالنسبة للكويت على وجه التحديد، قدم الأستاذ المساعد عبد العزيز الصقعبي مبادرة لتعديل التركيبة السكانية للبلاد، واقترح عدة خطوات لمعالجة وضع الوافدين. ومن هذه الخطوات: إدخال نظام المحاصصة، وبناء “المدن العمالية”، وإيجاد حلول تكنولوجية للتخفيف من عدد العمال الوافدين. ويقترح السقابي اعتماد نموذج المدن العمالية الإماراتية ونظام “الإيجار” السعودي الذي يربط ما بين المساكن المستأجرة وتفاصيل سكانها على موقع إلكتروني واحد. وتستخدم السلطات السعودية حاليًا هذا النظام لتتبع العمال الوافدين، وأعطت الكفلاء مهلة حتى نهاية أبريل/نيسان لاستكمال التسجيل.
على مدى عقود، شكّل العمال الوافدون العمود الفقري للبنية الاقتصادية والاجتماعية في الخليج. ونتيجة لذلك، سوف يكون لفيروس كورونا، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط، تأثير مباشر على الشركات في الخليج، ومن ضمنها العمالة الوافدة. كما عملت الأزمة على إطلاق العنان لانتقاد “العادات السيئة” التي استمرت لعقودٍ من الزمن في منطقة الخليج، والمتمثلة في الاعتماد على أعداد كبيرة من العمال الوافدين. دعا الكثيرون إلى تغيير نمط الحياة في الخليج، بمن في ذلك العمال الذين يعملون على تعبئة الأكياس في البقالات واسطوانات الغاز، ويوصلون الطلبات خارج المطاعم، ويغسلون السيارات، ويعدون الشاي والقهوة في المكاتب. ومن المرجح أن تكون هذه الفترة الانتقالية صعبةً نظرًا لأن الكثيرين سوف يستمرون في الاعتماد على العمالة المنزلية لتوفير الرفاهية والراحة داخل منازلهم الخاصة في الخليج، حتى وإن تغير الوضع في المجال العام. ومع ذلك، فمن الممكن أن تؤدي هذه الجائحة إلى إعادة التقييم، وبالتالي، لن يقدم ذلك للحكومات التحديات فقط، بل سيمنحها أيضًا الفرص لكونها تواجه الأزمة الحالية وتعالج مشكلة طويلة الأمد.