في حين أن معظم دول الخليج لجأت إلى مؤسساتها الحكومية لمكافحة فيروس كورونا، فقد كان للشباب في الكويت والبحرين دوراً أكثر فعالية من خلال منظمات المجتمع المدني شبه المستقلة.
مع تفشي فيروس كورونا في دول الخليج في فبراير/شباط، وإصابة ما لا يقل عن 3500 من مواطني دول الخليج والمقيمين، استجاب عشرات الآلاف من الشباب لنداء أوطانهم، وحشدوا للمساهمة في وقف انتشار العدوى. لطالما كان الشباب في الخليج داعمين لقياداتهم في الأوقات الحرجة. في معظم دول الخليج، تطوع عشرات الآلاف من المواطنين والمقيمين للانضمام إلى جهود بلدانهم لمكافحة الوباء. في المملكة العربية السعودية وحدها، تعدى عدد المسجلين للتطوع في اليوم الأول الـ 23000، بينما كان 35000 متطوع في قطر. سارع الشباب للتسجيل كأطباء وممرضين ومهندسين ومصورين وسائقي شاحنات ومساعدين في خدمات لوجستية أخرى، في حين قدم بعض المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي رسائل توعية إبداعية لرفع وعي الناس بالأزمة وحث الناس على الالتزام بتعاليم الدولة في هذه الأزمة.
في البحرين والكويت تحديداً، لعبت منظمات المجتمع المدني تاريخياً أدواراً مهمة، وإن كانت مقيدة في صلاحياتها. لدعم جهود الدولة، شاركت مالا يقل عن 30 جمعية أهلية كويتية في جمع أكثر من 28 مليون دولار في أقل من يوم لمساعدة الأسر التي تضررت نتيجة هذه الأزمة. علاوة على ذلك، قامت جمعيات مثل الجمعية الطبية الكويتيةوجمعية الخالدية الشبابية في البحرين بتقديم آلاف المتطوعين للعمل في الصفوف الأمامية بجانب الدولة. عمل المتطوعين في مواقع الحجر الصحي ومواقع فحوصات فيروس كورونا والمستشفيات. وقد امتدت أعمالهم من ممارسة الطب وعلاج المرضى إلى تعقيم المباني وتوفير الخدمات اللوجستية في المحاجر الصحية. وبما أن الواجب الوطني يلزم المواطنين بالبقاء في منازلهم، فقد دفع بهؤلاء المتطوعين إلى الوقوف في الصفوف الأمامية لخدمة الوطن.
الشباب يلبون نداء الوطن
في البحرين والكويت، كان الأطباء والممرضين، في أغلب المستشفيات والمحاجر الصحية لفيروس كورونا، ينتمون نسبياً لجيل الشباب. تقول الدكتورة نوف العنزي، 32 عاماُ، وهي طبيبة في مجال الجراحة، تطوعت للعمل في الصفوف الأمامية “في البداية، أراد والداي طردي من المنزل، وطلبوا مني الابتعاد عنهم. فكرة التطوع لمكافحة هذا الوباء لم تتقبلها أسرتي بسبب التهديد الذي تشكله علي وعلى عائلتي.” نوف منسقة فريق كورونا، وهم مجموعة من الأطباء الشباب الذين تطوعوا للعمل في مواقع الفحص والمحاجر الصحية في الكويت بجانب وزارة الصحة.
تصف نوف الأسباب التي دفعتها إلى التطوع قائلة “كان واجب علي خدمة الوطن وتلبية النداء في مثل هذه الظروف، خاصة وأننا بحمد الله لم نمر بأزمة بهذا الحجم منذ الغزو العراقي، وكنت صغيرة في ذلك الوقت”، مضيفةً “أتذكر جيداً التفجير الإرهابي لمسجد الإمام الصادق في الكويت عام 2015، حيث تطوعت لمساعدة عشرات الضحايا، ولكني شعرت بأنني غير مجدية بسبب قلة الخبرة العملية في ذلك الوقت. ولكنني الآن جراحة، ولدي خبرة عملية، وتم ترشيحي لأكون منسقاً في هذا الفريق”. بعد انتشار الفيروس في الكويت مباشرة، طلبت نوف الانضمام للخطوط الأمامية، للتعويض عما لم تستطع فعله في حادثة مسجد الصادق.
في البحرين، تقول الدكتورة مريم آدم، 26 عاماُ، وهي طبيبة متطوعة للعمل في الحجر الصحي مع جمعية الخالدية الشبابية، أنها شعرت كما لو أنها درست سبع سنوات في كلية الطب من أجل هذه اللحظة. تحمست مريم لخدمة وطنها بعد أن أعلنت البحرين تفشي فيروس كورونا، وكانت البلاد على شفا أزمة قد تشل المنظومة الصحية هناك. تقول مريم “في ذلك الوقت، شعرت أنه لم يكن أمامي سوى خيار التطوع لخدمة شعبي وبلدي. كان هدفي هو شفاء آخر مريض كورونا، وجعل والدي فخورًا بي”. تطوعت مريم للعمل في موقع الحجر الصحي في مدينة الحد “وسط صحراء قاحلة”. علما بأن المحجر يقع على بعد 30 دقيقة من منزلها.
تقضي نوف ومريم ما بين ثماني إلى 12 ساعة في اليوم تطوعاً. يمتد عملهما من إجراء فحوصات فيروس كورونا، عن طريق أخذ مسحة اختبار من المرضى، إلى التحقق من صحة المرضى بشكل عام، الأمر الذي يجعلهما أكثر عرضة للإصابة بالفيروس. عند سؤالهما عن مخاوفهم الرئيسية، قالتا تلقي العدوى ونقلها لأحبابهم. تقول مريم “لن يتمكن والداي من مقاومة الفيروس، لأن والدتي مصابة بأمراض مزمنة (السكري) وأبي يشيخ”.
أما في الكويت، كان هناك 5000 شخص على الأقل يأتون لإجراء فحوصات فيروس كورونا يومياً. تقول نوف “ومع ذلك كانت العملية سلسة، وكان المسؤولون على أتم استعداد، وكان الشخص المناسب في المكان المناسب، وكانت لدى الوزارة خطة فعلية”. جدير بالذكر، بأن هذا ليس خاصاً بالكويت والبحرين دون غيرهما، فقد أشادت منظمة الصحة العالمية بالإجراءات الصارمة التي اتخذتها كافة دول الخليج لمنع انتشار الفيروس.
الجهود الموحدة: الدولة وعديم الجنسية والمواطن والمقيم
فوجئت نوف ومريم بجهود حكومتيهما لاحتواء الفيروس منذ بدايته وسرعة الاستجابة له. تقول نوف في وصف جهود حكومة الكويت “كشخص كانت لديه بعض التحفظات على سياسات وقرارات الحكومة، لقد صدمت من استعدادهم واستجابتهم السريعة في الحد من انتشار الفيروس الذي لم أتوقعه”. أما في البحرين فقد خشيت مريم من تفشي الفيروس في الدولة “لأن المنظومة الصحية تفتقد إلى بعض الموارد والخبرة اللازمة لمواجهة تحد غير مسبوق كهذا الوباء”. ولكن تضامن وتكاتف أبناء الدولة شعباً وقيادة أعطانا الأمل، وكان السبب الرئيسي وراء نجاحنا”.
ولكن الأسوأ لم يأت بعد، خصوصاً عندما نلتفت إلى أن مئات البحرينيين الذين يتم إجلاؤهم من الدول الموبوءة، خاصة من تقطعت بهم السبل في إيران. “نتوقع أن تتضاعف الحالات في الأيام القادمة”، كما أفادت مريم. وفي الوقت نفسه، تحدث المسؤولين في الكويت عن إجلاء ما يقارب الـ 50-60 ألف كويتي في الأيام القادمة من مختلف البلدان. بالإشارة إلى ذلك، تقول نوف “إن خوفي الأكبر هو أن نحمل أنفسنا ما لا طاقة لنا به فتنهار المنظومة الصحية.”
بينما كان يغرد بعض المواطنين بنبرة عنصرية ضد الوافدين وبخطابات كراهية، ويصورونهم على أنهم “أحضروا معهم الوباء”، كان الوافدون هم أول المستجيبين للنداء، وكانوا في الصفوف الأمامية في محاربة الفيروس في معظم دول الخليج. رداً على خطاب الكراهية، تقول نوف “أنني أدين الحملات العنصرية والطائفية على وسائل التواصل الاجتماعي التي تستهدف الوافدين وغيرهم، وبالمناسبة، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الوافدين الذين أظهرت نتائج الفحوصات إصابتهم، بينما كانت أغلب الحالات الموبوءة من المواطنين”. وتضيف نوف “ولكنني أعتقد أن الحكومة كان بإمكانها القيام بعمل أفضل في وسائل التواصل مع الوافدين من خلال قنوات بديلة أكثر تكيفًا معهم لتوعيتهم وابلاغهم بتعليمات الوزارة.” تقول مريم في البحرين “كان لدينا سعوديون (من أهل القطيف) ومصريون وآسيويون وغيرهم ممن لم نفرق بينهم، وعوملوا كما لو كانوا مواطنين بحرينيين”.
والجدير بالذكر هنا هي الجهود البطولية من قبل الأطباء والمسعفين البدون الكويتيون (عديمي الجنسية). تواجد أطباء البدون في الصفوف الأمامية للعمل أوقات الدوام كاملة منذ بداية الأزمة في مواقع الفحوصات تطوعا. أصر د. طلال العونان، طبيب من البدون وعاطل عن العمل، على التطوع مع فريق فيروس كورونا منذ اليوم الأول لـ 10 ساعات في اليوم دون أن يتقاضى أجراً. وعن سبب تطوعه، يقول طلال “تطوعت مع أخي الدكتور نائل لمساعدة بلدنا وشعبنا لتجاوز هذه الأزمة”. وأضاف “لقد لبيت نداء الوطن، وليست لدي مصالح ولا أسعى للحصول على مكافآت شخصية”.
في حين أن معظم دول الخليج قد تعاملت مع الأزمة مباشرة من خلال مؤسسات الدولة، نجحت البحرين والكويت في إشراك الشباب من خلال منظمات المجتمع المدني شبه المستقلة. إن توظيف الشباب والمجتمع المدني في مكافحة فيروس كورونا يوضح قدرات كل منهما في المساهمة على مستوى الدولة. كما يوضح مدى حرص ورغبة جيل الألفية (الميلينيال الخليجي) على خدمة بلادهم أوقات الأزمات. نوف ومريم ليسا سوى مثالين لآلاف من جيل الألفية في جميع أنحاء الخليج، الذين بادروا بالعمل في الخطوط الأمامية لمحاربة هذا الوباء دفاعا عن أوطانهم.
ينذر تصاعد التوتر بين إسرائيل وحزب الله بحرب شاملة في لبنان، مع خسائر كبيرة في صفوف الحزب. وبينما تواصل إسرائيل ضرباتها الجوية، يواجه حزب الله وإيران تحديات صعبة بشأن التصعيد العسكري.
بينما تُسرع الحكومات الخليجية في تنفيذ أجندات التنمية المحلية، فإن إيجاد الوظائف المحلية وعائدات الضرائب تعد مؤشرات لقياس مدى النجاح في صنع السياسات الاقتصادية.
إن وقف إطلاق النار بعيد المنال في غزة، والانهيار المحتمل لإمكانية تحقيق حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، وتزايد التوترات بين إسرائيل وحزب الله، كلها عقبات رئيسية أمام استئناف التقدم في مسار عملية التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.