محمد الفرج، مخرج وراوي قصص وفنان تركيبي سعودي، ينحدر من محافظة الأحساء الزراعية والصناعية، وهو المكان الذي ساهم في صياغة أعماله الإبداعية المادية والمفاهيمية على حد سواء. تعتمد أعمال محمد الفنية، التي غالبًا ما تتضمن أساطير، سواء بشخصيات بشرية أو غير بشرية، مستمدة من التاريخ المحلي والإقليمي، لاستكشاف الحياة اليومية والقضايا البيئية، إلى جانب تأملات في تاريخ المملكة العربية السعودية الطبيعي. تعتمد أعماله على المواد الموجودة في البيئة المحيطة، مثل سعف النخيل والرمال والتمور، والتي تشير إلى المعالم البيئية الموجودة في مسقط رأسه.
يبرز التعليم والإدماج كأهداف أساسية في الأعمال التركيبية الخاصة بالفرج. بيد أن غرس الوعي المناخي في نفوس المشاهدين يشكل مكوناً ضمنيًا ثابتًا في أعماله التي تكشف عن تقديره للطبيعة، ورغبته في عرض التنوع البيئي في بلاده. قام الفرج بعرض أعماله في جميع أنحاء العالم، من المعارض المقامة في جدة والشارقة إلى فلورنسا وبرشلونة. إن مهارات العبقرية في استخدام مواد بسيطة لسرد قصص معقدة تجعله واحدًا من الأشخاص الجديرين بالمتابعة في المشهد الفني السعودي المزدهر.
تحدث معهد دول الخليج العربية في واشنطن مع الفرج لمعرفة المزيد حول مصدر الإلهام في أعماله، وكيف تم استحضار روح محافظة الأحساء والسعودية في ممارساته الإبداعية على نطاق أوسع، وإمكانية استخدام المواد المتوفرة كوسيلة أكثر استدامة في الصناعة الفنية.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: أخبرنا عن نفسك وعن رحلتك لتُصبح فنانًا.
محمد: أنا من محافظة الأحساء في المنطقة الشرقية في السعودية. درست الهندسة الميكانيكية في الجامعة، لكنني دأبت على الرسم والتقاط الصور قبل ذلك بوقت طويل. وفي منتصف فترة دراستي الجامعية، قررت أن أتابع الفن والتصوير الفوتوغرافي والإخراج السينمائي بشكل خاص، وقد أصبحت فنانًا منذ ذلك الحين. أعمل مع اثنين من المعارض، معرض أثر في السعودية وجاليري منور (Mennour Gallery)في باريس. كما أنني أقوم بالكتابة كثيرًا – أساعد بعض المؤسسات في كتاباتها وبرامجها وورش العمل فيها، وذلك لأن التعليم أيضًا يشكل جزءًا كبيرًا من أعمالي المتمثلة في ابتكار عوالم وقصص تتمحور حول البشر والكائنات الأخرى. يتمثل الهدف من ابتكار هذه النوعية من القصص بمثل هذا المغزى والشاعرية في خلق شعور التعاطف لدى الجمهور والشخص الذي يمارس العمل.
وإذا تحدثنا أكثر من الناحية الفنية، فإنني أقوم بابتكار قصص وعوالم وأعمال تركيبية باستخدام المواد المتوفرة، بالمعنيين الحرفي والمجازي. أقوم بصناعة المنحوتات من الأشياء التي أعثر عليها في جميع أنحاء المدينة أو الريف، سواء كانت عضوية أم غير عضوية، ولكن أعمالي تعتمد أيضًا على الأشياء التي أجدها في حياتي: الأشخاص الذين أقابلهم، والنقاشات والدين والقرآن، والكتب التي أقرأها – أجزاء وقطع صغيرة من هنا وهناك.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: كيف أصبح التعليم جزءًا من مهمتك كفنان؟
محمد: التعليم شيء مهم في عملي، ولكنني مهتم بالمعرفة بشكل خاص. إحدى أحدث القصص التي كتبتها مؤخرًا، والتي حولتها بعد ذلك إلى فيلم أثناء إقامتي في منطقة العلا، كانت بعنوان “تمرة المعرفة”.
تدور أحداث القصة بشكل أساسي في واحة كبيرة يعيش فيها الكثير من الحيوانات والبشر والمخلوقات الأخرى. من بينهم مجموعة مكونة من ثلاثة أصدقاء: طائر ومخلوق نصفه إنسان والنصف الآخر حشرة ويعسوب. في أحد الأيام، وبينما كانوا يلعبون الغميضة في أحد الوديان، وعندما جاء دور الطائر للعثور على أصدقائه، تجلى أمامه شبح النمر العربي المهدد بالانقراض. يقول النمر للطائر، هل أنت خائف دائمًا؟ فيرد الطائر، نعم. يسأل النمر، “هل تشعر بأنك لا تعرف أي شيئًا في معظم الأوقات؟” فيقول الطائر، نعم.
فيقول له النمر، أنا أعرف الحل لمشكلتك. كل نخلة تحمل تمرة واحدة تحتوي على كل المعرفة الكونية. ويختفي النمر. ثم يقرر الطائر أن يختار نخلة واحدة ليجلس بجوارها في اليوم التالي، ويحاول أن يأكل كل التمور التي تنتجها لأنه يريد الحصول على “تمرة المعرفة” تلك. فيأكل تمرة، ثم تمرتين، ثم عشرين، ويبدأ وزنه يزداد. وبقيامه بهذا الأمر، فهو يمنع الحيوانات الأخرى من تناول التمر. وتسبب سعيه للمعرفة في جعله جشعًا وأنانيًا، فأصبح مدمنًا. في أحد الأيام، يأكل تمرة نصفها ناضج والنصف الآخر غض – صفراء وبنية – وتتسع عيناه ويتألق عقله. وفجأة، أصبح يعرف كل الأسماء وكل الأماكن مهما كانوا، ومهما يكونوا، ومهما سيكونوا.
يلتقي بأصدقائه في اليوم التالي، ويدعونه إلى الوادي لمشاهدة أصدقائهم الآخرين. فيقول “لا، لا أريد الذهاب. أنا أعرف كل شيء بالفعل”. لكن تصبح المشكلة عندما تعرف كل شيء هي أنك تعرف الأشياء الجميلة والأشياء الممتعة، ولكن عندما يأتي الليل، تفكر في الأشياء الفظيعة والعنيفة في العالم أيضًا. الأشياء التي كان يستمتع بها أصبحت مملة، ولم يستطع فعل أي شيء حيال الأشياء التي كانت تخيفه. وهكذا تتحول هذه النعمة إلى نقمة.
في اليوم التالي، لاحظ الأصدقاء أن الطائر ليس على ما يرام ولا يأكل – يقول الطائر، “أنا لست على ما يرام”. فيقول له اليعسوب، “أعرف الحل لمشكلتك”. وهكذا، يذهبون إلى الصحراء ويصنعون القهوة، ويشعلون النار ويجلسون حولها. يقول له اليعسوب، “غرد بكل ما تعرفه في النار، فالنار سيدة النسيان”. وعندما بزغت الشمس كان قد غرد بكل شيء في النار. أصبحت النار أكبر وأكبر وأكبر، لكنها في النهاية تلاشت، ونسي كل شيء، وأصبح طائرًا بريئًا وساذجًا من جديد، لكن أصبح بإمكانه على الأقل الاستمتاع بالحياة مرة أخرى.
وهكذا نجد أن المغزى من هذه القصص ينطوي، في نهاية المطاف، على هذه الأقوال الشعبية، استمتع بالحياة، تناول تمرة تلو الأخرى، ويومًا بعد يوم، ما يعني أنك لست مضطرًا لأن تأكل تمرة المعرفة – بل يمكنك أن “تتناول” المعرفة تدريجيًا.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما هي الوسيلة التي استخدمتها لسرد هذه القصة؟
محمد: تتمحور القصة حول فيلم بتقنية العناصر الساكنة (stop-motion) قمت بإخراجه، حيث أرسم فيه على الرمال، ثم أقوم بإسقاط صور على هذه الرسومات، فتشعر وكأن الرسم يحدث أمامك. لقد استخدمت هذه الوسيلة لأنني أردت أن أضع نفسي مكان الطائر أيضًا بطريقة أو أخرى. لا أرغب في عمل الأشياء بسرعة – بطريقة الطائر الذي أراد اكتساب كل المعرفة في وقت واحد. كنت أسعى لعمل شيء منخفض التقنية للغاية، ولكنه مليء بالمغزى والتأملات.
تعد القصة أيضًا، بطريقة أو بأخرى، صورة مجازية للعالم بشكل عام وللمنطقة. فنحن نمضي بسرعة كبيرة مع التقدم والتغيير الذي نمر به. وهذا أمرٌ جميل وضروري، بيد أننا قد نحتاج للإبطاء قليلاً فقط للاستمتاع بالتجربة والرحلة. وتتمثل فكرة المعرفة فيما الذي تريد معرفته حقاً؟ لأن معرفة بعض الأشياء في بعض الأحيان قد تكون مؤذية. وعندها، ماذا ستفيدك تلك المعرفة؟
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ذكرت أن الرمل هو أحد المواد الطبيعية التي تستخدمها. اذكر لنا بعض المواد الأخرى التي تستخدمها في أعمالك؟
محمد: لدي سلسلة أحبها اسمها ““أحافير المعرفة”. وهي سلسلة من المنحوتات والأعمال التركيبية التي يشغل كل منها حيزًا بأكمله. تتكون في الأساس من مخلوق يشبه الهيكل العظمي يمتد على اتساع الغرفة، أو أحيانًا قد أصنع مجرد تمثال ينتصب باستخدام أجزاء مختلفة من شجرة النخيل، وخاصة الأجزاء الميتة والمهملة والملقاة جانبًا. تبدو وكأنها حفرية أو شيء تم استخراجه من باطن الأرض. يعتمد اسم “حفريات المعرفة” على فكرة شجرة النخيل وكل ما حولها: الثقافة والأشخاص المرتبطين بتعاليمها، والقصص والتساؤلات عما إذا كان ذلك سيذهب ويُنسى، أم أنه يمكننا التمسك به لأنه قد يساعدنا على المضي قدمًا. فالأمر لا يتعلق بالحنين إلى الماضي، وإنما بألا نضطر للتخلص من كل شيء من الماضي – ربما يمكنك الاحتفاظ بشيء منه، مثل معرفة الأجداد، لكي تساعدك على المضي قدمًا بمزيد من الوضوح والثقة.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: أخبرنا عن التوجه الإبداعي المختلف نوعًا ما، والذي اتخذته مع برنامج التكليف الفني لواجهة حي جميل.
محمد: أحب أن يتم تكليفي بصناعة الفن، ولكنني أشعر دومًا بأن هذا التكليف يعد بمثابة فرصة جيدة لضم أشخاص آخرين، ولا سيما عندما يكون المشروع مثل مشروع حي جميل. فهو واجهة المبنى التي سيمر عليها الناس بشكل يومي أثناء ذهابهم من بيوتهم إلى العمل ثم عودتهم. لذلك، أعتقد أنه من العدل أن يتم إشراك الناس في صناعة هذه الواجهة التي سيشاهدونها كل يوم. كانت هناك دعوة مفتوحة لإشراك سكان جدة للعمل في هذا المشروع، لذلك كان لدينا أشخاص في الخمسينيات من عمرهم وفي سن المراهقة، وكذلك أطفال في السابعة من عمرهم. قمنا برسم الواجهة على مدى سبعة أيام، وكنا طوال الوقت نتكلم، ونأكل الطعام الجيد، ونستمع للموسيقى. لقد أمضينا وقتًا رائعًا.
فيما يتعلق بالتصميم، يحمل العمل اسم “وجه المدينة”. بالنسبة لي، فإن واجهة المدينة تتكون من جدرانها، وخاصة الجدران ذات الكتابات والرسومات، حيث تعبر عن المشاعر – الحزن والسعادة والغضب والحنين والشوق لشخص ما – وهذا جميل جدًا. ستشاهد في هذا المكان من المدينة جُملاً ركيكة للغاية – “أنا وحيد جدًا” أو “أُحبك”. لذلك، تم استلهام تصميم الواجهة من الجُمل والرسومات والعبارات الموجودة في أرجاء مدينة جدة، التي كانت آنذاك تمر بفترة تحول كبير، تم خلالها هدم الكثير من الأحياء، وإعادة بنائها لأسباب مختلفة، لعل أهمها الهندسة المعمارية السيئة التي تعرض الناس للخطر. كما كان هناك أيضًا الكثير من الأشخاص والأماكن غير الموثقة، والتي تحتاج إلى التنظيم.
لذلك أعتقد أن مرارة اللحظة امتزجت بحلاوتها بالنسبة للمدينة، وكان لزامًا عليَّ أن أوثق تلك الفترة. لقد كانت تجربة جميلةً لأن الكثير من الناس من تلك الأحياء قد انضموا إلينا بالفعل في صناعة هذه اللوحة.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: تعد البيئة والطبيعة أيضًا من الموضوعات الأساسية في أعمالك. هل تعتبر ما تمارسه وسيلة لاستلهام الشعور بالوعي أو تقدير الطبيعة مع التغيير المناخي؟
محمد: يعد هذا بالفعل أمرًا طبيعيًا بالنسبة لي لكوني أعيش في الأحساء، وهي واحة نصفها صناعي والنصف الآخر زراعي. لكن في الوقت ذاته، فإن قراري باستخدام المواد التي يتم العثور عليها كان مقصودًا، لأنني أعتقد أننا ننتج بالفعل الكثير من الأشياء في العالم، ولسنا بحاجة إلى استغلال المزيد من الموارد. الجانب الآخر من الأحساء الذي أحب العمل به هو ما أحمله من ذكريات وتجارب في مسقط رأسي. لدي مشاعر قوية تجاه هذا الشيء. لقد أحببت طفولتي هناك، كانت صعبة، ولكنها جميلة جدًا في الوقت نفسه. وهناك عمل جديد أتمنى أن أتمكن من إنجازه كعمل تركيبي. حيث أقوم بصناعة سلسلة من الفزاعات القائمة على شخصيات مختلفة من طفولتي؛ إحدى هذه الشخصيات هي عمتي، على سبيل المثال. كانت ممتلئة البنية نوعًا ما، ولها أسنان ذهبية. من المفترض أن تكون التركيبات مضحكة وفكاهية، لكن بعضها مخيف أيضًا.
لدي فكرة في ذهني تتمثل في فزاعة تقف أمام كرة قدم وأمامها هدف. كل شيء سيكون مصنوعًا من الخشب والألياف الطبيعية – ستُصنع شباك المرمى من الحبال. وهذا من شأنه أن يصور تلك اللحظة المجمدة لفزاعة تقف على ما يبدو أنه ساق واحدة – لأن هذه هي الكيفية التي تبدو عليها الفزاعات. قد يتساءل المشاهد حول كيفية ركل الفزّاعة للكرة، إنها في الواقع لحظة سكون. الفزاعة لن تركل الكرة. وهذا يُعزى لحبي للتصوير الفوتوغرافي، حيث تقوم بإيقاف شيءٍ ما وتلتقط ذكرى، وتظل ساكنة إلى الأبد. ستكون تلك اللحظة مشوبة بالتوتر بشكل دائم، وسوف يتساءل المرء دومًا إن كانت الفزاعة ستتحرك.
لا يقتصر الأمر على تصوير ذكرياتي أو طفولتي، وإنما يتردد صداها كذلك مع الكثير من ذكريات الطفولة في المنطقة. على سبيل المثال، في العراق أو سوريا، هناك الكثير من الأطفال الذين فقدوا أطرافهم ولديهم قدم واحدة فقط، لذلك يحاولون لعب كرة القدم بهذه الطريقة. لقد ارتسمت في ذهني هذه الصورة، وهذه هي الطريقة لتصوير هذه الجوانب التي تختلط فيها المرارة مع الحلاوة في هذا العالم. فهي تستدعي السرور والبهجة، لكنها حقيقية أيضًا.
من الطبيعي أن تبدو أيضًا وكأن لها طابع الفوسبول (كرة قدم الطاولة)، وأريد من المشاهدين أن يجربوا هذا الشيء. أريدهم أن يجدوه سخيفًا، ولكنه شاعري وحزين قليلاً. ربما يخرجون من الغرفة راغبين في حياة أصعب بسبب ذلك، وبسبب ما يشعرون به داخليًا.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.