إن جاذبية مدينة نيوم على المدى الطويل تعتمد، إلى حد كبير، على البيئة المحلية سريعة التغير داخل السعودية، ومع ذلك فإن الظروف الإقليمية الصعبة ستُبقي القائمين على المشروع في حالة استنفار.
ليس هناك ما يشير إلى أن الوتيرة المذهلة لعمليات التطوير في مشروع نيوم في المملكة العربية السعودية سوف تتباطأ في عام 2024، بل أعلن مخططو نيوم في يناير/كانون الثاني عن منتجع فاخر للسياحة البيئية باسم زاردون، فضلاً عن “مجتمع رقمي مستقبلي” يطلق عليه اسم أكويلم. وفي 27 ديسمبر/كانون الأول 2023، كشفت نيوم النقاب عن نورلانا – وهو “مجمع سكني حصري نابض بالحياة على أحدث طراز”، كما عكس الإعلان عن أوتامو في 13 ديسمبر/كانون الأول 2023، وهو وجهة غامرة للفن والترفيه، جهودًا أخرى يبذلها القائمون على المشروع لخلق “تجربة فريدة حقًا” مع دعم التنمية المستدامة في الوقت نفسه. وقد برزت مواقع فاخرة للسياحة البيئية مماثلة داخل نيوم – ليجا وإبيكون وسيرانا – كمشاريع افتراضية في الأشهر الأخيرة. وفي ديسمبر/كانون الثاني 2023 أيضًا، أطلقت نيوم شركة توبيان للأغذية بهدف تعزيز “مجتمع نابض بالحياة من العلماء وخبراء الصناعة والمبتكرين”، وأكملت نقل ملكية نادي الصقور، وتغيير علامته التجارية إلى نادي نيوم الرياضي.
تتجاوز هذه المسارات التنموية الأخيرة لمشروع نيوم ما هو أبعد بكثير من تصورها المبدئي، حيث أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مشروع نيوم في عام 2017، وسرعان ما جعل من المشروع الطموح حجر الزاوية لرؤية السعودية 2030 والتحولات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بها. وقد كان التصور المبدئي لمشروع نيوم يقوم على إنشاء منطقة اقتصادية سعودية خاصة تضم الأراضي المصرية والأردنية، لكن أبعاد المشروع العابرة للحدود الوطنية تلاشت في نهاية المطاف.
في عام 2021-2022، ظهرت مشروعات ذا لاين (الحياة الحضرية التجريبية) وأوكساجون (مدينة صناعية عائمة)، وتروجينا (السياحة الجبلية المستدامة) وسندالة (جزيرة فاخرة لمحبي اليخوت) كمناطق أو وجهات متميزة داخل نيوم، وكلها مبادرات مستمرة جنبًا إلى جنب مع المشروعات الأحدث التي يتم الإعلان عنها. وفي 15 يناير/كانون الثاني 2023، منحت نيوم شركة المقاولات الإيطالية وي بيلد (WeBuild) عقدًا بقيمة 5.33 مليار دولار لبناء السدود في منطقة تروجينا، حيث من المقرر أن تقام دورة الألعاب الآسيوية الشتوية في عام 2029. وفي الوقت نفسه، تخطط شركة نيوم للهيدروجين الأخضر لبدء العمل في أكبر مصنع للهيدروجين الأخضر في العالم في عام 2026.
يعد مشروع نيوم مؤشرًا لأكثر عناصر رؤية 2030 طموحًا، حيث يتم تطوير مشاريع فرعية سكنية وصناعية وسياحية وتجارية ومشاريع بنية تحتية للطاقة المتجددة بشكل متزامن ضمن نفس المساحة الجغرافية، وهي مساحة ضخمة. وفي بعض الحالات تظهر مشاريع فرعية ذات طبيعة متشابهة، مثل السياحة البيئية الفاخرة، في صور مختلفة. في واقع الأمر، كلما توسعت نيوم بهذه الطريقة، أصبح من الصعب تحديد نجاح المشروع بشكل كامل، نظرًا لصعوبة تكامل جميع أجزاء هذا المشروع التنموية بسلاسة. ولكن من نفس المنطلق، ليس من المرجح أن يفشل المشروع بشكل كامل أيضًا، فالتزام الدولة السياسي الواضح ودعمها المالي القوي للمشروع من شأنه أن يضمن إحراز تقدم في بعض عناصره. وفي حين أنه لا يزال من السابق لأوانه إجراء تقييم كامل لمشروع نيوم ومشاريعه الفرعية المختلفة، إلا أنه من الواضح أن نيوم أصبحت وجهة الوجهات.
تأتي هذه المرحلة من تطور نيوم في لحظة اقتصادية حرجة، حيث يواجه قطاع النفط والغاز، الذي لا يزال يشكل مصدرًا مهمًا لإيرادات الحكومة السعودية وشريحة كبيرة من اقتصاد البلاد، صعوبات كبيرة. فخفض إنتاج النفط المستمر والتوقعات بتباطؤ النمو العالمي في عام 2024 ستؤثر على إيرادات الحكومة السعودية والنمو الإجمالي. ويتوقع بنك الإمارات دبي الوطني أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى %0.7 في عام 2024، على الرغم من أن النمو غير النفطي يسير بمعدل جيد، حيث سجل حوالي%4 في عام 2023، ومن المرجح أن يظل عند مستوى مماثل في عام .2024
وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يظل متوسط أسعار النفط الخام السنوية في عامي 2024 و2025 قريبًا من مستويات عام 2023، حيث بلغ متوسط خام برنت 82 دولارًا للبرميل. هذا التقدير لا يعكس بأي حال من الأحوال مستوى الأزمة بالنسبة للسعودية، لكن بنك الإمارات دبي الوطني حدد نقطة التعادل المالي لأسعار النفط بالنسبة للميزانية السعودية في عام 2024 عند مستوى أعلى بكثير، يصل إلى 104 دولارات للبرميل. ويقدر المسؤولون السعوديون احتياجاتهم التمويلية بنحو 23 مليار دولار في عام 2024، وأصدرت السعودية سندات دولية بقيمة 12 مليار دولار في أوائل يناير/كانون الثاني.
إن تحويل نيوم إلى وجهة الوجهات هو مشروع مكلف يستلزم استمرار الإنفاق الحكومي على مدى عقود. وقد ظهرت تكلفة المشروع البالغة 500 مليار دولار في وقت مبكر من دورة حياة المشروع، على الرغم من أن معايير نيوم تغيرت بشكل كبير منذ ذلك الحين. فوفقًا لصندوق الاستثمارات العامة، ستتكلف المرحلة الأولى من نيوم حوالي 319 مليار دولار، ويأتي حوالي نصف التمويل من الصندوق السيادي السعودي. وأشار المسؤولون السعوديون في السابق إلى الرغبة في طرح عام أولي في عام 2024، لكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الخطط لا تزال قائمة.
وتكشف نظرة فاحصة على الوجهات التي يتضمنها مشروع نيوم عن الأهمية الأساسية لقطاع السياحة، ليس فقط لجدوى هذا المشروع الضخم المدعوم من صندوق الاستثمارات العامة، ولكن أيضًا لرؤية السعودية 2030 الأوسع. ويقدم الموقع الإلكتروني لرؤية 2030 “السياحة والتراث” باعتبارها دراسة حالة للتقدم المحرز. وتشرف وزارة السياحة على الاستراتيجية الوطنية للسياحة، التي تسعى إلى زيادة حصة قطاع السياحة من الناتج المحلي الإجمالي إلى %10 وخلق 1.6 مليون فرصة عمل بحلول عام 2030. وهذه الطموحات السياحية – التي تتحقق من خلال نيوم وغيرها من المشاريع ذات البعد السياحي القوي – ليست التزامات رخيصة ولا سهلة. حيث صرح وزير السياحة أحمد الخطيب أن الحكومة تستهدف استثمارات بقيمة 800 مليار دولار في قطاع السياحة خلال السنوات المقبلة، و100 مليون زيارة سنوية للبلاد بحلول عام 2030.
بالإضافة إلى السياح الدوليين والزوار المحليين، ستتطلب المجتمعات الحصرية وتجارب الحياة الحضرية في نيوم سكانًا مهتمين بشراء العقارات على المدى الطويل، ويشير التركيز على الفخامة وحداثة تلك المشاريع السكنية إلى أن الأثرياء يشكلون الشريحة الديموغرافية المستهدفة بشكل رئيسي، إلى جانب الأجانب من ذوي المهارات العالية. وفي حين أن هناك مجالاً للاستعانة بإمكانيات الثروة المحلية، إلا أن هناك حاجة أيضًا إلى تدفقات جديدة من الاستثمارات والثروات الخاصة والمواهب العالمية من منطقة الخليج ككل وخارجها. ويُسيّر مطار خليج نيوم حاليًا رحلات دولية إلى دبي والدوحة ولندن، وهي ثلاثة مراكز مهمة للثروة العالمية والتواصل. كما أن الشراكة السعودية الأكبر مع مجموعة دول البريكس قد تدعم أيضًا جهود جذب الثروة والمواهب، حيث يوجد في الصين 780 ألف فرد تقدر ثروتهم بأكثر من مليون دولار، أما الهند فيوجد بها 344 ألف و600 فرد وفقًا لشركة هينلي آند بارتنرز (Henley & Partners). وفي يناير/كانون الثاني، قام المسؤولون السعوديون بتوسيع نطاق نظام منح تصاريح الإقامة المميزة ليشمل مجموعات جديدة من الأجانب المؤهلين للحصول على إقامة طويلة الأجل، بما في ذلك أصحاب العقارات أو المستثمرين.
ومع ذلك، فإن التوترات الإقليمية المستمرة لا تدعم خطط السياحة السعودية ولا جهود جذب الثروة والمواهب العالمية، حيث أدت الحرب بين إسرائيل وحركة حماس وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي مرة أخرى. وتأتي هذه الأزمات في أعقاب جهود سعودية متضافرة لتخفيف حدة التوترات في المنطقة، مثل التقارب مع إيران، والبحث عن مخرج من حرب اليمن. إن جاذبية وجهات نيوم على المدى الطويل تعتمد إلى حد كبير على البيئة المحلية سريعة التغير داخل السعودية، لكن الظروف الإقليمية الصعبة ستُبقي القائمين على المشروع في حالة استنفار.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.