في التاسع من شهر تموز/يوليو، احتفل المسلمون في جميع أنحاء العالم بعيد الأضحى، أكبر الأعياد السنوية التي يحتفي بها المسلمون. وفي عُمان، لجأ الكثيرون إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتهنئة متابعيهم بحلول العيد والتعبير عن أطيب التمنيات، ومشاركة صور ومقاطع فيديو توثق كيف قاموا بقضاء إجازة هذا العيد. لكن ما ميّز العيد هذا العام هو الأغنية التي أرفقها الكثيرون مع مقاطع الفيديو القصيرة على إنستجرام (الريلز)، وهي أغنية “عمّتيه“، أي “عمّتي”.
طُرحت الأغنية على موقع يوتيوب في عيد الأضحى، وتحكي فيها المغنية العُمانية زمزم البلوشي لعمّتها عن رجل رأته في “سكة” (أي شارع ضيق يربط الأحياء معًا) في عصر أحد الأيام، ووقعت في حبه بجنون. وتعبّر المغنية عن العذاب العاطفي الذي يسبّبه لها بعدها عنه، فتقارن الألم المبرح في قلبها بألم الأضحيات عندما تُذبح في عيد الأضحى.
وسرعان ما انتشرت الأغنية على تطبيقات تيك توك وإنستجرام وتويتر، ليس بين صفوف العُمانيين فحسب، بل بين العرب في جميع أنحاء المنطقة أيضًا، فقد تمت مشاهدة الأغنية أكثر من 850 ألف مرة على يوتيوب، واستُخدمت بشكل كبير على تيك توك. وفي حين أن عنصر التضحية والأضاحي عزز، حتمًا، فكرة صدور الأغنية في التوقيت المناسب، والصدى الذي لاقته عند إصدارها لأول مرة، إلا أن كلماتها والفيديو الموسيقي المصاحب لها استمرّا في جذب اهتمام المستمعين والمشاهدين.
كُتبت الأغنية بلهجة عربية يشيع استخدامها في ولاية السويق الساحلية، الواقعة في منطقة الباطنة شمال عُمان، وبعض قرى ولاية المصنعة التي تقع أيضًا في الباطنة. وتتميز هذه اللهجة بإضافة لفظ “يه” في نهاية بعض الكلمات (مثل كلمة “عمّتيه” التي تلفظ في اللغة العربية الفصحى الحديثة بـ “عمّتي”)، وبكلمات فريدة أخرى (مثل “نهيلبي” و”يوب كيه”). واللهجة ليست معروفة على نطاق واسع، خصوصًا خارج عُمان، ولم يسبق لها أن راجت من خلال الموسيقى. غير أن استخدامها أطلق نقاشات حول معنى كلمات الأغنية بين العُمانيين والعرب على وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأت المقارنة بينها وبين اللهجات الأخرى المستعملة في شبه الجزيرة العربية.
فضلاً عن ذلك، حظي الفيديو الموسيقي للأغنية بنصيبه من النقاش، إذ يعرض الفيديو مشاهد لزمزم البلوشي وثلاث شابات أخريات يرتدين جميعهن الثوب التقليدي والبرقع الداكن اللون، ويجلسن في أماكن ذات إنارة ملونة ومليئة بالحيوية، ويظهر في الفيديو أيضًا شبان عُمانيون يرتدون الزي العُماني التقليدي، ويتجولون بين المزارع والسكك التاريخية والأسواق القديمة في عُمان، وهم يضعون السماعات على آذانهم ويمارسون رياضة من رياضات التزلج تسمى (rollerblading). والواقع أن هذا التجاور بين التقليدي والحديث وبين الجديد والقديم سواءً كان في الملابس أو الإكسسوارات أو الأماكن أو الممثلين، يولّد تعاقبًا رائعًا للمشاهد ما أثار اهتمام المشاهدين، كما أنه يوضح مسيرة عُمان في عالم اليوم التي تواكب العصر من دون أن تتخلى عن ثقافتها وهويتها الراسخة.
والجدير بالذكر هو أن هذه الأغنية الرائجة هي ثمرة أعمال بن عبادي جروب العُمانية التي تهدف “إلى صناعة أغنية عُمانية حديثة تستمد مكوناتها الموسيقية والإيقاعية من مخزون الموروث العُماني، وتعكس الروح الشابة المواكبة لروح العصر وموسيقاه”، وفقًا لما ذكرته الفرقة على حسابها على إنستجرام. بن عبادي جروب مجموعة حديثة أسّسها حميد البلوشي (لا تربطه علاقة قرابة بالمغنية)، وهو شخصية إعلامية عُمانية وشاعر معروف بكتابة الأغاني لنجوم الخليج؛ وزياد الحربي، الملحن وعازف العود البالغ من العمر 32 عامًا؛ ونبراس الملاهي، وهو ملحن ومنتج موسيقي وعازف عود يبلغ من العمر 32 عامًا. وقد اجتمع الثلاثة بعد أن عملوا سابقًا على الأغنيتين الوطنيتين “يا بن عبادي” و”شطفة فوادي“.
يروي زياد قائلاً، “جاء اختيار اسم بن عبادي كون أغنية “يا بن عبادي” كانت باكورة تجمعنا نحن الثلاثة، وعن طريق هذا العمل وصل فكرنا للجمهور وانتشر بينه، لذلك وفاءً لهذا العمل وتقديراً له أطلقنا اسم المجموعة باسمه. كما أن بن عبادي هو فن من الفنون التقليدية في عُمان، وفي هذا دلالة على أن اشتغالات مجموعتنا ستكون منطلقة من جذر الموروث العُماني والشعبي، الغني بمكوناته وأحاسيسه، وتطويره وتقديمه بقالب يتناسب مع المزاج الحديث”.
أغنية “عمّتيه” هي أول أغنية رسمية وأول أغنية عاطفية تطلقها المجموعة، وهي بذلك تختلف اختلافًا تامًا عن الأعمال السابقة التي تعاون عليها أعضاؤها. في هذا السياق، يقول حميد موضحًا، “كان من الضروري، ونحن بصدد خلق هذه الحالة الفنية، أن نلتفت إلى نقل أحاسيس العُماني في شكل أغاني عاطفية أيضاً الى جانب الشكل الوطني، ذلك لأننا نقدم أنفسنا على أننا قادمون من منطقة وجدان الشارع العُماني البسيط ونترجم أحاسيسه بلغته ونعيد تقديمها إليه في قالب أغنية عصرية يشعر تجاهها بالانتماء”.
لقد استلهم حميد أغنية “عمّتيه” قبل بضع سنوات، ويقول، “لفظة “عمتيه” كانت ترن في أذني منذ زمن، وإحساسي تجاه موسيقى هذه اللفظة ومثيلاتها من لهجة اهل ولاية السويق وبعض قرى ولاية المصنعة في السلطنة كان محل تأمل موسيقي”. يكشف الشاعر، ابن المنطقة الشرقية، أنه لم يسعه إلا أن يلاحظ أوجه الشبه بين هذه اللهجة ولهجته، “لطالما كنت مؤمن أن هناك أشكال لغوية لسانية في لهجات عُمان تستحق أن تخرج للأذن في قالب أغنية، فجاءت عمتيه كعمل موسيقي في هذا السياق”.
مع ذلك، يؤكد حميد أن عمل المجموعة ليس مخصصًا للعُمانيين وحدهم، بل يستهدف جمهورًا أوسع بعد. ويشير إلى أن “الأغنية هي إحدى أدواتنا لتقديم عُمان آخر. نستهدفُ العُماني بالمقام الأول، وبالتوازي مع هذا المقام نستهدف الآخر الذي يعرف عن عُمان بعضاً من الأشياء ويجهل أشياء أخرى”. من هذه الناحية، “بن عبادي جروب مشروع وطنيّ إنساني مستقل”.
وبالفعل، كتبت المجموعة منشورًا يروج لتفاعل أبناء المنطقة مع الأغنية باستخدام تعليقات أشخاص من مختلف الجنسيات على وسائل التواصل الاجتماعي حول كيفية تسليط الأغنية الضوء على الثقافة العُمانية، “بتفاعل أطياف واسعة من الوطن العربي مع #عمتيه يتحقق جزء من مشروعنا الذي كنا نسعى إليه عبر #بن_عبادي_جروب، وهو تعريف الآخر بـ #عمان فنًا ولغةً وشكلًا وروحًا”.
لا تزال عُمان غامضة بالنسبة للكثيرين، بمن فيهم أشخاص من الدول العربية الأخرى، على الرغم من قربها الجغرافي وتاريخها الطويل وثروتها الثقافية والتراثية. وعلى هذا الصعيد، تتمثل بعض أهداف رؤية عُمان 2040 في تعزيز الهوية الوطنية، والحفاظ على التراث العُماني “ونشره عالميًا”، وإنشاء مجتمع رائد عالمياً في التفاهم، وتعد الرؤية المنظمات الإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني جهات فاعلة ومهمة في هذه العملية.
كذلك، يرى حميد أن “الموسيقى ذراع ناعمة ومؤثرة كناقل لثقافة المجتمع، ونعتقد أن السياق العُماني بحاجة إلى هكذا ذراع. من أهم أهداف بن عبادي جروب أن يكون مساهم في تشكيل هذه الذراع المهمة، فعندما تنهال علينا أسئلة من الجزائر والمغرب وبلاد الشام وبلدان الخليج المجاورة للسلطنة، وتخص الاستفسار عن بعض معاني الكلمات العُمانية التي وردت في “عمتيه”، على سبيل المثال، فهذا يعني أننا وصلنا لما نهدف له وهذا باعتقادنا ما تمثله الدبلوماسية الثقافية بشكل غير مباشر”.
وقد لعب الفيديو الموسيقي للأغنية دورًا مهمًا في هذا المسعى الرامي إلى نشر الثقافة العُمانية، وجدير بالذكر أنه من إخراج المخرج باني، المقيم في عُمان، بمشاركة العضوين الأصغر سنًا في بن عبادي جروب. ويشرح نبراس بهذا الشأن، “كان همنا أن نطرح رؤية بصرية توازي الرؤية الحسية التي تطرحها الأغنية. مكوّن البرقع البدوي مثلاً كان ثيمة تصميم، وكنا نرى أنه لم يأخذ حقه من الصورة المعروفة عن عُمان وأزياءها نظراً لما يحمله من دلالات شعبية جميلة، ويأتي خط الدمج في الكليب بين المعاصرة والأصالة للدلالة على خط بن عبادي جروب، فنحن نسعى الى تسليط الضوء على ما لدينا من إرث مدموجاً بروح حداثية تواكب مزاج الفئة المستهدفة”.
لطالما كانت الموسيقى أداة دبلوماسية ثقافية قيّمة على مر التاريخ الحديث. فبين خمسينيات وسبعينيات القرن العشرين، على سبيل المثال، أرسلت وزارة الخارجية الأمريكية موسيقيّي الجاز الأمريكيين في جولات وبرامج تبادل ثقافي حول العالم لتعزيز التفاهم المتبادل. وفي كوريا الجنوبية، لعبت موسيقى البوب الكورية، المعروفة بـ “كي-بوب” (K-Pop)، دورًا مهمًا في تعريف الناس من جميع أنحاء العالم باللغة والثقافة الكورية، كما عززت السياحة في البلاد. أما “عمّتيه” فقد أطلقت حوارات بين الثقافات في العالم العربي، ومن هنا قد تكون الأغنية – والموسيقى العُمانية بشكل عام – أداةً قوية تعرّف الجمهور العالمي بالثقافة والتراث العُمانيين.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.