تنضم سلطنة عُمان إلى جيرانها الخليجين في سياق رؤية مشتركة لمستقبل المنطقة من خلال إنشاء مُجمع ثقافي يعكس التزامها المشهود له للحفاظ على التراث الثقافي العُماني.
أعلنت عُمان في يناير/كانون الثاني عن خطتها لوضع حجر الأساس لمشروع مُجمع عُمان الثقافي، وهو كومبوند كبير سيتكلف حوالي 148 مليون ريال عماني (384 مليون دولار). بدأ التفكير في هذا المشروع في عام 2014 على مساحة بناء تقدر بـثمانين ألفًا ومائتي متر مربع، ومن المقرر أن يضم مبدئيًا المكتبة الوطنية والمسرح الوطني وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، بالإضافة إلى مكتبة الطفل ودار الفنون ودار السينما والمنتدى الأدبي. وسيكون حجم المبنى الجديد هائلًا، حيث سيحتوي على قاعة بسعة ألف مقعد، ومكتبة من خمسة طوابق، بالإضافة إلى حوالي 12 ميلاً من رفوف الأرشيف. أما المساحة الخارجية فستتضمن حديقة محاطة بسور ومساحات للترفيه فضلًا عن المطاعم ومواقف للسيارات. من المقرر إحتواء كل المباني في قبة من الفولاذ مستوحاة من العمارة الإسلامية والكثبان الرملية في منطقة بديا وشواطئ المحيط، وقد صيغ شكلها بتشبيك دقيق على طراز المشربية أو الشناشيل. ويميز هذا المشروع، الذي وصفته شركة التصميم الفرنسية آركيتكتشر ستوديو (Architecturestudio) بأنه “مشروع طموح يجمع بين الماضي والحاضر بتناغم” من خلال انحناء الخطوط المعمارية وتلاعب الضوء. مع أن السلطنة تولي اهتمامًا استثنائيًا بتراثها الثقافي منذ فترة طويلة، إلا أن الرؤية غير المسبوقة وراء انشاء مُجمع عُمان الثقافي تثير تساؤلات بشأن دوافع هذا المشروع المتكامل.
عُمان ليست أول دولة خليجية تقوم ببناء مركز ثقافي في المنطقة. فقد تكون منطقة جزيرة السعديات في أبوظبي هي الأكثر شهرة عالميًا، حيث تستضيف متحفي اللوفر أبوظبي وجوجنهايم أبوظبي، بالإضافة إلى المتحف الوطني ومركز فنون الأداء، ومركز يضم خمسة مسارح وأماكن للحفلات الموسيقية وأكاديمية أبوظبي لفنون الأداء. ولا يزال هذا المُجمع الذي أُعلن عنه في عام 2006 مستمر في التوسع لتأكيد دور الإمارات الريادي في الإنتاج الثقافي العربي المعاصر. وفي عام 2010 افتتحت قطر حي كتارا الثقافي، ووفقًا لبيان المؤسسة ” نشأت فكرة كتارا من حلم تكون فيه قطر منارة ثقافية عالمية تشع من الشرق الأوسط من خلال المسرح، والآداب، والفنون، والموسيقى، والمؤتمرات، والمعارض”. ويتضمن حي كتارا المرافق التقليدية، فهناك مسرح مكشوف ودار أوبرا ومساحات مخصصة للعروض، بالإضافة إلى مساحات خارجية للأنشطة الترفيهية وشاطئ للتمتع بالهواء الطلق، وأيضًا سوق تقليدي ومركز تجاري حديث. في السعودية، افتُتح مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) في منطقة الظهران في مدينة الدمام عام 2016، على موقع أول حقل نفط تجاري لشركة أرامكو السعودية. ويستوحى تصميم هذا المُجمع الثقافي، الذي يشبه مكانًا طبيعيًا، من التكوينات الصخرية الحاملة للنفط، ويضم برجًا رئيسيًا يبلغ ارتفاعه 110 أمتار، وهياكل حصوية مجاورة له من تصميم شركة سنيهيتا (Snøhetta) النرويجية. ويشبه هذا المركز مُجمع عُمان الثقافي في الحجم، حيث يمتد على مساحة ثمانين ألف متر مربع، ويحتوي على مرافق متعددة، متحف ومكتبة وسينما ومسرح وقاعات مخصصة للعروض. في الكويت، يُعتبر مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي أضخم مركز ثقافي في المنطقة، حيث يشغل مساحة هائلة تصل إلى 214 ألف متر مربع، ويضم أربعة مبانٍ رئيسية مُحاطة بقبة فولاذية تتميز بتصميم إسلامي فريد. كلف بناء هذا المُجمع 775 مليون دولار، ويتضمن مركزًا للمؤتمرات ومسارح متعددة وسينما ومساحات متعددة الاستخدامات ومجموعة من محلات الطعام والمساحات الخارجية.
بصرف النظر عن التنافس الطبيعي وديناميكيات المحاكاة التي غالباً ما تظهر بين الدول المجاورة، ما الذي يدفع دول الخليج للاستثمار في الفن والثقافة بهذا الشغف؟
إن بناء المُجمع الثقافي هو بلا شك عرض للقوة الناعمة، ومؤشر لاهتمام الدول الخليجية وقدرتها على التأثير وفق رؤيتها المفضلة في الإنتاج الثقافي العالمي. وبالتالي، ليس من المستغرب أن يتم بناء المُجمعات الثقافية بهذه الوتيرة المتسارعة. إلا أن الانتشار الواسع لها لا يمكن تفسيره فقط بالرغبة في الحصول على القوة الناعمة من خلال الفنون والثقافة، التي يمكن تعزيزها بنفس القدر عن طريق بناء منشآت للفنون التقليدية والأنشطة الثقافية، مثل المتاحف والمسارح. لذلك يشير التصميم العصري جدًا لهذا المُجمع وضخامته إلى وجود دوافع أخرى وراءه.
تلعب المُجمعات الثقافية، من المنظور الاقتصادي، دورًا في مساعي دول الخليج في الانتقال من اقتصادات مبنية على عائدات النفط نحو اقتصادات تتسم بالتنويع الاقتصادي، تلك الجهود المعلن عنه في مخططات العقد المقبل لكلا من الدول المعنية. وفيما تعتمد المنتديات الثقافية التقليدية، كمتاحف الفن والمواقع الأثرية، على مبيعات التذاكر وخدمات الزوار المجاورة لها لجلب الدخل، يعمل تجمع المواقع الثقافية والتجارية في مكان واحد على جذب فئات أوسع من الجمهور وزيادة التدفقات المالية. وبالإضافة إلى ذلك، يسمح بناء المساحات القابلة للاستخدام المتعدد بتوليد دخل مستدام من الزوار الذين سيأتون إليها بانتظام على مدى سنوات قادمة، كما هو الحال مع ملاعب كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر، التي استضافت كأس آسيا 2023 ومن المقرر أن تستضيف خمس سنوات متتالية من كأس العالم للشباب بدءًا من عام 2025. ولكن السؤال الذي يظل مفتوحًا هو ما إذا كان بالإمكان إعادة استخدام المساحات الثقافية مثل المرافق الرياضية بشكل دائم.
من منظور بيئي، في منطقة ذات ظروف مناخية قاسية وبنية تحتية تعتمد على السيارات، هناك طلب كبير على المساحات المخصصة والقابلة للمشي. وفي هذا السياق، من خلال دمج المساحات الداخلية والخارجية متعددة الاستخدامات بشكل متعمد، يتيح المُجمع الثقافي للزوار التجول والعثور على أماكن ومساحات ربما لم يروها إلا إذا تطلب الأمر زيارة مقصودة. يمكن القول إن المُجمعات الثقافية تقوم بالدور الذي كانت تؤديه مساحات وسط المدينة التقليدية في منطقة يعتبر فيها قيادة السيارات وسيلة التنقل بشكل أساسي.
قد يكون التفسير الأكثر إقناعًا لوجود المُجمعات الثقافية هو الأبسط: الحاجة إلى إعادة تأطير الإنتاج الثقافي العربي من خلال تدخل متعمد في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة.
تاريخيًا، كان الإنتاج الثقافي العربي بعيدًا كل البعد عن دول الخليج، ولكن الدمار الذي طال أمده وما تلاه من سحب للاستثمارات ومن هجرة، هدم مراكز الإنتاج الفني والثقافي في بلاد الشام وشمال أفريقيا، وبالتزامن مع ذلك، استفادت دول الخليج بشكل كبير من استقرار صناعة النفط فيها. ليس من المستغرب إذن أن تسعى دول الخليج لسد الفجوة الثقافية التي تركها الدمار في دمشق وبغداد والأزمات الاقتصادية في القاهرة وبيروت.
مع كل هذا، إن التزام دول الخليج بالمُجمعات الثقافية جدير بالذكر، حيث يتجاوز النية في المشاركة في الإنتاج الثقافي المعاصر من خلال دعم الفنانين المحليين أو بناء مساحات فنية عامة، وربط القدرة الثقافية المعاصرة لدول الخليج بماضيها، وهو تراث تم استبعاده لفترة طويلة، والأهم من ذلك هو التركيز الخليجي المميز على المستقبل.
بفضل البنى المعمارية الرائدة ذات الحجم الضخم، أسست دول الخليج هوية ثقافية معاصرة بشكل جوهري. ويُظهر تصميم مُجمع عُمان الثقافي، المقرر افتتاحه في أوائل عام 2027، قدرة السلطنة وعزمها على الانضمام لجيرانها الخليجيين في رؤية خليجية مستقبلية مشتركة تعكس التزامها المشهود به للحفاظ على تراث عُمان الثقافي.
سيقوم دونالد ترامب بعمل تحولات غير مسبوقة في السياسة الأمريكية بتحديه للأعراف الديمقراطية والتقاليد الدستورية والقانونية في المشهد السياسي الأمريكي، بما يؤثرعلى شكل ودعائم النظام السياسي الأمريكي.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.