إن قيام السلطان هيثم بن طارق آل سعيد بإصدار مرسومٍ ملكيٍ في 11 يونيو/حزيران لإقامة مركز للدفاع السيبراني في سلطنة عُمان يسلط الضوء على أجندة التكنولوجيا الأوسع نطاقًا للحكومة العُمانية. ففي حين يُذكر أن السلطان الراحل قابوس بن سعيد قد عمل بسرعة على تحسين البنية التحتية المادية للبلاد، إلا أن السلطان الجديد في وضع استراتيجي يسمح له بتطوير البنية التحتية الرقمية في عُمان. ويمكن للارتقاء بالمبادرات التكنولوجية العُمانية أن يساعد الحكومة على معالجة التحديات الاقتصادية، التي أصبحت أكثر إلحاحاً، بعد تفشي فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط في أوائل عام 2020.
تأتي عُمان خلف الكثير من جيرانها الخليجيين على جبهة تطوير التكنولوجيا التي تقودها الدولة. وسعت حكومات أخرى في المنطقة إلى اقتناء منافذ متصلة بالتكنولوجيا في استراتيجيات التنمية الاقتصادية الخاصة بها: المدن الذكية والذكاء الاصطناعي في دبي، والعملات الرقمية في أبوظبي، واستضافة البيانات والتكنولوجيا المالية في البحرين، والبنية التحتية اللوجستية الذاتية في قطر. ولكونها التحقت في وقت متأخر، فإن الحكومة العُمانية لديها الفرصة لتعلم الدروس من جيرانها. فينبغي أن تعطي الأولوية للرقمنة الشاملة والأمن السيبراني القوي والاستثمارات الرائدة فعالة-التكلفة من أجل إنشاء أساس متين للبنية التحتية الرقمية للبلاد.
الرقمنة
يمكن لرقمنة الخدمات الحكومية أن تساعد في ترشيد الإنفاق، وتحديد أوجه القصور في النظام. في أغسطس/آب 2019، وضعت هيئة تكنولوجيا المعلومات خططاً لرقمنة 59 وكالة ومؤسسة حكومية عُمانية بحلول عام 2022، وهو جدول زمني قد يحتاج إلى التسريع. وقامت وكالة موديز للمستثمرين بخفض التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان في 23 يونيو/حزيران، مستشهدةً بالآفاق الضئيلة لإمكانيات السلطنة في تعويض خسائر عائدات النفط دون تراكم ديون لا تحتمل أو تآكل احتياطياتها المالية. وتتوقع وكالة التصنيف أن تسجل عُمان عجزاً مزدوجاً في العامين المقبلين، ومن المتوقع أن يرتفع الدين الحكومي من 59% في عام 2019 إلى 89٪ من إجمالي الناتج المحلي في عام 2021.
ستعمل الرقمنة كدالة مهمة لدعم البيانات، حيث ستعزز الحكومة الشركات المملوكة للدولة، وتسعى إلى تحسين كفاءة مجموعات القطاعات القائمة. وقامت هيئة الاستثمار العُمانية، حديثة الإنشاء، بدمج ثلاث استثمارات في مجال مصايد الأسماك في كيان جديد هو شركة تنمية مصايد الأسماك العُمانية في 23 يونيو/حزيران. وقد قامت مجموعات عُمان القطاعية الأخرى المملوكة للدولة بطرح منصات وتطبيقات رقمية جديدة لرفع مستوى الكفاءة تجربة العملاء. وأطلقت مجموعة أسياد، وهي المزود للوجستيات المتكاملة في البلاد، منصة عُمان اللوجستية في أبريل/نيسان للمساعدة في رقمنة القطاع، إضافة إلى إطلاق “توصيل” في يونيو/حزيران، وهي مبادرة وطنية تعتمد على تكنولوجيا الكلاود، ومصممة لدعم الشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم فيما يتعلق بالتوصيل حتى الوجهة النهائية.
يأمل المسؤولون العُمانيون أن تؤدي التحولات الرقمية إلى تقديم خدمات أفضل للمواطنين وإيجاد فرص عمل جديدة. وتشرف وزارة التكنولوجيا والاتصالات العُمانية على الاستراتيجية الرقمية العُمانية، المعروفة باسم e.oman (عُمان الإلكترونية)، والتي تهدف إلى جعل الخدمات الحكومية “أكثر كفاءة، وتحويلها لخدمات إليكترونية، ومتاحة على الإنترنت للمواطنين والشركات والموظفين والوكالات الحكومية الأخرى”. وفي الوقت الذي يواجه فيه العُمانيون والمغتربون التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لوباء فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط، أضحت هنالك حاجة ماسة لخدمات حكومية رقمية سلسة وفعالة. ويتوقع المسؤولون أن توفر الإستراتيجية الرقمية للبلاد الآلاف من فرص العمل للمواطنين في قطاع تكنولوجيا المعلومات. وسيتم الترحيب بأصحاب المهارات العالية في دولة ذات معدلات بطالة عالية بشكل مستمر، فهناك تقديرات بأن وظائف الشباب العُماني ستصل إلى 49٪.
الحماية
تشكل رقمنة العمليات والخدمات الحكومية مخاطر أمنية نظراً لكون الفضاء السيبراني في منطقة الخليج حلبة صراع شرس. وردت هيئة تنظيم الاتصالات في الإمارات العربية المتحدة على 34000 هجوم سيبراني في شهر أبريل/نيسان وحده. وفي عُمان، بلغت حوادث الهجمات الخبيثة المُبلغ عنها على مستخدمي الهواتف المحمولة ما يقرب من 15000 في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران. وتتطلب حماية بيانات المواطنين والمقيمين بروتوكولات قوية للأمن السيبراني. كما يمكن أيضًا للعناصر الرقمية الخبيثة الفاعلة أو مشاكل التكنولوجيا غير المقصودة أن تعطل البنية التحتية الحيوية. وتعتبر محطات تحلية المياه ومرافق الطاقة والشبكات الكهربائية من الأمور الأساسية لسلامة ورفاهية المواطنين العُمانيين والمقيمين الأجانب.
كما أن الدفاعات السيبرانية القوية هي أيضاً ضرورة تجارية. إن تقييم أصول الدولة التي يجري البحث في خصخصتها يعتمد بشكل كبير على مدى عُرضتها للخطر السيبراني. ووفرت الحكومة العُمانية مليار دولار عن طريق بيع 49٪ من أسهمها في الشركة العُمانية لنقل الكهرباء إلى شركة الشبكة الحكومية الصينية في أواخر عام 2019. ويعد بيع أصول الدولة أحد المكونات الهامة في استراتيجية عُمان لسداد العجز المتوقع على مدى السنوات المقبلة. وبالمثل، فإن التحول في معايير أماكن العمل وتغيير سلوك المستهلك يوفر فرصاً جديدة لمجرمي الإنترنت وغيرهم من الجهات الخبيثة النشطة. لذلك، ستقوم الشركات الأجنبية التي تسعى للاستثمار في عُمان بعمل توازن بين المخاطر السيبرانية المتعلقة بها وبين توفر أنظمة الدعم الحكومية.
الاستثمار
لأن الحكومات لا تتواكب دائماً مع احتياجات السوق، يلعب رواد الأعمال والفاعلين في القطاع الخاص دوراً حيوياً في تطوير البنية التحتية الرقمية العُمانية. تم إنشاء واحة المعرفة في مسقط، هي منطقة حرة تركز على التكنولوجيا، في عام 2003، وتضم 190 شركة محلية ودولية. وتعمل حاليًا كموقع لمشروع تجريبي للمدن الذكية أطلقته وزارة التكنولوجيا والاتصالات بالتنسيق مع الهيئات المملوكة للدولة، سيسكو وبهوان لتكنولوجيا المعلومات. تقوم هيئة الاستثمار العُمانية بالإشراف على صندوق عُمان للتكنولوجيا، وهو صندوق استثماري بقيمة 200 مليون دولار، ويركز جغرافيا على عُمان والشرق الأوسط. ورصد الصندوق في مارس/آذار 2.6 مليون دولار كاستثمارات لشركات التكنولوجيا العُمانية التي تعزز الابتكار.
سوف تحتاج عُمان لإقامة شراكات أجنبية للارتقاء بمبادرات البنية التحتية الرقمية، وتطوير الموارد البشرية المرتبطة بها. ووقّعت وزارة الإعلام والاتصالات في 14 يونيو/حزيران مذكرة تعاون مع شركة سيسكو الدولية لتطوير قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في السلطنة. وفي وقت سابق من شهر مايو/أيار، أبرمت الوزارة اتفاقية مماثلة مع شركة هواوي، للارتقاء بمجتمع السلطنة الرقمي، ودعم النمو في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
يجب على الشركات الأجنبية المهتمة بتأمين العقود المستقبلية مع الحكومة العُمانية والهيئات المملوكة للدولة أن تثبت وجودها داخل الدولة من خلال سد فجوات المهارات في سوق العمل المحلية. وكجزء من اتفاقياتهما الأخيرة، ستقوم كل من سيسكو وهواوي بإقامة ورشات عمل ودورات تدريبية، وغير ذلك من التدريبات لبناء القدرات في عُمان. هذا النهج دارج في كبرى الأسواق في الخليج. ففي الإمارات العربية المتحدة، أقامت فيسبوك شراكة مع صندوق خليفة لتطوير المشاريع لإنشاء برنامج لتدريب 1300 سيدة أعمال، في حين أنشأت مايكروسوفت برنامج تدريب يركز على التكنولوجيا للإماراتيين.
وتخطط جامعة السلطان قابوس لاستضافة مؤتمر دولي حول الكيفية التي يمكن من خلالها للتحول الاقتصادي والرقمي تحقيق رؤية عُمان 2040. وقد قام منظمو الفعالية مؤخرًا بتأجيل المؤتمر – الذي كان مقرراً في الأصل في أكتوبر/تشرين الأول – بسبب مخاوف تتعلق بالصحة العامة. وعمل تفشي فيروس كورونا والآفاق المستقبلية لسوق الطاقة على إثارة المخاطر لما كان من الممكن أن يكون في السنوات السابقة تجمعاً أكاديمياً عرَضياً. وبدلاً من ذلك، فإن مثل هذه الأنواع من المبادرات قد تضع اللبِنات الرقمية لإقامة إرث هيثم حديث الولادة، لكن لا تزال أمامه الكثير من التحديات.