بعد ستة أشهر على خطاب التعهدات وفلسفة الحُكم، يعمل السلطان هيثم بن طارق آل سعيد على الوفاء بتعهده بإعادة هيكلة وتجديد الحكومة في عُمان. في 18 أغسطس/آب أعلن عن اختياره أول مجلس وزراء، متخلياً، ولأول مرة، عن احتفاظ السلطان بالشؤون المالية والخارجية من خلال تعيين وزراء، ومنحهم السلطة الكاملة على تلك الحقائب الوزارية.
كما طوت إجراءات السلطان الصفحة بطرق أخرى، وذلك بإعادة تنظيم الوزارات، وتعيين رؤساء جدد للمؤسسات شبه الحكومية. إن إقالة العديد من الوزراء، الذين خدموا الحكومة على مدى عقود، ستجعل للحكومة مظهراً جديداً. ومع ذلك، فمن المتوقع أن تواجه هذه الحكومة الجديدة اختباراً صعباً لأن الركود الاقتصادي الحالي والعجز المالي المقلق يستلزمان نتائج سريعة لوضع عُمان على طريق الانتعاش الاقتصادي وزيادة فرص العمل والتوازن المالي.
تجديد الحكومة
تمثل المراسيم الملكية الثمانية والعشرون، الصادرة عن السلطان هيثم، أهم عملية لإعادة تنظيم الحكومة منذ 50 عاماً، حيث تم الاستغناء عن أكثر من خمسة مجالس حكومية، ودمج أكثر من عشر وزارات. لم تؤثر التغييرات على الوزارات فحسب، بل أثرت أيضاً على هيئات منفصلة، يقوم بعض الوزراء في السنوات القليلة الماضية على تأسيسها واستخدامها للتحكم في توجيه سياسات كيانات الدولة المختلفة. وكانت هذه الشبكة من الوزارات والمؤسسات شبه الحكومية تعج بالمهام والمسؤوليات المتضاربة، حيث قام الوزراء بتعيين الرؤساء التنفيذيين، ومنحهم مسؤوليات تتداخل مع مسؤوليات الوزراء الآخرين.
قد يكون هذا الدمج وسيلة لخفض الإنفاق في رأس المال أثناء فترة القيود المالية. ولكن الهدف الرئيسي هو تيسير العمليات الحكومية من خلال مركزية صنع القرار، وتحسين السرعة والمرونة لصالح الاقتصاد، ودعم القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي.
إن هذه الإصلاحات استدعت عدة عمليات دمج، لكنها تذهب إلى أبعد من ذلك من خلال تفصيل الهيكل التنظيمي لكل وزارة ونطاق أنشطتها والقيود المفروضة عليها. يتعمق المرسوم رقم 75/2020 في تنظيم بيروقراطية الدولة، ويحدد التقسيم الداخلي لكل وزارة، ويكلف جميع الوزراء برفع تقاريرهم إلى مجلس الوزراء خلال فترة محددة. ويلزم كل وزير بتقديم خطة عمل محددة قبل نهاية كل عام، وتقرير مفصل لآخر ثلاثة أشهر يسرد جميع إنجازات الوزارة والعقبات التي واجهتها في تنفيذها. وهذا يمنع أي وزير من زيادة العمل الإداري والأعباء المالية للوزارة دون موافقة مجلس الوزراء.
ينبغي لهذه المراسيم السلطانية أن تمنع الطريقة القديمة للتهرب من المساءلة عن طريق إلقاء المسؤوليات من وزير إلى آخر. إن وجود تقرير سنوي عن خطط الوزارة سيساعد وسائل الإعلام الوطنية ومجلس الشورى المنتخب على مراقبة التقدم والإنجازات ومتابعتها.
تمكين الحكومة
على مدى الثلاثين عامًا الماضية، كان السلطان الراحل قابوس بن سعيد يحكم بمفرده، محتفظًا لنفسه فقط بالحقائب الوزارية الرئيسية في الحكومة. وتُمكِّن المراسيم الصادرة عن هيثم الحكومة من تعيين وزيرين بكامل الصلاحيات للخارجية والمالية، إضافة إلى تعيين تيمور بن أسعد، ابن شقيق السلطان، رئيساً لمجلس محافظي البنك المركزي العُماني. فتضع هذه التغييرات ثقة أكبر في هؤلاء الوزراء، وتسمح للسلطان باتخاذ قرارات سيادية وترك الأعمال التنفيذية للحكومة.
قد يضفي تعيين وزير للخارجية الطابع المؤسساتي على السياسة الخارجية لسلطنة عُمان كأحد نتائج هذه الإجراءات، ليتجاوز الرؤية الشخصية للسلطان، ويعكس بدلاً منه رؤية الدبلوماسيين في وزارة الخارجية.
لقد أعاد السلطان هيثم العمل بوزارة الاقتصاد، التي كانت قد ألغيت في 2011، وعيّن لها وزيراً. وهذا يعكس عزم السلطان على التركيز على إصلاح السياسات الاقتصادية. وبدأ بدمج صناديق الاستثمار السيادية، ثم إقالة جميع الوزراء والمسؤولين من مناصبهم في مجالس إدارات الشركات الحكومية، تفادياً لتضارب المصالح، ومنع صناع السياسة من إدارة الشركات المملوكة للدولة.
التأكيد على الخبرة والنَّسَب
بصورة أو بأخرى، يعكس الوزراء الذين اختارهم هيثم ملامح أخر تشكيل حكومي قام به قابوس في عام 2011، من حيث التركيز على الخبرة والنَّسَب. لكن سياق التغييرات الأخيرة مختلف، ومن الصعب التنبؤ بتأثيرها.
تم تعيين العديد من الوزراء نظراً لطول المدة التي أمضاها كلٌ منهم في وزاراته. كان وزير الاقتصاد يعمل مستشاراً لمكتب مستشار السلطان للشؤون الاقتصادية، وكان وزير الخارجية هو الأمين العام للوزارة لسنوات. وجاء بعض الوزراء الجدد من خلفيات أكاديمية أو تكنوقراطية. على سبيل المثال، كان وزير الاقتصاد ممثلاً للجمعية الاقتصادية العُمانية، وكانت وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار أكاديمية في جامعة السلطان قابوس لمدة عقود.
كما عين السلطان بعض أعضاء مجلس الشورى المنتخب في مجلس الوزراء، ودمجهم في حكومته الجديدة. ويشير هذا إلى حساسيةٍ تجاه الرأي العام، لأن بعضهم كان نشطاً جداً في الندوات العامة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. واحتفظ بعض الوزراء القدامى، ممن تعرضوا للانتقادات، بمناصبهم ولكنهم منحوا صلاحيات خارج مجلس الوزراء، وهو ما يبدو أنه شكل من أشكال العزل الصامت.
أصبح من الواضح أن العائلة المالكة سيكون لها حضور سياسي أكبر. فمن التعيينات البارزة، تم إعادة تعيين ابن عم السلطان، فهد بن محمود آل سعيد، نائباً لرئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، وشقيق السلطان، شهاب بن طارق آل سعيد نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع. وتم الإبقاء على أسعد بن طارق آل سعيد، الأخ غير الشقيق للسلطان، في منصبه نائباً لرئيس الوزراء للشؤون التعاون الدولي. وعين هيثم ابن أخيه تيمور بن أسعد رئيساً لمجلس محافظي البنك المركزي العُماني، وابن عمه فهد بن الجلندى، رئيساً لجامعة السلطان قابوس. وربما يكون لأفراد العائلة المالكة الآخرين وجود في الأشهر المقبلة.
قد يكون التعيين الأكثر أهمية هو تعيين النجل الأكبر للسلطان، ذي يزن بن هيثم، وزيراً للثقافة والرياضة والشباب. وهذا لا يضمن له مقعداً في مجلس الوزراء فحسب، وإنما يسمح له أيضاً بإقامة علاقة مباشرة مع الشباب العُماني، وهم الفئة الرئيسية لمستقبل عُمان.
تغييرات أخرى قادمة
هذه الإجراءات التي اتخذها السلطان تمثل بداية الإصلاحات في السلطنة وليست نهايتها. فالإصلاحات الاقتصادية وإعادة هيكلة الجهاز الإداري في الدولة لا تكفي لتحقيق أهداف الرؤية 2040. فمن المرجح، في الأشهر القليلة المقبلة، أن يوجه السلطان اهتمامه نحو تحديث التشريعات، وهو شكل آخر من الإصلاح تعهد به في خطابه في فبراير/شباط، وهنالك تغييرات أخرى يتطلع لها العمانيون لضمان المزيد من المشاركة السياسية.