إنه لمن الصعب في الخليج حاليًّا الاعتماد على الموارد العامة لتلبية الطلب المتزايد على الوظائف، وعلى تطوير البنية التحتية، وعلى الجهود الرامية إلى بناء اقتصادات أقل اعتمادًا على عائدات النفط. أما بالنسبة للمسؤولين الذين يسعون للحصول على تمويل خارجي، إما عن طريق الديون أو الاستثمار الأجنبي المباشر، فإن إيجاد الشركاء المناسبين يصبح أكثر صعوبة نظرًا للتوترات السياسية الإقليمية والحاجة الملحة لسد العجز المالي والاستمرار في مشاريع خطوط الأنابيب. وتشكل سلطنة عُمان مثالاً على التحديات المتمثلة في توليد الاستثمار وتنمية البنية التحتية في ظل تناقص الموارد المالية.
هنالك شقان للإستراتيجية العُمانية: الاقتراض في ظل العجز المالي، والتعامل مع الإصلاحات الهيكلية بحذر، خاصة بسبب التأثير على تكاليف المعيشة والنمو الوظيفي. هناك قلق واضح لدى الاستشاريين السياسيين حول أثر التقشف، فبدلاً من إلغاء تدابير التقشف (كما فعلت السعودية، مرتين خلال عام 2017)، حاولت عُمان التركيز على الاتصالات الإستراتيجية مع المواطنين حول طبيعة الإصلاحات وتأثيرها الفوري. وفي حالة التخفيضات في دعم الحكومة للوقود، أنشأت الحكومة نظام تحويل مباشر لمساعدة المواطنين ذوي الدخل المنخفض على دفع تكاليف الوقود المرتفعة. ومع تصاعد الضغوط لخلق المزيد من فرص العمل في القطاع العام للمواطنين، فإن إعطاء الأولوية للاستقرار له ما يبرره. لكنه سيكلف كثيرًا.
“تريث ثم انطلق” هو الشعار. يؤكد الوزراء والمستشارون الاقتصاديون في عُمان على الحاجة إلى تحقيق النمو وزيادة المبادرات الاستثمارية الطويلة الأجل، حتى ولو على حساب العجز المتضخم، واهمال التوجهات الإقليمية في تفعيل نظام الضرائب وإصلاح الدعم الحكومي. وهذا هو مظهر “التريث” في النهج؛ أما “الانطلاق” فهو في الجهود الرامية لدفع مشاريع البنية التحتية والتنمية قدمًا وعلى نطاق واسع، وإيجاد شركاء للحفاظ على استمرارية تدفق رأس المال المطلوب.
لقد كانت عمليات زيادة رأس المال مكثفة. فمنذ مطلع عام 2017، أصدرت سلطنة عُمان مبالغ كبيرة من الديون، واستدانت بكثافة قروضًا من المصارف الدولية. في شهر آذار/ مارس، أصدرت سلطنة عُمان 5 مليارات دولار كسندات دولية، تلتها صكوك بقيمة ملياري دولار في يونيو/ حزيران. في آب/ أغسطس، اقترضت البلاد 3.55 مليار دولار من البنوك الصينية. في كانون الثاني/ يناير 2018، عادت عُمان إلى أسواق السندات مرة أخرى لإصدار 6.5 مليار دولار من الديون المقيمة بالدولار. وأعلنت الحكومة عن خطط لتمويل صندوق جديد للبنية التحتية من خلال قروض مصرفية تصل إلى مليار دولار. وفي 23 كانون الثاني/ يناير، أعلنت عُمان مرة أخرى عن خطط لإصدار المزيد من السندات الدولية بقيمة تصل إلى ملياري دولار. وسداد هذه القروض والسندات على وشك أن يبدأ.
تسمح هذه الأموال للحكومة، حاليًّا، بالمضي قدمًا بخطط التنمية التي سبقت الانخفاض في عائدات النفط، بالإضافة إلى التوترات الإقليمية بين دول مجلس التعاون الخليجي المجاورة. في الوقت الذي شهدت فيه عُمان زيادة في حركة المرور البحرية وتدفق التجارة منذ حزيران/ يونيو 2017، كانت مشاريع توسيع مطارها والموانئ الإستراتيجية مثل صحار والدقم قيد التنفيذ قبل قطع العلاقات التجارية مع قطر من قبل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين. وستستغرق هذه الاستثمارات سنوات لتوليد الثروة التي تأمل البلاد في الحصول عليها في الخدمات اللوجستية الجديدة، والتصنيع، ومشاريع الطاقة؛ إلا أن مبدأ تنامي سعة الموانئ العُمانية المثبت لفترة وجيزة (بسبب القيود المفروضة على قطر) قد ساهم في تبرير بعض النفقات الجارية لزيادة رأس المال في أوقات العجز. ويعتبر ميناء صحار مثالاً مهمًّا على ذلك، حيث تم تصميمه كمنطقة حرة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر بالإضافة لكونه مركزًا لوجستيًّا. وهو يخدم احتياجات التنمية الطويلة الأجل في عُمان، بما في ذلك خلق فرص العمل عن طريق محطات تجميع السيارات، ومحطات الصهر ومصافي النفط، والمستودعات الزراعية لتحقيق الأمن الغذائي (لسلطنة عُمان، ومن المحتمل أيضًا للجيران في المنطقة مثل الهند). ويبقى صحار مشروعًا صغيرًا مقارنة مع المدينة الصناعية الطموحة الجديدة الجارية إقامتها في الدقم.
في الدقم، كان التمويل يعتمد بشكل كبير على الصين، مع استثمارات أصغر من دول مجلس التعاون الخليجي المجاورة. وتعتبر المنطقة الصناعية الصينية- العُمانية بالدقم مدينة مصممة بطريقة خاصة ضمن منطقة اقتصادية خاصة، ومن المتوقع أن تبلغ تكلفتها 10.7 مليار دولار تمول من الشركات الصينية والقروض المصرفية. وسوف تنتج المنطقة الصناعية سيارات (الدفع الرباعي السريعة الحركة)، وألواح الخلايا الشمسية، والبتروكيماويات، ولوازم حقول النفط، وسيكون لها محطات الكهرباء وتحلية المياه الخاصة بها. ومؤخرًا، بذلت المملكة العربية السعودية جهودًا لدعم المشروع، حيث قدمت تمويلاً صغيرًا بقيمة 200 مليون دولار أمريكي، جزء منه منحة والجزء الآخر قرض لتمويل إنشاء الطرق وميناء للصيد. وسيعمل استثمار مشترك بنسبة 70:30 بين صندوق عُمان للاستثمار (وهو صندوق الثروة السيادية في سلطنة عُمان) وصندوق قطر للنقل (الذي تم توقيعه عام 2016) على إنشاء مجمع لتجميع الحافلات في الدقم بقيمة 160 مليون ريَال عُماني (416 مليون دولار). وتشكل مشاريع النفط والغاز والسكك الحديدية ومحطات الطاقة الجديدة أيضًا جزءًا من إستراتيجية التنمية الاقتصادية، وسوف تمتد من الدقم، لتشمل المنطقة الجنوبية من ظفار. وفي ظفار، ستستثمر شركة مصدر الإماراتية في إنشاء محطة رئيسية لطاقة الرياح في سلطنة عُمان، مستدعية خبرتها في مشاريع الطاقة المتجددة إلى المنطقة.
وفي حين تعتمد الموانئ ومشاريع المنطقة الصناعية اعتمادًا كبيرًا على السندات الأجنبية والقروض المصرفية، تبذل الحكومة جهودًا للتيسير على حقيبتها الاستثمارية. وتلعب الحكومة في سلطنة عُمان دورًا بارزًا في الإنفاق الرأسمالي والاستثمار في الاقتصاد المحلي. من خلال صناديق الاستثمار المتنوعة مثل “تنمية“، ومن خلال الوزارات بشكل فردي، تتكفل الحكومة بمعظم فرص التنمية في البلاد. ومن الأمثلة البارزة على ذلك وزارة الدفاع، وصندوق التقاعد والمعاشات، وهو المالك والمطور الرئيسي للثروة، ولديه عقارات مثل الفنادق الراقية في السلطنة.
تتبع الحكومة إستراتيجية خمسية للتنمية، وتشارك في “التحول الوطني” الخاص بها من أجل التنويع الاقتصادي، مع إدخال تغييرات على الممارسات الإدارية داخل الوزارات، بما في ذلك تحقيق أهداف مؤشرات الأداء الرئيسية في برنامج “تنفيذ“. وقد أدى الجمع بين صناديق الاستثمار الحكومية وتيسير عمل الجهات الوزارية المعنية المتعددة في مشاريع التنمية المحلية إلى تعطيل الإدارة غير الفعالة وتكامل المستودعات الاستثمارية الموازية في الوزارات.
هناك جهود جديدة للتيسير على عمل هذه الصناديق المختلفة، وخاصة في الاستثمارات السياحية بحيث يمكن للشركاء الخارجيين أن يساعدوا في تحمل بعض تكاليف خطط التنمية الاقتصادية المحلية (وجني الفوائد)، كما هو الحال في صندوق “عمران“. يعتبر صندوق البنية التحتية الجديد مبادرة مهمة، بالرغم من أن أقل من ربع استثمارات البنية التحتية يتم تمويلها من القطاع الخاص، وفقًا لتقديرات الاستشاريين. وتعتبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص وسيلة تمويل أخرى محتملة ولكنها غير مستغلة إلى حد كبير في عُمان.
غالبًا ما يترتب على خيارات السياسة، والاتفاقات المالية الداعمة لها آثار دائمة. يتم الآن تحديد من سيكون المالكون الجدد للبنية التحتية، بما في ذلك محطات الطاقة الجديدة، والموانئ، ومناطق التصنيع. ومن المهم أيضًا تحديد من سيكون حاملو السندات والمقرضون الذين سيكون بإمكانهم التأثير على خيارات السياسة مستقبلاً، لا سيما أنه من المحتمل أن يكون هنالك إعادة تمويل على المدى القريب، وهو بالفعل ما سعت المملكة العربية السعودية إلى عمله على الديون الصادرة في العام المنصرم. قد تكون إعادة تمويل مدة قرض بقيمة مليارات الدولارات لبنك صيني مرتبط بالدولة أكثر تعقيدًا بالنسبة للحكومة العُمانية.
في الوقت الراهن، كان الوقت هو العامل الأكثر إلحاحًا في متطلبات التمويل في عُمان، لقد تمت مكافأة المقرضين والشركاء الذين كانوا على استعداد للتدخل بسرعة بوسائل وشروط أفضل. من وجهة نظر الحكومة، فإن “التريث والانطلاق” له مبرراته السياسية التي عززها عدم وجود صدمات في الاقتصاد المحلي. وسوف يتطلب النمو على المدى الطويل سدادًا على المدى القصير والمتوسط، وقد تحتاج عُمان في المدى القريب إلى النظر في شركاء تمويل بدلاء، لا سيما مع ارتفاع الديون نسبة إلى مستويات الناتج المحلي الإجمالي.