تواجه عُمان نقطة تحول حاسمة فيما يتعلق بالاقتصاد والسياسة المحلية بعد أن قاد الشباب العاطلين عن العمل احتجاجات دامت خمسة أيام في عدة مدن عُمانية. اندلعت الاحتجاجات في 23 مايو/أيار في مدينة صحار، حيث اندلعت اشتباكات خفيفة بين الشرطة والمتظاهرين، استخدمت الشرطة فيها الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين. صحار هي المدينة نفسها التي بدأت فيها الاحتجاجات العمانية الحاشدة عام 2011. وظل المحرك الرئيس للاحتجاجات هو نفسه كما كان قبل 10 سنوات: معدل البطالة المرتفع بين الشباب. وفي حين تسبب النقص في فرص العمل في إطلاق شرارة الاحتجاجات، أصبح كثير من الشباب العماني يطالب بما هو أكثر من مجرد وظائف: إصلاح البنية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وتوسيع صلاحيات مجلس الشورى المنتخب.
وردًا على الاحتجاجات، أعلنت عمان عن خطة لتوفير 32,000 وظيفة في القطاعين العام والخاص. يمكن لهذه المبادرة أن توفر حلاً قصير المدى لأزمة البطالة المستفحلة في عمان، على غرار خطة التوظيف لعام 2011، التي أقنعت المحتجين بإنهاء التظاهرات. غير أن المشكلة الآن تتجاوز إلى مطالبات أبعد من إيجاد فرص العمل.
ما الذي يريده المتظاهرون العمانيون
تداول المحتجون قائمة مطالب على وسائل التواصل الاجتماعي. على الرغم من أنها قد لا تشير إلى مطالب جميع المتظاهرين، إلا أنها تمثل مطالب قطاعات واسعة من الشباب، وهي تطالب بشكل أساسي باستقالة الوزراء ووكلاء الوزارات في الهيئات الحكومية ذات الصلة بالاقتصاد والعمل والإسكان والتجارة والصناعة. وثمة مطالب أخرى تتعلق بإلغاء الضرائب وإعادة دعم المياه والكهرباء والوقود. ومن بين المطالب الأكثر شعبية أيضًا محاربة الفساد والتوزيع العادل للثروة ومعاملة جميع المواطنين بالتساوي دون تمييز.
أظهرت مقاطع فيديو لمتظاهرين يتحدثون إلى مسؤولين حكوميين أثناء احتجاجات صحار. حيث تحدث أحد الباحثين عن عمل بأعلى صوته، “أُريد وظيفةً، فقط وظيفة”، وأكد بلسان المتظاهرين، “لا نريد صدقة”. حاول المسؤولون تهدئة المتظاهرين وطلبوا منهم الانتظار ورؤية خطط الحكومة. رد المتظاهرون بأنهم قد انتظروا طويلاً، وقال أحدهم، “لو كنت تعيش نفس أوضاعنا أو تعرف ظروفنا المعيشية لما طلبت منا الانتظار”.
قال مئات المحتجين في صحار وغيرها من المدن، مثل صلالة وعبري وإبراء وبدية إنهم يحبون بلادهم ويحترمون السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، ولكنهم متمسكون بحقوقهم ويطالبون الحكومة بالاستماع إليهم ومعالجة مطالبهم. وردًا على اتهامهم بأنهم مدفوعون من قبل جهات أجنبية، أصر المتظاهرون على أنهم مخلصون لبلادهم ولمطالبهم العادلة كذلك.
كان للعمانيين الذين لم يشاركوا في الاحتجاجات ردود فعلٍ مختلفة. كان بعضهم مشتتا بين انتظار نتائج الإجراءات الحكومية أو دعم المتظاهرين. قال محمد، وهو فاعل مجتمعي، إنه يعتقد أن السلطان هيثم، الذي تولى مقاليد الحكم في يناير/كانون الثاني 2020، يستحق الحصول على فرصة كافية للعمل على حل المشكلات الاقتصادية المتراكمة منذ عقود، قبل أن يرثها قبل عام ونصف. ومع ذلك أشار محمد إلى أن السلطات لا تستطيع إجبار الناس، الذين يعيشون ظروفا معيشية صعبة، ويمنعون من التعبير عن معاناتهم، على التزام الصمت لفترة طويلة. يُذكر أن محمد قد شارك في احتجاجات سابقة، كتلك التي اندلعت عام 2011، حين تم اعتقاله لفترة وجيزة. من جانب آخر، اقترح بعض العمانيين أن يُعبر المحتجون عن مطالبهم دون إحداث جلبة الاحتجاج وصخبه، وأن عليهم انتظار نتائج خطط الحكومة الاقتصادية وأدائها، فيما أكد آخرون كثر دعمهم الكامل للمتظاهرين ومطالبهم.
تمكنت السلطات العمانية، بصورة كبيرة، من تهدئة التوتر وتجنب العنف. فعلى الرغم من التواجد المكثف للشرطة وغيرها من قوى الأمن، ظلت الاحتجاجات سلمية إلى حد كبير. بشكل عام، تجاوبت السلطات مع مطالب المحتجين بشكل سريع، وشمل ذلك إطلاق سراح قادة الاحتجاجات الذين تم اعتقالهم، مثل عبد العزيز البلوشي، الذي كان قد اعتقل أيضًا في عام 2011 لضلوعه في الاحتجاجات. ومع ذلك، ونظرًا لشعبية الاحتجاجات، من المرجح أن تتصرف الحكومة بشكل حذر، لأن تجاهل مطالب المحتجين قد يؤدي إلى تجدد الاحتجاجات.
البحث عن الوظائف والعدالة
هناك ما لا يقل عن 65,000 عماني عاطل عن العمل. أكثر من ثلثهم متزوجون. حوالي 65٪ منهم يحملون شهادات جامعية، و27٪ حاصلون على شهادة الثانوية العامة. يبلغ عدد سكان عمان 4.6 مليون ، 40٪ منهم أجانب، ويحتوي سوق العمل 1.5 مليون عامل أجنبي. يقول المحتجون إن الأجانب يتمتعون بفرص عمل في القطاع الخاص أفضل وأكثر من العمانيين، حتى في الحالات التي يكون فيها العمانيون أكثر مهارة وأفضل تعليمًا. قال أحد المتظاهرين إنه على الرغم من أن سياسة التعمين تتطلب توظيف المواطنين بنسب محددة، إلا أن القطاع الخاص يفضل الأجانب على العمانيين بصرف النظر عن المؤهلات. علوي المشهور، أحد النشطاء البارزين، يعتقد أن نظام الكفالة هو السبب في ذلك. فهو يعتقد أن نظام الكفالة الذي يسمح بإساءة معاملة العمال الأجانب، يحد كذلك من فرص العمل للعمانيين ويمنعهم من المنافسة بناءً على المؤهلات. وأوضح مشهور أن أرباب العمل أو الكفلاء لا ينظرون إلى المهارات والمؤهلات عند توظيف العمال الأجانب، فهم يفضلون العمال الأجانب لأنهم يستطيعون إجبارهم على العمل ساعات طويلة، في حين يحتج العمانيون في كثير من الأحيان على أرباب العمل الذين ينتهكون حقوقهم. وقال مشهور إن إلغاء نظام الكفالة سيضع المواطنين والأجانب على قدم المساواة عند التقدم للوظيفة.
أثار تقرير صحفي نُشر في 18 مايو/أيار حول توظيف 38,000 عامل أجنبي في القطاع الخاص العماني خلال العام الماضي غضب العمانيين الباحثين عن عمل. بين عامي 2020 و2021، ذكرت التقارير أنه تم تسريح 6,700 عماني من وظائف القطاع الخاص. يستند هذا الرقم إلى عدد الأشخاص المستفيدين من نظام الأمان الوظيفي. ووفقًا لأحد الصحفيين العمانيين، من المرجح أن يكون العدد الحقيقي للعمانيين الذين فقدوا وظائفهم أعلى بكثير، ولكن لم يتم الإفصاح عن أي بيانات رسمية. يعتقد الكثير من العمانيين أن عمليات تسريح العمال لم تكن عادلة، واتهموا شركات القطاع الخاص باستغلال جائحة فيروس كورونا كذريعة لتسريح العمال. إضافة إلى هذا العدد من فاقدي الوظائف هناك ما لا يقل عن 65,000 عماني باحث عن عمل. علاوة على ذلك، قامت الحكومة بتطبيق التقاعد الإجباري في عام 2020 على 70٪ من موظفي القطاع العام، الذين أكملوا ما بين 25 إلى 30 عامًا في الخدمة كجزء من التدابير الهادفة لتخفيف الأزمة الاقتصادية.
إصلاح اقتصادي شامل
يعتقد العديد من العمانيين أن التوجيهات السلطانية التي أمرت بتسريع العمل على توظيف 32,000 من الباحثين عن الوظائف سوف تهدئ، مؤقتًا، من الأزمة كما حدث في عام 2011. ومع ذلك، فإن الحل الدائم يتطلب إصلاحات جذرية شاملة للنظام الاقتصادي أبرزها معالجة مستوى الشفافية الحكومية ومحاربة الفساد وتطبيق العدالة الاجتماعية.
أشار أحد خبراء الاقتصاد العمانيين إلى تعقيدات قضية التوظيف في عُمان. حيث أشار إلى حاجة عمان إلى “رؤية مستقبلية وبصيرة،” لدراسة العديد من السياسات الوطنية المتداخلة، مثل خطط التطوير والتنويع والإصلاح البنيوي والموارد البشرية وسياسات الضمان الاجتماعي. وأكد على الحاجة لقاعدة بيانات متكاملة للموارد البشرية الوطنية الموجودة ضمن القوى العاملة، أو تلك المتوقع دخولها سوق العمل في السنوات الخمس القادمة. وشدد الخبير على أهمية معرفة وفهم مكامن الفرص والموارد الاقتصادية لخلق فرص عمل جديدة.
لمعالجة قضية البطالة، طبقا لما ذكره الخبير الاقتصادي، تحتاج الحكومة العمانية لإصدار لوائح قانونية، والعمل عن كثب مع شركات القطاع الخاص. ويشمل ذلك القوانين التي تشجع أرباب العمل على تشغيل العمانيين، وفرض شروط على توظيف الأجانب. كما ذكر مصدر مطلع أن الحكومة تعمل على مثل هذه الخطط، ومع أنها بطيئة ولا تُطلع المواطنين على مدى التقدم الذي تم إحرازه، إلا أن المصدر أكد على أن الوقت الراهن يشكل “فرصة للحكومة لتكشف عن خطتها لتعافي الاقتصاد، والتجاوب السريع مع مطالب الجماهير”.
مع تولي السلطان هيثم الحكم، تفاءل العمانيون بتركيز السلطان الجديد على معالجة الأزمة الاقتصادية وتحسين ظروفهم المعيشية. ولكن، يشعر المحتجون بأنهم قد تحلوا بالصبر كثيرًا، ولا سيما في ظل الظروف القاسية التي تسببت فيها جائحة كورونا، ولهذا هم يطالبون بحلول سريعة وجذرية. ستتطلب الاستجابة لمطالب المحتجين من الحكومة العمانية أن تنظر بجدية في إصلاح النظام الاقتصادي، وتنظيم العلاقات ما بين المسؤولين الحكوميين والشركات التجارية. كما أن فرض المساءلة والمحاسبة، ورصد سلوكيات التربح من الوظائف وتضارب المصالح، ومحاربة الفساد على كافة المستويات، ومنح مجلس الشورى صلاحيات رقابية ومساءلة المسؤولين، هي خطوات لا بد منها لمعالجة أزمة البطالة الجاثمة، واستعادة الثقة في أداء الحكومة.