في سبتمبر/أيلول 2019، بدأت المملكة العربية السعودية في تطبيق قانون الذوق العام، والذي يشمل 19 انتهاكًا– وهي تصرفات تعتبرها الحكومة سلوكاً اجتماعياً غير لائق. يوفر القانون وسيلة بديلة لتنظيم السلوك العام في أعقاب تقليص الشرطة الدينية، ولكنه يمثل أيضاً محاولة لإعادة تشكيل الهوية العامة في غياب تلك السلطة الدينية. ومع ذلك، ما يزال القانون مثيراً للجدل حتى بعد عام من تنفيذه. إن استخدام مصطلح “الذوق العام” قد فتح المجال أمام رقابة عامة أوسع – غالباً ما تكون على أسس دينية- على ما يمكن اعتباره سلوكاً لائقاً. وعادة ما تتكشف هذه الأعمال الشرطية العامة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا تقتصر على السلوك نفسه الذي يشمله القانون. لقد أصبح، في الواقع، الجدل حول الذوق مظلة لانتقاد مظاهر الإصلاحات الاجتماعية، لا سيما تلك المتعلقة بتمكين المرأة، إضافةً إلى تأثيره على الهوية والمعايير الثقافية.
أحد المجالات التي تسبب فيها قانون الذوق العام بتوتر مع سياسة الحكومة هو زيادة عدد النساء في القوى العاملة. تعمل الحكومة على تشجيع النساء على العمل في المجالات، التي كانت في السابق حكراً على الرجال، كوسيلة لمواجهة أزمة البطالة التي كانت أشد حدة بين الإناث. وساعدت الانفراجات الاجتماعية الأخيرة على زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة، لا سيما في المدن الكبرى، التي كانت النقاط المحورية للتحولات الاجتماعية والاقتصادية. في عام 2019، أدخلت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تعديلات على أنظمة العمل تنص على أنه “لا يجوز التمييز بين العمال على أساس الجنس أو الإعاقة أو السن، أو أي شكل آخر من أشكال التمييز سواء في العمل أو التوظيف أو الإعلان عن الشاغر”. ونتيجة لذلك، احتفلت المواقع الإخبارية باقتحام النساء للوظائف الذكورية التقليدية، مع عناوين رئيسية مثل أول امرأة سعودية تعمل في تزيين السيارات أو إصلاحها وأول امرأة سائقة تاكسي.
ومع ذلك، فَلم يتم استقبال هذه التغييرات بالحماس نفسه في جميع أنحاء المملكة. وثارت النقاشات حول ما يمكن اعتباره وظائف مناسبة للمرأة مرتين خلال الأشهر القليلة الماضية في مدينة الطائف. في يوليو/تموز، أثارت صورة تم التقاطها لامرأة تعمل نادلة جدلاً على وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أن النساء يعملن في المطاعم والمقاهي في مناطق أخرى من البلاد. عندما انتشرت القصة على نطاق واسع، تدخلت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بمعاقبة المقهى. تُظهر الصورة المنتشرة على نطاق واسع أن النادلة بلباس يغطيها بالكامل، لذلك لم تكن العقوبة لمخالفة قواعد اللباس، ولكن بسبب توظيف امرأة سعودية لخدمة الزبائن. تتعارض هذه الخطوة مع قوانين التمييز بين الجنسين الجديدة، ما يوضح أن الرأي العام لا يزال قادراً على التأثير على عمل الوزارة وعرقلة ما تقوم به من أجل زيادة توظيف النساء. في سبتمبر/أيلول، انتشر مقطع فيديو لامرأة تعمل حلاقًا على نطاق واسع، وأثار ردود فعل متفاوتة بين من يعتبرون الوظيفة غير لائقة وآخرين يدعمونها. تختلف المسارات الاجتماعية حسب اختلاف المناطق في المملكة، الأمر الذي قد يعرقل توظيف النساء في بعض المناطق بحجة الذوق، ولا يعرقل توظيفهن في مناطق أخرى.
لقد ثبت أن هذا التباين الإقليمي في الأعراف الاجتماعية يشكل إشكالية أكبر في المدن المقدسة. في فبراير/شباط، أصدرت مغنية راب من مكة مقطع فيديو في أوج الفعاليات والحفلات الموسيقية في جميع أنحاء البلاد. يتحدث الفيديو، الذي تم تصويره في مقهى، عن المغنية وكيف تفخر بكونها امرأة من مكة، ومن هنا جاء اسم الفيديو “بنت مكة”. وانتشر مقطع الفيديو على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وتلقى عددًا من ردود الفعل السلبية، من بينها اتهامات بانتهاك الذوق العام. جادل بعض السعوديين بأن الأغنية لم تكن لائقة، ولا تمثل نساء المدينة المقدسة. ورد آخرون بأنه يتم استخدام مسألة الذوق للتغطية على وجهات نظر عنصرية أعمق بسبب الأصل الأفريقي لمغنية الراب. ورداً على احتجاز المغنية لفترة وجيزة، قال الناطق باسم محافظة مكة إنه من حق السلطات التدخل للحفاظ على هوية مكة. وهكذا أصبحت حجة الذوق محورية في مقاومة التغيير الذي يؤثر على الأعراف الاجتماعية والثقافية.
كانت هناك تناقضات أخرى في تطبيق قوانين الذوق العام. فغالباً ما يخضع روّاد مراكز التسوق والمتنزهات لرقابة مشددة، في حين غالباً ما يعفى من ذلك مرتادو الحفلات الموسيقية وغيرها من مناطق الجذب السياحي. وهذا يعكس التحدي المتمثل في تنويع الاقتصاد (الذي يعتمد على السياحة والترفيه) مع الحفاظ على معايير أكثر تحفظاً في أماكن أخرى.
في أوائل سبتمبر/أيلول، بدأت الرحلات البحرية الفاخرة تنطلق ما بين مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في جدة وجزيرة سندالة، قبالة سواحل مشروع نيوم. عند الوصول إلى جزيرة سندالة، يتم وضع هواتف الضيوف في حالات خاصة حتى لا يتمكنوا من التقاط الصور. نظراً لكون الجزيرة وجهة شاطئية، يبدو أن حظر التصوير هو وسيلة لتجنب الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن الانتهاكات المحتملة لقانون الذوق العام. وبالمثل، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم حظر الهواتف المزودة بكاميرات، مع أن ذلك لم ينجح، لمنع الناس من التقاط صور للآخرين. علماً بأن التقاط صور للآخرين دون موافقتهم يعد انتهاكًا للمادة 19 من قانون الآداب العامة، ويبدو أن منع التقاط الصور في جزيرة سندالة هو جهد إضافي لدرء الجدل العام على وسائل التواصل الاجتماعي.
الخلاف على اللباس الملائم لم يقتصر على النساء. في الواقع، كانت معظم الانتهاكات المسجلة منذ تطبيق القانون ضد الرجال لانتهاكهم المادة 9، التي تحظر ارتداء ملابس النوم البيتية في الأماكن العامة. وتنص المادة 8 من القانون على أن ارتداء “ملابس غير لائقة في الأماكن العامة هو انتهاك يحدده المكان” دون تقديم إرشادات محددة. بالنسبة للسكان المحليين، قد يشكل هذا إشكالية كبيرة، لأن هناك وجهات نظر مختلفة لما هو لائق. تعمل جمعية الذوق العام – التي انطلقت في عام 2015 لتقديم إرشادات حول الآداب والذوق العام، وهي غير مخولة بإنفاذ القانون – على تشجع مختلف المرافق والأماكن العامة على تحديد ما يعتبرونه قواعد لائقة في اللباس. وسيسمح ذلك لمختلف المواقع بتشكيل لوائحها الخاصة، ما قد يؤدي إلى مزيد من التناقض والنقاش الاجتماعي.
أما بالنسبة للزوار الأجانب، فيقدم القانون بالفعل إرشادات للملابس اللائقة. وتجادل بعض النساء السعوديات بأن إرشادات الزوار الأجانب يجب أن تنطبق عليهن أيضاً، وهي حجة استخدمتها إحدى النساء التي حاولت الدخول إلى أحد مركز تسوق في الرياض. وعرضت الإرشادات على عناصر الأمن، ومع ذلك فقد مُنعت من الدخول. وأثارت الحادثة الكثير من الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، وسلطت الضوء على التوترات المتعلقة بالتمييز بين السعوديين والأجانب. وأشار محامٍ سعودي إلى ذلك على أنه خلل في النظام ينطوي على انتهاك للقانون الأساسي في البلاد. علاوة على ذلك، أثارت صور الأجانب الذين لا يلتزمون بقواعد اللباس جدلاً عاماً ما أدى لتوسيع الفجوة بين الأجانب والسكان المحليين.
إن الجدل المتعلق بالذوق العام، المتزامن مع الضغوطات نحو انفتاح البلاد، قد أثار توقعات متباينة حول السلوك السعودي والهوية. فعلى سبيل المثال، يذكر التقرير السنوي لوزارة السياحة أن “قلة اختلاط السكان المحليين بالثقافات الأخرى قد حد من قدرة القطاع الخاص على جذب السياحة”. عندما قام حساب شبه رسمي على تويتر بالتغريد بهذا الاقتباس (حُذف لاحقاً)، أُخذ على أنه انتقادٌ للمواطنين السعوديين لأنهم ليسوا عالميين كما يجب. ورأى بعض السعوديين في التغريدة محاولة لإبعاد اللوم عن فشل الوزارة في جذب الزوار الأجانب. وجادل آخرون بأن الحفاظ على الثقافة والتراث المحليين أمر مهم للسياح المحتمل قدومهم. وفي حين أن التقاليد الثقافية والاجتماعية الفريدة قد تجذب المزيد من السياح، إلا أن بيان الوزارة يبدو أنه يشير إلى أن السكان المحليين في بعض الأماكن هم المسؤولون عن نقص السياحة في البلاد.
التركيز على أهمية الهوية العربية والإسلامية مذكور في الرؤية 2030، وكذلك في الكتب المدرسية الجديدة في المملكة العربية السعودية. وقال الناطق باسم جمعية الذوق العام السعودية في رده على الانتهاكات التي ارتكبت خلال العيد الوطني للمملكة العربية السعودية: “نحن بلدٌ مسلمٌ ومحافظ… والهوية السعودية نابعة من الدين ويجب احترامها”. ويبدو أن خطط التنويع تعتمد على توقعات عميقة للتغيير الاجتماعي. ومع ذلك، فإن طبيعة المملكة العربية السعودية المتنوعة والمترامية الأطراف تجعل من الصعب تهجين هوية تمتاز بالحداثة والتقليدية في الوقت نفسه. ولذلك، سيواصل البعد الاجتماعي للتغيير في المملكة خوض طريقٍ مليء بالعقبات، ولا سيما لكونه يولد التوترات والجدل حول مسألة الذوق.
عندما كانت الشخصيات الدينية هي المهيمنة فيما يتعلق بالقوى المُحركة الاجتماعية والثقافية، كانت هذه الشخصيات في العادة تقوم بحل القضايا المتعلقة بالذوق، لأنها كانت تمتلك السلطة على تطبيق المعايير الاجتماعية. والآن، انعكست الآية في نواحٍ كثيرة، وأصبح الجمهور يساهم في صياغة النقاش المتعلق بمدى اللياقة والحفاظ على الهوية الإسلامية. ويبدو أن الدولة تراهن على أن التوترات سوف تتم تسويتها مع مرور الوقت. ومع ذلك، فإن الانتقال قد لا يكون سلساً لأن الضغوط الجماهيرية الرجعية قد أثرت بالفعل على الهيئات الحكومية في قضايا مختلفة. وفي الوقت الذي تسابق الدولة من أجل تنفيذ مخططاتها في التنويع، فإن الجدل حول الذوق العام سيواصل عرقلة عجلة التغيير، ولا سيما عند محاولة تحقيق التوازن بين الصورة الحديثة التي تريد المملكة العربية السعودية الترويج لها والصورة التقليدية التي تريد الحفاظ عليها.