توصلت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤها من خارج المنظمة (أوبك بلس) إلى اتفاق تسوية يقضي بزيادة تدريجية في إنتاج النفط بمقدار 500 ألف برميل يومياً ابتداءً من يناير/كانون الثاني 2021. وسيجتمع أعضاء التحالف الثلاثة والعشرون بصورة شهرية لتقييم ظروف السوق وتعديل مستويات الإنتاج بالزيادة أو النقصان كيفما لزم الأمر. ورحبت السوق بالصفقة وارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوى لها منذ مارس/آذار إلى ما يقل قليلاً عن 50 دولاراً للبرميل لعقود مؤشر خام برنت الدولي الآجلة في الرابع من ديسمبر كانون الأول، بعد يوم واحد من اختتام مداولات تحالف أوبك بلس.
بموجب اتفاق أبريل/نيسان الذي أعقب حرب أسعار طاحنة بين السعودية وروسيا، وافق منتجو أوبك بلس على خفض الإنتاج بمقدار 9.7 مليون برميل يومياً لإعادة التوازن للسوق، التي ضربتها جائحة فيروس كورونا. كان من المقرر إلغاء القيود تدريجياً ابتداء من يونيو/حزيران. في البداية، سار كل شيء وفقاً للخطة مع تخفيف الإغلاق وزيادة الطلب في آسيا، ما سمح بتنفيذ المرحلة الأولى من التخفيضات إلى 7.7 مليون برميل يوميًا. وكان من المقرر أن تبدأ المرحلة الثانية في يناير/كانون الثاني ليصل إجمالي التخفيضات إلى 5.8 مليون برميل يوميًا. لكن في ظل فتور الطلب وارتفاع مخزونات النفط التي تثقل كاهل السوق، كان من المتوقع أن تعمل أوبك بلس على تجميد الإنتاج للأشهر الثلاثة الأولى من العام المقبل، وهي الخطوة التي يُعتقد أن ترحب بها المملكة العربية السعودية، المهيمنة على أوبك.
تُعد عودة النفط الليبي إلى الأسواق في الأشهر الأخيرة بإنتاج يبلغ حالياً 1.3 مليون برميل يومياً، بعد هبوطه إلى ما يقارب الصفر في الصيف، عاملاً آخر يجب مراعاته إلى جانب احتمال عودة جزء من النفط الإيراني في العام الجديد إذا قامت الإدارة الأمريكية القادمة للرئيس المنتخب جوزيف بايدن بتخفيف العقوبات على إيران. إن ليبيا ليست طرفاً في قيود الإنتاج، ولا توجد ضمانات على استدامة وقف إطلاق النار الهش بين الفصائل المتحاربة والسماح بالعودة إلى مستويات إنتاج أعلى.
لم تمض المحادثات بسلاسة كما كان متوقعاً، وتم تأجيل اجتماع أوبك لمدة يومين لإتاحة الوقت للتوصل إلى اتفاق تسوية من شأنه أن يرضي روسيا والإمارات العربية المتحدة المترددتين، اللتين أصرتا –كما أفادت التقارير- على الامتثال الكامل والتعويض عن التخفيضات من قبل جميع الأعضاء، الذين خرقوا نظام الحصص قبل التوقيع على الصفقة.
أعطت اتفاقية التسوية أعضاء التحالف، الذين لم يلتزموا بحصصهم، وقتاً لتعديل مستويات إنتاجهم تدريجياً خلال الربع الأول من عام 2021. وهذا إقرار بالظروف الخاصة لدول مثل العراق، التي لم تلتزم بشكل كامل، وكان المطلوب منها تخفيض 300 ألف برميل إضافي يومياً لتصل إلى حصتها. ونظراً للحالة المحفوفة بالمخاطر للاقتصاد العراقي، فإن القرار موضع ترحيب بالنسبة لبغداد.
ونتيجة لذلك، فإن ما سماه وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان نهج “النقطة نقطة” ستتم موازنته بمزيد من التخفيضات، التي سيقوم بها العراق والآخرون، الذين أنتجوا أكثر من مخصصاتهم، وبالتالي فإن الزيادة لن تتسبب في الكثير من الاضطراب في توازن السوق أو الانخفاض التدريجي المتوقع في مخزونات النفط في الربع الأول.
قال الأمير عبد العزيز في المؤتمر الصحفي الختامي إنه ينبغي على السوق توفير الائتمان لإنجاح تحالف أوبك بلس في تصريف ما مجموعه 1.6 مليار برميل من السوق منذ أيار/ مايو بدلاً من التركيز على تقارير عن خلافات داخل المجموعة. وقال، “إذا كنت ترغب في العمل مع 23 دولة، فيجب أن تتقبل فكرة المرونة”، وأضاف أن هناك حاجة لتقديم اتفاقية تلبي كلاً من احتياجات السوق واحتياجات المشاركين. وقال للصحفيين والمحللين إن المجموعة “أنجزت 99.5٪ من أكبر تخفيضات في التاريخ”.
وعلى الرغم من أن وزير الطاقة السعودي قلل من شأن التقارير عن الخلافات داخل التحالف الواسع، إلا أنه اعترف بأنه في مرحلة ما قد “استسلم لليأس”، في إشارة إلى دوره كرئيس للاجتماعات الوزارية لمنظمة الأوبك وأوبك بلس، ولكنه تراجع ووافق على لعب الدور هذا الدور. عمل الوزير السعودي بشكل وثيق مع ألكسندر نوفاك، وزير الطاقة الروسي السابق الذي تمت ترقيته مؤخراً إلى نائب رئيس الوزراء. وكلاهما عضوان في لجنة المراقبة الوزارية المشتركة، التي تراقب الامتثال وتقدم التوصيات إلى المؤتمر الوزاري. وقال الأمير عبد العزيز إن لجنة المراقبة الوزارية المشتركة ستجتمع شهرياً لتقييم أوضاع السوق قبل اتخاذ قرار بشأن تعديل الإنتاج ليتوافق مع تطورات السوق.
وذكر نوفاك أن بلاده ستحصل بموجب الاتفاقية الجديدة على 125 ألف برميل يومياً من زيادة العرض، وأوضح أن قرار الاجتماع شهرياً يعني أن المجموعة ستكون قادرة على الأخذ بالحسبان العوامل الإيجابية أو السلبية وتحديد الإجراء المطلوب اتخاذه بعد يناير/كانون الثاني. كما أعلن عن خطط لزيارة المملكة العربية السعودية لعقد لقاء مع الأمير عبد العزيز في يناير/كانون الثاني، فيما يبدو أنه محاولة لوضع حد للتصورات بأن البلدين ليسا على توافق تام في السياسة النفطية.
أفادت سيتي جروب (Citigroup) في مذكرة للعملاء إنها تتوقع عودة 1.9 مليون برميل يومياً للأسواق بحلول أبريل/نيسان 2021 ما لم تحدث مفاجآت سلبية في جانب الطلب. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى “التقليل من السحب من المخزون السنوي الذي سيبقى بالرغم من ذلك كبيراً لعام 2021 في حدود 2 مليون برميل يومياً”.
لقد تعافت أسعار النفط بعد الركود الذي حل في أبريل/نيسان، عندما انخفضت أسعار النفط الأمريكي لفترة وجيزة إلى ما دون الصفر، وعادت للارتفاع حتى قبل اجتماع أوبك بلس بسبب التوقعات بطرح لقاحات فيروس كورونا، وبناء على بوادر انتعاش الطلب في الصين والهند. ولكن تشير الصورة الشاملة إلى تفاوت في النمو حيث اجتاحت الولايات المتحدة وجزءاً كبيراً من أوروبا موجة جديدة من الجائحة. ونتيجة لذلك، قامت أوبك في نوفمبر/تشرين الثاني بتعديل توقعاتها بانخفاض الطلب بمقدار 300 ألف برميل يومياً، وتتوقع الآن انخفاضاً إجمالياً في الطلب بمقدار 9.8 مليون برميل يومياً في عام 2020 إلى ما يزيد قليلاً عن 90 مليون برميل يومياً، وهو انخفاض بمقدار 10 ملايين برميل يومياً منذ يناير/كانون الثاني. وعلى الرغم من أنها تتوقع أن ترتد إلى 96 مليون برميل يومياً في عام 2021، إلا أن هذا يبقى أقل بكثير من توقعات الطلب قبل الجائحة البالغة 102 مليون برميل يومياً.
تمكن تحالف أوبك بلس من إطلاق مفاجأة من شأنها الإبقاء على السوق في حالة تخمين في الأشهر المقبلة والقضاء على المعارضة داخل صفوفه، على الأقل في الوقت الحالي. سيعتمد الكثير على مدى امتثال جميع الأطراف والتزامهم بمخصصاتهم الجديدة، لأنه في الوقت الذي من المتوقع فيه حدوث بعضاً من عدم الامتثال، إلا أن توازن العرض والطلب يبقى ضيقاً للغاية، ويمكن أن ينقلب في أي من الاتجاهين.