ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
بصفتها واحدة من أولى دول الخليج التي أقامت علاقات دبلوماسية مع بكين، حافظت الإمارات العربية المتحدة على علاقات ودية مع جمهورية الصين الشعبية منذ عام 1984. ولكونها مركزًا تجاريًا في المنطقة، برزت دبي كقاعدة إقليمية للشركات المملوكة للحكومة الصينية بعد حرب الخليج الأولى. ومنذ انطلاق استراتيجية “الانفتاح على الخارج” في عام 1999 للنهوض باستثمارات الصين في الخارج، فقد تم إنشاء 4000 شركة صينية في الإمارات، ما أدى إلى قفزة اقتصادية في المنطقة. وقد فتح سوق التنين، وهو أكبر سوق للسلع الصينية خارج الصين، أبوابه في عام 2007. وباشتماله على أكثر من 6000 من المحال التجارية وأكشاك البيع بالجملة والتجزئة، فقد سجل سوق التنين ما يقرب من 10 مليارات دولار من المعاملات التجارية في عام 2015 وحده. وبدافع من النجاح البارز لسوق التنين، أقدم المستثمرون على تكرار المراكز التجارية الصينية في المدن القريبة والدول المجاورة، وعملوا على توسيع العلاقات الصينية-الإماراتية الاقتصادية من تجارة السلع إلى العقارات والرعاية الصحية والتعليم والأبحاث والإعلام والترفيه.
ومن خلال إطار مبادرة الحزام والطريق، تنوعت عمليات التبادل بين الصين والإمارات بشكل أكبر. في يوليو/تموز 2018، قام الشريكان بتطوير مستوى العلاقات الثنائية لتصبح شراكة استراتيجية شاملة. وبحلول عام 2019، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري غير نفطي للإمارات ورابع أكبر مصدر للسياحة إلى دبي. وعلى الرغم من التحديات غير المسبوقة لجائحة كورونا، ظلت الصين تتمتع بالمرتبة الأولى كأكبر شريك تجاري للإمارات في 2021.
ومن دون شك، فإن دبي هي المركز التجاري الجديد للصين في الشرق الأوسط وأفريقيا. وبتخفيض القيود على الاستثمار الأجنبي المباشر، وتخفيف متطلبات الدخول لحاملي جواز السفر الصيني في العقد الأخير، أصبحت المدينة نقطة التقاء التدفقات التي يأتي العديد منها من الصين – السلع ورأس المال والأشخاص، سواء كانوا شرعيين أم غير شرعيين. وبحسب موظفين سابقين في الشركات المملوكة للحكومة الصينية ودبلوماسيين صينيين، فإن عدد المقيمين الصينيين في الإمارات قد ازداد من حوالي 2000 في أوائل التسعينيات إلى ما يقرب من 300 ألف بحلول عام 2018، من بينهم 270 ألف يتمركزون في دبي، وأغلبيتهم جزء من الموجة الرابعة من الهجرة الصينية إلى المنطقة منذ عام 2000. وعلى الرغم من تاريخه القصير نسبيًا وحجمه الصغير بالمقارنة مع جاليات المغتربين العرب والقادمين من جنوب آسيا، فإن الوجود الصيني في الفضاء العام للإمارات والنوادي الاجتماعية الحصرية لم يعد ضئيلاً.
تتشكل الجالية الصينية في دبي، وعلى نطاق أوسع في الإمارات من أربع مجموعات رئيسية: الموظفون في الشركات المملوكة للحكومة الصينية (مثل سينوبيك)؛ والشركات الخاصة الضخمة (مثل هواوي) وعائلاتهم؛ ورجال الأعمال المستقلون وموظفوهم وعائلاتهم؛ والموظفون المتحدثون باللغة الصينية في قطاع الخدمات؛ وأصحاب المهارات العليا من المهنيين العاملين في المؤسسات متعددة الجنسيات ومؤسسات التعليم والأبحاث في الإمارات. لقد عملت جهود دبي المستمرة في جذب الطبقة الإبداعية العالمية على تشكيل التركيبة الديموغرافية للجالية الصينية. إن البنية التحتية المتقدمة في الإمارة، والبيئة الاجتماعية والثقافية المتوافقة مع الأسرة، والأهم من ذلك، المصادر التعليمية المتزايدة، قد شجعت المغتربين الصينيين على جلب عائلاتهم للمدينة. في السنوات الأخيرة، تحول السكان الصينيون من كونهم، بصورة مبدئية، عازبين أو أزواج دون أطفال إلى مزيد من العائلات التي لها أطفال في عمر المدرسة. ذلك التحسن على الحالة الاجتماعية والاقتصادية للجالية الصينية وسياسات التأشيرات المريحة لحملة جوازات السفر الصينية يعكس تعزيز العلاقات الثنائية بين الصين والإمارات.
لقد أدت التغيرات الديموغرافية والتنوع المهني المتزايد بين المغتربين الصينيين إلى تسريع مأسسة الجالية الصينية. وتشمل المؤسسات المجتمعية الرئيسية روابط المقاطعات والأقاليم والمدن التي انحدروا منها، واتحادات التجارة لعموم الصين، ومنظمات الفنون، والرياضة والهوايات والمنظمات الدينية، ووسائل الإعلام الناطقة باللغة الصينية، ومؤخرًا، والمدارس التي تعتمد المناهج الوطنية الصينية التي تمولها الحكومة الصينية – المدرسة الصينية في دبي. لقد لعبت هذه المنظمات دورًا أداتيًا في تسهيل التدفقات العابرة لحدود الدولة، ودعم تكيّف المهاجرين، ومؤازرة عمل الوكالة الصينية الحكومية، الجبهة المتحدة، في جهودها لتوحيد العلماء الصينيين والمنظمات الدينية وجمعيات الأعمال والشركات والأفراد في تعزيز التراث الثقافي الصيني والهوية السياسية. والأهم من ذلك، ساهمت هذه المنظمات في تعزيز الشبكات المجتمعية المتداخلة، وتوفير منصات للتواصل الاجتماعي والنشاطات الخيرية. خلال جائحة كورونا، تعاونت عدة منظمات تطوعية مع البعثات الدبلوماسية الصينية والمنظمات الخيرية المتواجدة في الإمارات لتقديم المساعدات الطبية والإغاثية داخليًا وإقليميًا. من خلال أنشطة التواصل المجتمعي، ساعد المغتربون الصينيون في الإمارات على ترسيخ عمليات “التبادل بين الناس”، والتي شكلت قوة دافعة للعديد من المشاريع ضمن إطار مبادرة الحزام والطريق. إضافة لذلك، تسعى المدرسة الصينية في دبي لتعزيز التبادل التعليمي والثقافي بين الصين والإمارات وجذب المزيد من عائلات المغتربين الصينيين للانتقال إلى دبي. توضح الزيادة الكبيرة في أعداد الطلاب الملتحقين بالمدرسة منذ افتتاحها في سبتمبر/أيلول 2020 أن الجالية الصينية قد حافظ على مرونته على الرغم من التحديات التي أوجدتها الجائحة.
ومع ذلك، فقد أحدث التراجع الاقتصادي منذ 2017، والهبوط الحاد في الاقتصاد العالمي أثناء الجائحة تحديات معقدة للجالية الصينية في الإمارات. وعلى الرغم من بقاء دبي واحدة من أكثر الأماكن أمانًا في العالم، إلا أن هناك تقارير متزايدة عن حالات السطو والاعتداء والاختطاف والاغتيال التي تشمل الصينيين سواء كانوا جناة أم ضحايا. ويعتبر الأمن الشخصي وأمن الممتلكات تحديدًا مصدر قلق في مدينة دبي العالمية ومنطقة سوق التنين، حيث يتركز وجود السكان الصينيين والشركات المملوكة للصين.
إضافة لذلك، فإن مكانة دبي كمركز تجاري دولي عابر للحدود، والحاجة لضمان نموها الاقتصادي المستدام في منطقة غير مستقرة قد زادت من هشاشة المدينة أمام التدفقات العالمية غير المشروعة. وجدت الانشطة التجارية المريبة ومعها الأفراد المريبون ملاذات آمنة في دبي. لقد جعلت الثغرات السياسية واقتصاد السوق الحر القائم على الربح دبي عرضة للقيام بأنشطة غسيل الأموال والجرائم السيبرانية.
إن التحدي الأكثر حساسية هو التدفق غير المسبوق لعمليات المقامرة عبر الإنترنت العابرة للحدود من جنوب شرق آسيا إلى دبي خلال جائحة كورونا. وقد نجم ذلك بشكل رئيسي عن استخدام الصين لنفوذها الجيوسياسي لقمع صناعة المراهنة والمقامرة غير المشروعة في جنوب شرق آسيا. ووجدت تقارير إذاعة آسيا الحرة أنه تحت ستار شركات الألعاب الإلكترونية أو التجارة الإلكترونية أو تطوير البرمجيات، استطاعت هذه الشركات المربحة بشكل كبير أن تقوم بالتسجيل بشكل قانوني في دبي، غالبًا من خلال رعاة إماراتيين بارزين. منذ منتصف عام 2020، جلبت شركات الجرائم السيبرانية العابرة للحدود أكثر من 100 ألف موظف صيني جديد إلى دبي باستخدام تأشيرات سياحية من كمبوديا وميانمار والفلبين وفيتنام ومن الصين لتشغيل منصات الألعاب والمقامرة في الخارج. عملت هذه الثروات الجديدة على إغراق السوق المحلي من خلال الدفعات النقدية للسلع الفاخرة والعقارات الرئيسية. كما أنها مسؤولة عن الارتفاع الحاد في أسعار محلات البقالة وصالونات الحلاقة والمطاعم وتأجير الشقق. ومن خلال العمل بمستوى عالٍ من السرية واستخدام إجراءات تشغيل مشبوهة، ظلت هذه الشركات تحت أعين البعثات الدبلوماسية الصينية السلطات في دولة الإمارات وفي مختلف الإمارات. لقد أدت إجراءات السلامة الصارمة للحد من انتشار فيروس كورونا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية المرتبطة بهذه العمليات السرية.
وعلى عكس التوقعات، فإن مجيء عمليات المقامرة الصينية عبر الإنترنت في الوقت المناسب لم يضخ تدفقات نقدية كبيرة في سوق العقارات في دبي فقط، بل أعاد النشاط للعديد من الشركات الصينية التي عانت بشكل سيئ عقب الجائحة. بعد فترة قصيرة من نفي دبي تقارير أنها بدأت إصدار تراخيص للمقامرة، التقى نائب القنصل العام الصيني مع رئيس شرطة دبي وممثلين آخرين للشرطة، معبرًا عن الأمل في أن يقوم الطرفان “بتعزيز التعاون الشرطي وإنفاذ القانون لحماية الحقوق والمصالح الشرعية للصينيين في الخارج، وبشكل مشترك المحافظة على الأمن العام لدبي وسمعتها الدولية”. وتحت ضغط السلطات الصينية والإماراتية، وبسبب الارتفاع الكبير لتكلفة التشغيل في دبي، فإن حوالي ثلث شركات المقامرة الخارجية إما غادرت إلى شرق أوروبا أو عادت إلى جنوب شرق آسيا. ومع ذلك، فإن العمليات المتبقية ما تزال تهدد أمن الجالية الصينية على العموم.
لقد أدى التقدم التكنولوجي إلى إزالة الحدود الفاصلة بين ما هو شرعي وغير شرعي. تشكل سياسة الإمارات المتعلقة بالعملات الرقمية تحديًا آخر للسلطات الصينية التي حظرت بشكل قطعي أية تعاملات مرتبطة بعملة البيتكوين وما شابه ذلك. قد تقود دبي والإمارات مستقبل الاقتصاد الرقمي، ولكن ادعاءات غسيل الأموال والعملات الرقمية يمكن أن تسبب اضطرابات للهيكل المالي الحالي. لقد جعل رواد الأعمال الصينيون في مجال العملات الرقمية من دبي قاعدتهم الجديدة. ولم يتضح حتى الآن كيف ستشكل الشركات الجديدة مستقبل الجالية الصينية.