إذا أُجريت الانتخابات التشريعية في موعدها المقرر في شهر حزيران/يونيو2017، فستشكل نهاية أول برلمان كويتي يُكمل ولايته التي تمتد على أربع سنوات منذ العام 2003. ولا عجب في أن يكون البرلمان الحالي، الذي انتخب في ظل مقاطعة واسعة النطاق من جانب المعارضة، مواليًا للحكومة وبالتالي لم يضغط عليها لتقديم أي أجندة للإصلاح السياسي.
ومع ذلك، يبدو أن الكثير من الكويتيين يظنون أن حلّ البرلمان بات وشيكًا، إذ يشاع أن الانتخابات باتت على الأبواب وستجرى في شهر كانون الأول/ديسمبر، وهو وقت مبكر. ويستند هؤلاء في تفكيرهم إلى مشاكل عدّة تتراوح بين تدني نسبة المشاركة في الانتخابات التي أُجريت في فصل الصيف والعرقلة المتزايدة التي يشهدها البرلمان بسبب مسائل متعلقة بإصلاح الدعم الحكومي. ومع ذلك، وإن أجريت الانتخابات في وقت مبكر، فلن نتمكّن من معرفة مدى تأثيرها على تغيير السياسات أو على قلب مواقف المعارضة التي تزداد تعنتًا.
المعارضة تواجه عقبات قانونية جديدة
يمضي أعضاء حركة المعارضة الواسعة النطاق وغير المنظمة بشكلٍ واضح في رثائهم لقانون الاقتراع الحالي، الذي فرضه الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح في العام 2012 الذي يعطي لكل مواطن الحق بالإدلاء بصوتٍ واحد في كل دائرة في الوقت الذي كان يحق فيه لكل مواطن الإدلاء بأربعة أصوات في الدائرة الواحدة. ويُعتقد أن هذا التعديل يسهّل تقدم المستقلين على الكتلات السياسية المنظمة والمجموعات القبلية التي تطغى عليها الطابع الإسلامي القومي-اليساري والقبلي. ولكن، انطلاقًا من حقيقة أن البرلمانات الوحيدة المنتخبة بموجب هذا القانون الجديد قد انتخبت في ظل أجواء مقاطعة المعارضة، لم تتضح حتى هذه الساعة تأثيرات هذا القانون الفعلية على نشاط المعارضة ومقدار النفوذ الذي من الممكن ان تتمتع به داخل السلطة التشريعية.
وفيما لم يتراجع معظم أعضاء المعارضة عن قرارهم بمقاطعة الانتخابات السابقة التي أجريت بموجب قانون الانتخابات الذي وضع عام 2012، قررت كتلة “الإخوان المسلمين” البرلمانية النافذة المتمثلة بـ”الحركة الدستورية الإسلامية” (حدس) أن تخوض الانتخابات المقبلة. ويرى بعض الأعضاء البارزين في الحركة أنه يقع على عاتقهم المشاركة في الانتخابات، نظرًا إلى أن البرلمان الحالي لم يتطرق إلى قضايا الإصلاح السياسي التي تعتبرها “الحركة الدستورية الإسلامية” بالإضافة إلى أعضاء آخرين في المعارضة مهمة، والتي تتمثل بتطبيق قانون يرعى الأحزاب السياسية وبتمكين البرلمان من التصدي لسلطة الأمير التنفيذية. إلا أن البرلمان قد أقر، في الواقع، قانونًا يلحق الضرر بهذه الكتل البرلمانية. ففي شهر كانون الثاني/يناير، أقرّ البرلمان قانونًا مقيّدًا يتعلق بالإعلام، بأغلبية ساحقة (صوّت 37 من أصل 50 عضوًا في البرلمان لصالح القانون فيما لم يُقدم إلا أربعة على رفضه)، يفرض على وسائل الإعلام الإلكترونية “المهنية” أن تحصل على رخصة عمل من الحكومة كما يحدد أحكام السجن التي تُفرض على كل من يرتكب أي من الانتهاكات الواردة في هذا القانون. وأتى مشروع القانون هذا على أعقاب إقرار قانون صارم مماثل يتعلق بالجرائم الإلكترونية. ولعل أكثر ما ألحق الضرر المباشر بالمعارضة كان إقرار قانون في شهر حزيران/يونيو من العام 2016، كان قد حصل على تأييد 40 عضوًا من أعضاء البرلمان، يمنع الكويتيين الذين أهانوا الحاكم أو الذات الإلهية أو الأنبياء من خوض الانتخابات. وسيطال هذا الأمر عشرات أعضاء المعارضة، ما سيضعف موقفهم في الانتخابات القادمة إن قرروا أن يخوضوها.
وعلى الرغم من تشديد قيادة “الحركة الدستورية الإسلامية” على أن اللقاءات بين أعضائها وأعضاء آخرين في المعارضة لم تنقطع، لم يحذُ أعضاء بارزون في المعارضة حذو الآخرين في وضع حد لمقاطعتهم للبرلمان، باستثناء تجمع “ثوابت الأمة” السلفي. يتداول أعضاء المعارضة العلمانيين اليساريين، العالقين بين المبدأ والبراغماتية، قرار مقاطعتهم للانتخابات، ويبدو أنهم لن يحيدوا عن هذا القرار. ويبدو أن أعضاء المعارضة الشابة المنظمة يشددون على الحاجة إلى المقاطعة، إذ ندد قائد شاب علنًا بقرار “الحركة الدستورية الإسلامية” القاضي بالمشاركة في الانتخابات القادمة، نظرًا إلى أن الحكومة لم تفلح في تهدئة مخاوف المعارضة التي أدت إلى المقاطعة الأولى وقامت في الواقع بتصعيد حملتها.
ونجح ائتلاف المعارضة، خارج نطاق البرلمان، في رفع نسبة الوعي لدى الشعب حول الحاجة إلى إجراء إصلاحات دستورية لتعزيز صلاحيات البرلمان. ولكن لا يمكننا معرفة ما إذا كان ائتلاف المعارضة سيبقى متضامنًا داخل البرلمان حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق يقضي بخوض الانتخابات. يشدّد أعضاء “الحركة الدستورية الإسلامية” على استحالة انتخاب ائتلاف معارضة موحّد وواسع النطاق في ظل القواعد الانتخابية الحالية. نجحت المعارضة في البرلمان المنتخب عام 2012 في الحصول على 34 مقعدًا من أصل 50 في آخر مجلس أمّة منتخب بموجب القانون السابق، ويعود الفضل في ذلك، بشكل أساسي، لتعاونها مع قوات المعارضة الأخرى. أبطلت المحكمة الدستورية نتائج هذه الانتخابات بعد مرور أربعة أشهر على صدورها، لأن الانتخابات لم تتم بموجب القانون الانتخابي الجديد، واكتفت باستبدال مجلس الأمة الجديد بالمجلس المنتخب عام 2009 إلى أن تجرى انتخابات جديدة في وقت لاحق من ذلك العام.
ومن الواضح أن الحكومة تأمل أن تتجنب ظهور ائتلاف انتخابي موحد للمعارضة. إلا أنه وفي حين يبدو أن وحدة المعارضة حول أجندة الإصلاحات الدستورية قد بلغت مستويات غير مسبوقة منذ العام 2006، فإن التكتيكات التي يعتمدها أعضاء الائتلاف لتحقيق هدفهم تزداد تباينًا. وفيما يرثي كافة أعضاء المعارضة القانون الانتخابي الحالي إذ يدركون التداعيات التي ستترتب عنه على المعارضة، لا يُجمع كافة الأعضاء على أن المقاطعة وسيلة فعالة للضغط على الحكومة. وبالتالي، ما يمكن أن يشكل نظريًا معارضة موحّدة يتداعى في حقيقة الأمر أمام تكتيكات الحكومة.
القبائل تعبّر عن آرائها منفردة
من الديناميكيات الفريدة التي نتجت عن ائتلاف المعارضة هذا التي تشكّل على أعقاب الربيع العربي، نذكر الدور الرائد الذي تضطلع به العناصر القبلية (البدو) في المجتمع الكويتي إذ تميل إلى الإدلاء بأصواتها ككتل مستقلة. ولقد أصبحت عناصر المجتمعات القبلية، التي نُسب إليها في السابق أنها موالية للأسرة الحاكمة ووفية لها، تصعّد انتقاداتها العلنية لنظام الحكومة الحالي. ويبدو أن الضغينة متبادلة إذ ضاقت الحكومة ذرعًا من تصريحات قادة المعارضة القبلية العلنية. ويواصل أعضاء قبيلة العجمان التنديد بقرار سحب الجنسية من عضو القبيلة الإسلامي عبدالله البرغش، فيما ينتقد أعضاء قبيلة مطير قرار سجن القيادي مسلم البراك بتهمة إهانة أمير البلاد. وبالتالي، باتت الحكومة، التي أغضبت قبيلتين من أكبر القبائل في الكويت، تواجه معارضة أكثر تنوعًا من السابق. هذا الأمر لا يعني، بالضرورة، أن المعارضة ستربح في الانتخابات القادمة، وإن خاض الأعضاء كلّهم الانتخابات. وإذ أصبح العنصر القبلي أكثر تطلبًا في الميدانين الاقتصادي والسياسي، عملت بعض النخب الحضرية على المحافظة على مكانتها من خلال دعم النظام الحالي بشكل أقوى، والجدير بالذكر أن هذا الدور يختلف عن ذاك الذي أدّته العناصر الحضرية في الماضي.
وبالتالي، وبغض النظر عن نتائج الانتخابات، يشعر عناصر المعارضة أنه من غير المرجح أن تشهد الكويت أي إصلاح سياسي مهم. وإذ يزداد معظم أعضاء المعارضة اقتناعًا بأن الانتخابات غير شرعية، فقد باتوا يلجأون إلى وسائل أخرى للتعبير عن معارضتهم. إلا أن الحكومة باتت تتّخذ إجراءات صارمة بشكلٍ منتظم أكثر، وتستخدم وسائل متعددة لتحكم قبضتها على الوسائل الإعلامية التابعة لأعضاء المعارضة. وما بين العامين 2014 و2015، سحبت الحكومة الكويتية الجنسية من 33 كويتيًّا، معظمهم من أعضاء المعارضة يعبرون علنًا عن آرائهم. وعلّق قاض التراخيص الممنوحة لجريدتين معارضتين في نيسان/أبريل 2014، على أعقاب شكاوى قدّمت إلى وزارة الإعلام، بعد أن نشرت الوسيلتان الإعلاميتان مقالات حول أشرطة فيديو يزعم أنها تكشف تخطيط مسؤولين سابقين لانقلاب على النظام. وبعد مرور سنة، ألغت وزارة الإعلام تراخيص قناتين تلفزيونيتين مرتبطتين بإحدى الجريدتين اللتين أغلقتا في السابق، ويزعم أن السبب في ذلك يعود إلى خسائر مالية. ويجرّم قانون الحكومة المتعلق بالجرائم الإلكترونية، الذي أصبح نافذًا في شهر كانون الثاني/يناير، انتقاد الحكومة والشخصيات السياسية وقادة الحكومات الأجنبية. ويبدو أن الحكومة مستعدة لتطبيق هذا القانون: ففي شهر أيار/مايو، حكم على ثلاثة أعضاء من الأسرة الحاكمة التي تزداد انقسامًا بقضاء خمس سنوات في السجن بتهمة الإساءة إلى الأمير في دردشة على تطبيق “الواتس آب”. وفي الأسبوع المنصرم، ألقي القبض على الناشطة سارة الدريس بسبب تغريداتها التي اعتُبرت مسيئة للأمير.
المعارضة الكويتية تبحث عن وحدة تكتيكية
في ظل استمرار تقلّص النقاش السياسي، وعمل البرلمان الذي يعتبر غير فعال، تواجه المعارضة الكويتية المنقسمة بشدة تحديًا يتمثل بمحاولة تغيير نظام متشدد. وإن بان أن ثمة قواسم مشتركة عديدة بين أعضاء المعارضة، لجهة الدعوة إلى إجراء بعض التعديلات على القانون الانتخابي وإقرار قانون الأحزاب السياسية وتعزيز صلاحيات البرلمان، فيبدو أنهم غير قادرين على تنسيق استراتيجياتهم لتحقيق أهدافهم. وفي الوقت عينه، يبدو أن الحكومة أصبحت أكثر اندفاعًا من أي وقت مضى لمنعهم من تحقيق هذا الهدف.
كورتني فرير هي باحثة في برنامج الكويت في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.