تستكشف هذه السلسلة صناعة محتوى البودكاست في دول الخليج العربية من خلال النظر إلى بعض تجارب برامج البودكاست النشطة في المنطقة لعرض كل من الإمكانات والتحديات لهذا الوسيط المتنامي للمعرفة والبناء المجتمعي والترفيه.
في دول الخليج العربية، لا يعرف الكثيرون ما هو البودكاست، وأكثرية من يعرفون ماهيّته لم يستمعوا لأي من برامجه. ومع ذلك، فإن انتشار ثقافة البودكاست سريع في أنحاء الخليج، حيث ينتِج السعوديون حالياً مئات البرامج، وهو الإنتاج الأكبر في المنطقة. ولكن لا يزال أمام صناعة البودكاست شوطاً طويلاً لتقطعه قبل أن تصل إلى الجماهير في دول الخليج.
صُوِّغ المصطلح “بودكاست” في عام 2004 على أنه مزيج من كلمتي “iPod” أو “آيبود” وَ “broadcast” أو “البث”. تتوافر هذه البرامج الصوتية في الغالب على الإنترنت ويمكن تحميلها. انطلق إنتاج البودكاست في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى خلال العقد الماضي، ليصبح إعلامًا جديدًا ومزدهرًا يتمتع بفرص تجارية مربحة.
المزيد والمزيد من الشباب في منطقة الخليج توسعوا في إنتاج البودكاست متحدثين عن مواضيع مختلفة ابتداء من الأفلام وألعاب الفيديو وحتى الفلسفة والصحة. تركز بعض هذه البرامج على موضوعٍ واحدٍ بينما يغطي البعض الآخر عدة مواضيع.
وسيط سهل وغير مُقنّن
لا توجد قوانين حكومية تُقنّن إنتاج البودكاست في منطقة الخليج. كما أن مقدمي البرامج لا يحتاجون إلى شراء ترخيص بث وليس هناك حاجة لاستوديوهات تسجيل مكلِفة أو قنوات توزيع بيروقراطية. الكثير من منتجي المحتوى يسجلون برامجهم من منازلهم. إنتاج وتوزيع البودكاست غير مُكلِف نسبياً ويمكن الوصول له على نطاق واسع على أجهزة الهواتف المحمولة. هذه السهولة هي أحد الأسباب التي جعلت العديد من الخليجيين يختارون إنتاج هذا النوع من المحتوى. يقول خالد العريفي، أحد مؤسسي بودكاست “Shuffle Cast”: “أسجل من جدة وصديقي محمد العرفج يسجل من الدمام. نستضيف البرنامج معاً، ولكن لم يسبق لنا أن سجلنا أي حلقة ونحن في ذات المكان.” ويضيف: “البودكاست يتيح لنا المجال لعرض أفكارنا بشكل سريع ومباشر”. كما أشار إلى أنه يوفر إمكانية وصول واسعة إلى “محتوى متميز” يتوفر الكثير منه مجانًا، على عكس المنصات الترفيهية الأكثر شعبية والتي تتطلب دفع رسوم اشتراك مثل نتفليكس.
من السهل استخدام البودكاست، حيث يمكن الاستماع إليه أثناء القيام بأعمال أخرى مثل الرياضة أو الطهي أو القيادة. موقع بودكاست بالعربي، وهو منصة افتراضية على الإنترنت لبرامج البودكاست العربية، أجرى استبيانًا على تويتر في ديسمبر 2018 حول سلوكيات الاستماع للبودكاست في البلدان العربية. ووفقاً للدراسة الاستقصائية، فإن 53 في المئة من المصوتين البالغ عددهم 404 قالوا أنهم يستمعون غالباً إلى البودكاست في السيارة بينما يستمع 35 في المئة منهم في منازلهم. يعتمد سكان دول الخليج بشكل كبير على السيارات للتنقل على الطرق السريعة والمزدحمة. العديد من السائقين يَشْغلون ساعات القيادة الطويلة بالاستماع إلى البودكاست. نواف النغموش، كاتب محتوى ومُقدّم بودكاست “سعودي گيمر”، يقول: “محتوى البودكاست مسلٍ وخفيف ولا يتطلب الكثير من التركيز. لقد حلّ محل القنوات الإذاعية ومحتوياتها القديمة والمكرورة والمتحجرة والتي لا تتطابق مع اهتمامات غالبية المستمعين”.
“لقد دخل البودكاست إلى حياة الناس بسهولة وأصبح الاستماع إليه ممارسة يومية للكثيرين”، تقول شهد الطخيم، والتي أنشأت بودكاست “غيمة” مع صديقتها نورة الشبيلي في المملكة العربية السعودية والذي يناقِش مواضيع متعلقة بعلم النفس. وأشارت نورة إلى أن “المحتوى الصوتي يجعل المُقّدم أكثر تلقائية من المحتوى المرئي”، كما يسمح المحتوى الصوتي للمُقدم بتقديم محتوى مُعمّق حيث أن تركيز المستمع منصب على المحتوى دون تشتت كما هو الحال مع المحتوى المرئي، وفقًا لتركي البلوشي، الصحفي العُماني ومؤسس بودكاست “السكة“.
أصبح البودكاست للعديد من الشباب في الخليج وسيلة أخرى للتعبير عن الذات. يقول تركي: “نُناقش قضايا لا تُثار عادة في وسائل الإعلام التقليدية بهدف فتح مجالات حوار غير تقليدية”. ويصف عمّار الصبّان، وهو محرك دُمى وكاتب سعودي، محتوى بودكاست “مستدفر” والذي أسسه مع رامي طيبة بالقول: “نوعية الحوارات هي تلك التي تُجريها مع أصدقائك وصديقاتك؛ ذات الأجواء الحميمية. نحن نتحدث باللغة العامية المحلية عن الموضوعات التي نحبها ونهتم بها”. ويضيف: “القليل من الناس في أوساطنا الاجتماعية تهتم بمناقشة مواضيع بخلاف الرياضة والدين. أردنا مناقشة مواضيع تهمنا مثل التكنولوجيا والتحرش الجنسي والأفلام وغيرها. لذلك قررنا إنشاء برنامج بودكاست”.
بدأ فوزي محسون بودكاست “House Zofi” في جدة. “أنا ومجموعة من أصدقائي لدينا شغف بألعاب الفيديو وألعاب الطاولة والأنيمي والمانگا اليابانية. قررنا في البدء نشر محادثاتنا حول هذه المواضيع في صيغة فيديوهات قصيرة على تطبيق سناب شات (أو (Snapchat. ولكن هذا التطبيق الصغير لا يسع محتوانا. فاقترح عليّ أحد الأصدقاء استخدام الfودكاست لتسجيل حواراتنا. الآن أصبح بإمكاننا التحدث لساعات. معظم حلقاتنا تتجاوز مدتها الساعتين”.
خلف كواليس بودكاست “مستدفر” (عمّار الصبان)
العثور على مجتمع
يقول عبد الرحمن العمران ، وهو يصف تجربته الإنتاجية الأولى: “لقد شعرنا بأننا وحدنا. عندما بدأت في إنتاج بودكاست “تيار” مع أصدقائي في السعودية عام 2017، لم يكن هناك مجتمع لصانعي المحتوى من حولنا لنتبادل معهم الخبرات والأفكار، لم يكن هناك ما يُرشدنا إلى كيفية ومكان شراء معدات التسجيل. لم نكن نعرف حتى ما إذا كان أي شخص سيستمع إلى برنامجنا أو كيف نسوّق له. لقد قمنا بتعليم أنفسنا”.
في نهاية عام 2017، ولمساعدة مصنعي المحتوى الجدد على التغلب على مثل هذه التحديات، أسس عبدالرحمن منصة بودكاست بالعربي لتطوير مجتمع البودكاست العربي وتبادل الأفكار والتعاون فيما بينهم. “لقد أنشأنا أيضًا استوديو مجاني ومجهز بالكامل في الرياض لكل من يرغب في تسجيل بودكاست. لقد أصبحنا مركزًا رئيسيًا للبودكاست العربي”. تقول نورة الشبيلي: “لقد ساعدنا موقع بودكاست بالعربي في إطلاق برنامج ”غيمة” وأرشدونا فنياً لتحسين جودة الإنتاج وساعدونا على تسويقه إلى الجمهور العربي”.
عددٌ من المبادرات المماثلة بدأ في التطور مثل البودكاست العربي، وهو موقع يُفهرس البرامج العربية. يقول عبد الرحمن العمران: “البودكاست العربي يعمل بمثابة دليل للمحتوى العربي، بينما نركز نحن في بودكاست بالعربي على تطوير المجتمع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي”.
نمو مجتمع البودكاست جعله أكثر تطوراً. بودكاست “مستدفر” أصبح أول شبكة پودكاست عربية – شبكة مستدفر – تنتِج حوالي 15 برنامج بودكاست مختلفة. “عندما وجدنا أن هناك الكثير من السعوديين مهتمون بصناعة البودكاست، قررنا أن نجعل الاستوديو الخاص بنا متاحًا للإيجار” يقول عمّار الصبّان. هذا الاستوديو هو المكان الذي انطلق منه برنامج فوزي محسون “House Zofi” في عام 2016. يقول فوزي: “استأجرت الاستوديو الخاص بهم وبعد أن تعلمت تقنيات الإنتاج والتسجيل، اشتريت معدات التسجيل الخاصة بي وجهزت غرفة في منزلي لإنشاء استوديو لفريقي”. يوفر فوزي مساحة الاستوديو في منزله هذه مجانًا لكل من يرغب بإنتاج بودكاست، كما يوفِر المكان لاستضافة فعاليات على نطاقٍ صغير. في عام 2018 ، قام فريق بودكاست “ألعاب” من المملكة العربية السعودية، و “Root Quest” من الإمارات العربية المتحدة، و “Lucky Gen Gamers” من الكويت بتسجيل حلقة مشتركة في استوديو فوزي.
تمويل الوسيط
بما أن صناعة البودكاست في الخليج لاتزال في المهد، فإن غالبية صُناع المحتوى يواصلون تمويل برامجهم من مالهم الخاص. انخفاض تكلفة إنشاء البودكاست تساعدهم على ذلك. وبالإضافة إلى كونهم هواة، فإن العديد من الصُنّاع الخليجيين لا يعرفون إمكانات تحقيق الدخل من هذه الصناعة ولم يطوروا نموذج عمل لبرامجهم. وفقاً لتركى البلوشي، فإن الافتقار إلى الاحترافية قد يكون عائقاً في طريق المنافسة مع المحتويات الأخرى على الإنترنت. “إن التحدي الأكبر الذي يواجه البودكاست هو إنتاج محتوى أكثر جاذبية من المحتوى المرئي وجودة صوت عالية تتنافس مع محتوى الراديو”.
تُعد الإعلانات مصدر التمويل الأكبر للبودكاست عالمياً. غير أن شركات الإعلان في الخليج لم تعترف بالجاذبيية التجارية للبودكاست وجمهوره. مستمعي البودكاست عادة منتبهون إلى محتوى البودكاست ومأخوذون به ويُظهرون مستويات أعلى في التفاعل مع المواضيع بالمقارنة مع الوسائط الأخرى مثل التلفزيون أو الأفلام. إنهم “جمهور مخلص” كما يصفهم خالد العريفي. يستمع جمهور البودكاست إلى برامجمهم المفضلة لساعات طويلة لاستكشاف ما يحبون من مواضيع. يقول سلطان الحربي، المسؤول التنفيذي في بودكاست وشبكة HMWP هروج المصارعة في السعودية، إن جمهور البودكاست “متذوّق” ويبحث عن المحتوى الناقد. وفقًا لمسح بودكاست بالعربي فإن 41 في المئة من 428 مصوتاً يفضلون الاستماع إلى حلقة تمتد من 20 إلى 40 دقيقة، ويفضل 36 في المئة منهم حلقة أطول من 40 دقيقة. يمنح هذا النوع من التفاعل مع محتوى البودكاست المزيد من إمكانات تحقيق الدخل.
سوق البودكاست السعودي على وجه الخصوص لديها إمكانات عالية. “سعودي گيمرز” هو أحد أكثر برامج البودكاست شعبية بين أقرانه في مجال الترفيه وألعاب الفيديو في الشرق الأوسط. عبد الله الراشد و صديقه عبد العزيز المعيقل بدءا مع صديقين آخرين بودكاست “الكورة معنا“. بحسب عبد العزيز: “على الرغم من أن صناعة البودكاست السعودية لا تزال ناشئة، إلا أننا فوجئنا بأعداد المستمعين الكبيرة لبرنامجنا. وفقاً لأرقام الاستماع وبيانات الآيتونز، يُعد برنامجنا أحد أكثر برامج البودكاست الكروية شعبيةً عربياً”. وتقول نورة الشبيلي: “لقد فاجأنا عالم البودكاست. نتلقى آلاف الاستماعات لبرنامج “غيمة”. لم نتوقع الحصول على رُبع هذه الأرقام. ما هو أكثر إثارة للاهتمام تفاعل الجمهور مع المحتوى الخاص بنا من خلال العديد من منصات التواصل الاجتماعي. العديد من الأطباء النفسيين كانوا مهتمين بالمواضيع التي طرحناها. أيضا استفاد الكثير من الطلاب وأولياء الأمور من محتوى البرنامج. نتلقى ملاحظات من مستمعين من سلطنة عُمان ومصر والجزائر. لم نتوقع كل هذا”. ويشير تركي البلوشي إلى أن أعلى نسبة استماع لبودكاست “السكة” بعد عُمان تأتي من مستمعي المملكة العربية السعودية.
أحد أهم الأسئلة للمعلنين الخليجيين هو عدد الاستماعات لبرامج البودكاست. ولكن تجميع تحليلات وبيانات الاستماع والمتابعة للبودكاست أمر صعب للغاية. بحسب عبد الرحمن العمران لا تتركز أرقام الاستماع والتحميل تحت خدمة بث واحدة. علاوة على ذلك، تختلف معايير الاستماع من شركة استضافة إلى أخرى، مما يجعل من الصعب تجميع أرقام دقيقة. وبالتالي، يرغب العديد من مشرفي البودكاست في الحصول على المزيد من المعايير الدقيقة لمتابعات الجمهور بغرض جذب أموال الدعاية بشكل أفضل. لذلك سيكون من المهم الحصول على بعض التحكم المباشر ببيانات برامجهم لعرض نتائج عمل ملموسة.
ومع ذلك، شدد عمّار الصبان على أنه “في صناعة البودكاست، يجب أن يكون التركيز على نوعية المستمع، وليس على عدد الاستماعات”.على سبيل المثال، بودكاست “الجبل” أنشأه سعود البديّع، وهو طالب بكالوريوس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. “”الجبل” هو برنامج متخصص في شؤون طلاب جامعة الملك فهد بشكل خاص وبقية طُلاب وطالبات الجامعات الأخرى بشكل عام” وفقا لسعود. “جمهوري هو طلبة وطالبات الجامعة. لذا فإن أعداد الاستماع لبودكاست “الجبل” ليست مرتفعة، ولكنها جيدة بالمقارنة مع عدد طلاب جامعة الملك فهد المقارِب لـ 10000، وهذا هو جمهورنا المستهدَف”.
على الرغم من هذه التحديات، طوّر بعض منتجوا البودكاست الخليجيون استراتيجياتهم لتحقيق الدخل. على سبيل المثال، أسس عبدالرحمن أبومالح شركة إنتاج ثمانية وأصبح متفرغاً لإنتاج المحتوى. تُنتج الشركة والتي مقرها في الرياض، شبكة من برامج البودكاست بالإضافة إلى بودكاست “فنجان” الأشهر بين مجموعتها. تستثمر الشركة في الإنتاج لتمويل برامجها، مما يضمن استمرارية إنتاج البودكاست. “فنجان” لديه أعلى أرقام استماع في المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج وفقاً لعبدالرحمن؛ ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا النجاح والشعبية، فإن “إقناع المعلنين برعاية برامجنا لا يزال صعباً للغاية” يقول عبدالرحمن.
أسس تركي البلوشي شركة للإنتاج الإعلامي تمّول بودكاست “السكة”، وهو يخطط أيضاً للإعلان لبعض الرعاة من خلال برنامجه. ولضمان تخفيض تكاليف الإنتاج دون التأثير على جودة المحتوى يتعاون تركي مع شركات عُمانية ناشئة لتحسين جودة الصوت في الپودكاست بأقل تكلفة ممكنة.
تجارب صُناع المحتوى والمنتجون في تمويل برامج البودكاست مختلفة على كل حال. وفقاً لجود الدجاني، المؤسس والمدير التنفيذي لشبكة HMWP: “لا تقتصر العوائد المالية على المعلنين المحليين فقط”.
يقول عبدالرحمن العمران: ”أعتقد أن سوق البودكاست بحاجة إلى المزيد من الوقت للنمو والتطور للوصول إلى مرحلة من النضج تجذب انتباه المعلنين كما كانت الحال مع سوق اليوتيوب في المملكة. بدأ إنتاج اليوتيوب هناك في عام 2010 من خلال جهود فردية وتطوعية، ولم يلاحِظ المعلنون المحليون إمكانيات هذه السوق التجارية حتى عام 2013. والآن تخصص العديد من الشركات ميزانيات للإعلان على قنوات اليوتيوب. فلسفتني هي: ابدأ بالبناء وسينضمون إليك”.
مع اقتراب عام 2024 من نهايته، لا يزال عدم اليقين يخيم على أسواق النفط بسبب المخاطر الجيوسياسية، وضعف الطلب الصيني الذي جاء أقل من المتوقع، والتطورات المتعلقة بالتحول في مجال الطاقة.
مع سعي ترامب لتحقيق زيادة هائلة في إنتاج النفط والغاز الأمريكي، وعرقلة صادرات النفط الإيرانية، فإنه لن يتردد في التدخل بقوة في سوق النفط.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.