ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
فور تصديق مجلس الشيوخ على تعيينه وزيرا للخارجية، توجه مايك بومبيو إلى المطار ليبدأ جولة أوربية- شرق أوسطية، ليبحث مع أصدقاء وحلفاء واشنطن أحد أبرز –وربما أخطر- قرار سيتخذه الرئيس ترامب منذ انتخابه، أي الانسحاب من الاتفاق النووي الدولي الموقع بين إيران والدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن وألمانيا في 2015 والذي يفرض قيودا على البرنامج النووي الإيراني، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران بسبب هذا البرنامج.
محطات بومبيو شملت بروكسيل، بلجيكا حيث شارك في مؤتمر لوزراء خارجية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبعدها توجه إلى السعودية وإسرائيل والأردن. وللمرة الأولى، يقضي وزير خارجية أمريكي أول خمسة أيام من ولايته خارج الولايات المتحدة. موعد انعقاد مؤتمر الناتو، واقتراب موعد تقرير مستقبل الاتفاق النووي، فرضت على بومبيو توقيت الجولة. في بروكسيل، شدد بومبيو على التزام واشنطن بالحلف الأطلسي، ووجه انتقادات قوية للسلوك الروسي التصعيدي والتخريبي، وتحديدا في أوكرانيا، وهو موقف لا يسمعه الأمريكيون من الرئيس ترامب. وفي الرياض التقى بومبيو مع المسؤولين السعوديين على ضرورة التصدي للسلوك الإيراني الذي يتحدى مصالح واشنطن واصدقائها في العراق وسوريا واليمن. ولكن مواقفه لم تتسق تماما مع السعودية بشأن الأزمة التي انفجرت قبل سنة تقريبا بين قطر، وما عاد يُعرف بالرباعية (السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين) والتي أدت إلى قطيعة شبه شاملة بين الطرفين، بما في ذلك إغلاق الحدود البرية بين السعودية وقطر. كما ناقش بومبيو مع المسؤولين السعوديين سبل إنهاء الحرب المكلفة والكارثية في اليمن، حيث تساهم واشنطن ليس فقط في توفير الدعم اللوجستي والاستخباراتي للقوات السعودية والإماراتية، ولكن كما كشفت صحيفة نيويورك تايمز، ينتشر عدد صغير من الخبراء العسكريين الأمريكيين لمساعدة القوات السعودية في تحديد أماكن نشر أو خزن الصواريخ الباليستية ومنصاتها من أجل تدميرها قبل انطلاقها ضد الأهداف السعودية.
في إسرائيل، قدم رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو عرضا مسرحيا، ألمح فيه إلى أن إيران لا تزال تملك برنامجا نوويا عسكريا. نتنياهو كان الممثل الوحيد على خشبة المسرح، وتصرّف وكأن مسرحيته هي لمتفرج واحد اسمه دونالد ترامب، الذي كان رد فعله الإيجابي متوقعا. في الأردن، كانت سوريا في أولويات جدول المباحثات. وخلال مؤتمر صحفي عقده في الأردن، لم يتردد بومبيو في تأييد إسرائيل بما في ذلك قمعها العنيف للتظاهرات الفلسطينية على الحدود بين غزة وإسرائيل، والتي أدت إلى مقتل 47 متظاهر فلسطيني على الأقل.
بومبيو ليس تيلرسون
جولة بومبيو، والتي لحقها أول اجتماع له مع المسؤولين والموظفين في الوزارة بحضور الرئيس ترامب، كانت تهدف من جملة ما تهدف إليه أن يثبت بومبيو للرئيس ترامب وللأمريكيين والعالم أنه يختلف جذريا عن سلفه ريكس تيلرسون الذي أقاله ترامب لأسباب شخصية وسياسية، من بينها وصفه لترامب أمام عدد من المسؤولين خلال اجتماع في وزارة الدفاع بأنه “غبي” وسبق هذه الكلمة بشتيمة. حقبة تيلرسون تميزت بالقحط السياسي وشيوع مشاعر الاحباط لان تيلرسون عزل نفسه عن الدبلوماسيين المخضرمين، وحاول إدارة بيروقراطية الوزارة الكبيرة، بشكل فظ وأحادي الجانب كما فعل خلال إدارته لشركة إكسون-موبيل العملاقة للطاقة. بومبيو وعد باستعادة الثقة والاعتزاز للوزارة وإحياء سمعة الديبلوماسية الأمريكية الفعالة. خلال وجوده في أوروبا والشرق الأوسط، تصرف بومبيو بشكل مغاير لتيلرسون، حيث أظهر انفتاحه على الصحفيين، وأوحى بأكثر من طريقة أن مواقفه السياسية تجاه قضايا السياسة الخارجية والأمنية المعقدة مثل الاتفاق النووي مع إيران، والقمة المرتقبة بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون، والدعم القوي لإسرائيل، كلها تلتقي مع مواقف ترامب.
اتفاق أوباما مع إيران
كان بومبيو من أبرز معارضي الاتفاق النووي مع إيران عندما كان عضوا في مجلس النواب، ولم يتردد في تأكيد هذا الموقف خلال إدارته لوكالة الاستخبارات المركزية في السنة الأولى من ولاية ترامب والتي طوّر خلالها علاقات جيدة، شخصية وسياسية، مع الرئيس، خاصة وأنه لا يفوت أي فرصة للثناء على ترامب، بعكس سلفه تيلرسون. خلال وجوده في السعودية قال بومبيو إن إيران “هي بالفعل الراعي الأكبر للإرهاب في العالم، ونحن مصممون على ضمان عدم حصولها أبدا على الأسلحة النووية”، وانتقد بشدة نشاطاتها التخريبية في المنطقة ودعا إلى معاقبتها. وفي إسرائيل أعرب عن قلق بلاده من “التصعيد الخطير” لتهديدات إيران لإسرائيل، واتهم طهران بأنها تطمح للهيمنة على المنطقة.
وقال بومبيو إن الرئيس ترامب أعطى تعليماته للأجهزة الحكومية الأمريكية (بالتعاون مع الكونغرس وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) لإصلاح الاتفاق، وتابع “وإذا لم نستطع إصلاحه، سوف ينسحب من الاتفاق. هذا موقف واضح”. وادعى بومبيو خلال وجوده في إسرائيل أنه “بعكس الإدارة السابقة (أوباما) لدى الرئيس ترامب استراتيجية شاملة تجاه إيران مصممة لمواجهة جميع الأخطار التالية من طهران”. اللافت أن الرئيس ترامب يندد دائما بالاتفاق ويصفه بأنه الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة، ولكنه يتفادى مناقشته بالتفصيل. ويقول مؤيدو الاتفاق أن أحد أسباب معارضة ترامب له هو ارتباطه باسم الرئيس أوباما، لأن ترامب سعى منذ انتخابه إلى تقويض جميع القرارات أو الإنجازات التي حققها أوباما، مثل قانون الرعاية الصحية، أو قوانين الهجرة وغيرها. وإذا كانت هناك استراتيجية شاملة تجاه إيران كما يقول بومبيو، فإنها ليست واضحة ولم تناقش علنا أو مع الكونغرس.
في الأسابيع الماضية حاول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية انغيلا ميركل خلال محادثات مباشرة مع ترامب في واشنطن، وكذلك رئيس وزراء بريطانيا تيريزا ماي، عبر اتصالات هاتفية مع ترامب، اقناعه بعدم الانسحاب من الاتفاق واعطائهم المزيد من الوقت لمحاولة التوصل إلى اتفاقات أو ملاحق جديدة مع إيران تلبي شروط ترامب بفرض قيود على برنامج إيران الصاروخي، وغيرها من المطالب. ولكن وفقا لما تقوله مصادر أمريكية مطلعة على هذه الجهود الأوروبية لا توجد هناك أي ضمانات بأن إيران سوف تقبل أي تعديل على الاتفاق أو إضافة ملاحق جديدة إليه، وبالتالي هناك تسليم في الأوساط الرسمية في واشنطن بأن الرئيس سوف ينسحب من الاتفاق، وأن ليس من الواضح ما الذي سيتبع إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران، وكيف ستتعامل أوروبا مع هذه العقوبات. ويأمل الأوروبيون في أعقاب انسحاب ترامب من الاتفاق أن يجمد تطبيق العقوبات التي ستفرض تلقائيا بعد الانسحاب. ولا أحد يعلم ما إذا كان ترامب سيقبل بذلك أم لا.
شؤون وشجون خليجية
خلال بحثه لنشاطات إيران الإقليمية السلبية، أثار بومبيو مع المسؤولين السعوديين مسألة حل النزاع بين الرباعية وقطر، وذلك في سياق إعادة بناء اجماع خليجي عربي لردع إيران. ولكن وفقا لما قالته مصادر أمريكية مطلعة، لم يمض بومبيو وقتا طويلا لمناقشة هذا النزاع، وخاصة بعد قال المسؤولون السعوديون إن الظروف غير ناضجة لأي تسوية للنزاع في المستقبل المنظور. المسؤولون الأمريكيون أعربوا عن ارتياحهم لأن دول الخليج المتنازعة مع قطر قد وافقت على طلب واشنطن أن لا تستثنى قطر من المناورات العسكرية التي أجريت مؤخرا بين القوات الأمريكية وقوات دول مجلس التعاون الخليجي. وكان من المفترض أن تعقد القمة الخليجية-الأمريكية في شهر أيار – مايو الجاري، ولكن نظرا لاستمرار الأزمة القطرية، ونظرا لانشغال المسؤولين الأمريكيين هذا الشهر بمصير الاتفاق النووي مع إيران، والقمة الأمريكية-الكورية الشمالية القريبة، فقد تم الاتفاق مبدئيا على عقد القمة الخليجية-الأمريكية في شهر أيلول-سبتمبر المقبل، حيث تأمل واشنطن بهدوء ودون المبالغة بالتوقعات، ببحث الأزمة القطرية ومحاولة التوصل إلى تسوية، أو إذا تعذر ذلك السعي لتفادي تعميق الخلافات.
وكانت الحرب في اليمن من بين القضايا الهامة التي ناقشها بومبيو مع السعوديين. الأمريكيون يقولون إن التطورات والظروف الميدانية لا توحي بأن النزاع سوف ينتهي في أي وقت قريب، لأن قياديين في السعودية وقادة الحوثيين لا يزالون يؤمنون بوجود حل عسكري للقتال. وبعد الكشف عن وجود عدد صغير للغاية من عناصر عسكرية أمريكية مختصة تنسق مع القوات السعودية لتحييد خطر الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون ضد اهداف سعودية، قالت المصادر إن هناك قلق أمريكي من تفاقم خطر هذه الصواريخ في الأشهر المقبلة لأكثر من سبب. وتشير المصادر الى ان الحوثيين قد حسنوا من خبرتهم بإطلاق وتوجيه الصواريخ التي يحصلون عليها من إيران. وتقوم إيران بتدريب عناصر من الحوثيين على إطلاق هذه الصواريخ في إيران، كما يقوم حزب الله اللبناني بتدريب عناصر حوثية في لبنان وفي اليمن على إطلاق هذه الصواريخ. ويعكس وجود هذه العناصر العسكرية الأمريكية على الحدود اليمنية –السعودية وفقا لتقرير نشرته مؤخرا صحيفة نيويورك تايمز، قلق أمريكي من أنه اذا لم يتم قريبا التصدي الفعال للترسانة الصاروخية الحوثية، فإن خطرها سيزداد نظرا لتحسن مهارات الحوثيين، ما يعني أن الحوثيين قد يصبحون في وضع يمكنهم من تهديد مدن سعودية من بينها العاصمة الرياض، وهذا خط أحمر للسعوديين والأمريكيين.