تستلهم مصممة المجوهرات العُمانية، فاطمة النجار، والتي تسعى للحفاظ على التراث الثقافي، أفكارها من تراث محافظة ظفار، وتعيد تصور تقاليد الزينة والحُلي المتوارثة عن أسلافها عبر علامتها التجارية في المجوهرات ونمط الحياة، “رهينة”. وُلدت فاطمة النجار عام 1992، ونشأت في مسقط، وتعد أعمالها جسراً ما بين الطابع الحضري والتقاليد المتوارثة عن الأجداد، جسراً بين المعاصر والتقليدي. تستوحي فاطمة إبداعاتها من التاريخ الشفوي والطقوس والثقافة المادية في جنوب عُمان، ولا سيما مجتمعات الجبالي الناطقة باللغة الشحرية.
تصنع فاطمة من خلال علامتها التجارية “رهينة” مجوهراتها تكريماً للمكانة الروحانية والرمزية للمجوهرات العُمانية التقليدية، وتحولها إلى سرديات يمكن ارتداؤها، وتربط بين الماضي والحاضر. كما تعد أعمال فاطمة رحلة شخصية لاستعادة الهوية والانتماء، حيث تبحر بين تراثها العُماني والفلبيني المختلط، لابتكار فن شخصي ومجتمعي في آن واحد.
تحدث معهد دول الخليج العربية في واشنطن مع فاطمة للتعرف على المزيد حول خلفيتها الشخصية، وأهمية الحفاظ على التراث الثقافي، وتأثير إرثها على مسيرتها الفنية.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: كيف كانت رحلتك الشخصية، وما الذي دفعك للاهتمام بتصميم المجوهرات؟
فاطمة: لطالما كنت على تواصل وثيق مع الإبداع. من صناعة الأفلام إلى كتابة القصص، وتجميع الحلي البلاستيكية من مواد التصنيع اليدوي (DIY)، كما كان الإبداع وقضاء الوقت في الهواء الطلق جزءاً كبيراً من طفولتي. وعندما كبرت، بدأت أنظر إلى الإبداع على أنه شيء ترفيهي يفتقر إلى القيمة العملية في عالم الكبار.
في البداية، سلكت المسار التقليدي: التعليم والحصول على شهادة جامعية في إدارة الأعمال والتسويق في لندن، ثم الحصول على عمل في وطني عُمان. مرت سبع سنوات، ووجدت نفسي أتوق إلى مهنة ذات مغزى، كنت أسعى إلى ما أطلقت عليه مشروع “الروح”، رغم أنني لم أكن متأكدة من الشكل الذي ينبغي أن يتخذه هذا العمل.
ولم يمض وقت طويل حتى تركت عملي، ووجدت نفسي في زنجبار، المكان الذي جعلني كالشرنقة التي تتخلص من الأعراف القديمة، وتتقبل احتمالات جديدة. وهناك التقيت ماريا، امرأة بدوية من قبائل الماساي، أسرتني طقوسها اليومية في صناعة المجوهرات.
كانت تجلس على الشاطئ، تنظم بإتقان قطعاً ملونة في سلاسل تعكس تراثها وبراعتها الفنية. وجدتني أشتري الخلخال، وأراقب عملها عن كثب، حتى بدأت في النهاية المطاف تعلمني تقنيات تصنيع المجوهرات من الخرز.
من خلال دروس ماريا، استعدت ذكرى طقوس والدتي، وهي تحضر الزينة للمناسبات الخاصة، مرتدية قطعة تراثية ورثتها من العائلة – قطعة تراثية من جدتي الظفارية تسمى قلادة الرهينة – مع خرزات من المرجان والعملات الذهبية المنظومة على سلسلة ذهبية.
كان التوقيت مناسباً، فقد أجتاحت جائحة كوفيد-19 العالم، وأجبرتني على البقاء في العزل المنزلي. في غرفتي، وجدتُ العزاء في الأدوات التي تركتها والدتي، التي كانت هي نفسها في السابق صانعة مجوهرات. في هذه الأجواء من العزلة والتأمل، انطلقت رحلتي في عالم تصميم المجوهرات.
ماريا، صانعة مجوهرات من زنجبار. (صورة من فاطمة النجار)
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: باعتبارك إنسانة تتمتع بإرث عُماني ظفاري وفلبيني مختلط، كيف تتعاملين مع تعقيدات الهوية والانتماء داخل المجتمع العُماني؟
فاطمة: في البداية، تعلمت أن أتأقلم بما يتلاءم مع بيئتي، على أمل العيش بسلام دون أن يلاحظني أحد. كان من السهل عليَّ البقاء في الخفاء. فبهذه الطريقة لم أكن مضطرة لتعريف نفسي أو لتوضيح هويتي للأخرين.
شعرت وكأنني عالقة بين قطبين متناقضين: العُماني والفلبيني، المحافظ والليبرالي، الصواب والخطأ. عانيت مع إحساس ضرورة اختيار هوية محددة، ورسم حدود واضحة لتعريفي الذاتي. كنتُ أميل إلى اختيار جانبي العربي/الظفاري/العماني، وهو كان يعني أحياناً تنحية جذوري الفلبينية.
واجهت تساؤلات داخلية وخارجية بشأن المفهوم الحقيقي للعروبة. هل اللغة الأم لوالدي، أم أن اللغة الشحرية (والمعروفة أيضاً بالجبالية)، تنتقص من كوني عربية؟ هل أكون حقاً ظفارية إذا لم أتعايش مع الناس لما يزيد على ثلاثة أشهر في السنة؟ ماذا لو لم أغطِ وجهي وأشارك في بعض الممارسات الثقافية؟
لم أدرك إلا في مرحلة متقدمة من حياتي كإنسانة بالغة أن الهوية ليست شيئاً جامداً، وإنما مرنة ومتعددة الأوجه. فهويتي تتشكل من خلال تجاربي وتراثي المختلط والقيم والمجتمعات التي أنتمي إليها.
تعلمت أن أتبني تراثي المختلط، على الرغم من أن جانبي الظفاري ما يزال هو الأقرب لتحديد هويتي. في ظفار، أشعر أن الانتماء يُكتسب من خلال نقاء نسبك، وحضورك الجسدي، والاهتمام بالمجتمع، والاندماج مع الجميع. إنه مكان يقابل فيه التغيير بحذر، وكونك مختلفاً يعرضك لخطر أن تكون غريباً، حتى لو كنت تشاركهم الدم نفسه والقبيلة نفسها. على النقيض من ذلك، يوفر المجتمع الفلبيني، المعروف بانفتاحه وطبيعته الشتاتية، إحساساً أكثر مرونة بالهوية والانتماء.
تعد أبحاثي بمثابة شريان الحياة الذي يربطني بشعبي وأرضي، إلا أن مظهري وبعدي، كوني أُقيم في مسقط، يثيران أحياناً إحساساً بأنني دخيلة على تراثي الظفاري. أتقدم بحذر، واضعةً في اعتباري كيفية تقديم نفسي ومشاركة رؤاي، وأسعى دوماً لاحترام التعقيدات التي تكتنف هويتي وتجاوزها.
فاطمة تلف قطعة قماش على شجرة لبان في محافظة ظفار، عُمان. (صورة من جلال فلمبان)
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما هو مغزى الثقافة الجبالية في محافظة ظفار، ومدى أهميتها في المشهد الثقافي العماني؟
فاطمة: باعتبارها بلداً تطل على البحر، تتمتع سلطنة عُمان بتاريخ طويل من الانخراط مع الثقافات المتنوعة. وتتباهى كل منطقة في عُمان بلهجتها ولباسها ومأكولاتها وتقاليدها وعاداتها المميزة. وهناك ما يزيد على تسع لغات تنطق بها المجتمعات العرقية المحلية والإقليمية المتنوعة، وقد تعرضت، ضمن دائرتي الخاصة، لسبع من هذه اللغات.
تحتل اللغة الشحرية، وهي اللغة الأصلية لسكان المنطقة الجنوبية من عُمان، أهمية خاصة بالنسبة لي. فهي اللغة الأم لوالدي وجدتي. ليس للشحرية صيغة مكتوبة، وتم الحفاظ عليها شفوياً على مر الأجيال. ومع انتشار استخدام اللغة العربية على نطاق واسع، يتضاءل عدد الذين يتحدثون اللغة الشحرية بطلاقة. إنها لغة فريدة من نوعها، واحتوائها على حروف وأصوات لا توجد في أي نظام لغوي آخر أعرفه. إنها لغة صعبة على المتحدثين الجدد. بدأت في تعلمها في فبراير/شباط 2024، وما زلت أجد صعوبة في نطق بعض الأحرف!
تجسد الثقافة الجبالية ارتباطاً وثيقاً بالأرض. فالأرض تربط الناس بأجدادهم، وتوفر لهم الدواء، وتشكل مصدراً حيوياً للرزق لهم ولحيواناتهم الرعوية (خاصة الإبل والماعز والأبقار). والأرض في ثقافتهم أكثر من مجرد عقار أو مصدر دخل، فهم معروفون بحرصهم على حمايتها. ومع ذلك، ستجد شاليهات في الجبال متاحة للاستئجار من قبل السياح.
تعد الجهود المبذولة لتوثيق اللغة وإحيائها ضرورية لضمان بقاء الثقافة الجبالية، ونقلها إلى الأجيال القادمة. لقد تم تناقل المعلومات والقصص والتعاليم والحكم والشعر عبر التقاليد الشفوية. إن الحفاظ على تكامل اللغة وإحيائها، سيساعدنا في الكشف عن الأدبيات الأصلية التي انفردنا بها في منطقتنا قبل الحقبة الاستعمارية.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: لقد وصفت رهينة بأنها أنشودة للتراث الظفاري. كيف تدمجين عناصر الثقافة الظفارية في تصميم مجوهراتك، وما هي الرسالة التي تأملين التعبير عنها من خلال إبداعاتك؟
فاطمة: أحد الأشياء التي أبهرتني في المجوهرات العُمانية هو التعامل مع كل قطعة على أنها كائن حي. كل قطعة لها اسم وهدف وقصة خاصة بها.
“العصابة” هي غطاء للرأس ترتديه العازبات من شقيقات العريس أو بنات عمه من الدرجة الأولى في حفلات الزفاف؛ وتهدف هذه القطعة لسهولة تمييز تلك الفتيات. لديّ قطعتي الخاصة اشترتها لي أُمي، وكنت أحبّ إخراجها وارتداءها. كما أحببت مشاركتها مع بنات عائلتي في المناسبات التي لم أستطع فيها الحضور وارتداءها بنفسي.
هذا الارتباط العاطفي بالقطعة التي ترتديها هو ما أريد استحضاره من خلال “رهينة” كبديل للموضة السريعة – إنها شيء معنوي وذو مغزى، شيء نعتز به بدلاً من اكتنازه.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما هي الجهود المبذولة حالياً للحفاظ على الثقافة الجبالية في محافظة ظفار والاحتفاء بها؟
فاطمة: تعد عملية نشر قاموس اللغة الشحرية عام 2014، بأبجديته الجديدة التي تضم أصواتاً غير موجودة بين الأحرف العربية، خطوة هامة في الحفاظ على اللغة.
تمت كتابة العديد من الأبحاث والكتب حول موضوعات متنوعة، تتراوح بين رسومات الكهوف وألعاب الأطفال، إلى التاريخ السياسي واللغة والطقوس والفولكلور. ومن أبرز هذه الاصدارات دليل نباتات ظفار، الذي يتناول الخصائص العلمية لهذه النباتات وأهميتها الثقافية، بما في ذلك استخداماتها المحلية والاسم الشحري لكل نبات.
تعمل المبادرات السياحية التي يقودها المجتمع المحلي مثل مبادرة غُدو على إشراك السكان المحليين في الأنشطة التي تعرض تقاليدهم. كما أن ترميم المنازل التاريخية، مثل بيت كوفان، لأغراض السياحة يعزز التبادل الثقافي. وبالمثل، تجسد دار عبد العزيز الرواس، وهي مسكن خاص، مثالاً يحتذى في الحفاظ على الهندسة المعمارية من خلال المزج بين الطرازين الإسلامي والظفاري. وتسلط المتاحف في جميع أنحاء عُمان الضوء، بشكل متزايد، على القطع الأثرية المحلية، وهذا ما يثري فهم الجماهير للتقاليد الظفارية وتقديرهم لها.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: هل يمكنك مشاركة أية تجارب أو تفاعلات بارزة مررت بها أثناء عملك في إحياء التراث الظفاري من خلال عملك في تصميم المجوهرات؟
فاطمة: خلال شهر رمضان عام 2024، تطوعت لجمع التبرعات لصالح غزة من خلال بيع الكتب، ودار حديث بيني وبين سيدة كانت تساعدني. تعرفت عليّ من حسابي التجاري، وسألتني عن مشاركتي مع المتحف البريطاني.
لقد روت لي قصة مؤثرة، قامت عمتها البريطانية، وهي من المعجبين المخلصين بالثقافة العُمانية والفضة، برحلة خاصة إلى لندن للاحتفال بعيد ميلادها السبعين بزيارة معرض “تركن بصمتهن: صائغات الفضة من عُمان” الذي أقيم عام 2023، والذي ضم بعض أعمالي.
قالت إنها أمضت وقتاً رائعاً واستمتعت بالمعرض. على الرغم من العدد الهائل من زوار المتحف البريطاني كل عام، إلا أن هذه القصة الشخصية بالذات منحتني الشعور بالتقدير العميق والفهم الحقيقي. لقد ذكرتني بالسبب الجوهري الذي يدفعني للإبداع – لأجل أشخاص مثلها.
تذكرني هذه اللقاءات كيف أن مجوهراتي، بالإضافة إلى كل ابتكار أقوم بإحيائه، هو بمثابة تكريم صادق، نابع من القلب، أقدمه لأسلافي، والحوارات العميقة التي أجريها معهم. وعلى الرغم من افتقاري لخلفية علمية في مجال التصميم، وكوني جديدة نسبياً في هذا المجال، إلا أنني في كل مرة أصنع فيها قطعة أو أصوغ هوية لعلامة تجارية، ينتابني شعور فطري لا يمكن إنكاره. يبدو الأمر وكأنني انتقل لفضاء تطفو على سطحه ذكريات الأجداد، وتدعوني لاستكشافها والتعبير عنها من جديد.
في مئة يوم فقط، أعاد ترامب تشكيل الرئاسة الأميركية على صورته من خلال سيل من الأوامر التنفيذية، ومواجهات مع القضاء والإعلام، وحروب تجارية عالمية أثارت مخاوف جدية من نزوع نحو السلطوية في الولايات المتحدة.
في ظل تزايد التوترات الإقليمية، تستعد الولايات المتحدة وإيران لبدء محادثات في سلطنة عُمان، ضمن مقاربة أميركية تجمع بين الحزم العسكري والانفتاح الدبلوماسي، في محاولة لإعادة صياغة العلاقة مع طهران.
في ولايته الثانية، يشنّ ترمب هجوماً غير مسبوق على القضاء والصحافة والجامعات، ويقود الولايات المتحدة نحو استبداد مقنّع يتستر خلف واجهة ديمقراطية.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.