يجري العمل على إصلاحات ضخمة في منطقة الخليج، ممثلة في برنامج التحول الوطني السعودي والرؤية لعام 2030، ما يعطي الانطباع بتحرك سريع. إنها تغيرات مهمة لا يمكن إنكارها. ولكن مع ما حققته اتفاقية منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك OPEC حتى الآن في رفع أسعار النفط، هناك خطورة بأن الإصلاح النمطي في طريقه إلى التوقف عندما ينحسر الشعور بضرورة التغيرات غير المريحة. وينطبق هذا بشكل خاص على كافة قطاعات الطاقة الضرورية. أولاً، لقد كان هنالك تقدمٌ ملحوظٌ حتى الآن. الاتفاق بين أوبك والدول الرائدة المنتجة للنفط من خارج أوبك والتي أبرزها روسيا ومن بينها دول مجلس التعاون الخليجي عُمان والبحرين أفضى إلى زيادة الأسعار وخفض المخزونات المتضخمة. هناك الآن محاولات لتنظيم هذا الأمر في ترتيب طويل الأمد، حيث يتحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن “اتفاق لمدة 10 إلى 20 سنة“.
تمت إعادة هيكلة شركات النفط الوطنية. كان أبرز العناوين جذبًا هو الخطط المطولة للاكتتاب العام الأولي البالغ 5 في المئة من شركة أرامكو السعودية. حتى وإن كان هذا ما زال في طور الإعداد، فقد أدى إلى تجديد ثقافة الشركة وتنظيمها.
بعد فترة طويلة من الركود والتنظيم البطيء الحركة، حان الوقت لمزيد من التغيير التحويلي لشركة بترول أبو ظبي الوطنية ADNOC. كان الانتهاء المتزامن لتسوياتها الرئيسية من 2014 إلى 2018 يعني أن التجديد كان مطلوبًا، لكن المجلس الأعلى للبترول في الإمارة انتهز الفرصة لتنويع انتشار شركائه من عمالقة الغرب (أكبر شركات النفط والغاز المتداولة علنًا، مثل شركة شل وإكسون موبيل) والمشترين اليابانيين منذ فترة طويلة، إلى تعزيز تمثيل عملائها الرئيسيين والأسواق النامية في الصين والهند وكوريا الجنوبية. فقد تحركت ADNOC للتوزيع بسرعة، وهي ذراع المجلس لبيع الوقود بالتجزئة، وباعت 10٪ من أسهمها في سوق الصرف المحلي في كانون الأول/ ديسمبر 2017. تم توسيع شركة الثروة السيادية “مبادلة”، وهي مستثمر رئيسي في مجال الطاقة، بشكل كبير من خلال اندماجها في أوائل عام 2017 مع شركة الاستثمارات البترولية الدولية، بما في ذلك محطة تكرير ومستودعات بتروكيماويات ضخمة، وفي مارس 2018 عندما تم دمجها مع مجلس أبو ظبي للاستثمار. وتم وضع سلطة مياه وكهرباء أبو ظبي ومكتب التنظيم والرقابة تحت إدارة جديدة للطاقة.
الكويت، التي طالما كانت مقبرة للمستثمر، تقدمت فيها أخيرًا بعض المشاريع الكبرى مثل: تحسينات في قطاع التكرير، ومحطة جديدة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، وتطوير النفط الثقيل، وإنتاج الغاز الحامض العميق من شمال الكويت. وأصبحت شركتا BP و Shell تتعاونان بهدوء في ظل اتفاقيات الخدمات الفنية. قامت قطر بدمج شركتي الغاز الطبيعي المسال للحصول على كفاءات ومضت قدمًا في استئناف التنمية في حقل الشمال الذي سيستعيد مكانته كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم في أوائل عام 2020. وأعلنت البحرين مؤخرًا عن اكتشاف كبير للنفط المضغوط والغازات العميقة في البحر، إلا أن استثمارها تجاريًّا ما زال في طور التأسيس.
كما كان إصلاح الدعم المالي للطاقة موضوعًا واسع الانتشار. فقد تم رفع أسعار الوقود والكهرباء والماء في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، وإن كان ذلك في بعض الحالات بمستويات منخفضة للغاية، ولا يزال غير متكافئ دائمًا مع مستوى السوق العالمية. لقد تم رفع أسعار الغاز الطبيعي للطاقة والصناعة في المملكة العربية السعودية والبحرين وعمان. وقد تم التخفيف من تأثير ارتفاع فواتير الطاقة على المواطنين السعوديين ذوي الدخل المنخفض عن طريق مدفوعات في حسابات المواطن، وهو ما يشبه إلى حد ما، بالرغم من أنها أكثر تركيزًا، المساعدات النقدية التي قدمتها إيران عندما رفعت أسعار الطاقة عام 2010. في أبو ظبي، ما زالت الزيادات تُبقي على أسعار الكهرباء والماء للمواطنين أقل من الثلث بالنسبة لما يدفعه الوافدون. أسعار البنزين الآن بمستوى المستويات الدولية في جميع دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء الكويت، في حين أن أسعار الديزل لا تزال مدعومة بشدة في المملكة العربية السعودية، وتحت المستويات العالمية في الكويت والبحرين وقطر.
يجري العمل بشكل فعلي على انتشار الطاقة المتجددة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبدأ يتسارع في أماكن أخرى، وذلك بإدخال مشروع سكاكا للطاقة الكهروضوئية الشمسية بقدرة إنتاجية مقدارها 300 ميجاواط في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى طرح مزيد من المناقصات تصل طاقتها الإنتاجية إلى 3.3 جيجاواط من الطاقة الشمسية وغير الشمسية، ومشاريع طاقة الرياح في البحرين والكويت وعُمان. وقد تم نشر برامج الطاقة الشمسية على السطوح، وهو ما وفر الضوابط، والقياس الصافي عادة (توازن ذاتي التوليد مقابل استهلاك الكهرباء) للشركات والمساكن في سلطنة عمان ودبي وأبو ظبي، وقد تم التخطيط لهذه السنة في المملكة العربية السعودية. وقد جذب مشروع الرياض للطاقة الشمسية الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 200 جيجاواط في الرياض مع شركة “سوفت بانك” الكثير من الاهتمام، وتعتبر خطواته القصيرة الأجل علامات ملموسة جدًّا على الالتزام. أما قطر الغنية بالغاز فقد تقدمت قليلاً في هذا المجال حتى الآن. وفي الاقتصاد الأوسع، تم إدخال مجموعة متنوعة من التخفيضات في الميزانية وتدابير زيادة العائدات إلى العجز الضئيل، بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمئة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والضرائب السعودية على الأراضي غير المستخدمة والمشروبات الغازية والمعالين المغتربين.
يبدو هذا كله وكأنه كثير. لكن ارتفاع أسعار النفط أضعف الحاجة الماسة للإصلاح، مع شعور واسع الانتشار بين صناع السياسة بأن وراءها ما هو أسوأ. وعلق خالد الفالح، وزير الطاقة والصناعة والمعادن السعودي، بأن استمرار خفض الإنتاج سيبقي السوق “مستقرة”، في حين ارتفعت أسعار خام برنت من أدنى حد 45 دولاراً للبرميل في حزيران/ يونيو 2017 إلى حوالي 67 دولاراً للبرميل الواحد في نيسان/ أبريل. إن فكرة اتفاقية طويلة الأمد بين الدول الأعضاء في أوبك والدول غير الأعضاء فيها تنطوي على إستراتيجية تهدف إلى ارتفاع الأسعار والحد من النمو في الإنتاج على المدى القصير والمتوسط، على حساب خسارة الأسواق وتسريع الانتقال إلى التقنيات غير النفطية في المدى الطويل. فهذا يجعل التنويع أكثر إلحاحًا الآن. وبالمقابل، إذا فشل الاتفاق أو إذا أدى النمو القوي للنفط الصخري الأمريكي أو التباطؤ في الاقتصاد العالمي إلى زيادة العرض في السوق، فربما تنخفض المكاسب الأخيرة في الأسعار، وتعطي دفعة جديدة للإصلاح.
لقد واجهت دول مجلس التعاون الخليجي، حتى البحرين وسلطنة عمان المهملتان، مشكلات صغيرة في زيادة الديون الميسرة. في مواجهة الركود في الاقتصاد غير النفطي والسخط الشعبي، ومدعومة من المكاسب الأخيرة في أسعار النفط، خففت المملكة العربية السعودية برامجها التقشفية، واستعادت علاواتها، وألغت تخفيضات الرواتب، وقدمت مدفوعات لمرة واحدة للطلاب في الخارج، وأعلنت في كانون الثاني/ يناير أن ذلك كلف حوالي 13 مليار دولار. لقد تم إرجاء خطة الموازنة المتوازنة بحلول عام 2020 إلى عام 2023، وحتى هذا يعتمد على تنامي الإنتاج النفطي إلى 11.03 مليون برميل يوميًّا، ووصول أسعار النفط إلى 75 دولارًا للبرميل. ليس من الواضح كيف يتوافق هذان الرقمان مع الالتزام المستمر بضبط النفس في ظل الإحجام عن التوصل إلى اتفاقية بين الدول الأعضاء وغير الأعضاء في (أوبك)، أو التأثير المحتمل لارتفاع الأسعار في الطلب العالمي والتنافس في العرض. في الحقيقة، الإصلاح الجوهري لضمان المتانة في مواجهة تكرار انخفاض أسعار النفط وتآكل طويل الأجل لأهمية النفط في الاقتصاد العالمي سوف يكون له عدة مكونات.
من المعترف به رسميًّا الآن أن الاكتتاب العام لأرامكو السعودية لن يتم قبل 2019. لا بد من اتخاذ القرارات قريبًا لضمان أن يحدث هذا في بورصة دولية رائدة، ربما لندن، إلى جانب “تداول”، خلال عملية ارتقائها إلى حالة السوق الناشئة. لم تغير منح الترخيص الجديدة في أبو ظبي وقطر الهيكل التنظيمي، ولكنها قدمت ببساطة مجموعة من الشركات القائمة بعد تعديلها على المدى الطويل. لكن الخطط في أبو ظبي، ورأس الخيمة الأصغر حجمًا، لعطاءات المزايدة المفتوحة لمناطق التنقيب الجديدة مشجعة. ولا تزال الخصخصة حتى الآن ضئيلة ومقتصرة على حصص الأقلية. وقد قدمت كل من الكويت وعُمان قوائم موسّعة بالشركات المخصّصة للخصخصة، بما في ذلك التكرير، والبتروكيماويات، والحفر، والخدمات النفطية، والصهاريج، وتجارة الوقود، وتوليد الطاقة، والحاجة إلى المضي قدمًا. وبالمثل، فقد حان الوقت للتحرك ضمن مخطط لحل الشركة السعودية للكهرباء وبيعها للمواطنين المحليين أو الشركات الشريكة. تعد شبكات الكهرباء وخطوط الأنابيب من المرشحين المثاليين للمستثمرين الأجانب في جميع أنحاء المنطقة.
استمرت الصناعات الأخرى التي تعتمد على الطاقة المكثفة أو الاستخراج، مثل الصناعات البتروكيماوية والصلب والأسمنت والألمنيوم والتعدين، في التوسع، وفي بعض الأحيان إلى منتجات أكثر تطورًا، ولكنها لا تزال إلى حد كبير على نفس الخطوط الخاضعة لتوجيهات الدولة. ومن شأن المزيد من الخصخصة وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة والوافدين الدوليين أن يقلل من تعرض الدولة لتقلبات أسعار الطاقة والسلع، في حين يعزز ذلك من إنتاج القطاع الخاص وخلق فرص العمل.
لم تؤدِّ الزيادات في أسعار الغاز الطبيعي وأسعار الوقود والكهرباء المحلية إلى إنشاء سوق حرة للطاقة في دول الخليج. وتتمثل الخطوة التالية في ربط الأسعار الرئيسية بالمعايير الدولية، ثم تدريجيًّا تحرير أسعار منتجات الطاقة الرئيسية وتجارتها واستيرادها وتصديرها. تعمل الحواجز السياسية والتجارية على منع التوسع الكامل لتجارة الغاز والكهرباء داخل دول مجلس التعاون الخليجي ومع جيرانها القريبين، ولكن يجب تشجيعها ذلك كلما كان ممكنًا، مع استخدام أوسع على سبيل المثال لشبكة الكهرباء في دول مجلس التعاون الخليجي، والمزيد من الربط في شبكات الغاز.
لقد أدت الفترة الأخيرة من انخفاض أسعار النفط إلى إعادة هيكلة هامة ومتواصلة لقطاع الطاقة في كل دول مجلس التعاون الخليجي، وإن كان في بعض الدول أكثر من غيرها. الآن، هنالك حاجة إلى إعادة تفكير جذري في أداء اقتصاد الطاقة من أجل تحقيق أقصى فائدة من إستراتيجية أوبك الحالية. على خلاف الحلقات السابقة لإصلاح منتجي النفط، يجب أن تظل الحاجة ملحة هذه المرة حتى ولو عادت الأسعار إلى وضعها الطبيعي في الوقت الراهن.