ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
خلال “زيارة عمل” إلى موسكو، التقى ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في الأول من حزيران/يونيو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد وقع القائدان إعلانًا للشراكة الإستراتيجية بين روسيا والإمارات العربية المتحدة. وبعد أسبوعين، التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بوتين في موسكو، حيث شاهدا المباراة الافتتاحية لبطولة كأس العالم لكرة القدم، والتي فازت فيها روسيا على السعودية بنتيجة 5 – صفر. غير أن ما يكتسي أهمية أطول أمدًا من نتيجة هذه المباراة، هو ما تردد بأن السعودية وروسيا اتفقتا على ضرورة تمديد الاتفاق الموقع بين دول الأعضاء وغير الأعضاء في منظمة الأوبك للحدّ من إنتاج النفط بغية دعم ارتفاع أسعار النفط لغاية عام 2019 وما بعده. وتُعتبر الزيارتان إلى موسكو مؤشرات إضافية على أن السعودية والإمارات مصممتان على زيادة التعاون مع روسيا في وقت تشهد فيه العلاقات بين موسكو والغرب تعقيدات كثيرة.
وتريد الإمارات والسعودية توطيد العلاقات مع روسيا بشكل أساسي كوسيلة لإرساء التوازن في علاقة هذه الأخيرة بإيران. وفي حين أن تقاربهما من بوتين لا يهدف إلى التأثير على أولوية علاقتهما الطويلة الأمد مع الولايات المتحدة، إلا أنه يرمي إلى بعث رسالة إلى واشنطن. وفي وقت تعود فيه روسيا بشكل حازم إلى الشرق الأوسط، تهدف الإمارات والسعودية إلى تطوير علاقات أفضل مع بوتين وتعزيز جهودهما لخلق مسافة بين موسكو وطهران. علاوةً على ذلك، يتمثل الهدف الكامن خلف تعاون الرياض وأبوظبي مع موسكو (سواء في مجالات النفط أو الأسلحة أو التجارة) في حث روسيا على أخذ مصالحهما في الحسبان بشكل أكبر وضمان أن تفهم طهران أن الدول الخليجية لديها مصالح مشتركة كبيرة مع موسكو أيضًا.
ويُعتبر إعلان الشراكة الإستراتيجية الروسي-الإماراتي الاتفاق الأول من هذا النوع بين موسكو ودولة خليجية. ورغم أن هذه الوثيقة لا تخوض في التفاصيل، إلا أنها تدعو إلى: التعاون في المعركة ضد الإرهاب والتطرف (بما فيه تدريب العناصر)؛ وتكثيف المشاورات حول الأمن والدفاع؛ وتعزيز الروابط التجارية والاقتصادية (بما فيه من خلال تطوير التعاون بين المصارف)؛ والتعاون في مجالات المواد الهيدروكربونية والطاقة الذرية وحتى صناعة الألمنيوم. ومن الناحية التي ترمي إلى أن تكون تأنيبًا لإدارة الرئيس دونالد جي. ترامب، يدعو الاتفاق إلى زيادة استعمال الغاز الطبيعي والوقود النظيف “مع استهداف الحدّ من انبعاثات غاز الدفيئة بالتوافق مع اتفاق باريس للمناخ”، الذي أعلنت إدارة ترامب أنها ستنسحب منه.
وفي حين أن الولايات المتحدة هي المنافس الوحيد للسعودية وروسيا في مستويات إنتاج النفط، قد يكون التعاون بين الرياض وموسكو في إنتاج النفط أكثر أهمية من الاتفاق بين الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الأوبك، الذي يشمل العديد من المنتجين الأصغر حجمًا. وبالتالي، قد يحدّد التعاون السعودي-الروسي في مجال وضع قيود على إنتاج النفط أجندة الاجتماع المقبل لمنظمة الأوبك في فيينا، حيث ستتمّ مناقشة الاتفاق المذكور. فضلًا عن ذلك، قد تشير صور محمد بن سلمان وبوتين يشاهدان مباراة كرة القدم بين السعودية وروسيا إلى تقارب في العلاقة بينهما لا أثر له بين بوتين والقادة الغربيين.
غير أن تحسّن علاقات السعودية والإمارات مع موسكو لا يعني بالضرورة أن الدولتين الخليجيتين تبتعدان عن واشنطن. فهاتان الدولتان الخليجيتان تتمتعان بدرجات من التعاون الأمني والاقتصادي مع الولايات المتحدة والغرب أكبر بكثير منه مع روسيا، ومن المستبعد أن ينتهي ذلك. وبالفعل، وفي ظل دعوة ترامب إلى إعادة ضم روسيا إلى مجموعة الدول السبع (حيث تمّ تعليق عضوية موسكو في مجموعة الدول الثماني بعد استيلاء بوتين على جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014)، من بين مبادرات أخرى، يبدو أن ترامب يحاول أيضًا تحسين العلاقات مع بوتين.
لكن برزت أساسًا بعض المؤشرات على أن إدارة ترامب قد ترغب في الحدّ من مدى الصداقة التي تجمع السعودية والإمارات وغيرهما من الدول العربية بموسكو. فخلال جلسة تصديق تعيينه كمساعد لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى أمام مجلس الشيوخ في 14 حزيران/يونيو، ذكر ديفيد شنكر أن أي عمليات شراء أسلحة من روسيا من قبل دول شرق أوسطية تعتبر انتهاكًا للعقوبات الأمريكية المفروضة على مصنعي الأسلحة الروس، وأنه سيبذل جهده لمنع إتمامها. وفي حال واصلت إدارة ترامب انتهاج هذا الخط، ستضطر الرياض إلى الاختيار بين التخلي عن خططها لشراء صواريخ الدفاع الجوي الروسية من نوع أس-400 أو الاصطدام بالعقوبات الأمريكية. وبدورها ستواجه الإمارات، التي لطالما اشترت الأسلحة الروسية، معضلة مماثلة. لكن شراء بعض الأسلحة من روسيا لا يعني أن الإمارات والسعودية تعتزمان إنهاء، أو حتى خفض، اعتمادهما الرئيسي لشراء الأسلحة على مزودين من الولايات المتحدة وآخرين من دول الغرب. وبالفعل، قد يكون الأمر مجرد إستراتيجية لتشجيع واشنطن على بيع المزيد من الأسلحة المتطورة إلى دول الخليج. لكن ليس واضحًا ما إذا كان البيت الأبيض يدرك كيف سيؤثر التعارض بين السعي إلى تحسين علاقات الولايات المتحدة بروسيا ومحاولة الحدّ من تفاعل دول الخليج مع موسكو في الوقت نفسه سلبًا على العلاقات الأمريكية-الخليجية.