ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
قد تكون الحملة المتسارعة للسعودية لإحياء نفوذها في العراق قد تعززت بشكل كبير من خلال نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية في الثاني عشر من أيار/ مايو. لكن الرياض ستستمر في مواجهة عقبات كبيرة لتعزيز موقفها وإضعاف نفوذ إيران في البلاد، والسبب الأهم هو أن دور الولايات المتحدة في العراق أصبح محفوفًا بالمخاطر بصورة متزايدة. في حين طورت واشنطن وطهران ببطء سبلاً فعالة للتعايش فيما بينهما في العراق، وخصوصا بعد انتخابات 2010، ومع بزوغ الدولة الإسلامية في العراق والشام، وجدت السعودية نفسها خارج اللعبة السياسية في العراق. لكن ابتداءً من عام 2015، بدأت الرياض باستعادة علاقاتها مع العراق، وخاصة مع العناصر الأكثر وطنية بين زعماء الشيعة السياسيين. وحافظت واشنطن وطهران على بعض أشكال التعاون الأساسية بينما كانت المعركة مستمرة ضد تنظيم داعش، ولكن مع الهزيمة المدوية لداعش ومواجهة إيران لحملة من أقصى الضغوطات بقيادة واشنطن، اتضح أن السعودية تشعر بوجود فرصة كبيرة للحد من نفوذ إيران الذي كان كاسحًا في معظم العراق من خلال تعزيز الهوية العربية الوطنية البارزة الأوسع في البلاد، وتحقيق نصر إقليمي كبير.
نتيجة للانتخابات، سيكون الائتلاف الأكبر في البرلمان، والحاصل على 54 مقعدًا، عبارة عن تحالف يقوده رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ذو الشعبية العالية، ويتسم الائتلاف باتساع قاعدته بحيث يضم النواب الشيوعيين المنتخبين الثلاثة. هذه أخبار سارة للرياض، كون الصدر قد طور علاقات مهمة مع الحلفاء السعوديين في العراق وقام بزيارة للمملكة العربية السعودية حظيت بتغطية إعلامية كبيرة عام 2017. كما قام الصدر بزيارة الكويت في 29 أيار/ مايو، ما يؤكد على علاقاته المتنامية مع دول الخليج العربية. إن وطنية الصدر تضعه في موقع المؤيد لإعادة اندماج العراق مع العالم العربي، وبالتالي يكون حليفًا حيويًّا محتملاً لبعض الأهداف السعودية في العراق.
كان الصدر معروفًا بشكل أساسي بخطاباته الغاضبة المناهضة للأمريكان، وشوفينيته الطائفية الشيعية، وقيادته لميليشيا سيئة الصيت بارتكاب جرائم مشينة ضد العراقيين السُّنة، وقد أعاد طرح نفسه في السنوات الأخيرة كشخصية قومية وشعبية. إنه منتقد لاذع لكل من إيران والولايات المتحدة، غاضبٌ على هاتين القوتين الخارجيتين اللتين هيمنتا على السياسة العراقية على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية. وقد أغرت مواقف الصدر الشعبية السُّنة العراقيين، ما سمح له بتوسيع دائرته الانتخابية من المناطق الحضرية، والفقيرة في الأساس، والمناطق الشيعية. إلى جانب رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، الذي قدم نفسه أيضاً كقومي عراقي وحليف للمملكة العربية السعودية ودول خليجية وعربية أخرى، فإن أجندة الصدر في الأشهر الأخيرة انسجمت مع الحملة السعودية لتشجيع القومية العراقية وشخصيتها العربية باعتبارها ثقلاً موازِنًا للسياسات الطائفية الشيعية الموالية لإيران.
ورغم أن الصدر معروف بآرائه الزئبقية (المتقلبة)، وكغيره من الشعبويين الآخرين، لديه تاريخ طويل من تغيير المواقف بسرعة ودون سابق إنذار، فمن المرجح أن الرياض سوف تسعد بنبأ فوزه مهما كان صغيرًا. ومما لا شك فيه أنه من المشجع أيضًا أن تحالف العبادي جاء في المرتبة الثالثة بمجموع 42 مقعدًا. ومع ذلك، تم تأمين ثاني أكبر كتلة في البرلمان، بـ 47 مقعدًا لصالح ائتلاف (الفتح)، الذي يمثل جوهريًّا المصالح المتشددة الموالية لإيران في العراق، بما في ذلك ميليشيات قوات الحشد الشعبي الشهيرة. ويمثل الفتح، بقيادة زعيم الميليشيات الشيعية الطائفية هادي العامري، كل ما تخشاه الرياض ولا تثق به في العراق، وعلى الأخص التزامه الراسخ بالنظرة الإيرانية للعالم والتطرف الشيعي القائم على العُنف.
ولتشكيل حكومة، هناك حاجة إلى 165 صوتًا للحصول على أغلبية برلمانية يمكنها أن تنجو من اقتراع على الثقة. وهذا يعني أن هناك نتيجتين محتملتين أساسًا للمناورات السياسية المطولة خلف الكواليس والتي تتلو كل انتخابات عراقية. لأنه سيكون من الصعب تجميع 165 صوتًا دون تجمع الصدر، فمن المرجح أنه سيكون في مركز الحكومة المقبلة بالرغم من أنه لم يسع للبرلمان بنفسه. يمكنه أن يتحد مع تجمع العبادي أو الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومة جديدة من المرجح أن تكون مستقلة نسبيًّا عن النفوذ الإيراني وتتقبل العروض من الرياض وبقية العالم العربي.
كل ذلك يبدو جيدًا من وجهة النظر السعودية؛ ولكن ليس كذلك بالنسبة للولايات المتحدة. الشيء الوحيد الذي لا يتراجع عنه الصدر أبدًا هو معاداته لأميركا ومطالبته بأن تغادر جميع القوات الأمريكية العراق في أسرع وقت ممكن. لا يوجد أي دليل على أن ذلك الموقف سوف يتغير، ومن البديهي أن أي حكومة تجمع من أتباعه ستحاول طرد القوات الأمريكية من البلاد بدلاً من التعاون معها. ونظرًا لانتهاء الاتفاق النووي الإيراني وارتفاع وتيرة ضغوط واشنطن على طهران، فإن حكومة موالية لإيران، بقيادة الفتح لن تحصل على المزيد من التعاطف، خاصة أن إيران ستكون أكثر تصميمًا من أي وقت مضى على الدفاع عن مصالحها في العراق. لكن هذه ليست مشكلة لواشنطن فحسب. بل من المتوقع أن يسبب هذا الأمر صداعًا خطيرًا للرياض أيضًا.
لسنوات عِدة، كان الاستقرار في العراق يعتمد على نوع من التعاون النسبي بين واشنطن وطهران إلى جانب المنافسة بينهما. ولكن في فترة ما بعد داعش، وخاصة في أجواء ما بعد الاتفاق النووي، تبخرت أُسُس هذا التعاون، وبالتالي فإن المنافسة، وربما بعض أشكال المواجهة، أصبحت هي الاحتمال الأكبر. لقد ناورت كل من الرياض وواشنطن في الأشهر الأخيرة لتأمين تعاون كل منهما في العراق. وهذا ضروري إذا أرادت الأجندات السعودية والأمريكية أن تثبت فاعليتها. في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2017، أكد وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز على ضرورة التعاون في العراق لردع الهيمنة الإقليمية الإيرانية المتنامية، في حين وصلت الاستثمارات السعودية والتوسع السياسي في العراق إلى مستويات جديدة من الكثافة والفاعلية. وكانت واشنطن تراهن على ولاية أخرى للعبادي، ولكن حتى لو تمكن من البقاء في منصبه، فسيكون تحت رعاية حلفاء الصدر أو إيران.
على الرغم من نتائج الانتخابات التي كانت سلبية إلى حد كبير من وجهة نظر إيرانية، لا يزال لدى إيران نفوذ في العراق أكثر من أي دولة أخرى. ومع ذلك، فإن مزيجًا من القوة الأمريكية الصارمة والناعمة في العراق مع القوة السعودية الناعمة و”اللزجة” (معظمها استثمارات) يمكنه أن يبرهن على أنه مزيج جبار بإمكانه أن يساعد القوميين العراقيين على كسب المزيد من الاستقلالية عن النفوذ الإيراني. لكن تأمين هذه الشراكة ومنعها من الضمور بمجرد بدء سريان مفعولها سيتطلب التغلب على عقبتين كبيرتين: إيجاد طريقة للمحافظة على الشراكة بين الولايات المتحدة والعراق المنهك في البلاد، ومنع الحكومة العراقية الجديدة، سواء كانت قومية أم ذات توجهات مؤيدة لإيران، من طرد القوات الأمريكية.
إن الإرث المرير للغزو والاحتلال الأمريكي عام 2003، والخطاب المناهض لأمريكا من أمثال الصدر والعامري، يعنيان أن واشنطن كانت، حقيقةً، أكبر الخاسرين في انتخابات 12 أيار/ مايو. من المرجح أن الحكومة الجديدة، ما لم تكن مؤيدة لإيران علانيةً، سوف تقدم للمملكة العربية السعودية فرصًا أكبر لزيادة انخراطها في العراق في الأشهر والسنوات المقبلة، ولمواصلة جذب العراق من جديد إلى الحظيرة العربية. ولكن من دون وجود قوي ومتواصل للولايات المتحدة في العراق، ستضعف كثيرًا قدرة الرياض على ردع نفوذ طهران. لذلك، وحسب مصالح المملكة العربية السعودية، فإنه من الضروري أن يشكل تحالف الصدر الحكومة المقبلة لتجد واشنطن طريقها للعمل مع حكومة يسيطر عليها أحد منتقديها القدماء. هذا ليس مستحيلاً بأي حال من الأحوال. لكنه سيكون اختبارًا مهمًا لمهارة السعودية الدبلوماسية والسياسية.